کتابخانه ادبیات عرب
رفعت «القائم» ب «كان»، و رفعت «القاعد» ب «القائم»، و رفعت «أبويه» ب «القاعد»، و لو لا قولك: «إليه»، لم تجز المسألة؛ و ذلك أنّ تقديرها: كان الذي قام الرجل الذي قعد إليه أبواه. فلا بدّ من ضميرين يرجع أحدهما إلى الألف و اللام في «قاعدة»، و الآخر إلى الألف و اللام في «القائم».
*** و تقول: «إنّ الراغب فيه أبواه كان زيدا كان الراغب فيه أبواه ضاربه».
و لو قلت: «كان عبد اللّه زيد يضربه»، جعلت أيّهما شئت فاعلا.
و لو قلت: «كان عبد اللّه زيد ضاربه»، فجعلت الضارب «زيدا» كان جيّدا. فإن جعلت الضارب «عبد اللّه»، قلت: «ضاربه هو»؛ لأنّ «ضاربا» اسم، فإذا جرى صفة أو حالا أو خبرا لغير من هو له، فلا بدّ من إظهار الفاعل و الخبر فيه.
و الفعل يحتمل أن يجري على غير من هو له؛ لما يدخله من الضمير المبيّن عمّن هو له.
أ لا ترى أنّك تقول: «زيد تكرمه»، فيكون جيّدا، و لو قلت: «زيد مكرمه»، فتضعه في موضع «تكرمه»، لم يجز حتّى تقول: «أنت» و كذلك: «عبد اللّه زائره أنا». و تفسير هذا، و إجراء المسائل مستقصى في باب الابتداء إن شاء اللّه.
و تقول: «إنّ أفضلهم الضارب أخاه كان زيدا».
بنصب «الضارب»، ففي هذا وجوه:
إن شئت أجريتها على هذا اللفظ، فجعلت «الضارب» نصبا صفة، و جعلت «كان» و ما عملت فيه الخبر.
و إن شئت، رفعت «الضارب»، فجعلته خبرا، و جعلت «زيدا» بدلا منه فرفعته و جعلت «كان» زائدة على ما كنت شرحت لك.
و إن شئت، رفعت «زيدا» على هذه الشريطة، و جعلته هو الضارب ل «الأخ»، و كأنّك قلت: «إنّ أفضلهم الذي ضرب أخاه زيد».
و إن شئت رفعت «الأخ»، و نصبت «زيدا»، و ترفع «الضارب».
و لو قلت: «إنّ أفضلهم الضارب أخاه كان زيدا». ترفع «الضارب» على أن تجعل «كان» صفة ل «الأخ»، لم يجز؛ لأنّ «الأخ» معرفة، و الأفعال مع فاعليها جمل، و إنّما تكون الجمل صفات للنكرة، و حالات للمعرفة؛ لأنّ «يفعل» إنّما هو مضارع «فاعل»، فهو نكرة مثله. أ لا ترى أنّك تقول: «مررت برجل يضرب زيدا»، كما تقول: «مررت برجل ضارب زيدا».
و تقول: «مررت بعبد اللّه يبني داره»، فيصير «يبني» في موضع نصب لأنّه حال؛ كما تقول: «مررت بعبد اللّه بانيا داره».
و لكن لو قلت في هذه المسألة: «إنّ أفضلهم الضارب أخا له»، كان جيّدا أن تصفه ب «كان»، إذا جعلته نكرة.
فإن قلت: فأجر «كان» بعد المعرفة، و أجعلها حالا لها فإنّ ذلك قبيح، و هو على قبحه جائز في قول الأخفش، و إنّما قبحه أنّ الحال لما أنت فيه، و «فعل» لما مضى، فلا يقع في معنى الحال.
أ لا ترى أنّك إذا قلت: «مررت برجل يأكل»، قلت على هذا: «مررت بزيد يأكل»، فكان معناه: «مررت بزيد آكلا».
و إذا قلت: «أكل»، فليس يجوز أن تخبر بها عن الحال؛ كما تقول: «هو يأكل»، أي هو في حال أكل. فلمّا لم يجز أن يقع و هو على معناه في موضع الحال، امتنع في هذا الموضع.
و قد أجاز قوم أن يضعوا «فعل» في موضعها، كما تقول: «إن ضربتني ضربتك»، و المعنى: إن تضربني أضربك.
و هذا التشبيه بعيد؛ لأنّ الحروف إذا دخلت حدثت معها معان تزيل الأفعال عن مواضعها.
أ لا ترى أنّك تقول: «زيد يضرب غدا»، فإذ أدخلت «لم» قلت: «لم يضرب أمس» فبدخول «لم» صارت «يضرب» في معنى الماضي. و تأوّلوا هذه الآية من القرآن على هذا القول، و هي قوله: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ 773 .
و ليس الأمر عندنا كم قالوا. و لكن مخرجها- و اللّه أعلم إذا قرئت كذا- الدعاء؛ كما تقول: «لعنوا قطعت أيديهم». و هو من اللّه إيجاب عليهم.
فأما القراءة الصحيحة فإنّما هي «أو جاءوكم حصرة صدورهم» [2].
و مثل هذا من الجمل قولك: «مررت برجل أبوه منطلق»، و لو وضعت في موضع «رجل» معرفة، لكانت الجملة في موضع حال. فعلى هذا تجري الجمل.
و إذا كان في الثانية ما يرجع إلى الأوّل، جاز ألّا تعلّقه به بحرف العطف، و إن علّقته به فجيّد.
و إذا كان الثاني لا شيء فيه يرجع إلى الأول فلا بدّ من حرف العطف [2]، و ذلك قولك: «مررت برجل زيد خير منه»، و «جاءني عبد اللّه أبوه يكلّمه».
و إن شئت، قلت: «و زيد خير منه»، و «أبوه يكلّمه» بالواو، و هي حرف عطف. فأمّا إذا قلت: «مررت بزيد عمرو في الدار»، فهو محال إلّا على قطع خبر و استئناف آخر. فإن جعلته كلاما واحدا، قلت: «مررت بزيد و عمرو في الدار».
و هذه «الواو» التي يسمّيها النحويّون: «واو الابتداء»، و معناها: «إذ». و مثل ذلك قوله: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ 774 و المعنى- و اللّه أعلم-: إذ طائفة في هذه الحال، و كذلك قول المفسّرين.
______________________________ 1/ 288؛ و المعاني للأخفش 1/ 244؛ و المعاني للفراء 1/ 282؛ و النشر في القراءات العشر 1/ 251.
[1] هي الواو الحالية، أو الاستئنافية و ليست واو العطف.
هذا باب المسند و المسند إليه و هما ما لا يستغني كلّ واحد من [1] صاحبه
فمن ذلك: «قام زيد»، و الابتداء و خبره، ما دخل عليه نحو «كان»، و «إنّ»، و أفعال الشكّ و العلم و المجازاة.
فالابتداء نحو قولك: «زيد». فإذا ذكرته فإنّما تذكره للسامع؛ ليتوقّع ما تخبره به عنه، فإذا قلت: «منطلق» أو ما أشبهه، صحّ معنى الكلام، و كانت الفائدة للسامع في الخبر؛ لأنّه قد كان يعرف «زيدا» كما تعرفه، و لو لا ذلك لم تقل له: «زيد»، و لكنت قائلا له: «رجل يقال له زيد»، فلمّا كان يعرف «زيدا»، و يجهل ما تخبره به عنه، أفدته الخبر، فصحّ الكلام؛ لأنّ اللفظة الواحدة من الاسم و الفعل لا تفيد شيئا، و إذا قرنتها بما يصلح حدث معنى، و استغنى الكلام.
*** فأمّا رفع المبتدأ فبالابتداء [2]. و معنى الابتداء: التنبيه و التّعرية عن العوامل غيره، و هو أوّل الكلام و إنّما يدخل الجار و الناصب و الرافع سوى الابتداء على المبتدأ.
و الابتداء و المبتدأ يرفعان الخبر، و سنبيّن هذا بالاحتجاج في موضعه إن شاء اللّه.
فإذا قلت: «عبد اللّه أخوك»، و «عبد اللّه صالح»، لم تبل [3] أ كان الخبر معرفة أو نكرة؟
لكلّ لفظة منهما معناها.
***______________________________ [1] الأصح: عن.
[2] ذهب الكوفيون إلى أنّ المبتدأ يرفع الخبر، و الخبر يرفع المبتدأ، فهما يترافعان، و ذهب البصريون إلى أنّ المبتدأ يرتفع بالابتداء؛ و أمّا الخبر فاختلفوا فيه: فذهب قوم إلى أنه يرتفع بالابتداء وحده، و ذهب آخرون إلى أنه يرتفع بالابتداء و المبتدأ معا، و ذهب آخرون إلى أنه يرتفع بالمبتدإ، و المبتدأ يرتفع بالابتداء.
انظر المسألة الخامسة في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحاة البصريين و الكوفيين ص 44- 51
[3] أصله: «لم تبال»، سكّنت اللام للتخفيف، فالتقى ساكنان، فحذفت الألف.
فأمّا المبتدأ فلا يكون إلّا معرفة، أو ما قارب المعرفة من النكرات.
أ لا ترى أنّك لو قلت: «رجل قائم»، أو «رجل ظريف»، لم تفد السامع شيئا؛ لأنّ هذا لا يستنكر أن يكون مثله كثيرا، و قد فسرنا هذا في باب «إنّ» و باب «كان». و لو قلت: «خير منك جاءني»، أو «صاحب لزيد عندي»، جاز و إن كانا نكرتين، و صار فيهما فائدة؛ لتقريبك إيّاهما من المعارف.
و تقول: «منطلق زيد» فيجوز إذا أردت ب «منطلق» التأخير؛ لأنّ «زيدا» هو المبتدأ.
و تقول على هذا: «غلام لك عبد اللّه»، و «ظريفان أخواك». و «حسان قومك».
*** و اعلم أنّ خبر المبتدأ لا يكون إلّا شيئا هو الابتداء في المعنى؛ نحو: «زيد أخوك»، و «زيد قائم».
فالخبر هو الابتداء في المعنى، أو يكون الخبر غير الأوّل، فيكون له فيه ذكر. فإن لم يكن على أحد هذين الوجهين، فهو محال.
و نظير ذلك: «زيد يذهب غلامه»، و «زيد أبوه قائم»، و «زيد قام عمرو إليه»، و لو قلت: «زيد قام عمرو»، لم يجز؛ لأنّك ذكرت اسما، و لم تخبر عنه بشيء، و إنّما خبرت عن غيره.
*** فإذا قلت: «عبد اللّه قام»، ف «عبد اللّه» رفع بالابتداء، و «قام» في موضع الخبر، و ضميره الذي في «قام» فاعل.
فإن زعم زاعم أنّه إنّما يرفع «عبد اللّه» بفعله، فقد أحال من جهات:
منها أنّ «قام» فعل، و لا يرفع الفعل فاعلين إلّا على جهة الإشراك؛ نحو: «قام عبد اللّه و زيد»، فكيف يرفع «عبد اللّه»، و ضميره؟ و أنت إذا أظهرت هذا الضمير بأن تجعل في موضعه غيره بان لك، و ذلك قولك: «عبد اللّه قام أخوه»، فإنّما ضميره في موضع «أخيه».
و من فساد قولهم أنّك تقول: «رأيت عبد اللّه قام»، فيدخل على الابتداء ما يزيله، و يبقى الضمير على حاله.
و من ذلك أنّك تقول: «عبد اللّه هل قام»؟ فيقع الفعل بعد حرف الاستفهام، و محال أن يعمل ما بعد حرف الاستفهام فيما قبله.
و من ذلك أنّك تقول: «ذهب أخواك»، ثمّ تقول: «أخواك ذهبا». فلو كان الفعل عاملا كعمله مقدّما، لكان موحّدا، و إنّما الفعل في موضع خبر الابتداء رافعا للضمير كان، أو
خافضا أو ناصبا. فقولك: «عبد اللّه قائم» بمنزلة قولك: «عبد اللّه ضربته»، و زيدت: «مررت به».
*** و لو قلت على كلام متقدّم «عبد اللّه»، أو «منطلق»، أو «صاحبك»، أو ما أشبه هذا، لجاز أن تضمر الابتداء إذا تقدّم من ذكره ما يفهمه السامع.
فمن ذلك أن ترى جماعة يتوقّعون الهلال، فقال قائل منهم: «الهلال و اللّه»، أي: هذا الهلال.
و كذلك لو كنت منتظرا رجلا، فقلت: «زيد» جاز على ما وصفت لك.
و نظير هذا الفعل الذي يضمر، إذا علمت أنّ السامع مستغن عن ذكره، نحو قولك- إذا رأيت رجلا قد سدّد سهما فسمعت صوتا-: «القرطاس و اللّه»، أي: أصاب القرطاس، أو رأيت قوما يتوقّعون هلالا، ثمّ سمعت تكبيرا، قلت: «الهلال و اللّه»، أي: رأوا الهلال.
و مثل هذا: «مررت برجل زيد» لمّا قلت: «مررت برجل»، أردت أن تبيّن من هو؟ فكأنّك قلت: «هو زيد». و على هذا قول اللّه عزّ و جلّ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ 775 و تقول: «البرّ بخمسين»، و «السمن منوان»، فتحذف «الكرّ» و «الدرهم» [2] لعلم السامع، فإنّهما اللذان يسعّر عليهما.
*** و ممّا يحذف لعلم المخاطب بما يقصد له قولهم: «لا عليك»، إنّما يريدون: لا بأس عليك. و قولهم «ليس إلّا»، و «ليس غير». إنّما يريدون: ليس إلّا ذلك.
و يقول القائل: «أ ما بقي لكم أحد فإنّ الناس ألب عليكم»، فتقول: «إنّ زيدا»، و إنّ عمرا»، أي: لنا. قال الأعشى [من المنسرح]:
[429]-
إنّ محلّا و إنّ مرتحلا
و إنّ في السّفر إذ مضى مهلا
و يروى: إذ مضوا.
و المعرفة و النكرة هاهنا واحد. و إنّما تحذف إذا علم المخاطب ما تعني بأن تقدّم له خبرا، أو يجري القول على لسانه كما وصفت لك.
فمن المعرفة قول الأخطل [من الطويل]:
[430]-
خلا أنّ حيّا من قريش تفضّلوا
على الناس أو أنّ الأكارم نهشلا
و البيت آخر القصيدة.
و تقول: «النازل في داره أخواك غلامك»، و «الضارب أبواه أخويه عبد اللّه».
***______________________________ المعنى: إن حللنا و أقمنا، و إن ارتحلنا و متنا، فإن في المسافرين قبلنا عبرة و إمهالا لنا لنتّعظ.
الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. محلا: اسم (إن) منصوب بالفتحة، و «خبرها» محذوف، بتقدير (إن محلا مقدّر لنا). و إن: «الواو»: للعطف، «إن»: حرف مشبّه بالفعل. مرتحلا: اسم (إن) منصوب بالفتحة، و خبرها محذوف، بتقدير (إن مرتحلا مقدّر لنا). و إن: «الواو»: للعطف، «إن»: حرف مشبه بالفعل. في السفر: جار و مجرور متعلقان بمحذوف خبر (إن) المتقدّم على اسمها (مهلا). إذ مضى: «إذ»:
حرف تعليل، «مضى»: فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف، و الفاعل ضمير مستتر تقديره (هو) يعود على السفر. مهلا: اسم (إن) مؤخّر منصوب بالفتحة.
و جملة «إنّ محلّا مقدّر لنا»: ابتدائية لا محلّ لها. و جملة «إن مرتحلا ...»: معطوفة عليها لا محلّ لها. و جملة «و إنّ مهلا ...»: معطوفة عليها لا محلّ لها. و جملة «مضى»: اعتراضية لا محل لها.
و الشاهد فيه قوله: «إذ مضى» حيث جاءت (إذ) تعليلية، بمنزلة لام التعليل، و اختلف في ذلك، فقيل هي ظرف أفاد التعليل.
[430]- التخريج: البيت للأخطل في خزانة الأدب 10/ 453، 454، 461، 462؛ و شرح المفصل 1/ 104؛ و لسان العرب 11/ 682 (نهشل)، و بلا نسبة في الخصائص 2/ 374؛ المقرب 1/ 109.
اللغة: الحي: القبيلة، تفضّلوا: رجحوا على الناس بالفضل و المزية.
المعنى: يريد أن حيّا من قبيلة قريش، و نهشلا فاقوا الناس في الفضل، و الكرم.