کتابخانه روایات شیعه
الجزء الأول
الإهداء
إليك يا محسن ... يا محسن ... يا مُهجة فاطمة ... و قلب عليّ ....
أيها الصبيب السكيب من الكوثر العذب ...
يا ظفيرة الشمس التي قطعتها أصابع الغدر و الظلم و الظلام ...
يا زُهرة ولدت مع الفجر و أطفأتها يد الجريمة ...
يا صيحة الحقّ المهدور .... و ضحيّة الهدي المسفوح بين الباب و الجدار ...
يا عذوبة الطهر ... و نسمة البراءة ... و نصاعة الروح ...
يا نورا ... مزّق أستار الزيف و الدجل و التضليل ...
و يا بطلا ... هزم أعداءه بلا سيف ... و ظلّ وسّاما مُشعّا على أقمة الأيام يروي الحقيقة كما هي ...
يا رائدا الشهداء من آل محمّد ...
يا أوّل شمعة ذابت في محراب الولاية ....
أضع زادي القليل هذا و بضاعتي المزجاة في رحابك الواسع ...
راجيا منك القبول ...
محمّد باقر
كلمة المحقّق
[حول تأليف الكتاب]
هذا الكتاب الّذي بين يديك- عزيزي القارئ- ألّفه رجل السيف و القلم، التابعيّ الكبير الشيخ أبو صادق سليم بن قيس الهلالي قدّس اللّه روحه. و لقد قام بتأليفه في عصر الإرهاب الفكريّ و العقيديّ الّذي اقيم في المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و الذي منع الناس فيه من تدوين حديث نبيّهم و تاريخ دينهم و معارفهم الإسلاميّة الصحيحة، و اقيم عليها الحظر الشديد و المبالغة في الحساب و العقاب عليها، مضافا الى عمليّات التشويه و التحريف للحقائق الّتي ساعد عليها الفئة الحاكمة.
فكان أن قام ذلك الرجل المخلص- الّذي قضى عمره الشريف في سبيل دين اللّه في ساحات القتال و ميادين العلم و التأليف في ذلك العصر العصيب- يجمع هذا الكتاب في فترة طويلة من الزمان بلغت ستّين عاما من عمره المبارك، قضاها بين الجمع و التمحيص و التأليف لكثير من الحقائق و الأسرار الّتي جرت على أهل البيت عليهم السلام بعد الرسول صلوات اللّه عليه و آله، و الّتي لولاه لكانت اليوم في مطاوي النسيان و في خزائن الدهر.
و قلّ أن يسمح الزمان لأحد بمثل ما سمح لسليم من الظروف الّتي التقى فيها بأئمة أهل البيت المعصومين عليهم السلام و أصحابهم الأجلّاء أمثال سلمان و أبي ذر و المقداد و غيرهم فاستحصل الجواهر عن معادنها.
و قلّ أن يوجد رجال يغتنمون الفرص و يستثمرونها غاية الاستثمار في سبيل الأهداف النبيلة بحيث لا يدعون الفرص السانحة أن تمرّ عليهم بلا استفادة و بدون عطاء.
و قلّ أن يوجد من يفكّر حول هذه المواضيع العقائدية الهامّة مثل ما فكّر سليم بها و خلّد حقائقها و لم يدعها تفوته دون عمل.
فحقّا كان سليم بن قيس من أصحاب البصائر و التوفيقات الجليلة الّتى منحته الرؤية النافذة و الكاملة عمّا جرى في زمانه و مدى تأثير ذلك على الدين و مستقبله، الّذي صارفى التالي المحك الّذي جعل المسلمين في دائرة الامتحان حيث صار سببا لاختلافهم و افتراقهم إلى تيّارات و اتّجاهات مختلفة.
و قام هو بتسجيل كلّ ذلك بدقّة تليق بأهميّة الموضوع تحفّظا على الحقائق و انتصارا للحق و إعلاما و توعية للأجيال القادمة التي تتبصّر طريقها عبر ما تسمعه أو تقرؤه من الحقائق في صفحات الكتب.
و قلّ أن يوجد في المؤلّفات تأليف مثل كتاب سليم يقرّره عدد من أئمة أهل البيت عليهم السلام و تحتفظ به حملة الحديث و روّاد العلم، و يقدّر له الخلود ليبقى تراثا خالدا و سفرا حيّا ينبض بالوعي و البصيرة نحو أحداث الماضي و أثرها على المواقف و الاتّجاهات في الحياة الى اليوم.
و قد تمّ تأليف هذا الكتاب في ظروف استثنائيّة شاذّة انتهزها أعداء الإسلام لتشويه الدين الحنيف و التلاعب بالمبادى و المقدّسات الإسلامية و العبث بالتاريخ الإسلامي و قلب الحقائق عن أساسها تزييفا للأفكار و إضلالا للامّة جمعاء.
و هكذا يشكر اللّه كلّ سعى حسب ما سعى فيه صاحبه، فإذا كان سليم قد أفنى عمره بأجمعه في سبيل مواليه و أوقف نفسه خادما للّه و عاملا له في أرضه و لم يكن له أكثر ممّا بذله من نفسه و عرضه و ماله و عافيته، فقد خلّد اللّه اسمه و كتابه و استبقاه كأوّل كتاب صنّف في تاريخ الإسلام و قدّر في حكمه و قضائه أن يتحفّظ به رجال أمناء طيلة القرون.
و بذلك استحق سليم أن يكون له الفضل الكبير علينا و على الأجيال لما حفظ
لنا من معالم ديننا و بصّرنا بحقائق أمرنا و خفايا دنيانا. و اللّه تعالى و أولياؤه المعصومون هم الأعلم بأجره و جزائه و النعيم المقيم الّذي سيناله في الآخرة، لأنّه بحقّ أحيى ذكر آل محمّد عليهم السلام في الدنيا و نصرهم بقلمه و سيفه.
كما أنّ لأبان بن أبي عيّاش- الناقل الوحيد لهذا الكتاب عن مؤلّفه- حقّ عظيم علينا حيث كان هو الّذي حفظ لنا هذا التراث القيّم في ظروف عصيبة و نقل إلينا هذا النور الوضّاء بالحقيقة و الحق طيلة القرون.
فها نحن نأخذ في دراسة مستوعبة في جميع جوانب هذا الكتاب الّذي هو أول كتاب عاش أربعة عشر قرنا منذ تأليفه حتّى اليوم و خاض فيها المصاعب الكثيرة و الآلام و المعاناة حتّى وصل إلينا و ظلّت حقائقه مكتومة غير مبيّنة.
و سوف نبيّن في غضون الأبحاث مدى أهميّة هذا التأليف و كيفيّة التحفّظ به في ظروف عصيبة و مدى اهتمام العلماء بشأنه و ساير ما يرتبط بالكتاب و مؤلّفه، و بعد ذلك نخرج المتن المنقّح من كتاب سليم بمقابلته على أربع عشرة نسخة من مخطوطاته و بملاحظة تلك الدراسات و على أساسها.
و بما أنّ قيمة الكتاب تتطلّب منّا الإسهاب و بذل الجهود في تحقيقه أكثر من أيّ كتاب آخر فقد اجتهدنا في إخراجه بصورة تليق بعظمة الكتاب و مؤلّفه و ذلك بعد دراسة و إعداد طويلين ضمن البحوث الّتي تشكّل منها مقدّمة الكتاب.
ملامح عامّة
و لا بأس بذكر بعض الملامح و الخطوط العريضة حول هذه البحوث كي يكون القارئ العزيز على علم و إحاطة- و لو مختصرة- عن محتواها قبل الخوض فيها و هي متمثّلة في الخطوات التالية:
الأولى: عرض موجز عن تاريخ مصاحبتي للكتاب منذ بداية معرفتي له إلى هذه النهاية الّتي أنا عليها.
الثانية: لمحة مختصرة عن حياة المؤلّف و تاريخ كتابه من بدو التأليف إلى يومنا هذا.
الثالثة: تفاصيل الدراسة حول الكتاب و المؤلّف. و هي تتضمّن دراسات و بحوث عن حياة المؤلّف من جميع جوانبها من سنة ولادته و وفاته و أسفاره و حروبه و من التقى بهم و روى عنهم و من روى عنه، كما و تحتوي على تحقيقات عن تاريخ تأليف الكتاب و منهج المؤلّف في تأليفه و أسناد الكتاب و مخطوطاته و كيفيّة وصولها إلينا و مدى تحفّظ علمائنا بها خلال قرون متطاولة.
و تتضمّن أيضا ذكر من روى عن هذا الكتاب و ما ورد من كلمات الأئمّة المعصومين عليهم السلام في تقرير الكتاب و ما ذكره الأعلام في جميع العصور متّصلا إلى زماننا هذا، و غير ذلك ممّا جاء في هذا البحث.
و في الأخير أستعرض منهجي في تحقيق الكتاب و كيفية إخراجه بهذه الصورة الّتي هو عليها بإذن اللّه تعالى.
و بعد ذلك ترى المتن المنقّح المحقّق للكتاب و يتلوه تخريج الأحاديث في فصل خاصّ، و تقع الفهارس الفنيّة آخر الكتاب.
و كلّ هذه متمثّلة بين يديك في ثلاثة أجزاء:
الجزء الأوّل: يحوي مباحث المقدّمة بأجمعها.
الجزء الثاني: يتضمّن متن الكتاب المحقّق.
الجزء الثالث: يحتوي على التخريجات و الفهارس، و بضمنها الفهرس الموضوعيّ المفصّل.
و الرجاء أن يكون عملي المتواضع هذا إحياء لتراثنا الحديثي و التاريخي و تخليدا لذكرى مؤلّفه العظيم و أن أكون قد قدّمت للامّة الإسلاميّة أثرا نفيسا من ذخائر تراث أهل البيت عليهم السلام يلزم الباحثين في الحديث و يرجع إليه المهتمّين بالتاريخ، و أن يكون عملى القاصر هذا مقبولا لدى موالينا المعصومين صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين.