کتابخانه روایات شیعه
اكتفى بتأنيثهما عن تأنيث أي كما قال الشاعر
لما أتى خبر الزبير تهدمت
سور المدينة و الجبال الخشع .
أنث السور لإضافته إلى المدينة فلما جاز تأنيث المذكر لإضافته إلى المؤنث جاز أيضا تذكير المؤنث لإضافته إلى المذكر و قيل المراد بالأرض القدم و القدم يذكر و يؤنث.
قوله سبحانه- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ ذكر السماوات بلفظ الجماعة و الأرض بلفظ الواحد قال أهل البصرة الأرض لفظه لفظ المصدر و المصدر لا يثنى و لا يجمع نظيره خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ و قوله أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً و لم يقل رتقين لأن لفظه لفظ المصدر
فصل [في الواحد و الجمع]
قوله تعالى نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَ إِذْ هُمْ نَجْوى وحد نجوى لأنه مصدر يوصف به الواحد و الاثنان و الجمع و المذكر و المؤنث كقولهم الرجال صوم و المنازل حمد و يقال معناه و إذ هم أصحاب نجوى فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه.
قوله سبحانه- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصارى وَ الصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ فوحد الفعل ثم قال فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ لأن لفظة من تعم الواحد و الجمع و الأنثى و الذكر فإن ذهب إلى اللفظ وحد و إن ذهب إلى المعنى جمع قال وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ فجمع مرة من الفعل لمعناه و وحد أخرى على اللفظ.
قوله سبحانه- وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ بلفظ الجماعة- وَ النُّورَ بلفظ الواحد لأن النور يقع على الواحد و الجمع قال جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً و سمى الظلمات و هي مختلفة في ذلك قوله يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ و نظيره وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً قال ابن
الزبعرى راتق ما فتقت إذا أنا بور.
قوله سبحانه- الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ للواحد و قوله حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ للجمع فالعلة في ذلك أن واحده و جمعه سواء.
قوله سبحانه- أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ و كان واحدا و هو الخفاش و قال في الجمع وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ و قال أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ و قال يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ .
قوله سبحانه- الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ قدم النساء على الرجال لأن الزناء في النساء أشهر و قوتهن فيه أكثر-
كما جاء في الخبر أن الشهوة عشرة أجزاء تسعة منها للنساء و واحد منها للرجال.
و قدم الرجال في السرقة قوله وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ لأنها فيهم أكثر لأنها تكون بقوة القلب و قوة القلب في الرجال أكثر و قيل إنما قدم النساء في الزناء على الرجال لأن بدء الزناء منهن و ذلك أن الزناء تبع الزينة و الزخرف و قدم الرجال في السرقة لأن السرقة مع السلاح و هذا من عمل الرجال.
قوله سبحانه- يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ إنما قدم السجود على الركوع لأن اعتقادات الأنبياء في العقليات سواء و مختلفة في الشرعيات فيمكن أن يكون السجود قبل الركوع-
و قيل إنها سألت زكريا ع أ يجوز للنسوة أن يصلين مع الرجال في الجماعات فقال يجوز.
كما أخبر الله تعالى عنهما فقال يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ الآية أي صلي مع الرجال في الجماعة كما قال في موضع آخر- أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ فلما قال وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ فقد أجمل الصلاة بأسرها ثم أمر بهذه الصلاة فقال وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ نظيره وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ .
قوله سبحانه- لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ تأكيد و لا يجوز الاستثناء بعده الجواب الاستثناء وقع على الأمر لا على الدخول و التأكيد وقع على الدخول معناه إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ غير خائفين.
قوله سبحانه- قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا 60 15 قال أبو عبيدة كان أبو يوسف يتأول فيها أن الله تعالى استثنى آل لوط من المجرمين ثم استثنى امرأة لوط فرجعت امرأته في التأويل إلى القوم المجرمين لأنه استثناء رد إلى استثناء كان قبله و كذلك كل استثناء في الكلام إذا جاء بعد الآخر عاد المعنى إلى الأول كقول الرجل لفلان علي عشرة دراهم إلا أربعة إلا درهما فإنه يكون إقراره بسبعة و كذلك إن قال له علي خمسة إلا درهما إلا ثلاثا كان إقراره بأربعة و ثلاث و لو قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة كانت بثنتين.
قوله سبحانه- كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا كلام مبني على الشرط و الجزاء مقصود به إليهما و المعنى من يكن في المهد صبيا كيف نكلمه و قال قطرب معناه من صار في المهد و من هو في المهد كما تقول إن كنت أبي فصلني قال زهير
أجزت إليه حرة أرجبية
و قد كان لون الليل مثل الأزندج .
و قيل كان هاهنا بمعنى خلق و وجد يقال كان الحر و البرد و قيل لفظة كان و إن أريد به الماضي فقد يراد به الحال و الاستقبال قوله كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا و كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً قال الشاعر
فأدركت من قد كان قبلي و لم أدع
لمن كان بعدي في القصائد مصعدا .
قوله سبحانه- لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَ الْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَ الْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ قال الفراء و الزجاج هو من صفة الراسخين لكن لما طال و اعترض بينهما كلام نصب المقيمين على المدح مثل قوله
وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ و قال آخرون هو من صفة غير الراسخين في العلم هاهنا و إن كان الراسخون في العلم من المقيمين قالوا و موضع المقيمين خفض عطفا على ما في قوله- يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ و يؤمنون بالمقيمين المعنى يؤمنون بإقام الصلاة و قوله وَ الْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ قالوا عطف على قوله وَ الْمُؤْمِنُونَ و قالوا المعنى و المؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك و يؤمنون بالمقيمين الصلاة و هم المعصومون- وَ الْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ كما قال يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ و قالوا الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ منهم من المقيمين الصلاة قالوا فموضعه خفض و هذا ضعيف و قال الطبري المقيمون الصلاة هم الملائكة و إقامتهم الصلاة تسبيحهم ربهم و استغفارهم لمن في الأرض و معنى الكلام و المؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك و بالملائكة. 6
قوله سبحانه- إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً نكرة بعد المعرفة و النكرة بعد المعرفة تكون منصوبة على القطع نظيره وَ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً و قوله وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً و قال بعضهم نصب على الحال كقوله أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً و قوله قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً و الكسائي لا يفرق بين الحال و القطع يقول إذا تم الكلام انتصب الاسم بعده على الحال و القطع.
قوله سبحانه- يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ الآية انتصب حذر الموت لأنه مفعول له معناه يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت و هذا قول أهل البصرة و قيل نصب على الحال معناه في حال حذرهم من الموت كقولك جاءني زيد راكبا نظيره يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً و يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً و قيل انتصب على نزع الخافض معناه يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق من حذر الموت نظيره رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّيْفِ
فصل [في النصب النكرة بعد المعرفة]
قوله تعالى إِنْ هذانِ لَساحِرانِ ارتفع هذان على معنى الابتداء لأن إن هاهنا بمعنى نعم و قيل هذا لغة بلحرث بن كعب من اليمن و إنهم يرفعونه في حال الخفض
و النصب يقولون إن أخواك عندك و مررت بأخواك و ابتعت ثوبان و اشتريته بدرهمان و قال الشاعر
إن أباها و أبا أباها
و قال الفراء ألفه أصلية و قال غيره إنها عماد و ليس بألف التثنية و ألف التثنية ترجع إلى الياء في التثنية فلما كان هذا مبهما غير متمكن من الإعراب زيد في آخره نون بدل التثنية و أخرى في الإعراب على حالة واحدة وحدانه و جمعه و تثنيته تقول رأيت هذا و مررت بهذا و جاءني هذا و في الجمع رأيت هؤلاء و مررت بهؤلاء و جاءني هؤلاء و لو بني على قياس الأسماء المتمكنة لوجب أن يقال هذاان بألفين ثم يثنى ألف التثنية دون ألف الوصل أو العماد و قرئ بتسكين النون بمعنى ما و اللام على معنى الاستثناء معناه ما هذان إلا ساحران نظيره وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ .
قوله سبحانه- صَغَتْ قُلُوبُكُما القلب لا يصغى و إنما يتعلق بغيره ما يحل فيه من محبات و إرادات و دواع فحذف ذكر الحال و أقام المحل مقامه و جمع المحل الذي هو القلب لما كان الحال جمعا كما أقام المضاف إليه مقام المضاف في قوله وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ و قوله صَغَتْ قُلُوبُكُما و هما قلبان مثل قوله أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ و هما اثنان عائشة و صفوان و كذلك قوله خَصْمانِ اخْتَصَمُوا و قوله وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا و هو الواحد و قيل إنما ذكر فعل اثنين بلفظ الجماعة لأن العدد عدد مفرد في بابه و كل ما خرج من حيز الواحد دخل في حيز الجماعة نحو الرجلين يصليان جماعة على مذهب من يقول أقل الجمع اثنان.
قوله سبحانه- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا و في موضع هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ كل اسم جاء على لفظ المصدر فالواحد و التثنية و الجمع فيه سواء نظير حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ و قال هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ و قيل إنما قال اختصموا لأنهما جمعان ليسا برجلين عنى به اليهود و النصارى و إذا كان اثنان غير مقصود بهما ذهب بهما مذهب الجمع لأنه يكون عاما كقوله أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ
فصل [في الاسم التي جاء على لفظ المصدر]
قوله تعالى عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ
أي فمتعوهن متاعا فيه ضمير ناصب و مثله قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا و كل مرفوع لا يظهر رافعه فهناك ضمير نحو سُورَةٌ أَنْزَلْناها يعني هذه السورة لأن النكرة لا يبدأ بها و مثله فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ و مثله فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ .
قوله سبحانه- فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ و قوله وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إنما يريد بالكل التوكيد و التكثير كقولك أكلنا اليوم كل شيء و كنا في كل سرور و كقولك هذا قول أهل العراق و أهل الحجاز.
قوله سبحانه- وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ المعنى أن الخلق جميعا يتقلبون في رحمته و رزقه و سأكتب ثوابها للمتقين خاصة و المعنى الآخر وسعت كل شيء دخل فيها و أرادها.
قوله سبحانه- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ إلى قوله الْمُتَّقُونَ أراد تعالى ليس الصلاة هي البر كله بل تبقى عليكم صنوف الواجبات و ضروب الطاعات و يقال إن النصارى لما توجهوا إلى المشرق و اليهود إلى بيت المقدس و اعتقدوا في الصلاة إليهما أنها بر و طاعة خلافا على الرسول ص أكذبهم الله تعالى في ذلك و بين أن ذلك ليس من البر إذ كان منسوخا بشريعة النبي ص و أن البر ما تضمنه الآية.
قوله سبحانه- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ كانُوا عَنْها غافِلِينَ ذمهم بالغفلة و هي من فعله تعالى لأنها السهو أو ما جرى مجراه مما تنافي العلوم الضرورية و لا تكليف على الساهي قلنا المراد هاهنا بالغفلة التشبيه لا الحقيقة و ذلك أنهم لما أعرضوا عن تأمل آيات الله تعالى و الانتفاع بها أشبهت حالهم حال من كان ساهيا غافلا عنها فأطلق ذلك عليهم كما قال صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ و يقال أنت ميت و راقد و ما لك لا تسمع و لا تبصر.
قوله سبحانه- ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ و إن كان حكمة فإنما وصفه بأنه حكيم لما كان فيه من الدلالة بمنزلة الناطق بالحكمة حسن وصفه بأنه حكيم من هذه الجهة كما وصفت بأنها دليل لما فيها من الدليل و البرهان.
قوله سبحانه- رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها و يكون فيها الأطفال و المجانين و إنما قلنا ذلك تغليبا للأكثر كقولك قال أهل البصرة و إن كان قولا لبعضهم
فصل [في لفظ من]
قوله تعالى وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ علق الخلود بدوام السماوات و الأرض و هما يفنيان الجواب أنما علق به على طريق التبعيد و تأكيد الدوام تقول العرب لا أفعل كذا ما لاح كوكب و ما أضاء الفجر و ما اختلف العصران و ما تغنت حمامة و نحوها و مرادهم التأبيد و يجري ذلك مجرى قولهم لا أفعل كذا أبدا لأنهم يعتقدون أنه لا يزول و لا يتغير و عباراتهم تجري بحسب اعتقاداتهم لا بحسب ما يجري عليه الشيء في نفسه كما اعتقد بعضهم في الأصنام أن العبادة تحق لها فسماها آلهة بحسب اعتقاده لا بحسب الحقيقة و قيل إنه أراد به الشرط و عنى بالآية دوام السماوات و الأرض المبدلتين لأنه تعالى قال يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ فأعلمنا أنهما تبدلان و قد يجوز أن يديمهما بعد التغيير أبدا بلا انقطاع و إنما المنقطع هو دوام السماوات و الأرض التي يعلم الله تعالى انقطاعهما ثم يزيدهم الله على ذلك و يخلدهم و يؤبد مقامهم.
قوله سبحانه- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ و في موضع مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ لأن من لفظ الواحد و معناها الجمع فمرة يحمل على اللفظ و أخرى على المعنى.