کتابخانه روایات شیعه
الجزء الأول
[مقدمة التحقيق]
أضواء على الكتاب:
الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ العزيز، هو أول شرح ألف على كتاب اختيار معرفة الرجال.
ألّفه المعلم الثالث امام المعارف الاسلامية الامير السيد محمد باقر المشتهر بالداماد.
و يشتمل هذا الشرح على بحوث رجالية معمقة، و كذلك يتضمن دراسة لغوية معمقة حول لغة الأحاديث و ألفاظها.
و قد كتب السيد الداماد كل ذلك بأسلوبه المتميز الذي يتسم بالعذوبة و الروعة، كما يلاحظ القارئ ذلك في سائر كتبه الاخرى.
و في هذا المضمار أقدر لمؤسسة آل البيت عليهم السّلام اخراج هذا الكتاب بهذه الحلة القشيبة و الطباعة الانيقة، و التي يتجلى فيها كل مظاهر الخدمة الصادقة، و الاخلاص العميق في ابراز هذه الكتب بصورة مناسبة.
و اللّه سبحانه خير ناصر و معين السيد مهدى الرجائى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تمهيد:
علم الرجال هو علم يبحث فيه عن أحوال رواة الحديث و أوصافهم التي لها دخل في جواز قبول قولهم و عدمه. و هذا العلم يحتاج اليه كل من أراد استنباط الاحكام الشرعية عن أدلتها التي عمدتها الأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام، حيث أنه لا بد من أن ينظر في أحوال رجال سند الحديث، و يطمئن بأنهم ممن يصح التعويل عليهم، و يجوز الاخذ عنهم، حتى يكون حديثهم حجة له في عمل نفسه أو الافتاء لغيره.
و لشدة الحاجة اليه اشتد اهتمام علماء الشيعة من العصر الاول الى اليوم في تأليف كتب خاصة في هذا العلم، و تدوين أسماء رجال الحديث، مع ايراد بعض أوصافهم و ذكر بعض كتبهم و آثارهم، المعبر عن بعضها بالكتب و عن بعضها بالاصول.
و كان بدأ ذلك حسب اطلاعنا في النصف الثاني من القرن الاول، فان عبيد اللّه ابن أبي رافع كان كاتب أمير المؤمنين عليه السّلام، و قد دوّن أسماء الصحابة الذين شايعوا عليا عليه السّلام، و حضروا حروبه، و قاتلوا معه في البصرة و صفين و النهروان.
ثم في القرن الثاني الى أوائل الثالث دون «رجال ابن جبلة» و «ابن فضال» و «ابن محبوب» و غيرهم، و استمر تدوين الرجال الى أواخر القرن الرابع.
قال الشيخ الطوسي ملخصا في أول الفهرست: اني رأيت جماعة من شيوخ
طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرس كتب أصحابنا، و ما صنفوه من التصانيف و رووه من الاصول، و لم تكن مستوفاة. و استوفاها أبو الحسين أحمد [ابن الغضائري] على مبلغ ما قدر عليه في كتابين: أحد هما في المصنفات، و الاخر في الاصول، و أهلك الكتابان بعد موت المؤلف الخ.
و بالجملة في أول القرن الخامس دونت الاصول الاربعة الرجالية، المستخرجة عن تلك الكتب المدونة قبلها، و هي «الاختيار من كتاب الكشي» و «الفهرست» و «الرجال» المرتب على الطبقات هذه الثلاثة للشيخ الطوسي، و «كتاب الرجال» للنجاشي. و في القرن السادس ألّف «فهرس الشيخ منتجب الدين» و «معالم العلماء» لابن شهر آشوب.
و في القرن السابع ألّف السيد أبو الفضائل أحمد بن طاوس الحلي كتابه «حل الاشكال» و أدرج فيه ألفاظ تلك الاصول الاربعة على ما وصل اليه من مشايخه مسندا الى مؤلفيها، و أدرج أيضا ألفاظ كتاب «الضعفاء» المنسوب الى ابن الغضائري، و قد وجده السيد منسوبا اليه من غير سند اليه، كما صرح بذلك للخروج عن عهدته، و ليكون كتابه جامعا لجميع ما قيل في حق الرجل. و قد تبع السيد في ذلك تلميذاه العلامة الحلي في «الخلاصة» و ابن داود في رجاله.
و تبعهما المتأخرون في النقل عن الكتب الخمسة، و عن بعض ما بقيت نسخها من تلك الكتب الرجالية القديمة مثل «رجال البرقي» و «رجال العقيقي». و أما سائر الكتب القديمة فقد ضاعت أعيانها الشخصية من جهة قلة الاهتمام بها، بعد وجود عين ألفاظها مدرجة في الاصول الاربعة المتداولة عندنا.
فنحن نشكر القدماء على حسن صنيعهم في تأليفاتهم الواصلة إلينا، كما انا نشكر المتأخرين عنهم الذين أشرنا الى بعضهم في بسط كتب الرجال، بادخالهم تراجم العلماء و الرواة المتأخرين عن أولئك القدماء، لشدة احتياجنا الى معرفة أحوالهم.
و ذلك لان اللّه يقيض في كل عصر رجالا حاملين لعلوم أهل البيت عليهم السّلام،
متحملين لأحاديثهم بالقراءة و السماع و الاجازة و غيرها، و تزاد بذلك عدة الرواة شيئا فشيئا و قرنا بعد قرن، فلا بد لنا من ترجمتهم اما مستقلا أو في ضمن الرواة القدماء و أول من ولج في هذا الباب الشيخ منتجب الدين ابن بابويه الذي كان حيا في سنة (585) فانه ألّف كتابا مستقلا في تراجم العلماء و الفقهاء و الرواة المتأخرين عن الشيخ الطوسي المتوفى (460) أو المعاصرين له ممن فاتت عنه ترجمتهم، و أوصل تراجمهم الى تراجم الذين نشئوا في عصره و أدركوا أوائل القرن السابع.
و كذا فعل الشيخ رشيد الدين ابن شهر آشوب فألّف «معالم العلماء» و ألحق بآخره أقساما من أعلام شعراء الشيعة المخلصين لأهل البيت. و بعده أدرج العلامة الحلي المتوفى (726) و الشيخ تقي الدين الحسن بن داود بعض علماء القرن السابع في رجاليهما.
ثم بعد هما ألّف السيد علي بن عبد الحميد النيلي المتوفى (841) رجاله، و أمر السيد جلال الدين ابن الاعرج العميدي أن يلحق به العلماء المتأخرين، فألحق به حسب أمره جمعا منهم، و نقلهم عنه صاحب المعالم، و كذا الشيخ الشهيد المتوفى (786) أورد في مجموعته جمعا من العلماء مع تواريخهم، ثم صاحب المعالم في «التحرير الطاوسي».
حتى انتهى الى القرن الحادي عشر فزهى نشاط تدوين أحاديث أهل العصمة عليهم السّلام و حث المحدثون و العلماء قاطبتهم عليها، و اعتنوا بها بعد ما درست كل العناية، و أقبلوا بالشرح و التعليق عليها، و جدير أن يقال هو العصر الذهبي للحديث.
الى أن وفّق اللّه تعالى أساطين الحكمة و الفلسفة الى الشرح و التعليق عليها، و من جملتهم و أبرزهم هو المولى السيد محمد باقر الحسيني الأسترآبادي المعروف ب «الداماد» فقد كان من أئمة الحكمة و الفلسفة و الكلام و الفقه و الرجال و الآثار.