کتابخانه روایات شیعه
مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ فبلغ النبي ذلك إلى أصحابه فخالفوه و أسروا يوم بدر جماعة من المشركين طمعا في الفداء فأنكر الله تعالى ذلك عليهم و بين أن الذي أمره سواه و قوله ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى فلا شك أن الصحابة أسروهم ليكونوا في يده و مضافون إليه و إن كان لا يأمرهم بأسرهم بل بخلافه.
قوله سبحانه عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ هذا ليس يقتضي وقوع معصية و لا غفران عقاب بل القصد به التعظيم و الملاطفة في الخطاب كما تقول أ رأيت رحمك الله و قد بدأ بالعفو قبل العقاب لأنا نقول لغيرنا لم فعلت كذا في حال استفهام أو تقرير و كيف يكون ذلك معصية و قال تعالى في موضع آخر فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ و لو كان للعقاب مفردا لما دل إلا أنه ترك الأولى و ترك الأولى ليس بذنب.
قوله سبحانه وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً الاستغفار قد يكون عند ذكر المصيبة بما ينافي الإضرار و قد يكون على وجه التسبيح و الانقطاع إلى الله تعالى فكأنه قال قد حدث أمر يقتضي الاستغفار مما جدده الله لك فاستغفره بالتوبة يقبل ذلك منك و مخرجه مخرج الخطاب للنبي و هو تعليم لجميع أمته.
قوله سبحانه سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ أي يتساوى الاستغفار لهم و عدم الاستغفار فإن الله لا يغفر لهم لأنهم يبطنون الكفر و إن أظهروا الإيمان و قال الحسن أخبر الله تعالى أنهم يموتون على النفاق فلم تستغفر لهم بعد.
قوله سبحانه فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ و نحوهما فهو خطاب متوجه إلى النبي ص و هو نهي لجميع المكلفين.
قوله سبحانه وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ و قوله فَلا تَأْسَ
عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ليس ينهى عن الحزن لأنه لا يقدر عليه لكنه تسلية للنبي ص و نهي عن التعرض للحزن
فصل [في المشاورة]
قوله تعالى وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ كان النبي ص مؤيدا بالوحي كاملا في الرأي مستغنيا عن الاستفادة و كان ممن يوثق بقوله و يرجع إلى رأيه فالوجه في ذلك ما قال قتادة و الربيع و ابن إسحاق إن ذلك على وجه التطيب لنفوسهم و قال سفين بن عتبة وجه ذلك ليقتدي به أمته في المشاورة و لا ترونها منزلة نقيصة كما مدحوا بأن أمرهم شورى بينهم و قال الحسن و الضحاك لإجلال الصحابة و اقتداء الأمة به و قال الجبائي أن يستعين برأيهم في بعض أمور الدنيا و قال الشيخ المفيد وجه ذلك أن يمتحنهم فيتبين الناصح في مشورته من الغاش له بدلالة قوله فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ علق الفعل بعزمه دون رأيهم أ لا ترى أنهم لما أشاروا ببدر عليه في الأسرى جاء التوبيخ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى .
قوله سبحانه يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ جاهد النبي ص الكفار في حال حياته و أمر وصيه بجهاد المنافقين بعد وفاته قوله تقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين و قوله ع في حديث خاصف النعل و حديث كلاب الحوأب و حديث تقتلك الفئة الباغية و حديث ذي الثدية و غير ذلك و قيام الوصي بعده بالجهاد يدل على جهاده و يقال جاهِدِ الْكُفَّارَ بالقتال وَ الْمُنافِقِينَ بالمقال و إنما صح ذلك لما كان في أصحابه منافقون.
قوله سبحانه تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ يعني بالآيات ما تقدم ذكره من إماتته ألوفا دفعة ثم أحياهم في مقدار ساعة و من تمليك طالوت مع حمولة و من نصرة أصحاب طالوت في قتلهم و لا يقدر عليه غير الله تعالى ثم قال وَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ فائدة الجمع بينهما أشياء منها الإخبار بما تقدم من الدلالة على النبي ص و التصديق بتلك الأمور لنبوته و أنه أوحي إليه و استدعي القيام بما أرسل به بعد قيام الحجة عليهم و أنه كما نصب تلك الآيات جعلك من المرسلين فصارت هذه الآيات دلالة على النبوة من جهة أنها إخبار عن غيوب
قوله سبحانه لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ جاءت أو بعد ما لا يجوز أن يعطف عليه قوله- أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ معطوف على قوله لِيَقْطَعَ طَرَفاً و المعنى أنه تعالى عجل لكم هذا النصر و منحكم به ليقطع من الذين كفروا أي قطعه منهم و طائفة من جميعهم أَوْ يَكْبِتَهُمْ أي يغلبهم فيخيب سعيهم أو يعطفهم ما يريدون من تظاهر آيات الله الموجبة لتصديق نبيه ص فيتوبوا و يؤمنوا فيقبل الله ذلك منهم و يتوب عليهم أو يكفروا بعد قيام الحجج فيموتوا أو يقتلوا كافرين فيعذبهم الله تعالى فيكون قوله- لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ معطوفا على قوله- وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ أي ليس لك و لا لغيرك من هذا النصر شيء و إنما هو من الله و يقال ليس لك من الأمر شيء أو من أن يتوب عليهم فأضمر من اكتفاء بالأولى و أضمر أن بعدها لدلالة الكلام عليها و هي مع الفعل الذي بعدها بمنزلة المصدر و تقدير الكلام ليس لك من الأمر شيء و من توبتهم و عذابهم و يقال ليس لك من الأمر شيء حتى يتوب عليهم كما قال إمرؤ القيس-
فقلت له لا تبك عينك إنما
نحاول ملكا أو تموت فنعذرا
أراد إلا أن نموت فيكون تقدير الكلام ليس ما تريده من توبتهم أو عذابهم بك و إنما يكون ذلك بالله تعالى.
قوله سبحانه ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ يعني ما كنت قبل المبعث تدري ما الكتاب و لا ما الإيمان أو قلت قبل البلوغ.
قوله سبحانه أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ المعنى أ ما علمت و إنه خرج مخرج التقدير كقوله أنت قلت للناس قال الجبائي إنما قال الله تعالى ذلك لأمرين أحدهما التقدير و التنبيه الذي يئول إلى معنى الإيجاب كما قال الشاعر-
أ لستم خير من ركب المطايا
و أندى العالمين بطون راح
و أنكر الطبري أن يدخل حرف الاستفهام على حرف الجحد بمعنى الإثبات و الثاني أنه خطاب
للنبي و المراد به أمته كما قال- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ
فصل [في الرحمة و شرح الصدر]
قوله تعالى- وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ اقترحوا أن يأتيهم بها من جنس ما شاءوا لما قالوا فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ يعنون فلق البحر و إحياء الموتى و إنما قالوا ذلك حين عجزوا عن معارضة القرآن فقال تعالى أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ و قال هاهنا قُلْ يا محمد- إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ما في إنزالها من وجوب الاستيصال لهم إذ لم يؤمنوا عند نزولها و بين أنه لو أنزل عليهم ما أنزل لم يؤمنوا قوله- وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ إلى قوله ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ معناه إلا أن يشاء الله أن يكرههم و قال وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ يعني الآيات التي اقترحوها للإيمان فلم يؤمنوا لما رأوها فوجب استيصالهم و قال- وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ الآية.
قوله سبحانه وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلًا. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ فيه دلالة على أنهم كانوا على شبهة لأن العارف بالله تعالى لا يقول هذا لأنه لا يجوز عليه تعالى المقابلة و لا لهم استعمال هذا على معنى دلائل آيات الله إذ لا دليل يدل على ذلك فلا يشرط الظاهر ما ليس فيه لأنه لم يثبت معرفتهم و حكمتهم فينصرف ذلك على الظاهر فلذلك أجابهم الله تعالى بقوله- قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا و إنما أجابهم بذلك لأن المعنى الذي يقترحون من الآيات ليس أمرها إلي و إنما هي إلى الذي أرسلني و الذي هو أعلم بالتدبير مني و ما ينصبه من الدليل فلا وجه لطلبكم هذا مني و لا يلزم إظهار المعجزات بحسب اقتراح المقترحين لأنه لو لزم ذلك للزم في كل حال لكل مكلف.
قوله سبحانه وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ رد على المجبرة من أنه ليس لله على
الكافر نعمة لأنه تعالى بين أن إرسال الله رسوله نعمة على العالمين و على كل من أرسل إليه و وجه النعمة على الكافر عرضة الإيمان و لطف له في ترك معاصيه و قال ابن عباس هي نعمة على الكافر بأن عوفي مما أصاب الأمم قبلهم من الخسف و القذف.
قوله سبحانه أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ليس فيه ما بهتوه و الشرح غير الشق و لا يحيا الحي بعد ما شق صدره و المعصوم قلبه خال من الرين و ليس في الظاهر ما يدل على مقالهم و الوزر هو الثقل و سميت الذنوب أوزارا تشبيها بالثقل و المراد هاهنا عمة من قومه يوضحه قوله وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ .
قوله سبحانه لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ الذنب مصدر و قد يضاف إلى فاعل و مفعول قولهم أعجبني ضرب زيد عمرا إذا أضافوه إلى الفاعل و أعجبني ضرب زيد عمرو إذا أضافوه إلى المفعول فيكون هذا مضافا إلى المفعول و المراد ما تقدم من ذنبهم إليك في منعهم إياك من مكة و المغفرة الإزالة و النسخ لأحكام المشركين عليه أي يزيل الله ذلك عنك و يستر عليك تلك الوصمة بما يفتح لك من مكة فستدخلها فيما بعد و على هذا الوجه تكون المغفرة غرضا في الفتح و جزاء على الجهاد و لو أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ معنى معقول و قالوا- ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ أي ما تقدم زمانه من فعلهم القبيح بك و بقومك و ما تأخر و قالوا ما تقدم من ذنب أمتك و ما تأخر بشفاعتك و معنى التقدم و التأخر ما تقدم زمانه و تأخر كما تقول صفحت عن السالف و الأنف من ذنوبك و غفرت لك ما قدمت و أخرت كما يقال لرجل من قبيله أنتم فعلتم كذا أو قتلتم فلانا و إن كان المخاطب غير شاهد و حسنت إضافة ذنوب أمته إليه للاتصال-
و روي أن الصادق سئل عنها فقال و الله ما كان له ذنب و لكن ضمن له أن يغفر ذنوب شيعته على ما تقدم من ذنبهم و ما تأخر.
قوله سبحانه سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا حديث المعراج على أربعة أوجه منها ما يقطع على صحته الكتاب و السنة أنه أسرى به على الجملة و
ثانيها ما ورد في ذلك مما تجوزه العقول و لا يأباه الأصول فنحن نجوزه ثم نقطع على أن ذلك كان في يقظته نحو ما روي أنه طاف في السماوات و رأى الأنبياء و العرش و سدرة المنتهى و الجنة و النار و ثالثها ما يكون ظاهره مخالفا لبعض الأصول إلا أنه يمكن تأويله على وجه يوافق المعقول فالأولى أن ناوله على ما يطابق الحق نحو أنه رأى قوما في النار يعذبون و قوما في الجنة فرحين فيحمل على أنه رأى صفتهم و أسماءهم و رابعها ما لا يصح ظاهره و لا يمكن تأويله إلا على التعسف البعيد فالأولى أن لا نقبله نحو أنه كلم الله جهرة و رآه و قعد على سريره و أنه شق بطنه و غسل ثم إن الناس مختلفون في المعراج- فالخوارج ينكرونه و قالت الجهمية عرج بروحه دون جسمه على طريق الرؤيا و قالت المعتزلة بل عرج بروحه و جسمه إلى بيت المقدس و قال أصحابنا و جميع أصحاب الحديث و التأويل و الجبائي و الطوسي بل عرج بروحه و بجسمه إلى السماوات حتى بلغ سدرة المنتهى في السماء السابعة و الذي يشهد به القرآن أن الإسراء من المسجد الحرام إلى بيت المقدس و الباقي يعلم بالخبر.
قوله سبحانه قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ و هل الجحد بآياته إلا تكذيب نبيه نفى تكذيبهم بقلوبهم تدينا و اعتقادا و إن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب كما قال وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ قال أبو زيد المدني لقي أبو جهل النبي ص فصافحه أبو جهل فقيل له في ذلك فقال و الله أعلم أنه نبي و لكن متى كنا تبعا لبني عبد مناف فأنزل الله الآية و قال الأخنس و قد سئل عن النبي بالسر و الله إن محمدا لصادق و ما كذب قط و لكن إذا ذهب بنو قصي باللواء و الحجابة و السقاية و الندوة و النبوة ما ذا يكون لقريش فإنهم لا يكذبونك لا يفعلون ذلك بحجة و لا يتمكنون من إبطال ما جئت به يقال فلان لا يستطيع أن يكذبني و لا يدفع قولي لا يكذبونك لا يلقونك متقولا كما تقول قاتلته فما أحييته و حادثته فما أكذبته قال الكسائي أي لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به لأنه كان عندهم أمينا قوله- وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُ و لم يقل و كذب قومك المعنى في قوله لا يُكَذِّبُونَكَ إن تكذيبك راجع إلي و عائد علي و لست المختص به لأنه رسول الله فمن كذبه كذب الله لا يكذبونك في
الأمر الذي توافق فيه كتبهم و إن كذبوك في غيره و قال المرتضى لا يكذبونك جميعهم و إن كذبوك بعضهم و هم الظالمون الذين ذكر في الآية أنهم يجحدون بآيات الله و هذا تسلية للنبي أنه إن كذبك بعضهم فإن فيهم من يصدقك.
قوله سبحانه عَبَسَ وَ تَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى الآيات ظاهرها لا يدل على أنها خطاب له بل هو خير محض لم يصرح بالمخبر عنه يدل عليه أنه وصفه بالعبوس و ليس هذا من صفات النبي في القرآن و لا خبر مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين بل في القرآن وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ثم إنه نفى عنه العبوس و نحوه بقوله- وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ثم إنه وصفه بأنه يتصدى للأغنياء و يتلهى بالفقراء و هذا مما لا يوصف به النبي لأنه كان متعطفا متحننا و قد أمره الله تعالى بقوله- وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ و كيف يقول وَ ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى و هو مبعوث للدعاء و التنبيه و كيف يجوز ذلك عليه و كان هذا القول إغراء بترك حرصه على إيمان قومه و إنما عبس صحابي ذكرنا شرحه في المثالب.
قوله سبحانه إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً وَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ الخطاب و إن توجه إلى النبي ص من حيث خاصم من وراءه على ظاهر الإيمان و العدالة و كان في الباطن بخلافه فلم يكن ذلك معصية لأنه ص منزه عن القبائح و إنما ذكر ذلك على وجه التأديب له في أن لا يبادر إلى دفع الخصم إلا بعد أن يبين الحق منه و المراد بذلك أمته على أنا لا نعلم أن ما روي في هذا الباب وقع من النبي ص لأن طريقه الآحاد و ليس توجه النهي إليه بدال على أنه وقع منه ذلك المنهي عنه كما قال لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ و لا يدل ذلك على وقوع الشرك منه و خلاصة الحديث في ذلك أن قتادة البدري رمى بني أبيرق بالسرق فشكا قومه إلى رسول الله ص و زكوا الأبيرق فقال عمدت إلى أهل بيت حسب و نسب و رميتهم بالسرق و عاتبه فنزلت الآية
فصل [في الهدى و الضلال]