کتابخانه روایات شیعه
[مقدمة التحقيق]
تقديم:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه، و الصلاة و السلام على سيّدنا رسول اللّه، و على الأئمة من آله حجج اللّه.
و بعد:
في عام (1408) طبع هذا الكتاب بتحقيقي في العدد السادس عشر من نشرة «تراثنا» الفصليّة، التي تصدرها مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، في مدينة قم المقدّسة.
و كنت قد اعتمدت في تحقيقه على ثلاث نسخ، و قدّمت له مقدّمة مسهبة احتوت على: دعوة لإحياء الذكرى الألفية لوفاة مؤلّفه الشيخ المفيد رحمه اللّه (413- 1413).
و احتوت على حديث عن أقسام التعاليم الإسلاميّة، و نشوء الفرق الكلاميّة، و الخلط بين المذاهب، و نبذة عن حياة الشيخ المفيد قدّس اللّه سرّه، و عن هذا الكتاب.
و لقد قيّض اللّه من حقّق الرغبة و لبّى الدعوة لإحياء الذكرى الألفيّة، فرغب إليّ في إعادة طبع هذا الكتاب، ضمن ما عزم على نشره من تراث الشيخ المفيد (رضوان اللّه عليه).
و لقد تمّ تصميم القائمين على هذا الأمر أن يعيد نشره ثانية، بصورة مستقلّة.
فقمت بقراءة ثانية للكتاب، مع اعتماد نسختين أخريين منه في العمل، و تقديم كلمة قصيرة عن موضوع الكتاب، و نسبته، و نسخه، و منهج العمل فيه.
آملا أن يجوز رضا المراجعين الفضلاء.
و للّه الحمد في الأولى و الآخرة، إنّه وليّ التوفيق، و هو نعم المولى، و نعم النصير.
و كتب السيّد محمّد رضا الحسينيّ في 25 رجب المرجّب 1412
المقدّمة
1- على الأعتاب
يعتبر القرن الرابع الهجريّ- عند بعض الدارسين حول التاريخ الإسلامي- عهدا مميّزا بأهميّة خاصّة من بين القرون التي سبقته و لحقته.
و ربما يكون بين أسباب ذلك أنّه القرن الذي سبقته ثلاثمائة عام، كانت كافية لأن ترسو فيها الأمّة على شاطئ الاستقرار و الأمان، في السياسة و القانون و العقيدة، بعد أن مرّت بالتجارب العديدة و اللازمة و المتفاوتة في أشكال الحكم و أنظمته، و في المدارس الفقهيّة و مناهجها، و في الآراء و العقائد و نظريّاتها، كما كان المفروض أن يتمّ الازدهار على كافّة الأصعدة، بعد أن جرّب كل أصحاب القدرات و المهارات المهنيّة و الصناعيّة و العمليّة حظوظهم، و حتّى بعد أن امتلأ أصحاب الشهوات و الأهواء من أمنيّاتهم و رغباتهم التي حصلوا عليها، بعد أن عانت الأمّة و عاشت كلّ الآلام و الآمال، و وقفت على كلّ التجارب، و حان لها أن تقترع على الشكل النهائيّ و الأفضل، و الذي يتمثل فيه «الحقّ الإسلاميّ» الذي تنتمي إليه الأمّة بكاملها، على اختلاف أهوائها و مذاهبها، و العنوان الكبير الذي لا يزال له الهيبة و الرسم، و الى ودّه و حبّه تتسابق كلّ الفئات، و كلّ يدّعي وصلا به، هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى: نجد في هذا القرن خاصّة، الزمان الذي تكاملت فيه مصادر المعرفة الإسلاميّة، و جمعت و ضبطت، بحيث لم
يشذّ عن حيطة الدارسين ما يعذرون بجهله.
و ملاحظة اخرى تعتبر هامّة: أنّ الثقافات غير الإسلاميّة، أصبحت تظهر نشاطا خاصّا بعد أن تمادى بالأمّة البعد عن التعاليم الإسلاميّة، فتردّت في مهاوي الفراغ العقائديّ، و الفساد الخلقي، و الضعف العسكريّ، فوجدت تلك الثقافات منافذ للتسلّل إلى المجتمع الإسلاميّ، مستغلّين ذلك، إلى جانب السماح الإسلاميّ المتبني لمبدأ «لا إكراه في الدين».
و لقد حاولت المذاهب و الفرق المختلفة من اتخاذ المواقع المحدّدة، للحفاظ على نفسها و على المنتمين إليها، فرسمت لأنفسها الحدود العقيديّة، حسب مناهجها الفكريّة، كما حصل للمذهب السنيّ على يد منظّره العقيديّ ابي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري (ت 330) الذي حدّد معالم «العقيدة الأشعرية» في مؤلّفاته، فظلّت ملتزما بها، عند أهل السنّة حتّى اليوم!
و بالنسبة الى مذهب الشيعة، فإنّ هذا القرن كذلك كان مميّزا و مهمّا:
في بداياته واجهت الطائفة مسألة غيبة الإمام عليه السلام بشكل جديد، و هو أمر- و إن سبقت له أمثلة- إلّا أنّها في هذه المرّة كانت أدقّ، و أوسع مدى.