کتابخانه ادبیات عرب
و يقول: لأنّه لو التقت الياءان، أو الياء و الواو، لم يلزمني همز.
و النحويّون أجمعون غيره لا يختلفون في إجراء الياء، و الواو، و الياءين مجرى الواوين في هذا الباب، كما صدّرنا به أوّل الباب.
و علّتهم في ذلك ما وصفنا من التقاء المتشابهة و ذلك، لأنّهم يجيزون في النسب إلى «راية»، و «غاية»: «رائيّ»، و «غائيّ»، فيهمزون لاجتماع الياءات إن شاءوا. و لهذا باب نذكره فيه، فلذلك ذكرنا أحد وجوهه، ليستقصى في موضعه إن شاء اللّه.
و إنّما أخّرنا تفسير هذا، ليقع بابا على حياله مستقصى. و القول البيّن الواضح قول النحويّين لا قول أبي الحسن الأخفش؛ أ لا ترى أنّه يلزمك من همز الياء إذا وقعت طرفا ما يلزمك من همز الواو إذا وقعت طرفا بعد الألف، و أنّ الياء و الواو تظهران إذا وقع الإعراب على غيرهما؛ نحو: «سقاية»، و «شقاوة».
و ليس هذا من باب ما يقع من همز الواو إذا لقيها واو أوّل الكلمة و لا ممّا يناسبه.
و الدليل على ذلك أنّهما جميعا إذا تباعدتا من الطرف، لم يكن همز. و هذا يدلّ على أنّه من أجل الأواخر، لا من أجل الأوائل.
و لو بنيت مثل «فيعال» من: «كلّت» فقلت: «كيّال» لقلت في الجمع: «كياييل»، فلم تهمز؛ كما تقول: «طواويس».
***
هذا باب ما كان من الجمع على وزن فعّل و فعّال ممّا اعتلّت عينه
اعلم أنّ ما كان من هذا من ذوات الواو، فإنّ الأجود فيه أن تصحّ الواو و تظهر، و ذلك قولك على قول من قال في جمع «شاهد»: «شهّد»، و في «صائم»: «صوّم»، و «قائل»:
«قوّل». و كذلك جميع هذا الباب.
و قد يجوز أن تقلب الواو ياء، و ليس بالوجه، و لكن تشبيها بما اعتلّت لامه. و ذلك أنّك تقول في جمع «عات»: «عتيّ» لا يصلح غيره إذا كان جمعا.
فلمّا كان هذا الباب يقرب من الطرف، جاز تشبيهه بهذا الذي هو طرف، فتقول في «صائم»: «صيّم»، و «قائل»: «قيّل». و الوجه ما ذكرت لك أوّلا، و إنّ هذا تشبيه و مجاز.
فإن بنيته على «فعّال» ظهرت الواو، و لم يجز إلّا ذلك؛ لتباعدها من الطرف. و ذلك قولك: «صائم» و «صوّام»، و «قائل»: و «قوّال».
و هذا كنحو ما ذكرت لك في الجمع الذي قبله في صحّته إذا تباعد من الطرف.
فأمّا ما كان من الياء، فجار في البابين جميعا- «فعّل»، و «فعّال»- على الأصل.
تقول: «قوم بيّع»، و «بيّاع»، لا يكون إلّا ذلك.
و كذلك إن بنيت واحدا من الواو على «فعّل»، لم يجز القلب؛ لأنّ الوجه فيما اعتلت لامه فكانت واوا الثبات في الواحد؛ نحو قولك: «عتا يعتو عتوّا»- قال اللّه عزّ و جلّ:
وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً 228 .
فالواحد إذا كان الواو فيه عينا لازم لموضعه. و ذلك قولك: «رجل قوّل»؛ كما تقول:
«رجل حوّل قلّب»، لا يكون إلّا ذلك.
هذا باب ما كان من الجمع على «فعلة»
اعلم أنّ كلّ ما كان من هذا الجمع من بنات الياء، و الواو اللتين هما عينان فإنّ، الياء منه تجري على أصلها. و الواو إن ظهرت في واحده، ظهرت في الجمع.
فأمّا ما ظهرت فيه فقولك: «عود و عودة»، و «ثور و ثورة».
و أمّا ما قلبت فيه في الواحد، فقولك: «ديمة و ديم»، و «قامة و قيم».
فأما قولهم: «ثيرة»، فله علّة أخّرناها؛ لنذكرها في موضعها إن شاء اللّه.
***
هذا باب جمع ما كان على «فعل» من ذوات الياء و الواو اللتين هما عينان
فأدنى العدد فيه «أفعال»؛ إذ كان يكون ذلك في غير المعتلّ؛ نحو: «فرخ» و «أفراخ»، و «زند» و «أزناد».
فأمّا ما كان من الواو، فنحو قولك: «صوت» و «أصوات»، و «حوض» و «أحواض»، و «ثوب» و «أثواب»، و ما كان من الياء، ف «شيخ» و «أشياخ»، و «بيت» و «أبيات»، و «قيد» و «أقياد».
فإذا جاوزت الثلاثة إلى العشرة، فقد خرجت من أدنى العدد.
فما كان من الواو، فبابه «فعال». و ذلك قولك: «ثوب» و «ثياب»، و «حوض» و «حياض»، و «سوط» و «سياط». تنقلب الواو فيه ياء؛ لكسرة ما قبلها، و لأنّها كانت في الواحد ساكنة.
فإن كانت في الواحد متحرّكة ظهرت في الجمع؛ نحو قولك: «طويل» و «طوال»، و ما كان مثله.
أمّا ما كان من الياء، فإنّك تقول فيه، إذا جاوزت أدنى العدد: «فعول»؛ لأنّ «فعول»، و «فعال» يعتوران «فعل» من الصحيح. و ذلك قولك: «كعب» و «كعوب»، و «فلس» و «فلوس». و يكونان معا في الشيء الواحد؛ نحو «كعاب» و «كعوب»، و «فراخ» و «فروخ».
فلمّا استبدّت الواو ب «فعال» كراهية الضمّتين مع الواو، خصّت الياء ب «فعول» لئلّا يلتبسا. و ذلك قولك: «شيخ» و «شيوخ»، و «بيت» و «بيوت»، و «قيد» و «قيود».
فإن قال قائل: فلم لم يفصل بينهما في العدد الأقلّ؟
فإنّ الجواب في ذلك أنّهما تظهران في «أفعال»؛ فتعلم الواو من الياء. و ذلك قولك:
«أبيات»، و «أحواض». فكلّ واحد منهما بيّن من صاحبه؛ كما كان في «بيت»، و «حوض».
و إن احتاج شاعر، فجمع ما كان من باب «فعل»؛ و نحوه على «أفعل»، جاز ذلك؛ لأنّ باب «فعل» كان في الصحّة ل «أفعل»؛ نحو: «كلب» و «أكلب»، و «كعب» و «أكعب».
و كذلك ما كان نظيرا لهذا إذا اضطرّ إليه؛ كما قال [من الرجز]:
لكلّ عيش قد لبست أثوبا [ (1 )]
و مثل ذلك: «عين» و «أعين»، و «أعيان» جيّد على ما وصفت لك؛ قال [من الطويل]:
[37]-
و لكنّني أغدو عليّ مفاضة
دلاص كأعيان الجراد المنظّم
______________________________ (1) تقدم بالرقم 6.
(37)- التخريج: البيت ليزيد بن عبد المدان في شرح أبيات سيبويه 2/ 268؛ و لسان العرب 13/ 301 (عين)؛ و بلا نسبة في جمهرة اللغة ص 955؛ و لسان العرب 6/ 335 (قرش)؛ و المنصف 3/ 21، 51.
اللغة: المفاضة: الدرع السابغة، كأنها أفيضت على لابسها، و الدّلاص: البرّاقة.
المعنى: إنّه يغدو إلى القتال، و قد تحصّن بدرع يشبه حلقها من حيث الدقة و الزرقة عيون الجراد، و قد انتظم بعضه بجانب بعض.
الإعراب: «و لكنني»: الواو: بحسب ما قبلها، «لكنني»: حرف مشبه بالفعل، و النون: للوقاية، و الياء: ضمير المتكلم اسم (لكن) محله النصب. «أغدو»: فعل مضارع مرفوع، و علامة رفعه الضمة المقدرة على الواو للثقل، و الفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنا). «عليّ»: جار و مجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف للمبتدإ (مفاضة). «دلاص»: صفة ل (مفاضة). «كأعيان»: الكاف: اسم بمعنى مثل مبني علي الفتح في محل رفع صفة ثانية ل (مفاضة)، و «أعيان»: مضاف إليه. «الجراد»: مضاف إليه. «المنظّم»: صفة ل (الجراد) مجرورة.
و جملة «لكنني أغدو»: بحسب الواو. و جملة «أغدو»: خبر (لكن) محلها الرفع. و جملة «عليّ مفاضة» حال من فاعل (أغدو) محلها النصب.
و الشاهد فيه: جمعه (العين) على (أعيان)، و هو القياس، لأن الضمة تستثقل على الواو، و لكن المستعمل في الكلام (أعين) على قياس (فعل) في الصحيح.
و مثل: «أعين»، و «أثوب» قوله [من الرجز]:
[38]-
أنعت أعيارا رعين الخنزرا
أنعتهنّ آيرا و كمرا
و مثل «أعيان» قوله [من البسيط]:
[39]- 229
يا أضبعا أكلت آيار أحمرة
ففي البطون و قد راحت قراقير
______________________________ (38)- التخريج: الرجز بلا نسبة في لسان العرب 4/ 36 (أير)، 260 (خنزر)؛ و الكتاب 2/ 185.
اللغة: الأعيار جمع عير، و هو حمار الوحش. و الخنزر: اسم موضع، و آير: جمع أير، و الكمر:
جمع واحدته: كمرة، و هي رأس الأير.
المعنى: أصف بدقة و تفصيل حمرا وحشية ترعى في ذلك المكان.
الإعراب: «أنعت»: فعل مضارع مرفوع، و فاعله مستتر وجوبا تقديره (أنا). «أعيارا»: مفعول به.
«رعين»: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث، و النون: فاعل. «الخنزرا»: مفعول به على تقدير مضاف أي نبات الخنزرا، أو منصوب بنزع الخافض، و علامة نصبه الفتحة، و الألف: للإطلاق.
«أنعتهنّ»: فعل مضارع مرفوع، و فاعله مستتر وجوبا تقديره «أنا»، و «هن»: مفعول به. «آيرا»: بدل من (هن) في (أنعتهن) منصوب بالفتحة. «و كمرا»: الواو: حرف عطف، «كمرا»: اسم معطوف على (آيرا).
و جملة «أنعت»: ابتدائية لا محل لها. و جملة «أنعتهن»: استئنافية لا محل لها، و يمكن أن تكون حالا من فاعل، أو مفعول (أنعت) على تقدير: أنعت أعيارا خنزرا واصفا منهن كذا و كذا.
و الشاهد فيه: جمع (أير) على (أفعل) كما قالوا: أثوب، و القياس أن تبنى على (أفعال) ك (أبيات) و (أثواب).
(39)- التخريج: البيت لرجل من بني ضبة في الحيوان 6/ 447؛ و شرح شواهد الإيضاح ص 477؛ و لجرير الضبي في لسان العرب 4/ 36 (أير)؛ و بلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب 2/ 608.
المعنى: هجا قوما، فجعلهم في عظم البطون، و أكل خبيث الطعام كضباع أكلت ما ذكر، فصارت بطونها تقرقر.
الإعراب: «يا»: حرف نداء. «أضبعا»: منادى نكرة غير مقصودة منصوب. «أكلت»: فعل ماض مبني على الفتح، و التاء: للتأنيث لا محل لها، و الفاعل (هي). «آيار»: مفعول به. «أحمرة»: مضاف إليه. «ففي البطون»: الفاء: حرف استئناف، «في البطون»: جار و مجرور متعلقان بخبر مقدم للمبتدإ المؤخر (قراقير).
«و قد»: الواو: حالية، «قد»: حرف تحقيق. «راحت»: فعل ماض مبني على الفتح، و التاء: للتأنيث لا محل لها، و الفاعل مستتر جوازا تقديره (هي). «قراقير»: مبتدأ مؤخر.
و جملة «يا أضبعا»: ابتدائية لا محل لها. و جملة «أكلت»: صفة ل (أضبعا) محلها النصب. و جملة «في البطون قراقير»: استئنافية لا محل لها. و جملة «راحت»: حال من الضمير في خبر (قراقير) المحذوف.
و الشاهد فيه: جمعه (أير) على القياس، فقال: آيار، و وزنها أفعال، و الأصل (أأيار) خففت الهمزة الثانية بجعلها حرفا يجانس حركة ما قبلها.
هذا باب ما يصح من ذوات الياء و الواو لسكون ما قبله و ما بعده
و ذلك نحو: «قاول»، و «بايع»؛ لأنّ قبل الياء و الواو ألفا، فلو قلبتها، لصرت إلى علّة بعد علّة. فلا يجوز أن تغيّر حرف اللين بطرح حركته على ما قبله، إذا كان الذي قبله من حروف اللين.
و من ذلك ما كان على «فعّل»، و «فعّال»، و «فعّال»، و «أفعال». و ذلك قولك:
«رجل قوّل»، و «قوم قوّال»، و «رجل قوّال»، و «بيّاع». و كذلك: «أقياد»، و «أحوال».
و كلّ ما سكن ما قبله من هذا المنهاج و لم نذكره فهذا قياسه.
و أمّا قولهم: «أهوناء»، و «أبيناء»، و «أخونة»، و «أعينة» جمع «عيان»: و هي حديدة تكون في الفدان- فإنّما صحّحن؛ لأنّ أوّلهنّ زيادة الفعل، فصحّحن؛ ليفصل بين الاسم و الفعل. و قد مضى تفسير هذا.
و من هذا الباب: «ساير»، و «تساير القوم»، و «تقاولوا»، و «تبايعوا».