کتابخانه ادبیات عرب
هذا باب دخول الحال فيما عملت فيه «كان» و أخواتها، و ما أشبهها من باب العوامل
اعلم أنّ باب «كان»، و باب «علمت» و «ظننت» داخلة كلّها على الابتداء و خبره. فكلّ ما صلح في الابتداء، صلح في هذه الأبواب، و ما امتنع هناك امتنع هنا.
تقول: «كان زيد في الدار قائما». فإن شئت نصبت، و إن شئت جعلت «في الدار» الخبر، و نصبت «قائما» على الحال.
و تقول: إنّ زيدا في الدار قائما» على الحال، و على القول الآخر: «إنّ زيدا في الدار قائم».
و كذلك «ظننت زيدا في الدار قائما».
و إن كرّرت الظرف، فكذلك تقول: «إنّ زيدا في الدار قائم فيها»، و «كان زيد في الدار قائما فيها».
و إن شئت، قلت: «إنّ زيدا في الدار قائما فيها». يجري مجراه قبل التثنية. قال اللّه عزّ و جلّ: فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها 870 ، و قال: وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها 871 . فكان ذلك بمنزلة «هذا» في الابتداء.
هذا باب المعرفة الداخلة على الأجناس
اعلم أنّ الأشياء التي لا تستصحب، فتحتاج إلى الفصل بين بعضها و بعض، تلحقها ألقاب تميّز جنسها من جنس غيرها.
و ذلك قولك: «هذه أمّ حبين» [1]، و «هذا سامّ أبرص» [2]، و «أبو بريص» [3]، و «هذا أبو جخادب» لضرب من الجنادب.
و كذلك: «هذا أبو الحارث» للأسد، و «هذا أسامة»، و «هذا ثعالة» للثعلب.
و «هذه بنات أوبر» لضرب من الكمأة، و «هذا ابن قترة» لضرب من الحيّات، و «هذه أمّ عامر»، و «حضاجر»، و «جيأل»، و نحو ذلك للضبع، و «هذا حمار قبّان»، و «هذا ابن عرس» [4]، و «ابن آوى».
*** فهذه الأشياء معارف، و هذه الأسماء موضوعة عليها ك «زيد» و «عمرو»، و ليس معناها معنى «زيد» و «عمرو؛ لأنّك إذا قلت: «زيد»، فقد فصلت بهذا الاسم الرجل ممّن هو مثله. فإذا قلت: «هذا سامّ أبرص، و ابن عرس»، فلست تفصل به واحدا من هذا النوع من صاحبه؛ لأنّه ليس ممّا يتّخذ فتقصد إلى تعريف بعضه من بعض؛ كما تفعل ب «الخيل» و «الشاء» و «الكلاب»، و لكنّما معناه: هذا الضرب من السباع، و هذا الضرب من الأجناس التي رأيتها و سمعت بها.
و زعم سيبويه أنّ قولك: «أسد»، ثمّ تقول: «الأسد» بمنزلة «رجل»، و «الرجل».
و «أسامة»، و «أبو الحارث» بمنزلة: «زيد»، و «أبي عمرو». و أنّ «ابن عرس» بمنزلة رجل
______________________________ [1] أم حبين: دويبّة على خلقة الحرباء عريضة الصدر عظيمة البطن، و قيل: هي أنثى الحرباء. (لسان العرب 13/ 105 (حبن)).
[2] سامّ أبرص: ضرب من الوزغ الزحّافات. (لسان العرب 12/ 304 (سمم)).
[3] أبو بريص: كنية الوزغة. (لسان العرب 6/ 7 (برص)).
[4] ابن عرس: دويبّة دون السّنّور. (لسان العرب 6/ 137 (عرس)).
كان اسمه كنيته لا أسماء له غيرها، و كذلك تقدير هذا، و معناه ما ذكرت لك.
يدلّك على أنّه معرفة أنّ «آوى» غير مصروف، و أنّك لا تدخل في «عرس» ألفا و لاما، و لا تصرف «قترة»، و «أسامة»، و «قبّان»، و لو كنّ نكرات، لانصرفن.
فأمّا «ابن لبون»، و «ابن مخاض»، فنكرة؛ لأنّه ممّا يتّخذ الناس، فهو نكرة، إذا لم تعرّف ما تضيف إليه. فإن أردت تعريفه، عرّفت ما تضيفه إليه؛ كما قال [من البسيط]:
و ابن اللّبون إذا ما لزّ في قرن
لم يستطع صولة البزل القناعيس
[1] و قال [من الوافر]:
وجدنا نهشلا فضلت فقيما
كفضل ابن المخاض على الفصيل
[2] و كذلك «ابن ماء». إن أردت أن تعرّفه، عرّفت «الماء»، فقلت: «هذا ابن الماء يا فتى» كما قال [من الطويل]:
مفدّمة قزّا كأنّ عيونها
عيون بنات الماء أفزعها الرّعد
[3] و قال آخر [من الطويل]:
وردت اعتسافا و الثريّا كأنّها
على قمّة الرأس ابن ماء محلّق
[4].
فنعته بالنكرة لأنّه نكرة.
فأخبار هذا كأخبار «رجل» و نحوه، و أخبار الأوائل كأخبار «زيد» و «عمرو» و نحوهما.
تقول: «هذا ابن عرس مقبلا»، و «هذا سامّ أبرص مقبلا»، و يجوز فيه الرفع من حيث جاز في «زيد».
و يجوز أن تقول: «هذا ابن عرس مقبل»؛ كما تقول: «هذا زيد مقبل»، إذا أردت زيدا من الزيدين، نحو: «جاءني زيد و زيد آخر»، و «جاءني عثمان و عثمان آخر».
فإذا أردت أن تنكّر «ابن عرس»، جعلت «عرسا» نكرة، و كذلك نظراؤه تقول: «هذا حمار قبّان آخر»، و «هذا أسامة آخر».
***______________________________ [1] تقدم بالرقم 401.
[2] تقدم بالرقم 402.
[3] تقدم بالرقم 403.
[4] تقدم بالرقم 404.
هذا باب ما كان من الأسماء نعتا للمبهمة
و ذلك ما كان من الأسماء فيه الألف و اللام.
تقول: «هذا الرجل مقبل» من خمسة أوجه:
فأربعة مثل الذي ذكرنا في «زيد» و نحوه [1].
و الوجه الخامس أن تجعل الاسم نعتا للمبهم، فتقول: «هذا الرجل زيد»، تجعل «الرجل» نعتا، فيكون بمنزلة: «هذا زيد»؛ كما تقول: «زيد الطويل قائم»، قال الشاعر [من الطويل]:
[517]-
توهّمت آيات لها فعرفتها
لستّة أعوام، و ذا العام سابع
و إن جعلت الاسم خبرا، فالنصب تقول: «هذا الرجل قائما»، كقولك: «هذا زيد قائما.
______________________________ [1] انظر «باب تبيين الحال في العوامل التي في معنى الأفعال، و ليست بأفعال، و ما يمتنع من أن تجري معه الحال».
[517]- التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص 31؛ و خزانة الأدب 2/ 453؛ و شرح أبيات سيبويه 1/ 447؛ و الصاحبي في فقه اللغة ص 113؛ و الكتاب 2/ 86؛ و لسان العرب 4/ 569 (عشر)؛ و المقاصد النحوية 3/ 406، 4/ 482؛ و بلا نسبة في شرح التصريح 2/ 276؛ و شرح شواهد الشافية ص 108؛ و المقرب 1/ 147.
اللغة: الآيات: ج الآية، و هي العلامة. توهّمت: تصوّرت، تخيّلت.
المعنى: إنني تخيّلت معالم الدار فعرفتها بعد غياب دام سبع سنوات تقريبا.
الإعراب: «توهّمت»: فعل ماض، و التاء: ضمير في محلّ رفع فاعل. «آيات»: مفعول به منصوب بالكسرة لأنّه جمع مؤنث سالم. «لها»: جار و مجرور متعلّقان بمحذوف نعت ل «آيات» «فعرفتها»: الفاء:
______________________________ حرف عطف، «عرفتها»: فعل ماض، و التاء: ضمير في محل رفع فاعل، و «ها»: في محل نصب مفعول به. «لستة»: جار و مجرور متعلّقان ب «توهمت»، و هو مضاف. «أعوام»: مضاف إليه مجرور. «و ذا»: الواو:
حرف استئناف، «ذا»: اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. «العام»: نعت «ذا» مرفوع. «سابع»: خبر المبتدأ مرفوع.
و جملة «توهّمت ...»: ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. و جملة «عرفتها»: معطوفة على جملة «توهمت» فهي مثلها لا محلّ لها من الإعراب. و جملة «ذا العام سابع»: استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: «ذا العام سابع» حيث جاء (العام) نعتا للاسم المبهم (هذا)، ثم جاء الخبر (سابع).
هذا باب تثنية الأسماء التي هي أعلام خاصّة
اعلم أنّك إذا ثنّيت منها شيئا أو جمعته، صار نكرة، و ذلك قولك: «هذان زيدان»، و «هؤلاء زيدون».
و إنّما صار نكرة- و إن كان الواحد معرفة- لأنّك حيث قلت: «هذان زيدان»، أخرجته مخرج اثنين من جماعة كلّهم «زيد» كأنّك قلت: «هذان زيدان من الزيدين».
أ لا ترى أنّك لم تسمّ واحدا منهما «زيدين»، و لا سميتهم جميعا ب «زيدين»، و لكنّك ثنّيت «زيدا» و «زيدا»، فجعلتهما بمنزلة رجلين.
فإن أردت تعريفهما، قلت: «هذان الزيدان»؛ لأنّك جعلتهما من أمّة كلّ واحد منهم «زيد» نكرة، فصار بمنزلة قولك: «رجلين» و «الرجلين».
و كذلك قولك: «العمران»، و «مضت سنّة العمرين»، إنّما جعلتهما من أمّة كلّ واحد منهم «عمر»، فعرّفتهما بالألف و اللام.
و ليس هذا بمنزلة قولك «أبانان» للجبلين؛ لأنّك سمّيتهما جميعا بهذا الاسم؛ كما تسمّي الواحد بالاسم العلم.
و جاز هذا في الأماكن لأنّك تومئ إليها إيماء واحدا، و لأنّ كلّ واحد منهما لا يفارق صاحبه.
و لا يكون مثل هذا الأناسيّ؛ لأنّ الواحد يفارق صاحبه، فتخبر عنه على حياله، و يزول و يتصرّف.
و مثل «أبانين» «عرفات». تقول: «هؤلاء عرفات مباركا فيها»؛ لأنّ «عرفات» اسم مواضع، و ليست ممّا يزول، أو يفارق منه شيء شيئا.
فأمّا قولهم: «النّجم»، إذا أردت «الثريا»، فإنّه معرفة بالألف و اللام مجعول بهما علما. فإن فارقتاه، رجع إلى أنّه نجم من النجوم.
و الدليل على أنّه علم، و أنّه على غير مجاز قولك: «الرجل»، أنّك تأتي به على غير
معهود، فتعلم أنّك تعني «الثريّا»، و لو قلت لغيره: «رأيت النجم» الذي تعلم في أوّل وهلة على هذا الوجه، لكان على معهود ك «الرجل».
و كذلك «الدّبران» لأنّه مشتق من أنّه «يدبر» [1] النجم الذي يليه فإنّما هو بمنزلة «الغريّين» [2] اللذين بالكوفة.
كلّ واحد من هذين الاسمين معرفة بالألف و اللام. فإن فارقتاه، رجع نكرة.
فإن قال قائل: فلم لا يكون «الدّبران» معرفة بهذا الاشتقاق الذي هو له، و ليس يقال لغيره؛ لأنّه لا يقال لكلّ شيء دبر شيئا: «دبران»؟
قيل: هذا مشتق ك «العدل» و «العديل». ف «العدل» للمتاع، و «العديل» لا يكون إلّا للناس، و كلاهما نكرة.
و يقال: «أصابه دبران الشوق»، و «دبران المرض» لما يأتي بعد.
و كذلك «الثريّا» إنّما هو تصغير «ثروى»، و هي «فعلى» من الكثرة: فهذا يتهيّأ في كلّ شيء. يقال: «رجل ثروان» و «امرأة ثروى»، فأمّا قوله [من الطويل]:
[518]-
[ أخذنا بأطراف السّماء عليكم ]
لنا قمراها و النجوم الطوالع
______________________________ [1] أي: يتبع.
[2] الغريّان: بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة قرب قبر الإمام عليّ بن أبي طالب. (معجم البلدان 4/ 196).
[518]- التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 419؛ و الأشباه و النظائر 5/ 107؛ و خزانة الأدب 4/ 391، 9/ 128؛ و شرح شواهد المغني 1/ 13، 2/ 964؛ و بلا نسبة في لسان العرب 10/ 173 (شرق)، 11/ 539 (قبل).
اللغة: أطراف السماء: جهاتها. قمراها: الشمس و القمر.
المعنى: لقد ملكنا السماء بمجدنا، و خضع لنا ما فيها من شمس و قمر.
الإعراب: أخذنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا الفاعلين و «نا»: ضمير متصل في محل رفع فاعل. بأطراف: جار و مجرور متعلقان بالفعل أخذنا، و «أطراف»: مضاف. السماء: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. عليكم: جار و مجرور متعلقان بالفعل أخذنا و «الميم»: للجماعة. لنا: جار و مجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف. قمراها: مبتدأ مؤخر مرفوع بالألف لأنه مثنى و حذفت النون للإضافة، و «ها»: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. و النجوم: «الواو»: عاطفة، و «النجوم»: اسم معطوف على «قمراها» مرفوع بالضمة الظاهرة. الطوالع: صفة مرفوعة بالضمة الظاهرة.
و جملة «أخذنا بأطراف السماء»: ابتدائية لا محل لها. و جملة «لنا قمراها»: استئنافية لا محل لها.