کتابخانه ادبیات عرب
هذا باب الإمالة
و هو أن تنحو بالألف نحو الياء، و لا يكون ذلك إلّا لعلّة تدعو إليه.
اعلم أنّ كلّ ألف زائدة أو أصليّة، فنصبها جائز.
و ليس كلّ ألف تمال لعلّة إلّا نحن ذاكروها إن شاء اللّه.
فممّا يمال ما كان ألفه زائدة في «فاعل»، و ذلك نحو قولك: «رجل عابد»، و «عالم»، و «سالم»؛ فإنّما أملت الألف، للكسرة اللازمة لما بعدها، و هو موضع العين من «فاعل»، و إن نصبت في كلّ هذا، فجيّد بالغ على الأصل، و ذلك قولك: «عالم» و «عابد».
و كذلك إذا كانت قبلها كسرة أو ياء، نحو قولك: «عباد»، و «جبال»، و «حبال». كلّ هذا إمالته جائزة. فأمّا «عيال»، فالإمالة له ألزم؛ لأنّ مع الكسرة ياء.
فكلّ ما كانت الياء أقرب إلى ألفه أو الكسرة، فالإمالة له ألزم، و النصب فيه جائز.
و كلّ ما كثرت فيه الياءات أو الكسرات، فالإمالة فيه أحسن من النّصب.
*** و اعلم أنّه ما كان من «فعل»، فإمالة ألفه جائزة حسنة، و ذلك نحو: «صار بمكان كذا»، و «باع زيد مالا»؛ فإنّما أملت؛ لتدلّ على أنّ أصل العين الكسر؛ لأنّه من «بعت»، و «صرت»، و العين أصلها الكسر، و ألفها منقلبة من واو [1].
إلّا أنّه فيما كانت ألفه منقلبة من ياء أحسن. فأمّا الواو فهو فيها جيّد، و ليس كحسنه
______________________________ [1] الألف في «باع» و «صار» منقلبة من واو.
في الياء؛ لأنّ فيه علّتين، و إنّما في ذوات الواو علّة واحدة، و هو أنّه من «فعل»، و ذلك قولك: «خاف زيد كذا»، و «مات زيد» في قول من قال: «متّ» على وزن «خفت». و من قال: «متّ» [1]، لم تجز الإمالة في قوله. و قد قرأ القرّاء: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي 548 .
*** و اعلم أنّ الألف إذا كانت منقلبة من ياء في اسم أو فعل، فإمالتها حسنة، و أحسن ذلك أن تكون في موضع اللام. و سنفسّر لم ذلك إن شاء اللّه.
و ذلك قولك: «رمى» و «سعى» و «قضى»؛ و ذلك لأنّ الألف هي التي يوقف عليها، و الإمالة أبين، و هي التي تنتقل على الثلاثة، فتكون رابعة، و خامسة، و أكثر. فإذا كانت كذلك، رجعت ذوات الواو إلى الياء؛ نحو: «مغزيان»، و «ملهيان»، و قولك في الفعل:
«أغزيت» و قد فسّرنا هذا في بابه مستقصى. فلمّا كانت الياء أمكن، كانت الإمالة أثبت.
*** فأمّا ما كان من ذوات الواو على ثلاثة أحرف، فإنّ الإمالة فيه قبيحة؛ نحو: «دعا»، و «غزا»، و «عدا» و قد يجوز على بعد؛ لأنّ هذه الألف هي التي تمال في «أغزى»، و نحوه.
فأمّا الأسماء، فلا يجوز فيها الإمالة إذا كانت على ثلاثة أحرف؛ لأنّها لا تنتقل انتقال الأفعال؛ لأنّ الأفعال تكون على «فعل»، و «أفعل»، و نحوه، و الأسماء لا تتصرّف. و ذلك قولك: «قفا»، و «عصا». لا يكون فيهما، و لا في بابهما إمالة؛ لأنّهما من الواو، و لكن «رحى»، و «حصى»، و «نوى» هذا كلّه تصلح إمالته.
و لا تصلح الإمالة فيما ألفه في موضع العين إذا كانت واوا؛ نحو: «قال»، و «طال»، و «جال»؛ لأنّها من واو، و ليست بفعل ك «خفت»؛ لأنّك تقول: «قلت»، و «طلت»، و «جلت».
***______________________________ [1] في «مات» لغتان:
أ- مات يموت، و هي الأشهر و الأفصح، و هذه يقال فيها: «متّ»، و «متنا» ...
ب- مات يمات، و هذه يقال فيها: متّ.
هذا باب ما كان على أربعة أحرف أصلية أو زائدة
اعلم أنّ ما كانت ألفه من ذلك طرفا، فالإمالة فيه جائزة، و هي التي نختار؛ و ذلك أنّه لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه:
إمّا أن تكون ألفه منقلبة من ياء؛ نحو: «مرمى»، و «مسعى»؛ لأنّه من «سعيت»، و «رميت»، و «ملهى»، و «مغزى» من «غزوت» و «لهوت». فإنّها إذا كانت كذا، ترجع إلى الياء في قولك: «ملهيان»، و «مغزيان»، و كلّما ازدادت الحروف كثرة، كانت من الواو أبعد. و قد فسّرنا لم ذلك في التصريف في باب «أغزيت»، و «استغزيت».
أو تكون الألف زائدة للتأنيث، فحقّ الزوائد أن تحمل على الأصول، فإذا كانت ذوات الواو، ترجع إلى الياء فالزائد أولى؛ و ذلك قولك في «حبلى»: «حبليان»، و «حبليات».
و كذلك: «سكرى» و «شكاعى» [1] و نحوه. فأمّا الملحقة فنحو: «حبنطى» [2] و «أرطى» [3]، و «معزى» تقول: «أرطيان»، و «معزيان»، و «حبنطيان». فكلّ هذا يرجع إلى الياء. فكذلك فافعل به إذا كانت الألف رابعة مقصورة أو على أكثر من ذلك، اسما كان أو فعلا.
***______________________________ [1] شكاعى: نبت، و شجرة صغيرة ذات شوك. (لسان العرب 8/ 185 (شكع)).
[2] الحبنطى: الممتلئ غضبا أو بطنة. (لسان العرب 7/ 271 (حبط)).
[3] الأرطى: شجر ينبت بالرمل، و رائحته طيّبة. (لسان العرب 7/ 254 (أرط)).
هذا باب الحروف التي تمنع الإمالة
و هي حروف الاستعلاء، و هي سبعة أحرف: الصاد، و الضاد، و الطاء، و الظاء، و القاف، و الخاء، و الغين.
و ذلك أنّها حروف اتّصلت من اللسان بالحنك الأعلى، و إنّما معنى الإمالة: أن تقرّب الحرف ممّا يشاكله من كسرة أو ياء.
فإن كان الذي يشاكل الحرف غير ذلك، ملت بالحرف إليه، فهذه الحروف منفتحة المخارج؛ فلذلك وجب الفتح.
تقول: «هذا عابد»، و «عالم»، و «عاند». فإذا جاءت هذه الحروف عينات، و لا مات في «فاعل» منعت الإمالة لما فيها، فقلت: «هذا ناقد»، و لم يجز: «ناقد» من أجل القاف، و كذلك: «ضابط»، و «ضاغط».
فإن كانت هذه الحروف في موضع الفاءات من «فاعل»، منعت الإمالة لقربها، و هي بعد الألف أمنع؛ لئلّا يتصعّد المتكلّم بعد الانحدار.
و ذلك قولك: «هذا قاسم»، و «صالح»، و «طالع»، و لا تجوز الإمالة في شيء من ذلك.
فإن كان الحرف المستعلي بينه و بين الألف حرف، و المستعلي متقدّم مكسور، فإنّ الإمالة حسنة. و ذلك قولك: «صفاف»، و «قفاف»؛ لأن الكسرة أدنى إلى الألف من المستعلي، و النّصب هاهنا حسن جدّا، و الإمالة أحسن لما ذكرت لك، و حسن النّصب من أجل المستعلي.
و لو كان المستعلي بعد حرف مكسور، لم تجز الإمالة فيه؛ لأنّ المستعلي أقرب إلى الألف، فهو مفتوح. و ذلك قولك: «رقاب» و «حقاف»، و كذلك: «رصاص» فيمن كسر الراء، لا يكون إلّا النصب، فإن كان المستعلي في كلمة مع الألف، و كان بعدها بحرف أو
حرفين لم تكن إمالة. و ذلك قولك: «مساليخ»، و «صناديق».
فإن قلت: فما قبل المستعلي مكسور، فهلّا كان هذا بمنزلة «قفاف» [1] و «صفاف» [2]؟
فمن أجل أنّ المستعلي إنّما انحدرت عنه، و أنت هاهنا لو كسرت، كنت مصعدا إليه.
*** و اعلم أنّك تقول: «مررت بمال لك»، و «مررت بباب لك»، و ليس بالحسن؛ لأنّ الألفين منقلبتان من واوين، من: «موّلت»، و «بوّبت»، و ليست الحركة بلازمة. إنّما تحذف في الخفض في الوصل، و لا تكون في الوقف، و لا في غير الخفض، فليست كعين «فاعل»؛ لأنّ الكسرة لازمة لها، و الألف زائدة. و لكن لو قلت: «هذا ناب»، و «هذا عاب»، لصلحت الإمالة؛ لأنّ الألفين منقلبتان من ياء؛ لأنّه من العيب، و من قولك: «نيّبت في الأمر»، و «ناب» و «أنياب»، و النّصب أحسن؛ لأنّ اللفظ أولى و ليس في اللفظ كسرة، و إنّما صلحت الإمالة؛ لأنّ الألف ياء في المعنى.
فجملة الباب: أنّه كلّ ما كان في الياء، أو الكسرة فيه أثبت، فالإمالة له ألزم، إلّا أن يمنع مانع من المستعلية.
***______________________________ [1] القفاف: جمع قف، و هو ما ارتفع من متون الأرض و صلبت حجارته. و قفّ الشيء: ظهره. (لسان العرب 9/ 288 (قفف)).
[2] الصفاف: جمع الصّفوف، و هي الناقة التي تجمع بين محلبين في حلبة واحدة. قال الجوهري: يقال:
ناقة صفوف للتي تصفّ أقداحا من لبنها إذا حلبت، و ذلك من كثرة لبنها. (لسان العرب 9/ 194 (صفف)).
هذا باب الراء في الإمالة
اعلم أنّ الراء مكرّرة في اللسان، ينبو فيها بين أوّلها و آخرها نبوة، فكأنّها حرفان. فإذا جاءت بعد الألف مكسورة، مالت الألف من أجلها. و ذلك قولك: «هذا عارم»، و «عارف». فكانت الإمالة هاهنا ألزم منها في «عابد»، و نحوه.
فإن وقع قبل الألف حرف من المستعلية، و بعد الألف الراء المكسورة، حسنت الإمالة التي كانت تمتنع في «قاسم» و نحوه؛ من أجل الراء، و ذلك قولك: «هذا قارب»، و كذلك إن كان بين الراء و بين الألف حرف مكسور إذا كانت مكسورة، تقول: «مررت بقادر يا فتى»، و ترك الإمالة أحسن؛ لقرب المستعلية من الألف، و تراخي الراء عنها، و ينشد هذا البيت على الإمالة، و النصب أحسن لما ذكرت لك، و هو [من الطويل]:
[268]-
عسى اللّه يغني عن بلاد ابن قادر
بمنهمر جون الرّباب سكوب
______________________________ [268]- التخريج: البيت لهدبة بن الخشرم في ديوانه ص 76؛ و خزانة الأدب 9/ 328؛ و الكتاب 3/ 159، 4/ 139؛ و لسماعة النعامي في شرح أبيات سيبويه 2/ 141؛ و شرح التصريح 2/ 351؛ و لسان العرب 15/ 55 (عسا)، و لسماعة أو لرجل من باهلة في شرح شواهد الإيضاح ص 620؛ و بلا نسبة في شرح الأشموني 3/ 771؛ و شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 678؛ و شرح المفصل 7/ 117؛ 9/ 62؛ و اللمع ص 333.
اللغة: جون الرباب: سود السحاب. السكوب: الكثير المطر.
الإعراب: «عسى»: فعل ماض ناقص من أفعال الرجاء. «اللّه»: اسم الجلالة، اسم «عسى» مرفوع.
«يغني»: فعل مضارع مرفوع، و فاعله ضمير مستتر تقديره: «هو». «عن بلاد»: جار و مجرور متعلّقان ب «يغني»، و هو مضاف. «ابن»: مضاف إليه مجرور، و هو مضاف. «قادر»: مضاف إليه مجرور. «بمنهمر»:
جار و مجرور متعلّقان ب «يغني». «جون»: نعت أوّل ل «منهمر» مجرور، و هو مضاف. «الرباب»: مضاف إليه مجرور. «سكوب»: نعت ثان ل «منهمر» مجرور.
فإن لم يكن قبل الألف حرف من المستعلية، و كانت بعدها الراء على ما وصفت لك، اختير إمالة الألف. و ذلك قولك: «من الكافرين». و إن قلت: «من الكافر يا فتى»، فالإمالة حسنة، و ليس كحسنها في «الكافرين»؛ لأنّ الكسر في «الكافرين» لازم للراء و بعدها ياء، و «الكافر» لا ياء فيه، و ليست الكسرة بلازمة للراء إلّا في الخفض، و هي في الجماعة تلزم في الخفض و النصب و الوقف و الإدراج، و لا تكون في «الكافر» في الوقف.
فإن قلت: «جاءني الكافر»، فاعلم، استوت الإمالة و النّصب. فأمّا الإمالة فمن جهة كسرة الفاء.
و أمّا النّصب فإنّ الراء بعدها كحرفين مضمومين، و كذلك هي في النصب إذا قلت:
«رأيت الكافر يا فتى».
و لو قلت: «فلان باسط يده»، أو «ناعق يا فتى»، لم تصلح الإمالة من أجل المستعليين؛ لأنّ الراء- و إن كان قبلها التكرير- لا تحلّ محلّ المستعلية.
و لو قلت: «هذا قراب سيفك»، لصلحت الإمالة و إن كانت الراء مفتوحة؛ لأنّها في الحقيقة في وزن حرف.
*** و اعلم أنّ بني تميم يختارون فيما على وزن «فعال» من المؤنّث إذا سمّي به أن يكون بمنزلة سائر ما لا ينصرف، فيقولون: «هذه حذام»، و «مررت بحذام يا فتى»، و «رأيت حذام».
و أهل الحجاز يقولون: «هذه حذام» [1]، و «مررت بحذام». و قد بيّنا ذلك فيما ينصرف و ما لا ينصرف.
______________________________ و جملة «عسى اللّه ...»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. و جملة «يغني»: في محل نصب خبر «عسى».
الشاهد فيه قوله: «قادر» ممالة مع وجود الفصل بين الألف و الراء المكسورة بحرف، و هو الدال.
و في البيت شاهد آخر للنحاة هو قوله: «عسى اللّه يغني» حيث جاء خبر «عسى» فعلا مضارعا غير مقترن ب «أن» المصدريّة، و هذا نادر.