کتابخانه روایات شیعه
المقدمة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لا ريب أنّ الأخبار و الأحاديث التي خلّفها رسول الاسلام (ص) و أئمة الهدى تعتبر أثمن مجموعة ثقافية إسلامية و أعلاها قيمة بعد القرآن الكريم، و يكفي في أهميتها أنّها المورد الثاني من موارد الفكر الإسلامي و الشريعة الاسلامية.
تدوين الحديث
إنّ تاريخ تدوين الحديث ليس واضحا على غرار تاريخ تدوين القرآن الكريم، و من هنا فهو مكتنف بالغموض و الابهام. بيد أنّ المصادر التاريخية و الشواهد الكثيرة تشير إلى أنّ النّبي الأكرم (ص) الّذي كان عليه بيان الحقائق القرآنية كان (ص) يبيّن عقائد الاسلام و شرائعه و احكامه في صورة أحاديث يحدّث بها أتباعه و المؤمنين به، و لذا حثّهم في مواضع متعددة على كتابة و تدوين تلك الأحاديث و نشرها.
و كان من شأن توصية النّبي (ص) هذه أن ترسي قواعد سنّة تتكفّل- في جميع
الحالات و الأوقات- حلّ المعضلات، و معالجة المشكلات القرآنية، و تبيين أحكام الشريعة الدقيقة، و تحول بالتّالي دون إبداء الآراء الشخصية، أو اعتماد الظنّ، أو التصورات الخاطئة عن كلام اللّه المجيد، و التفسير بالرأي.
و بناء على هذا الأساس قال رسول اللّه (ص) في حفظ الحديث أو كتابته و نشره: «من حفظ على أمّتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه اللّه يوم القيامة في زمرة الفقهاء و العلماء» 1 و «قيّدوا العلم بالكتابة» 2 و ما شابه ذلك. كما في البخاري (ج 1 ص 30) و سنن الترمذي (ج 5 ص 34) و مسند احمد (ج 2 ص 207) و سنن الدارمي (ج 1 ص 125) و سنن أبي داود (ج 3 ص 318) و بحار الأنوار (ج 2 ص 145).
و هذه الروايات تسلّط الضوء على أهمّية الحديث و السّنة و مكانتها الخطيرة، و تفيد أن ايصال الاحكام و جزئياتها الى الجميع لا يتمّ إلّا عن طريق الأحاديث فقط، و لمّا كانت أكثر فروع الأحكام و جزئياتها قد حدّدت في القرآن الكريم، فإنّ النبيّ- و هو المفسّر الاوّل للقرآن و المبيّن الأكبر لآياته- قد أوضح تلك الأحكام، و كشف عن تلك الجزئيات بما يحتاج إليه الناس عن طريق الوحي. إلّا أنّ المسلمين جميعا غير قادرين على ادراك النبيّ (ص) و الأخذ عنه، و لذلك فإن السبيل الوحيد للّذين سيأتون فى المستقبل للتعرّف على جزئيات الاحكام الاسلامية و الوصول الى الاحكام هو تدوين أحاديث النبيّ (ص)، و ضبطها، و نشرها لتكون في متناول المسلمين في شتّى أدوار التاريخ اللاحقة. و قد شعر النّبي (ص) نفسه بهذه الضرورة، و اعتبر ابلاغ الاحكام وظيفة عامة من وظائف المخاطبين و جميع المسلمين، إلى درجة يرى البعض فيها أنّ تدوين الحديث النبوي قد بدأ من ذلك الحين.
يقول صبحي الصالح: «إنّ النّبي (ص) منع أوّلا من تدوين الحديث مخافة
.
التباس أقواله و أحاديثه بالقرآن، و لكنه أذن بعد ذلك حينما نزل أكثر الوحي، و حفظه الكثيرون، و أصبح القرآن في أمن من التباسه بالحديث، فقال (ص): «قيّدوا العلم بالكتابة». و ينتهي الدكتور صبحي الصالح من ذلك الى النتيجة التالية: و هي أنّ الرسول منع أوّلا بصورة عامة، لأنّ المسلمين يتفاوتون في ضبطهم، و وثاقتهم و صلاحهم، و أذن اذنا خاصّا لنفر منهم قد استثناهم من ذلك العموم، لتكون الكتابة دعامة للمحفوظ حتّى إذا اشتبه أمر شيء من الأحاديث لأحد الأسباب كان المرجّح ما هو مدوّن لدى هؤلاء، ثم استعرض جماعة من الذين دوّنوا حال حياته، نقل عن الترمذي صاحب السنن: أنّ سعد بن عبادة الانصاري كان يملك صحيفة جمع فيها طائفة من أحاديث الرسول (ص).
ثمّ نقل الدكتور صبحي الصالح عن الطبقات الكبرى لابن سعد: أنّ جابر بن عبد اللّه الأنصاري كتب صحيفة من أحاديث رسول اللّه (ص) جمعت مناسك الحجّ.
و استطرد الدكتور الصالح في حديثه عن التدوين في أوائل تاريخ الاسلام، يقول: «إنّ عبد اللّه بن عباس ترك بعد وفاته حمل بعير من كتبه، و كان يحمل قسما منها معه الى مجالس العلم و حلقات الدرس، و إنّ سعيد بن جبير كان يتولّى كتابة كلّ ما يمليه عليه، و إنّ تلك الصحف كانت معروفة متداولة مدّه طويلة، ورثها عنه ابناؤه و رواها الناس عنهم حتى امتلأت كتب التفسير و الحديث بمرويّاته و مسموعاته. و قد ترك علي بن أبي طالب (ع) وحده كتبا في الفقه و الحديث توارثها أبناؤه من بعده» 3 .
مصير الحديث
مرّ تدوين الحديث منذ بداية التاريخ الإسلامي و حتّى اليوم بمراحل مختلفة، و بصعود و نزول مستمرين و ترك وراءه قصّه محزنة و مؤلمة، ذلك لانّ بعض الصحابة
.
و منهم أبو بكر خالفوا بعد وفاة رسول اللّه (ص) كتابة الحديث و تدوينه و نشره، و لم يعجز نقلة الأحاديث رغم هذا المنع عن نقل او تدوين الأحاديث التي سمعوها من رسول اللّه (ص) و في حياته فقط، بل و عمدوا الى ما كانوا قد كتبوه في زمانه (ص) من الأحاديث فغسلوه بالماء أو أحرقوه بالنار 4 .
و قد استمرّ هذا الموقف نفسه، في عصر الخليفة الثّاني و لكن باسلوب آخر 5 و هكذا استمرّ المنع عن كتابة الاحاديث و نشرها في عصر الخليفة الثالث تماما كما كان عليه في العهود السابقة، و قام عثمان شخصيا بمنع كتابة الأحاديث و نشرها 6 ، و هو ما فعله معاوية أيضا في عهده فمنع من نقل و نشر الأحاديث النبوية، و بخاصّة ما يرتبط بمناقب أهل البيت و فضائلهم، فقد كتب معاوية في كتاب الى ولاته جاء فيه:
«أن برئت الذمّة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب و أهل بيته» 7 .
و قد أدّى هذا العمل المدروس الى أن تنسى عترة النبي (ص) الّذين نصبوا معلمين للكتاب العزيز و حفّاظا للسّنة النبوية، و أن يتركوا شيئا فشيئا في زوايا النسيان، و يغفل المسلمون عن وصايا النّبي (ص) في شأنهم كقوله (ص): «انّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا» 8 و قوله (ص): «من كنت مولاه فعلي مولاه» 9 و قوله (ص): «مثل أهل بيتي كسفينة نوح