کتابخانه روایات شیعه
بِمَا لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ غَيْرُهُ- وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي خُصَّ بِهِ عِيسَى لَمْ يَخُصَّ بِهِ هَؤُلَاءَ الْقَوْمُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ عِيسَى أَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَ أَبِيكُمْ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِصَاصُ لِعِيسَى لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَكُمْ بِقَوْلِ عِيسَى لِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ اخْتِصَاصِ عِيسَى وَ أَنْتُمْ إِنَّمَا حَكَيْتُمْ لَفْظَةَ عِيسَى وَ تَأَوَّلْتُمُوهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ أَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَ أَبِيكُمْ فَقَدْ أَرَادَ غَيْرَ مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ وَ نَحَلْتُمُوهُ وَ مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلَّهُ عَنَى أَذْهَبُ إِلَى آدَمَ أَوْ إِلَى نُوحٍ وَ أَنَّ اللَّهَ يَرْفَعُنِي إِلَيْهِمْ وَ يَجْمَعُنِي مَعَهُمْ وَ آدَمُ أَبِي وَ أَبِيكُمْ وَ كَذَلِكَ نُوحٌ بَلْ مَا أَرَادَ غَيْرَ هَذَا قَالَ فَسَكَتَ النَّصَارَى وَ قَالُوا مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ مُجَادِلًا وَ لَا مُخَاصِماً مِثْلَكَ وَ سَنَنْظُرُ فِي أُمُورِنَا ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الدَّهْرِيَّةِ فَقَالَ- وَ أَنْتُمْ فَمَا الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَشْيَاءَ لَا بَدْوَ لَهَا وَ هِيَ دَائِمَةٌ لَمْ تَزَلْ وَ لَا تَزَالُ فَقَالُوا لِأَنَّا لَا نَحْكُمُ إِلَّا بِمَا نُشَاهِدُ وَ لَمْ نَجِدْ لِلْأَشْيَاءِ حَدَثاً فَحَكَمْنَا بِأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ وَ لَمْ نَجِدْ لَهَا انْقِضَاءً وَ فَنَاءً فَحَكَمْنَا بِأَنَّهَا لَا تَزَالُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَ فَوَجَدْتُمْ لَهَا قِدَماً أَمْ وَجَدْتُمْ لَهَا بَقَاءً أَبَدَ الْآبِدِ فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّكُمْ وَجَدْتُمْ ذَلِكَ أَنْهَضْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا عَلَى هَيْئَتِكُمْ وَ عُقُولِكُمْ بِلَا نِهَايَةٍ وَ لَا تَزَالُونَ كَذَلِكَ وَ لَئِنْ قُلْتُمْ هَذَا دَفَعْتُمُ الْعِيَانَ وَ كَذَّبَكُمُ الْعَالِمُونَ وَ الَّذِينَ يُشَاهِدُونَكُمْ قَالُوا بَلْ لَمْ نُشَاهِدْ لَهَا قِدَماً وَ لَا بَقَاءً أَبَدَ الْآبِدِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَلِمَ صِرْتُمْ بِأَنْ تَحْكُمُوا بِالْقِدَمِ وَ الْبَقَاءِ دَائِماً لِأَنَّكُمْ لَمْ تُشَاهِدُوا حُدُوثَهَا وَ انْقِضَاءَهَا أَوْلَى مِنْ تَارِكِ التَّمَيُّزِ لَهَا مِثْلَكُمْ فَيَحْكُمُ لَهَا بِالْحُدُوثِ وَ الِانْقِضَاءِ وَ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشَاهِدْ لَهَا قِدَماً وَ لَا بَقَاءً أَبَدَ الْآبِدِ أَ وَ لَسْتُمْ تُشَاهِدُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ وَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ؟ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ أَ تَرَوْنَهُمَا لَمْ يَزَالا وَ لَا يَزَالانِ؟ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ أَ فَيَجُوزُ عِنْدَكُمْ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ؟ فَقَالُوا لَا فَقَالَ ص فَإِذاً مُنْقَطِعٌ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ فَيَسْبِقُ أَحَدُهُمَا وَ يَكُونُ الثَّانِي جَارِياً بَعْدَهُ؟ قَالُوا كَذَلِكَ هُوَ- فَقَالَ قَدْ حَكَمْتُمْ بِحُدُوثِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ لَيْلٍ وَ نَهَارٍ لَمْ تُشَاهِدُوهُمَا فَلَا تُنْكِرُوا لِلَّهِ قُدْرَتَهُ ثُمَّ قَالَ ص أَ تَقُولُونَ مَا قِبَلَكُمْ مِنَ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ مُتَنَاهٍ أَمْ غَيْرُ مُتَنَاهٍ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّهُ غَيْرُ مُتَنَاهٍ فَقَدْ وَصَلَ إِلَيْكُمْ آخِرٌ بِلَا نِهَايَةٍ لِأَوَّلِهِ وَ إِنْ قُلْتُمْ مُتَنَاهٍ فَقَدْ كَانَ وَ لَا شَيْءَ مِنْهُمَا قَالُوا نَعَمْ قَالَ لَهُمْ أَ قُلْتُمْ إِنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ غَيْرُ مُحْدَثٍ وَ أَنْتُمْ عَارِفُونَ بِمَعْنَى مَا أَقْرَرْتُمْ بِهِ وَ بِمَعْنَى مَا جَحَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَهَذَا الَّذِي تُشَاهِدُونَهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ يَفْتَقِرُ لِأَنَّهُ لَا قِوَامَ لِلْبَعْضِ إِلَّا بِمَا يَتَّصِلُ بِهِ كَمَا نَرَى الْبِنَاءَ مُحْتَاجاً بَعْضُ أَجْزَائِهِ إِلَى بَعْضٍ وَ إِلَّا لَمْ يَتَّسِقْ وَ لَمْ يَسْتَحْكِمْ وَ كَذَلِكَ سَائِرُ مَا نَرَى وَ قَالَ أَيْضاً فَإِذَا كَانَ هَذَا الْمُحْتَاجُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ لِقُوَّتِهِ وَ تَمَامِهِ هُوَ الْقَدِيمَ فَأَخْبِرُونِي أَنْ لَوْ كَانَ مُحْدَثاً كَيْفَ كَانَ يَكُونُ وَ مَا ذَا كَانَتْ تَكُونُ صِفَتُهُ-
قَالَ فَبُهِتُوا وَ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ لِلْمُحْدَثِ صِفَةً يَصِفُونَهُ بِهَا إِلَّا وَ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي هَذَا الَّذِي زَعَمُوا أَنَّهُ قَدِيمٌ فَوَجَمُوا وَ قَالُوا سَنَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا- ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى الثَّنَوِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا النُّورُ وَ الظُّلْمَةُ هُمَا الْمُدَبِّرَانِ فَقَالَ وَ أَنْتُمْ فَمَا الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى مَا قُلْتُمُوهُ مِنْ هَذَا؟
فَقَالُوا لِأَنَّا وَجَدْنَا الْعَالَمَ صِنْفَيْنِ خَيْراً وَ شَرّاً وَ وَجَدْنَا الْخَيْرَ ضِدّاً لِلشَّرِّ فَأَنْكَرْنَا أَنْ يَكُونَ فَاعِلٌ وَاحِدٌ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَ ضِدَّهُ بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاعِلٌ أَ لَا تَرَى أَنَّ الثَّلْجَ مُحَالٌ أَنْ يُسَخِّنَ كَمَا أَنَّ النَّارَ مُحَالٌ أَنْ تُبَرِّدَ فَأَثْبَتْنَا لِذَلِكَ صَانِعَيْنِ قَدِيمَيْنِ ظُلْمَةً وَ نُوراً؟
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص أَ فَلَسْتُمْ قَدْ وَجَدْتُمْ سَوَاداً وَ بَيَاضاً وَ حُمْرَةً وَ صُفْرَةً وَ خُضْرَةً وَ زُرْقَةً وَ كُلُّ وَاحِدَةٍ ضِدٌّ لِسَائِرِهَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مِثْلَيْنِ مِنْهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَمَا كَانَ الْحَرُّ وَ الْبَرْدُ ضِدَّيْنِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَهَلَّا أَثْبَتُّمْ بِعَدَدِ كُلِّ لَوْنٍ صَانِعاً قَدِيماً لِيَكُونَ فَاعِلُ كُلِّ ضِدٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَلْوَانِ غَيْرَ فَاعِلِ الضِّدِّ الْآخَرِ؟ قَالَ فَسَكَتُوا ثُمَّ قَالَ فَكَيْفَ اخْتَلَطَ النُّورُ وَ الظُّلْمَةُ وَ هَذَا مِنْ طَبْعِهِ الصُّعُودُ وَ هَذِهِ مِنْ طَبْعِهَا النُّزُولُ أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ شَرْقاً يَمْشِي إِلَيْهِ وَ الْآخَرَ غَرْباً أَ كَانَ يَجُوزُ عِنْدَكُمْ أَنْ يَلْتَقِيَا مَا دَامَا سَائِرَيْنِ عَلَى وَجْهِهِمَا قَالُوا لَا- قَالَ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِطَ النُّورُ وَ الظُّلْمَةُ لِذَهَابِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي غَيْرِ جِهَةِ الْآخَرِ فَكَيْفَ وَجَدْتُمْ حَدَثَ هَذَا الْعَالَمِ مِنِ امْتِزَاجِ مَا هُوَ مُحَالٌ أَنْ يَمْتَزِجَ بَلْ هُمَا مُدَبَّرَانِ جَمِيعاً مَخْلُوقَانِ فَقَالُوا سَنَنْظُرُ فِي أُمُورِنَا ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ فَقَالَ وَ أَنْتُمْ فَلِمَ عَبَدْتُمُ الْأَصْنَامَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَالُوا نَتَقَرَّبُ بِذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لَهُمْ أَ وَ هِيَ سَامِعَةٌ مُطِيعَةٌ لِرَبِّهَا عَابِدَةٌ لَهُ حَتَّى تَتَقَرَّبُوا بِتَعْظِيمِهَا إِلَى اللَّهِ؟ قَالُوا لَا- قَالَ فَأَنْتُمُ الَّذِينَ نَحَتُّمُوهَا بِأَيْدِيكُمْ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَلَأَنْ تَعْبُدَكُمْ هِيَ لَوْ كَانَ يَجُوزُ مِنْهَا الْعِبَادَةُ أَحْرَى مِنْ أَنْ تَعْبُدُوهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ أَمَرَكُمْ بِتَعْظِيمِهَا مَنْ هُوَ الْعَارِفُ بِمَصَالِحِكُمْ وَ عَوَاقِبِكُمْ وَ الْحَكِيمُ فِيمَا يُكَلِّفُكُمْ قَالَ فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص هَذَا الْقَوْلَ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَلَّ فِي هَيَاكِلِ رِجَالٍ كَانُوا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَصَوَّرْنَا هَذِهِ الصُّوَرَ نُعَظِّمُهَا لِتَعْظِيمِنَا تِلْكَ الصُّوَرَ الَّتِي حَلَّ فِيهَا رَبُّنَا وَ قَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِنَّ هَذِهِ صَوَرُ أَقْوَامٍ سَلَفُوا كَانُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ قَبْلَنَا فَمَثَّلْنَا صُوَرَهُمْ وَ عَبَدْنَاهَا تَعْظِيماً لِلَّهِ وَ قَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ- وَ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَفَاتَنَا ذَلِكَ فَصَوَّرْنَا صُورَتَهُ فَسَجَدْنَا لَهَا تَقَرُّباً إِلَى اللَّهِ كَمَا تَقَرَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ كَمَا أُمِرْتُمْ بِالسُّجُودِ بِزَعْمِكُمْ إِلَى جِهَةِ مَكَّةَ فَفَعَلْتُمْ ثُمَّ نَصَبْتُمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ بِأَيْدِيكُمْ مَحَارِيبُ 63 سَجَدْتُمْ إِلَيْهَا وَ قَصَدْتُمُ
الْكَعْبَةَ لَا مَحَارِيبَكُمْ وَ قَصَدْتُمْ بِالْكَعْبَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَا إِلَيْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَخْطَأْتُمُ الطَّرِيقَ وَ ضَلَلْتُمْ أَمَّا أَنْتُمْ (وَ هُوَ ص يُخَاطِبُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ يَحُلُّ فِي هَيَاكِلِ رِجَالٍ كَانُوا عَلَى هَذِهِ الصُّوَرِ الَّتِي صَوَّرْنَاهَا فَصَوَّرْنَا هَذِهِ الصُّوَرَ نُعَظِّمُهَا لِتَعْظِيمِنَا لِتِلْكَ الصُّوَرِ الَّتِي حَلَّ فِيهَا رَبُّنَا) فَقَدْ وَصَفْتُمْ رَبَّكُمْ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقَاتِ- أَ وَ يَحُلُّ رَبُّكُمْ فِي شَيْءٍ حَتَّى يُحِيطَ بِهِ ذَاكَ الشَّيْءُ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ إِذاً وَ بَيْنَ سَائِرِ مَا يَحُلُّ فِيهِ مِنْ لَوْنِهِ وَ طَعْمِهِ وَ رَائِحَتِهِ وَ لِينِهِ وَ خُشُونَتِهِ وَ ثِقْلِهِ وَ خِفَّتِهِ وَ لِمَ صَارَ هَذَا الْمَحْلُولُ فِيهِ مُحْدَثاً وَ ذَلِكَ قَدِيماً دُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُحْدَثاً وَ هَذَا قَدِيماً وَ كَيْفَ يَحْتَاجُ إِلَى الْمَحَالِّ مَنْ لَمْ يَزَلْ قَبْلَ الْمَحَالِّ وَ هُوَ عَزَّ وَ جَلَّ كَانَ لَمْ يَزَلْ وَ إِذَا وَصَفْتُمُوهُ بِصِفَةِ الْمُحْدَثَاتِ فِي الْحُلُولِ فَقَدْ لَزِمَكُمْ أَنْ تَصِفُوهُ بِالزَّوَالِ وَ مَا وَصَفْتُمُوهُ بِالزَّوَالِ وَ الْحُدُوثِ فَصِفُوهُ بِالْفَنَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَجْمَعَ مِنْ صِفَاتِ الْحَالِّ وَ الْمَحْلُولِ فِيهِ وَ جَمِيعُ ذَلِكَ مُتَغَيِّرُ الذَّاتِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَغَيَّرْ ذَاتُ الْبَارِي تَعَالَى بِحُلُولِهِ فِي شَيْءٍ جَازَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِأَنْ يَتَحَرَّكَ وَ يَسْكُنَ وَ يَسْوَدَّ وَ يَبْيَضَّ وَ يَحْمَرَّ وَ يَصْفَرَّ وَ تَحُلَّهُ الصِّفَاتُ الَّتِي تَتَعَاقَبُ عَلَى الْمَوْصُوفِ بِهَا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ جَمِيعُ صِفَاتِ الْمُحْدَثِينَ وَ يَكُونَ مُحْدَثاً تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَإِذَا بَطَلَ مَا ظَنَنْتُمُوهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يَحُلُّ فِي شَيْءٍ فَقَدْ فَسَدَ مَا بَنَيْتُمْ عَلَيْهِ قَوْلَكُمْ قَالَ فَسَكَتَ الْقَوْمُ وَ قَالُوا سَنَنْظُرُ فِي أُمُورِنَا ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى الْفَرِيقِ الثَّانِي فَقَالَ أَخْبِرُونَا عَنْكُمْ إِذَا عَبَدْتُمْ صُوَرَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَسَجَدْتُمْ لَهَا وَ صَلَّيْتُمْ فَوَضَعْتُمُ الْوُجُوهَ الْكَرِيمَةَ عَلَى التُّرَابِ بِالسُّجُودِ لَهَا فَمَا الَّذِي أَبْقَيْتُمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟- أَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ يَلْزَمُ تَعْظِيمُهُ وَ عِبَادَتُهُ أَنْ لَا يُسَاوِيَ بِهِ عَبْدُهُ أَ رَأَيْتُمْ مَلِكاً أَوْ عَظِيماً إِذَا سَوَّيْتُمُوهُ بِعَبْدِهِ فِي التَّعْظِيمِ وَ الْخُضُوعِ وَ الْخُشُوعِ أَ يَكُونُ فِي ذَلِكَ وَضْعٌ مِنَ الْكَبِيرِ كَمَا يَكُونُ زِيَادَةٌ فِي تَعْظِيمِ الصَّغِيرِ؟ فَقَالُوا نَعَمْ قَالَ أَ فَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ مِنْ حَيْثُ تُعَظِّمُونَ اللَّهَ بِتَعْظِيمِ صُوَرِ عِبَادِهِ الْمُطِيعِينَ لَهُ تَزِرُونَ 64 عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؟
قَالَ فَسَكَتَ الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ قَالُوا سَنَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِلْفَرِيقِ الثَّالِثِ لَقَدْ ضَرَبْتُمْ لَنَا مَثَلًا وَ شَبَّهْتُمُونَا بِأَنْفُسِكُمْ وَ لَسْنَا سَوَاءً وَ ذَلِكَ أَنَّا عِبَادَ اللَّهِ مَخْلُوقُونَ مَرْبُوبُونَ نَأْتَمِرُ لَهُ فِيمَا أَمَرَنَا وَ نَنْزَجِرُ عَمَّا زَجَرَنَا وَ نَعْبُدُهُ مِنْ حَيْثُ يُرِيدُهُ مِنَّا فَإِذَا أَمَرَنَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ أَطَعْنَاهُ وَ لَمْ نَتَعَدَّ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَأْمُرْنَا وَ لَمْ يَأْذَنْ لَنَا لِأَنَّا لَا نَدْرِي لَعَلَّهُ إِنْ أَرَادَ مِنَّا الْأَوَّلَ فَهُوَ يَكْرَهُ الثَّانِيَ وَ قَدْ نَهَانَا أَنْ نَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا أَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَهُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ أَطَعْنَاهُ ثُمَّ أَمَرَنَا بِعِبَادَتِهِ بِالتَّوَجُّهِ نَحْوَهَا فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ الَّتِي تَكُونُ بِهَا فَأَطَعْنَاهُ وَ لَمْ نَخْرُجْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنِ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَ اللَّهُ حَيْثُ أَمَرَ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ لَمْ يَأْمُرْ بِالسُّجُودِ لِصُورَتِهِ الَّتِي هِيَ غَيْرُهُ- فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا ذَلِكَ
عَلَيْهِ لِأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّهُ يَكْرَهُ مَا تَفْعَلُونَ إِذْ لَمْ يَأْمُرْكُمْ بِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَذِنَ لَكُمْ رَجُلٌ دُخُولَ دَارِهِ يَوْماً بِعَيْنِهِ أَ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا دَاراً لَهُ أُخْرَى مِثْلَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ وَهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِهِ أَوْ عَبْداً مِنْ عَبِيدِهِ أَوْ دَابَّةً مِنْ دَوَابِّهِ أَ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا ذَلِكَ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنْ لَمْ تَأْخُذُوهُ أَ لَكُمْ أَخْذُ آخَرَ مِثْلِهِ قَالُوا لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَنَا فِي الثَّانِي كَمَا أَذِنَ فِي الْأَوَّلِ قالَ ص فَأَخْبِرُونِي اللَّهُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُتَقَدَّمَ عَلَى مِلْكِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ بَعْضُ الْمَمْلُوكِينَ قَالُوا بَلِ اللَّهُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ قَالَ فَلِمَ فَعَلْتُمْ وَ مَتَى أَمَرَكُمْ بِالسُّجُودِ أَنْ تَسْجُدُوا لِهَذِهِ الصُّوَرِ؟
قَالَ فَقَالَ الْقَوْمُ سَنَنْظُرُ فِي أُمُورِنَا وَ سَكَتُوا وَ قَالَ الصَّادِقُ ع فَوَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ نَبِيّاً مَا أَتَتْ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ إِلَّا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ص فَأَسْلَمُوا وَ كَانُوا خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ خَمْسَةٌ وَ قَالُوا مَا رَأَيْنَا مِثْلَ حُجَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.
احتجاج النبي ص على جماعة من المشركين
وَ قَالَ الصَّادِقُ ع قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنْزَلَ اللَّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ 65 الْآيَةَ وَ كَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَدٌّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ لَمَّا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فَكَانَ رَدّاً عَلَى الدَّهْرِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الْأَشْيَاءَ لَا بَدْوَ لَهَا وَ هِيَ دَائِمَةٌ ثُمَّ قَالَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ فَكَانَ رَدّاً عَلَى الثَّنَوِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ النُّورَ وَ الظُّلْمَةَ هُمَا مُدَبِّرَانِ ثُمَّ قَالَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ فَكَانَ رَدّاً عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ أَوْثَانَنَا آلِهَةٌ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إِلَى آخِرِهَا فَكَانَ رَدّاً عَلَى مَنِ ادَّعَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ضِدّاً أَوْ نِدّاً قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِأَصْحَابِهِ قُولُوا إِيَّاكَ نَعْبُدُ أَيْ نَعْبُدُ وَاحِداً لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتِ الدَّهْرِيَّةُ إِنَّ الْأَشْيَاءَ لَا بَدْوَ لَهَا وَ هِيَ دَائِمَةٌ وَ لَا كَمَا قَالَتِ الثَّنَوِيَّةُ إِنَّ النُّورَ وَ الظُّلْمَةَ هُمَا الْمُدَبِّرَانِ وَ لَا كَمَا قَالَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ إِنَّ أَوْثَانَنَا آلِهَةٌ فَلَا نُشْرِكُ بِكَ شَيْئاً وَ لَا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ إِلَهاً كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ وَ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصَارَى إِنَّ لَكَ وَلَداً تَعَالَيْتَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ- وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى وَ قَالَتْ طَائِفَةٌ غَيْرُهُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ
الْكُفَّارِ مَا قَالُوا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا مُحَمَّدُ تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ الَّتِي يَمُنُّونَهَا بِلَا حُجَّةٍ- قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ وَ حُجَّتَكُمْ عَلَى دَعْوَاكُمْ- إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ كَمَا أَتَى مُحَمَّدٌ بِبَرَاهِينِهِ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا ثُمَّ قَالَ بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ تَعَالَى يَعْنِي كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَسُولِ اللَّهِ لَمَّا سَمِعُوا بَرَاهِينَهُ وَ حُجَّتَهُ- وَ هُوَ مُحْسِنٌ فِي عَمَلِهِ فَلَهُ أَجْرُهُ وَ ثَوَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ يَوْمَ فَصْلِ الْقَضَاءِ- وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حِينَ يَخَافُ الْكَافِرُونَ مِمَّا يُشَاهِدْونَهُ مِنَ الْعِقَابِ- وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ 66 عِنْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ بِالْجِنَانِ تَأْتِيهِمْ.
احتجاج النبي ص على جماعة من المشركين
عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ ع أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ع هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص يُنَاظِرُ الْيَهُودَ وَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا عَاتَبُوهُ وَ يُحَاجُّهُمْ؟ قَالَ بَلَى مِرَاراً كَثِيرَةً مِنْهَا مَا حَكَى اللَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ- وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ؟ إِلَى قَوْلِهِ رَجُلًا مَسْحُوراً 67 وَ قَالُوا- لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ 68 وَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إِلَى قَوْلِهِ كِتاباً نَقْرَؤُهُ 69 ثُمَّ قِيلَ لَهُ فِي آخِرِ ذَلِكَ لَوْ كُنْتَ نَبِيّاً كَمُوسَى أَنْزَلْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ وَ نَزَلَتْ عَلَيْنَا الصَّاعِقَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا إِلَيْكَ لِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا أَشَدُّ مِنْ مَسَائِلِ قَوْمِ مُوسَى لِمُوسَى ع قَالَ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ قَاعِداً ذَاتَ يَوْمٍ بِمَكَّةَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذِ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ مِنْهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ وَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ وَ أَبُو جَهْلٍ وَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ وَ كَانَ مَعَهُمْ جَمْعٌ مِمَّنْ يَلِيهِمْ كَثِيرٌ وَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ كِتَابَ اللَّهِ وَ يُؤَدِّي إِلَيْهِمْ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَ نَهْيَهُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَقَدِ اسْتَفْحَلَ أَمْرُ مُحَمَّدٍ وَ عَظُمَ خَطْبُهُ فَتَعَالَوْا نَبْدَأْ بِتَقْرِيعِهِ وَ تَبْكِيتِهِ وَ تَوْبِيخِهِ وَ الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِ وَ إِبْطَالِ مَا جَاءَ بِهِ لِيَهُونَ خَطْبُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَ يُصَغَّرَ قَدْرُهُ عِنْدَهُمْ فَلَعَلَّهُ يَنْزِعُ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ غَيِّهِ وَ بَاطِلِهِ وَ تَمَرُّدِهِ وَ طُغْيَانِهِ فَإِنِ انْتَهَى وَ إِلَّا عَامَلْنَاهُ بِالسَّيْفِ الْبَاتِرِ قَالَ أَبُو جَهْلٍ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَلِي كَلَامَهُ وَ مُجَادَلَتَهُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ أَنَا إِلَى ذَلِكَ أَ فَمَا تَرْضَانِي لَهُ قِرْناً حَسِيباً وَ مُجَادِلًا كَفِيّاً قَالَ أَبُو جَهْلٍ بَلَى فَأَتَوْهُ بِأَجْمَعِهِمْ فَابْتَدَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ لَقَدِ ادَّعَيْتَ دَعْوَى عَظِيمَةً وَ قُلْتَ مَقَالًا هَائِلًا زَعَمْتَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَ مَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَ خَالِقِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ أَنْ يَكُونَ مِثْلُكَ رَسُولَهُ بَشَرٌ مِثْلُنَا تَأْكُلُ كَمَا نَأْكُلُ وَ تَشْرَبُ كَمَا نَشْرَبُ وَ تَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ كَمَا نَمْشِي-
فَهَذَا مَلِكُ الرُّومِ وَ هَذَا مَلِكُ الْفُرْسِ- لَا يَبْعَثَانِ رَسُولًا إِلَّا كَثِيرَ الْمَالِ عَظِيمَ الْحَالِ لَهُ قُصُورٌ وَ دُورٌ وَ فَسَاطِيطُ وَ خِيَامٌ وَ عَبِيدٌ وَ خُدَّامٌ وَ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَوْقَ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ فَهُمْ عَبِيدُهُ وَ لَوْ كُنْتَ نَبِيّاً لَكَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يُصَدِّقُكَ وَ نُشَاهِدُهُ بَلْ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْنَا نَبِيّاً لَكَانَ إِنَّمَا يَبْعَثُ إِلَيْنَا مَلَكاً لَا بَشَراً مِثْلَنَا مَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً* وَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص هَلْ بَقِيَ مِنْ كَلَامِكَ شَيْءٌ؟
قَالَ بَلَى لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْنَا رَسُولًا لَبَعَثَ أَجَلَّ مَنْ فِيمَا بَيْنَنَا أَكْثَرَهُ مَالًا وَ أَحْسَنَهُ حَالًا فَهَلَّا أُنْزِلَ هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ عَلَيْكَ وَ ابْتَعَثَكَ بِهِ رَسُولًا عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ إِمَّا الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِمَكَّةَ وَ إِمَّا عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ بِالطَّائِفِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص هَلْ بَقِيَ مِنْ كَلَامِكَ شَيْءٌ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟
فَقَالَ بَلَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً بِمَكَّةَ هَذِهِ فَإِنَّهَا ذَاتُ أَحْجَارٍ وَعِرَةٍ وَ جِبَالٍ تَكْسَحُ أَرْضَهَا 70 وَ تَحْفِرُهَا وَ تُجْرِي فِيهَا الْعُيُونَ فَإِنَّنَا إِلَى ذَلِكَ مُحْتَاجُونَ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتَأْكُلَ مِنْهَا وَ تُطْعِمَنَا وَ تُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها خِلَالَ تِلْكَ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنَابِ تَفْجِيراً- أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً 71 فَإِنَّكَ قُلْتَ لَنَا وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ 72 فَلَعَلَّنَا نَقُولُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلًا تَأْتِيَ بِهِ وَ بِهِمْ وَ هُمْ لَنَا مُقَابِلُونَ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ تُعْطِينَا مِنْهُ وَ تُغْنِينَا بِهِ فَلَعَلَّنَا نَطْغَى وَ إِنَّكَ قُلْتَ لَنَا- كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى 73 ثُمَّ قَالَ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ أَيْ تَصْعَدَ فِي السَّمَاءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ أَيْ لِصُعُودِكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ وَ مَنْ مَعَهُ بِأَنْ آمِنُوا بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ رَسُولِي وَ صَدِّقُوهُ فِي مَقَالِهِ إِنَّهُ مِنْ عِنْدِي ثُمَّ لَا أَدْرِي يَا مُحَمَّدُ إِذَا فَعَلْتَ هَذَا كُلَّهُ أُومِنُ بِكَ أَوْ لَا أُومِنُ بِكَ بَلْ لَوْ رَفَعْتَنَا إِلَى السَّمَاءِ وَ فَتَحْتَ أَبْوَابَهَا وَ أَدْخَلْتَنَاهَا لَقُلْنَا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا 74 وَ سَحَرْتَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَا عَبْدَ اللَّهِ أَ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِكَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَ وَ لَيْسَ فِيمَا أَوْرَدْتُهُ عَلَيْكَ كِفَايَةٌ وَ بَلَاغٌ مَا بَقِيَ شَيْءٌ فَقُلْ مَا بَدَا لَكَ وَ أَفْصِحْ عَنْ نَفْسِكَ إِنْ كَانَ لَكَ حُجَّةٌ وَ ائْتِنَا بِمَا سَأَلْنَاكَ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّامِعُ لِكُلِّ صَوْتٍ وَ الْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ تَعْلَمُ مَا قَالَهُ عِبَادُكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ إِلَى قَوْلِهِ رَجُلًا مَسْحُوراً 75 ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى- انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا 76 ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً