کتابخانه ادبیات عرب
و نظير الظرف في ذلك المصدر، و ما كان مثله من حشو الكلام، كقوله [من الوافر]:
[542]-
أشمّ كأنّه رجل عبوس
معاود جرأة وقت الهوادي
أراد: معاود وقت الهوادي جرأة.
و قال آخر [من السريع]:
[543]-
لمّا رأت ساتيدما استعبرت
للّه درّ اليوم من لامها
***______________________________ المعنى: إنّ ما بقي من آثار الدار شبيه بكتابة اليهوديّ الذي يقرّب بين السطور مرّة، و أخرى يباعد بينها.
الإعراب: «كما»: الكاف: حرف جرّ، و «ما»: مصدرية، و المصدر المؤول من «ما» و ما بعدها في محل جر بحرف الجر، و الجار و المجرور متعلقان بلفظ من بيت سابق. «خطّ»: فعل ماض للمجهول.
«الكتاب»: نائب فاعل مرفوع. «بكفّ»: جار و مجرور متعلّقان ب «خطّ». «يوما»: ظرف زمان منصوب، متعلّق ب «خطّ». «يهوديّ»: مضاف إليه مجرور. «يقارب»: فعل مضارع مرفوع، و فاعله ضمير مستتر تقديره: «هو». «أو»: حرف عطف. «يزيل»: معطوف على «يقارب» مرفوع، و فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: «هو».
و جملة «خطّ الكتاب»: صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. و جملة «يقارب»: في محلّ جرّ نعت «يهودي». و جملة «يزيل»: معطوفة على جملة «يقارب».
الشاهد فيه قوله: «بكفّ يوما يهوديّ» حيث فصل بين المضاف «كف» و المضاف إليه «يهودي» بأجنبي هو «يوما». و أصل الكلام: «كما خطّ الكتاب يوما بكفّ يهوديّ».
[542]- التخريج: البيت بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 496؛ و همع الهوامع 2/ 53.
اللغة: أشمّ من الشّمم، و هو الارتفاع. و الهوادي: جمع هادية، و هي من كل شيء أوله.
المعنىّ: يريد أن هذا الذي يصفه يشبه رجلا عبوسا يجول في أول الليل لأنه شجاع و جريء.
الإعراب: (أشمّ): خبر لمبتدإ محذوف، تقديره: هو أشمّ. (كأنّه): حرف مشبه بالفعل، و (الهاء): اسمه.
(رجل): خبر (كأنّ) مرفوع. (عبوس): صفة ل (رجل). (معاود): صفة ثانية. (جرأة): مفعول لأجله. (وقت):
مضاف إليه، و كذلك (الهوادي).
جملة (هو أشم): ابتدائية لا محل لها. و جملة (كأنّه رجل عبوس):
الشاهد فيه قوله: (معاود جرأة وقت الهوادي) حيث فصل بالمفعول لأجله (جرأة) بين المضاف (معاود) و المضاف إليه (وقت).
[543]- التخريج: البيت لعمرو بن قميئة في ديوانه ص 182؛ و خزانة الأدب 4/ 405، 406، 407، 411، 419؛ و شرح أبيات سيبويه 1/ 367؛ و شرح المفصل 3/ 20، 77؛ و الكتاب 1/ 178؛ و معجم البلدان 3/ 168 (ساتيدما)؛ و بلا نسبة في الأشباه و النظائر 2/ 232؛ و الكتاب 1/ 194؛ و اللامات ص 107؛ و مجالس ثعلب ص 152.
اللغة: ساتيدما: اسم جبل. استعبرت: بكت.
______________________________ المعنى: لما رأت تلك المرأة جبل ساتيدما تذكرت بلادها فبكت شوقا إليها، فوا عجبي ممن يلومها على بكائها و شوقها لبلادها.
الإعراب: «لما»: اسم شرط غير جازم مبني على السكون في محل نصب على ظرف زمان، متعلق بالفعل (استعبرت). «رأت»: فعل ماض مبني على الفتحة، و «التاء»: تاء التأنيث الساكنة، و «الفاعل»:
ضمير مستتر جوازا تقديره «هي». «ساتيدما»: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر.
«استعبرت»: فعل ماض مبني على الفتحة، و «التاء»: تاء التأنيث الساكنة، و «الفاعل»: ضمير مستتر جوازا تقديره «هي». «للّه»: جار و مجرور متعلقان بالخبر المحذوف. «درّ»: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. «اليوم»:
مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بالفعل (لامها). «من»: اسم موصول مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. «لامها»: «لام»: فعل ماض مبني على الفتحة، و «الفاعل»: ضمير مستتر جوازا تقديره «هو»، و «ها»: ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
و جملة «لما رأت استعبرت» الشرطية: ابتدائية لا محل لها. و جملة «رأت»: في محل جرّ بالإضافة.
و جملة «استعبرت»: جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. و جملة «لامها»: صلة الموصول الاسمي لا محلّ لها.
و الشاهد فيه قوله: «للّه در اليوم من لامها» حيث فصل بين المضاف «در» و المضاف إليه «من» بالظرف «اليوم».
هذا باب ما لا يجوز أن يحمل من المنفيّ على الموضع
تقول: «لا غلام لك و لا العبّاس»، و «لا غلام لك و لا زيد»، و «لا غلام لك و زيد».
لم يجز أن يحمل «زيد» على «لا»، و لكن ترفعه على الموضع؛ لأنّ «لا» و ما عملت فيه في موضع رفع؛ لأنّ «لا» لا تعمل في معرفة.
و مثله: «كلّ رجل في الدار و زيد فله درهم»، و «كلّ رجل في الدار و عبد اللّه لأكرمنّهم»؛ لأنّه لا يجوز: «كلّ عبد اللّه»، فعطف على «كلّ» نفسها؛ كما لا يجوز: «لا عبد اللّه في الدار». فعلى هذا يجري ما ذكرت لك.
***
هذا باب ما إذا دخلت عليه «لا»، لم تغيّره عن حاله لأنّه قد عمل فيه الفعل، فلم يجز أن يعمل في حرف عاملان
و ذلك قولك: «لا سقيا و لا رعيا»، و «لا مرحبا و لا أهلا»، و «لا كرامة و لا مسرّة»؛ لأنّ الكلام كان قبل دخول «لا»: أفعل هذا و كرامة، و مسرّة، أي: و أكرمك، و أسرّك. فإنّما نصبه الفعل، فلمّا دخلت عليه «لا»، لم تغيّره.
و كذلك: «لا سلام عليك»، و هو ابتداء و خبره، و معناه الدعاء.
على ذلك قال الشاعر [من الطويل]:
[544]-
و نبّئت جوّابا و سكنا يسبّني
و عمرو بن عفرا لا سلام على عمرو
______________________________ [544]- التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص 425؛ و الكتاب 2/ 301؛ و لسان العرب 13/ 218 (سكن)؛ و للفرزدق في خزانة الأدب 5/ 238.
اللغة: جوّاب و سكن: اسما شخصين تعرّضا لجرير؛ و كذلك عمرو بن عفرى.
المعنى: لقد أخبروني بهجاء جواب و سكن و عمرو بن عفرى، و سبابهم التافه لي، فلا سلام لهم، و لا راحة أتركهم فيها.
الإعراب: و نبئت: «الواو»: بحسب ما قبلها، «نبئت»: فعل ماض مبني للمجهول، مبني على السكون، و «التاء»: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. جوّابا: مفعول به منصوب بالفتحة. و سكنا:
«الواو»: حرف عطف، «سكنا»: معطوف على (جوّابا) منصوب بالفتحة. يسبني: فعل مضارع مرفوع بالضمّة، و «النون»: للوقاية، و «الياء»: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به، و «الفاعل»: ضمير مستتر تقديره (هو). و عمرو: «الواو»: للعطف، «عمرو»: معطوف على (سكنا) منصوب بالفتحة. بن: صفة (عمرو) منصوبة بالفتحة. عقرى: مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على الألف. لا: حرف نفي يعمل عمل (إنّ). سلام: اسم (لا) منصوب بالفتحة. على عمرو: جار و مجرور متعلقان بخبر (لا) المحذوف.
و جملة «نبئت»: استئنافية بحسب الواو. و جملة «يسبني»: في محلّ نصب حال. و جملة «لا سلام على عمرو»: استئنافية لا محلّ لها.
و الشاهد فيه قوله: «لا سلام على عمرو» حيث اعتبر (لا سلام) بمنزلة الاسم المبتدأ، على أساس ضمّ (سلام)، و لكنّ رواية الديوان و اللسان بالفتح، و على هذا تمّ الإعراب.
هذا باب «لا» إذا دخلها ألف الاستفهام أو معنى التمنّي
أمّا كونها للاستفهام فعلى حالها قبل أن يحدث فيها علامته. تقول: «أ لا رجل في الدار»؟ على قول من قال: «لا رجل في الدار».
و من قال: «لا رجل في الدار و لا امرأة»، قال: «أ لا رجل في الدار و لا امرأة»؟
و من قال: «لا رجل ظريفا في الدار»، قال «أ لا رجل ظريفا»؟ و من لم ينوّن «ظريفا» قبل الاستفهام، لم ينوّنه هاهنا.
*** و قد تجعل «لا» بمنزلة «ليس» لاجتماعهما في المعنى، و لا تعمل إلا في النكرة، فتقول: «لا رجل أفضل منك».
و لا تفصل بينها و بين ما تعمل فيه؛ لأنّها تجري رافعة مجراها ناصبة. فعلى هذا تستفهم عنها.
*** فإن دخلها معنى التمنّي، فالنصب لا غير في قول سيبويه، و الخليل و غيرهما إلّا المازنيّ وحده.
تقول: «أ لا ماء أشربه»، «أ لا ماء و عسلا». تنوّن «عسلا»، كما كان في قولك: «لا رجل و غلاما في الدار».
و تقول: «أ لا ماء بارد»، إن شئت، و إن شئت، نوّنت «باردا»، و إن شئت، لم تنوّن، كقولك: «لا رجل ظريفا»، و إن شئت نوّنت «ظريفا»، و إن شئت لم تنوّن.
و من قال: «لا رجل و امرأة»، لم يقل هنا إلّا بالنصب.
و احتجاج النحويّين: أنّه لمّا دخله معنى التمنّي، زال عنه الابتداء، و موضعه نصب؛ كقولك: «اللهمّ غلاما»، أي: هب لي غلاما.
و كقولهم: «إنّ زيدا في الدار و عمرو»، حمل «عمرو» على الموضع. فإن قالوا: «ليت زيدا في الدار و عمرا»، لم يكن موضع «عمرو» الابتداء؛ لأنّ «إنّ» تدخل على معنى
الابتداء، و «ليت» تدخل للتّمنّي، فلها معنى سوى ذلك، فلذلك لم يكن في «ليت» و «لعلّ»، و «كأنّ» ما في «إنّ» و «لكنّ» من الحمل على موضع الابتداء؛ لأنّ لهنّ معان غير الابتداء.
ف «كأنّ» للتشبيه، و «ليت» للتمنّي، و «لعلّ» للتوقّع.
و كان المازنيّ يجري هذا مع التمنّي مجراه قبل، و يقول: يكون اللفظ على ما كان عليه و إن دخله خلاف معناه؛ أ لا ترى أنّ قولك: «غفر اللّه لزيد» معناه الدعاء، و لفظه لفظ «ضرب»، فلم يغيّر لما دخله من المعنى، و كذلك قولك: «علم اللّه لأفعلنّ»، لفظه لفظ «رزق اللّه»، و معناه القسم، فلم يغيّره.
و كذلك: «حسبك» رفع بالابتداء، و معناه النهي.
و من قوله: «أ لا رجل أفضل منك». ترفع «أفضل» لأنّه خبر الابتداء، كما كان في النفي، و كذا يلزمه.
و الآخرون ينصبونه، و لا يكون له حبر.
***
هذا باب مسائل «لا» في العطف من المعرفة و النكرة
اعلم أنك لا تعطف اسما على اسم، و لا فعلا على فعل في موضع من العربيّة إلّا كان مثله. تقول: «مررت بزيد و عمرو»، و «رأيت زيدا و عمرا»، و «أنا آتيك و أكرمك»، و «لا تذهب فتندم»، أي: لا تذهب و لا تندم، و لم يرد الجواب.
و تقول: «لا رجل و غلاما». عطفت «غلاما» على «رجل». و حقّ «الرجل» أن ينوّن، و لكنّ البناء منعه من ذلك؛ كما تقول: «مررت بعثمان و زيد»، فموضع «عثمان» خفض، غير أنّه لا ينصرف، فجرى المنصرف على موضعه.
فإن قلت: «لا رجل و لا غلام في الدار» و «لا حول و لا قوّة إلّا باللّه»، فإنّما عطفت الثاني على «لا» و ما عملت فيه؛ لأنّها و الذي عملت فيه في موضع اسم مرفوع مبتدأ، و لا بدّ للمبتدإ من خبر مضمر أو مظهر.
و نظير ذلك: «كلّ رجل ظريف في الدار»، إن جعلت «ظريفا» نعتا ل «الرجل»، و إن جعلته ل «كلّ» رفعت، فقلت: «كلّ رجل ظريف في الدار».
و تقول: «كلّ رجل و غلام عندك»، فإن حملت «الغلام» على «كلّ»، رفعت، و صار واحدا؛ لأنّ ما بعد «كل» إذا كان واحدا نكرة، فهو في معنى جماعة إذا أفردوا واحدا واحدا. يدلّك على ذلك قولهم: «جاءني كلّ اثنين في الدار»؛ لأنّ معناه: إذا جعلوا اثنين اثنين.
و تقول: «لا رجل في الدار و لا غلام يا فتى». إن جعلت «لا» الثانية للنفي، كقولك:
«ليس رجل في الدار و ليس غلام».
و إن جعلت «لا» للعطف مثل: «ما مررت بزيد و لا عمرو»، و قلت: «لا رجل في الدار و لا غلاما»، إن عطفته على «رجل»، و إن عطفته على «لا»، رفعت.