کتابخانه روایات شیعه
مقدمة المحقق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على سيّدنا و نبيّنا محمّد و آله ما اختلف الملوان و تعاقب العصران، و كرّ الجديدان، و استقبل الفرقدان، و بلّغ روحه و أرواح أهل بيته منّا التّحيّة و السّلام.
المعجزة
تمهيد
إنّ كلّ شيء في الكون يخضع لنظام ثابت وفق قوانين معينة لا تحتمل التغيير، إلّا وفقا للمصلحة الإلهيّة- و هي المعجزة كما سيأتي-، فإذا حدث خلل أو تغيير فيها فإنّ ذلك يعني حدوث اختلال في الكون، مثلا لو فرضنا أنّ الجاذبيّة تبدّلت من قوّة جاذبة إلى قوّة دافعة، فإنّ الإنسان في هذه الحالة لا يستطيع السير على الأرض، و إنّما يتحرّك طائرا فيها حاله حال روّاد الفضاء عند ما يتحرّكون على سطح القمر.
و هذه الأنظمة و القوانين بعض منها أدركها الإنسان و طوّر نفسه شيئا فشيئا حتّى تقدّم في العلم و وصل إلى القمر من خلال صناعته المركبات الفضائية مثلا.
و بعض منها لم يدركها الآن و ربّما يدركها مستقبلا، أو في زمان ظهور صاحب الأمر و الزمان عليه السّلام 1 .
و البعض الآخر لم و لن يدركها، و تبقى طيّا في حكمة الخالق جلّ و عزّ، و هي التي خصّ بها أنبياءه و رسله و أئمة الدين الهداة المعصومين عليهم أفضل الصلوات و التحيّات ألا و هي المعجزة، و التي ألفت إليها البشر منذ مجيء الأنبياء و الرسل عليهم السّلام و أوصيائهم الكرام.
و إنّنا نلاحظ و من خلال ما قصّه علينا القرآن الكريم و ما ينقله لنا التاريخ، أنّ كلّ مجتمع يتواجد فيه نبيّ أو وصيّ نبيّ فإنّ الناس يطلبون منه أن يريهم بعض المعجزات و خوارق العادات- و لا يكتفون بواحدة أو باثنتين أو ..، كما حدث في بني إسرائيل، إمّا شرطا لتصديقه و الإيمان به، كقولهم: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً 2 أو للاطمئنان القلبي، كما ستشاهده في بعض روايات كتابنا هذا، أو تفكّها «تبطّرا»، كما حدث لقوم عيسى عليه السّلام عند ما قالوا له: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ 3 .
هذا و إنّ هناك معجزات أخرى ليست ضمن تقسيمنا هذا و نذكر منها:
1- معجزات اضطراريّة: كمعجزة موسى عليه السّلام عند فلقه البحر و ذلك لنجاة قومه
من فرعون و حزبه، كما حدّثنا القرآن الكريم عن ذلك: فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ 4 .
2- معجزات للتحدّي: كمعجزة عصا موسى عليه السّلام و انقلابها ثعبانا يلتهم حبال السحرة و عصيهم، وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ* فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ 5 .
3- معجزات وقعت بدون قصد التحدّي و إنّما يمكن أن نطلق عليها أنّها للتفضيل أو للوصول إلى أعلى مراحل الكمال كمعجزة معراج نبيّنا الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و الذي تحدّث القرآن عنها في خمسة عشر آية منها: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 6 .
4- معجزات للعقاب: مثل تحوّل المياه التي يشربها ملأ فرعون إلى دم، و مداهمة القمل و الضفادع و الجراد، كما جاء في الآية فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ 7 .
و غيرها من المعجزات الأخرى ...
و بعد هذا التمهيد نقول:
ما هي المعجزة
المعجزة: على ما هو معروف بين الجميع و على ما هو المستفاد من كتب اللغة العربيّة هي: ما يجعل غيره عاجزا، ثمّ عرفت في الفعل الذي يعجز القادر عن
الإتيان بمثله، أو الأمر الخارق للعادة المطابق للدعوى المقرون بالتحدّي، أو هي التي يعجز البشر عن أن يأتوا بمثلها، لا إمكانا و لا وقوعا.
و قيد: «لا إمكانا و لا وقوعا»، لإخراج ما يعجز عنه البشر اليوم، و يتمكّن منه غدا، كما في التطوّر الحاصل في الاكتشافات التكنلوجيّة و العلميّة و في كلّ حقول العلوم، كالاكتشافات الذرّيّة مثلا، فالبشر قبل مائة سنة عاجزون عن صناعة القنبلة الذرّيّة، لكنّهم في خمسينيات القرن الماضي، استطاعوا صناعة القنبلة، و العجز هنا عجز وقوع لا عجز إمكان، أمّا مثل إحياء الموتى فالبشر عموما- إلّا من أذن له اللّه عزّ و جلّ- عاجزون وقوعا: لا يتمكّنون من ذلك في كلّ حين، اليوم و بالأمس و في المستقبل.
و في الشرع و الاصطلاح عرّفها لنا قطب الدين الراونديّ فقال: هو كلّ حادث من فعل اللّه أو بأمره أو تمكينه ناقض لعادة الناس في زمان تكليف مطابق لدعوته أو ما يجري مجراه 8 .
و عرّفها السيّد الخوئي رحمه اللّه: أن يأتي المدّعي لمنصب من المناصب الإلهيّة بما يخرق نواميس الطبيعة و يعجز عنه غيره شاهدا على صدق دعواه، و إنّما يكون المعجز شاهدا على صدق ذلك المدّعي إذا أمكن أن يكون صادقا في تلك الدعوى و أمّا إذا امتنع صدقه في دعواه بحكم العقل، أو بحكم النقل الثابت عن نبيّ أو إمام معلوم العصمة، فلا يكون ذلك شاهدا على الصدق و لا يسمّى معجزا في الاصطلاح و إن عجز البشر عن أمثاله.