کتابخانه روایات شیعه
مقدّمة [الناشر]
المؤلّف
هو شيخ الامّة، و رئيس متكلّميها، و رأس فقهائها: أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان ابن التابعي الجليل الشهيد سعيد بن جبير، العكبري البغداديّ، المعروف ب (ابن المعلّم) الشهير في الآفاق ب (الشيخ المفيد) 1 .
ولد في الحادي عشر من ذي القعدة بعكبرا- و هي مدينة تقع في شمال بغداد على الضفة الشرقية لنهر دجلة- سنة (336) أو (338) ه.
و توفّي ببغداد ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر رمضان المبارك سنة (413) و كان يوم وفاته كيوم الحشر كما وصفه بعض المؤرّخين، شيّعه ثمانون ألفا، و صلّى عليه تلميذه الشريف المرتضى عليّ بن الحسين بميدان الأشنان، الذي ضاق على الناس رغم سعته، و لم ير يوم أكبر
منه لشدّة زحام الناس للصلاة عليه، و من كثرة بكاء المؤالف و المخالف، و لا عجب فقد فقد العلم به حامل لوائه، و زعيم طلائعه، و رائد الفكر و فارسه المعلّم و كميّه المقدام، و ثلم الدين بموته ثلمة لا يسدّها شيء.
كان 2 قدّس سرّه شيخا ربعة، نحيفا، أسمر، خشن اللباس، كثير الصلاة و الصوم و التقشّف و التخشّع و الصدقات، عظيم الخشوع، ما كان ينام من الليل إلّا هجعة ثمّ يقوم و يصلّي، أو يتلو كتاب اللّه، أو يطالع، أو يدرّس.
كان مديما للمطالعة و التعليم، و من أحفظ الناس، قيل إنّه ما ترك للمخالفين كتابا إلّا حفظه، و بهذا قدر على حلّ شبه القوم.
كان دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، حاضر الجواب، حسن اللسان و الجدل، ضنين السرّ، جميل العلانية، بارعا في جميع العلوم، حتّى كان يقال: له على كلّ إمام منّة.
كان نشيطا للبحث و المناظرة، صبورا على الخصم، و كان يناظر أهل كلّ عقيدة فلا يدرك شأوه، و لم يكن في زمانه من يدانيه أو يضاهيه في هذا المضمار، حتّى جعل المخالفين في ضيق شديد بقوّة حجّته و تأثير
كلامه في الناس الذين راحوا يتهافتون لولوج باب السعادة و الفوز، و سلوك نهج واحد أصيل و واضح، ألا و هو نهج آل البيت عليهم السلام، ممّا أثار حفيظة بعض المتعصّبين- الذين كان دأبهم الانتصار لأنفسهم، فجانبوا الإنصاف بحق من خالفهم و إن كان محقّا دونهم- كابن العماد الحنبلي و اليافعي و الخطيب البغداديّ الذين راحوا يعلنون فرحهم و سرورهم بوفاة هذا المصلح العظيم، ناسين جليل قدره، فقالوا: «هلك به خلق من الناس إلى أن أراح اللّه المسلمين منه»!!!.
كان شديدا على أهل البدع و الأهواء و حملة الأفكار المنحرفة، و كان بعضهم يتفادى مناظرته و يخشى حجاجه، و له مع البعض الآخر كالقاضي عبد الجبّار المعتزلي و القاضي أبي بكر الباقلاني رئيس الأشاعرة مناظرات كثيرة رواها تلامذته و مترجموه، و حفلت بها كتبه ك (العيون و المحاسن)، و كتب أكثر من خمسين كتابا و رسالة في الرد عليهم و تفنيد آرائهم، و من أقطابهم: الجاحظ، ابن عبّاد، ابن قتيبة، ثعلب، الجبّائي، أبو عبد اللّه البصري، ابن كلاب القطّان- من رؤساء الحشويّة-، الخالدي، النسفيّ، النصيبي، الكرابيسي، ابن رشيد، ابن الاخشيد، الحلّاج و غيرهم، ألزمهم فيها الحجّة بالمنطق و الدليل الذي لا ينقض.
كما خصّ الإمامة و ما يتفرع عنها من بحوث عقائدية و كلامية بمجموعة من مصنّفاته القيّمة، و ما يهمّنا منها هنا كتابه:
الإفصاح في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام
و هو هذا الكتاب الذي بين يديك، قال في ديباجته:
«إنّي- بمشيئة اللّه و توفيقه- مثبت في هذا الكتاب جملا من القول في الإمامة يستغنى ببيانها عن التفصيل، و معتمد في إيضاحها على موجز يغني عن التطويل، و راسم في أصول ذلك رسوما يصل بها إلى فروعها ذوو التحصيل ... و الغرض فيما نورده الآن تلخيص جنس مفرد لم يتميّز بالتحديد فيما أسلفناه، و لا وجدناه على ما نؤمّه لأحد من أصحابنا المتقدّمين رضي اللّه عنهم و لا عرفناه، مع صدق الحاجة إليه فيما كلّفه اللّه تعالى جميع من ألزمه فروضه و أمره و نهاه، إذ كان به تمام الإخلاص لمن اصطفاه سبحانه من خلقه و تولّاه، و كمال الطاعة في البراءة إليه ممّن بمعصيته له عاداه».
و قال في خاتمته:
«قد أثبتّ في هذا الكتاب جميع ما يتعلّق به أهل الخلاف في إمامة أئمتهم من تأويل القرآن و الإجماع و العمد لهم في الأخبار على ما يتّفقون عليه من الإجماع دون ما يختلفون فيه، لشذوذه و دخوله في باب الهذيان، و بيّنت عن وجوه ذلك بواضح البيان، و كشفت عن الحقيقة فيه بجليّ البرهان».