کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
و مثله قول وداك بن ثميل المازني
مقاديم وصالون في الروع خطوهم
بكل رقيق الشفرتين يماني 4196
إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم
لأية حرب أم بأي مكان .
و قال آخر
إذا الكمأة تنحوا أن يصيبهم
حد السيوف وصلناها بأيدينا 4197 .
و قال آخر
وصلنا الرقاق المرهفات بخطونا
على الهول حتى أمكنتنا المضارب 4198 .
و قال بعض الرجاز
الطاعنون في النحور و الكلى
و الواصلون للسيوف بالخطا 4199 .
قوله ع و اعلموا أنكم بعين الله أي يراكم و يعلم أعمالكم و الباء هاهنا كالباء في قوله أنت بمرأى مني و مسمع.
قوله فعاودوا الكر أي إذا كررتم على العدو كره فلا تقتصروا عليها بل كروا كرة أخرى بعدها ثم قال لهم و استحيوا من الفرار فإنه عار في الأعقاب أي في الأولاد فإن الأبناء يعيرون بفرار الآباء و يجوز أن يريد بالأعقاب جمع عقب و هو العاقبة و ما يئول إليه الأمر قال سبحانه خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً 4200 أي خير عاقبة فيعنى على هذا الوجه أن الفرار عار في عاقبة أمركم و ما يتحدث به الناس في مستقبل الزمان عنكم.
ثم قال و نار يوم الحساب لأن الفرار من الزحف ذنب عظيم و هو عند
أصحابنا المعتزلة من الكبائر قال الله تعالى وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ 4201 و الجهاد بين يدي الإمام كالجهاد بين يدي الرسول ع. قوله ع و طيبوا عن أنفسكم نفسا لما نصب نفسا على التمييز وحده لأن التمييز لا يكون إلا واحدا و إن كان في معنى الجمع تقول انعموا بالا و لا تضيقوا ذرعا و أبقى الأنفس على جمعها لما لم يكن به حاجة إلى توحيدها يقول وطنوا أنفسكم على الموت و لا تكرهوه و هونوه عليكم تقول طبت عن مالي نفسا إذا هونت ذهابه.
و قوله و امشوا إلى الموت مشيا سجحا أي سهلا و السجاحة السهولة يقال 4202 في أخلاق فلان سجاحة و من رواه سمحا أراد سهلا أيضا.
و السواد الأعظم يعني به جمهور أهل الشام. قوله و الرواق المطنب يريد به مضرب معاوية ذا الأطناب و كان معاوية في مضرب عليه قبة عالية و حوله صناديد أهل الشام و ثبجه وسطه و ثبج الإنسان ما بين كاهله إلى ظهره.
و الكسر جانب الخباء و قوله فإن الشيطان كامن في كسره يحتمل وجهين أحدهما أن يعنى به الشيطان الحقيقي و هو إبليس و الثاني أن يعنى به معاوية و الثاني هو الأظهر للقرينة التي تؤيده و هي قوله قد قدم للوثبة يدا و أخر للنكوص رجلا أي إن جبنتم وثب و إن شجعتم نكص أي تأخر و فر و من حمله على الوجه الأول جعله من باب المجاز أي إن إبليس كالإنسان الذي يعتوره دواع مختلفة بحسب المتجددات فإن أنتم صدقتم عدوكم القتال فر عنكم بفرار عدوكم و إن تخاذلتم و تواكلتم طمع فيكم بطمعه و أقدم عليكم بإقدامه.
و قوله ع فصمدا صمدا أي اصمدوا صمدا صمدا صمدت لفلان أي قصدت له.
و قوله حتى ينجلي لكم عمود الحق أي يسطع نوره و ضوءه و هذا من باب الاستعارة و الواو في قوله وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ واو الحال.
وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ أي لن ينقصكم و هاهنا مضاف محذوف تقديره جزاء أعمالكم و هو من كلام الله تعالى رصع به خطبته ع.
و هذا الكلام خطب به أمير المؤمنين ع في اليوم الذي كانت عشيته ليلة الهرير في كثير من الروايات.
و في رواية نصر 4203 بن مزاحم أنه خطب به في أول أيام اللقاء و الحرب بصفين و ذلك في صفر من سنة سبع و ثلاثين.
من أخبار يوم صفين
قال نصر كان علي ع يركب بغلة له يستلذها 4204 قبل أن يلتقي الفئتان بصفين فلما حضرت الحرب و بات تلك الليلة يعبئ الكتائب حتى أصبح قال ائتوني بفرس فأتي بفرس له ذنوب 4205 أدهم يقاد بشطنين 4206 يبحث الأرض بيديه جميعا له حمحمة
و صهيل فركبه و قال سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر الجعفي قال كان علي ع إذا سار إلى قتال ذكر اسم الله قبل 4207 أن يركب كان يقول الحمد لله على نعمه علينا و فضله سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ 4208 ثم يستقبل القبلة و يرفع يديه إلى السماء و يقول اللهم إليك نقلت الأقدام و أتعبت الأبدان و أفضت القلوب و رفعت الأيدي و شخصت الأبصار رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ 4209 ثم يقول سيروا على بركة الله ثم يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر يا الله يا أحد يا صمد يا رب محمد اكفف عنا بأس 4210 الظالمين الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم قال و كانت هذه الكلمات شعاره بصفين.
قال و روى سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال ما كان علي ع في قتال إلا نادى يا كهيعص .
قال نصر و حدثنا قيس بن الربيع عن عبد الواحد بن حسان العجلي عمن حدثه أنه سمع عليا ع يقول يوم لقائه أهل الشام بصفين اللهم إليك رفعت الأبصار و بسطت الأيدي و نقلت الأقدام و دعت الألسن و أفضت القلوب و تحوكم إليك في الأعمال فاحكم بيننا و بينهم بالحق وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ اللهم إنا نشكو إليك غيبة
نبينا و قلة عددنا و كثرة عدونا و تشتت أهوائنا و شدة الزمان و ظهور الفتن فأعنا على ذلك بفتح منك تعجله و نصر تعز به سلطان الحق و تظهره 4211 .
قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن سلام بن سويد عن علي ع في قوله وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قال هي لا إله إلا الله و في قوله الله أكبر قال هي آية النصر قال سلام: كانت شعاره ع يقولها في الحرب ثم يحمل فيورد و الله من اتبعه و من حاده حياض الموت.
قال نصر و حدثنا 4212 عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال لما كان غداة الخميس لسبع خلون من صفر من سنة سبع و ثلاثين صلى علي ع الغداة فغلس ما رأيت عليا غلس بالغداة أشد من تغليسه يومئذ و خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف نحوهم و كان هو يبدؤهم فيسير إليهم فإذا رأوه قد زحف استقبلوه بزحوفهم.
قال نصر فحدثني 4213 عمر بن سعد عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب قال لما خرج علي ع إليهم غداة ذلك اليوم فاستقبلوه رفع يديه إلى السماء و قال اللهم رب هذا السقف المحفوظ المكفوف الذي جعلته محيطا بالليل و النهار و جعلت فيه مجرى الشمس و القمر و منازل الكواكب و النجوم و جعلت سكانه سبطا 4214 من الملائكة لا يسأمون العبادة و رب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام و الهوام و الأنعام و ما لا يحصى مما يرى و مما لا يرى من خلقك العظيم و رب الفلك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ المحيط 4215 بِما يَنْفَعُ النَّاسَ و رب السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ و رب الْبَحْرِ
الْمَسْجُورِ المحيط بالعالمين و رب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا و للخلق متاعا إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي و سددنا للحق و إن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة و اعصم بقية أصحابي من الفتنة.
قال فلما رأوه قد أقبل تقدموا إليه بزحوفهم 4216 و كان على ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي و على ميسرته عبد الله بن العباس بن عبد المطلب و قراء العراق مع ثلاثة نفر عمار بن ياسر و قيس بن سعد بن عبادة و عبد الله بن بديل و الناس على راياتهم و مراكزهم و علي ع في القلب في أهل المدينة جمهورهم الأنصار و معه من خزاعة و من كنانة عدد حسن.
قال نصر و كان علي ع رجلا 4217 ربعة أدعج العينين كأن وجهه القمر ليلة البدر حسنا ضخم البطن عريض المسربة 4218 شثن الكفين ضخم الكسور 4219 كأن عنقه إبريق فضة أصلع 4220 من خلفه شعر خفيف لمنكبه مشاش 4221 كمشاش الأسد الضاري إذا مشى تكفأ 4222 و مار به جسده و لظهره سنام كسنام الثور لا يبين عضده من ساعده 4223 قد أدمجت إدماجا لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس 4224 و لونه إلى سمرة ما و هو أذلف الأنف 4225 إذا مشى إلى الحرب هرول قد أيده الله تعالى في حروبه بالنصر و الظفر.
قال نصر و رفع معاوية قبة عظيمة و ألقى عليها الكرابيس 4226 و جلس تحتها.
قال نصر 4227 و قد كان لهم قبل هذا اليوم أيام ثلاثة و هي الرابع من صفر هذا و اليوم الخامس و اليوم السادس كانت فيها مناوشات و قتال ليس بذلك الكثير فأما اليوم الرابع فأن محمد بن الحنفية ع خرج في جمع من أهل العراق فأخرج إليه معاوية عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمع من أهل الشام فاقتتلوا ثم إن عبيد الله بن عمر أرسل إلى محمد بن الحنفية أن اخرج إلي أبارزك فقال نعم ثم خرج إليه فبصر بهما علي ع فقال من هذان المتبارزان قيل محمد بن الحنفية و عبيد الله بن عمر فحرك دابته ثم دعا محمدا إليه فجاءه فقال أمسك دابتي فأمسكها فمشى راجلا بيده سيفه نحو عبيد الله و قال له أنا أبارزك فهلم إلي فقال عبيد الله لا حاجة بي 4228 إلى مبارزتك قال بلى فهلم إلي قال لا أبارزك ثم رجع إلى صفه فرجع علي ع فقال ابن الحنفية يا أبت لم منعتني من مبارزته فو الله لو تركتني لرجوت أن أقتله قال يا بني لو بارزته أنا لقتلته و لو بارزته أنت لرجوت لك أن تقتله و ما كنت آمن أن يقتلك فقال يا أبت أ تبرز بنفسك إلى هذا الفاسق اللئيم عدو الله و الله لو أبوه يسألك المبارزة لرغبت بك عنه فقال يا بني لا تذكر أباه و لا تقل فيه إلا خيرا رحم الله أباه.