کتابخانه روایات شیعه
قَالَ ع: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مُوسَى أَ تَدْرِي مَا بَلَغَتْ بِرَحْمَتِي 154 إِيَّاكَ فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ أَرْحَمُ بِي مِنْ أَبِي وَ أُمِّي.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مُوسَى وَ إِنَّمَا رَحِمَتْكَ أُمُّكَ لِفَضْلِ رَحْمَتِي، فَأَنَا الَّذِي رَقَّقْتُهَا 155 عَلَيْكَ، وَ طَيَّبْتُ قَلْبَهَا لِتَتْرُكَ طَيِّبَ وَسَنِهَا 156 لِتَرْبِيَتِكَ، وَ لَوْ لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ بِهَا لَكَانَتْ هِيَ وَ سَائِرُ النِّسَاءِ 157 سَوَاءً.
[ما يكون كفارة للذنوب]
1 يَا مُوسَى أَ تَدْرِي أَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِي 158 يَكُونُ لَهُ ذُنُوبٌ وَ خَطَايَا- تَبْلُغُ أَعْنَانَ السَّمَاءِ فَأَغْفِرُهَا لَهُ، وَ لَا أُبَالِي قَالَ: يَا رَبِّ وَ كَيْفَ لَا تُبَالِي قَالَ تَعَالَى: لِخَصْلَةٍ شَرِيفَةٍ تَكُونُ فِي عَبْدِي أُحِبُّهَا، وَ هِيَ أَنْ يُحِبَّ إِخْوَانَهُ الْفُقَرَاءَ الْمُؤْمِنِينَ، وَ يَتَعَاهَدَهُمْ، وَ يُسَاوِيَ نَفْسَهُ بِهِمْ، وَ لَا يَتَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ.
فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ غَفَرْتُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَ لَا أُبَالِي.
يَا مُوسَى إِنَّ الْفَخْرَ 159 رِدَائِي وَ الْكِبْرِيَاءَ إِزَارِي، مَنْ نَازَعَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ بِنَارِي.
يَا مُوسَى إِنَّ مِنْ إِعْظَامِ جَلَالِي- إِكْرَامَ الْعَبْدِ الَّذِي أَنَلْتُهُ حَظّاً مِنْ [حُطَامِ] 160 الدُّنْيَا عَبْداً مِنْ عِبَادِي مُؤْمِناً، قَصُرَتْ يَدُهُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنْ تَكَبَّرَ عَلَيْهِ فَقَدِ اسْتَخَفَّ بِعَظِيمِ جَلَالِي.
[الحث على صلة رحم رسول الله ص]
1 ثُمَّ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع : إِنَّ الرَّحِمَ الَّتِي اشْتَقَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ رَحْمَتِهِ بِقَوْلِهِ:
أنا 161 «الرَّحْمَنِ» هِيَ 162 رَحِمُ مُحَمَّدِ ص 163 ، وَ إِنَّ مِنْ إِعْظَامِ اللَّهِ إِعْظَامِ مُحَمَّدٍ ص وَ إِنَّ مِنْ إِعْظَامِ مُحَمَّدٍ ص إِعْظَامَ رَحِمِ مُحَمَّدٍ، وَ إِنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ مِنْ شِيعَتِنَا هُوَ مِنْ رَحِمِ مُحَمَّدٍ 164 وَ إِنَّ إِعْظَامَهُمْ مِنْ إِعْظَامِ مُحَمَّدٍ ص.
فَالْوَيْلُ لِمَنِ اسْتَخَفَّ بِشَيْءٍ مِنْ حُرْمَةِ مُحَمَّدٍ ص، وَ طُوبَى لِمَنْ عَظَّمَ حُرْمَتَهُ، وَ أَكْرَمَ رَحِمَهُ وَ وَصَلَهَا 165 .
قوله عز و جل الرَّحِيمِ
13 قَالَ الْإِمَامُ ع وَ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى «الرَّحِيمِ» (فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ:) 166 رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ مِنْ رَحْمَتِهِ أَنَّهُ خَلَقَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، وَ جَعَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً فِي الْخَلْقِ كُلِّهِمْ، فَبِهَا 167 يَتَرَاحَمُ النَّاسُ، وَ تَرَحَّمُ الْوَالِدَةُ وَلَدَهَا، وَ تَحْنُو الْأُمَّهَاتُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى أَوْلَادِهَا.
[شفاعة المؤمنين]
فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَضَافَ هَذِهِ الرَّحْمَةَ [الْوَاحِدَةَ] إِلَى تِسْعٍ وَ تِسْعِينَ رَحْمَةً فَيَرْحَمُ بِهَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ص، ثُمَّ يُشَفِّعُهُمْ فِيمَنْ يُحِبُّونَ لَهُ الشَّفَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ حَتَّى أَنَّ الْوَاحِدَ لَيَجِيءُ إِلَى مُؤْمِنٍ مِنَ الشِّيعَةِ، فَيَقُولُ: اشْفَعْ لِي. فَيَقُولُ: وَ أَيُّ حَقٍّ لَكَ عَلَيَّ فَيَقُولُ: سَقَيْتُكَ يَوْماً مَاءً. فَيَذْكُرُ ذَلِكَ، فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُشَفَّعُ فِيهِ، وَ يَجِيئُهُ آخَرُ- فَيَقُولُ: إِنَّ لِي عَلَيْكَ حَقّاً، فَاشْفَعْ لِي. فَيَقُولُ: وَ مَا حَقُّكَ عَلَيَّ فَيَقُولُ:
اسْتَظْلَلْتَ بِظِلِّ جِدَارِي سَاعَةً فِي يَوْمٍ حَارٍّ. فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُشَفَّعُ فِيهِ، وَ لَا يَزَالُ يَشْفَعُ
حَتَّى يُشَفَّعَ فِي جِيرَانِهِ وَ خُلَطَائِهِ وَ مَعَارِفِهِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِمَّا تَظُنُّونَ 168 .
قوله عز و جل مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
14 قَالَ الْإِمَامُ ع (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ قَادِرٌ عَلَى إِقَامَةِ يَوْمِ الدِّينِ، وَ هُوَ يَوْمُ الْحِسَابِ، قَادِرٌ عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى وَقْتِهِ، وَ تَأْخِيرِهِ بَعْدَ وَقْتِهِ، وَ هُوَ الْمَالِكُ أَيْضاً فِي يَوْمِ الدِّينِ، فَهُوَ يَقْضِي بِالْحَقِ ، لَا يَمْلِكُ الْحُكْمَ وَ الْقَضَاءَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَنْ يَظْلِمُ وَ يَجُورُ، كَمَا فِي الدُّنْيَا مَنْ يَمْلِكُ الْأَحْكَامَ.
قَالَ: وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع: (يَوْمِ الدِّينِ) 169 هُوَ يَوْمُ الْحِسَابِ.
وَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْيَسِ 170 الْكَيِّسِينَ وَ أَحْمَقِ الْحَمْقَى قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: أَكْيَسُ الْكَيِّسِينَ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ، وَ عَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَ إِنَّ أَحْمَقَ الْحَمْقَى مَنِ اتَّبَعَ نَفْسُهُ هَوَاهَا، وَ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْأَمَانِيَّ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ كَيْفَ يُحَاسِبُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ قَالَ: إِذَا أَصْبَحَ ثُمَّ أَمْسَى رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ- فَقَالَ: يَا نَفْسِ 171 إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَضَى عَلَيْكِ لَا يَعُودُ إِلَيْكِ أَبَداً، وَ اللَّهُ تَعَالَى يَسْأَلُكِ عَنْهُ فِيمَا أَفْنَيْتِيهِ- فَمَا الَّذِي عَمِلْتِ فِيهِ أَ ذَكَرْتِ اللَّهَ أَمْ حَمِدْتِيهِ أَ قَضَيْتِ حَوَائِجَ 172 مُؤْمِنٍ أَ نَفَّسْتِ عَنْهُ كُرْبَةً أَ حَفِظْتِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ فِي أَهْلِهِ وَ وُلْدِهِ أَ حَفِظْتِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي مُخَلَّفِيهِ أَ كَفَفْتِ عَنْ غِيبَةِ أَخٍ مُؤْمِنٍ بِفَضْلِ جَاهِكِ أَ أَعَنْتِ مُسْلِماً مَا الَّذِي صَنَعْتِ فِيهِ فَيَذْكُرُ مَا كَانَ مِنْهُ.
فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ جَرَى مِنْهُ خَيْرٌ، حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَ كَبَّرَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ، وَ إِنْ ذَكَرَ مَعْصِيَةً أَوْ تَقْصِيراً، اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ مُعَاوَدَتِهِ، وَ مَحَا ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِتَجْدِيدِ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَ عَرَضَ بَيْعَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ ع عَلَى نَفْسِهِ، وَ قَبُولَهُ لَهَا، وَ إِعَادَةَ لَعْنِ أَعْدَائِهِ وَ شَانِئِيهِ وَ دَافِعِيهِ عَنْ حَقِّهِ 173 .
فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: لَسْتُ أُنَاقِشُكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ- مَعَ مُوَالاتِكَ أَوْلِيَائِي، وَ مُعَادَاتِكَ أَعْدَائِي 174 .
قوله عز و جل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
15 قَالَ الْإِمَامُ ع (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
قُولُوا: يَا أَيُّهَا الْخَلْقُ الْمُنْعَمُ عَلَيْهِمْ.
«إِيَّاكَ نَعْبُدُ» أَيُّهَا الْمُنْعِمُ عَلَيْنَا، وَ نُطِيعُكَ مُخْلِصِينَ مَعَ التَّذَلُّلِ وَ الْخُضُوعِ 175 بِلَا رِيَاءٍ، وَ لَا سُمْعَةٍ.
وَ «إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» مِنْكَ: نَسْأَلُ الْمَعُونَةَ عَلَى طَاعَتِكَ لِنُؤَدِّيَهَا كَمَا أَمَرْتَ، وَ نَتَّقِيَ مِنْ دُنْيَانَا مَا نَهَيْتَ عَنْهُ، وَ نَعْتَصِمَ- مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَ مِنْ سَائِرِ مَرَدَةِ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ مِنَ الْمُضِلِّينَ، وَ مِنَ الْمُؤْذِينَ الظَّالِمِينَ- بِعِصْمَتِكَ 176 .
16 وَ قَالَ: سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع مَنِ الْعَظِيمُ الشَّقَاءُ قَالَ: رَجُلٌ تَرَكَ الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا، فَفَاتَتْهُ الدُّنْيَا وَ خَسِرَ الْآخِرَةَ، وَ رَجُلٌ تَعَبَّدَ وَ اجْتَهَدَ وَ صَامَ رِئَاءَ 177 النَّاسِ فَذَاكَ الَّذِي حُرِمَ لَذَّاتِ الدُّنْيَا، وَ لَحِقَهُ التَّعَبُ الَّذِي لَوْ كَانَ بِهِ مُخْلِصاً لَاسْتَحَقَّ ثَوَابَهُ، فَوَرَدَ الْآخِرَةَ وَ هُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ مَا يَثْقُلُ بِهِ مِيزَانُهُ، فَيَجِدُهُ هَبَاءً مَنْثُوراً.
قِيلَ: فَمَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَسْرَةً قَالَ: مَنْ رَأَى مَالَهُ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ، وَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِ النَّارَ، وَ أَدْخَلَ وَارِثَهُ 178 بِهِ الْجَنَّةَ. قِيلَ: فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا قَالَ: كَمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا- عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ إِلَيْهِ وَ هُوَ يَسُوقُ 179 فَقَالَ لَهُ:
يَا أَبَا فُلَانٍ مَا تَقُولُ فِي مِائَةِ أَلْفٍ فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ- مَا 180 أَدَّيْتُ مِنْهَا زَكَاةً قَطُّ، وَ لَا وَصَلْتُ مِنْهَا رَحِماً قَطُّ قَالَ: فَقُلْتُ: فَعَلَامَ جَمَعْتَهَا قَالَ: لِجَفْوَةِ السُّلْطَانِ، وَ مُكَاثَرَةِ الْعَشِيرَةِ، وَ تَخَوُّفِ 181 الْفَقْرِ عَلَى الْعِيَالِ، وَ لِرَوْعَةِ الزَّمَانِ.
قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى فَاضَتْ نَفْسُهُ.
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ ع: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهَا مَلُوماً [مليما] 182 بِبَاطِلٍ جَمَعَهَا، وَ مِنْ 183 حَقٍّ مَنَعَهَا، جَمَعَهَا فَأَوْعَاهَا، وَ شَدَّهَا فَأَوْكَاهَا 184 ، قَطَعَ فِيهَا الْمَفَاوِزَ الْقِفَارَ، وَ لُجَجَ الْبِحَارِ أَيُّهَا الْوَاقِفُ لَا تُخْدَعْ كَمَا خُدِعَ صُوَيْحِبُكَ 185 بِالْأَمْسِ، إِنَّ [مِنْ] أَشَدِّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ رَأَى مَالَهُ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ، أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَذَا بِهِ الْجَنَّةَ وَ أَدْخَلَ هَذَا بِهِ النَّارَ 186 .
17 قَالَ الصَّادِقُ ع وَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا حَسْرَةً 187 رَجُلٌ جَمَعَ مَالًا عَظِيماً بِكَدٍّ
شَدِيدٍ، وَ مُبَاشَرَةِ الْأَهْوَالِ، وَ تَعَرُّضِ الْأَخْطَارِ، ثُمَّ أَفْنَى مَالَهُ فِي صَدَقَاتٍ وَ مَبَرَّاتٍ، وَ أَفْنَى شَبَابَهُ وَ قُوتَهُ فِي عِبَادَاتٍ وَ صَلَوَاتٍ، وَ هُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَرَى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع حَقَّهُ 188 ، وَ لَا يَعْرِفُ لَهُ مِنَ 189 الْإِسْلَامِ مَحَلَّهُ، وَ يَرَى أَنَّ مَنْ لَا بِعُشْرِهِ وَ لَا بِعُشْرِ 190 عَشِيرِ مِعْشَارِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ ع- يُوقَفُ 191 عَلَى الْحُجَجِ فَلَا يَتَأَمَّلُهَا، وَ يُحْتَجُّ عَلَيْهِ بِالْآيَاتِ وَ الْأَخْبَارِ- فَيَأْبَى إِلَّا تَمَادِياً فِي غَيِّهِ، فَذَاكَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ حَسْرَةٍ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَ صَدَقَاتُهُ مُمَثَّلَةٌ لَهُ فِي مِثَالِ الْأَفَاعِيِّ تَنْهَشُهُ، وَ صَلَوَاتُهُ وَ عِبَادَاتُهُ مُمَثَّلَةٌ لَهُ فِي مِثَالِ الزَّبَانِيَةِ- تَدْفَعُهُ حَتَّى تَدُعَّهُ إِلَى جَهَنَّمَ دَعّاً يَقُولُ: يَا وَيْلِي أَ لَمْ أَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ أَ لَمْ أَكُ مِنَ الْمُزَكِّينَ أَ لَمْ أَكُ عَنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَ نِسَائِهِمْ مِنَ الْمُتَعَفِّفِينَ، فَلِمَا ذَا دُهِيتُ بِمَا دُهِيتُ فَيُقَالُ لَهُ: يَا شَقِيُّ مَا نَفَعَكَ مَا عَمِلْتَ، وَ قَدْ ضَيَّعْتَ أَعْظَمَ الْفُرُوضِ بَعْدَ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَ الْإِيمَانِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ [رَسُولِ اللَّهِ 192 ] ص: ضَيَّعْتَ مَا لَزِمَكَ مِنْ مَعْرِفَةِ 193 حَقِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلِيِّ اللَّهِ، وَ الْتَزَمْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنَ الِائْتِمَامِ 194 بِعَدُوِّ اللَّهِ. 195
فَلَوْ كَانَ لَكَ بَدَلَ أَعْمَالِكَ هَذِهِ- عِبَادَةُ الدَّهْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَ بَدَلَ صَدَقَاتِكَ الصَّدَقَةُ بِكُلِّ أَمْوَالِ الدُّنْيَا- بَلْ بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَباً، لَمَا زَادَكَ ذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بُعْداً، وَ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا قُرْباً 196 .
18 قَالَ الْإِمَامُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص:
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: قُولُوا «إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» عَلَى طَاعَتِكَ وَ عِبَادَتَكَ، وَ عَلَى دَفْعِ 197 شُرُورِ أَعْدَائِكَ، وَ رَدِّ مَكَايِدِهِمْ، وَ الْمُقَامِ عَلَى مَا أَمَرْتَ 198 بِهِ 199 .
[أعظم الطاعات]
19 وَ قَالَ ص عَنْ جَبْرَئِيلَ ع عَنِ اللَّهِ تَعَالَى [قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ] 200 :
يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْأَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ.
وَ كُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُهُ، فَاسْأَلُونِي الْغِنَى أَرْزُقْكُمْ.
وَ كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ غَفَرْتُ 201 فَاسْأَلُونِي الْمَغْفِرَةَ أَغْفِرْ لَكُمْ.
وَ مَنْ عَلِمَ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي بِقُدْرَتِي، غَفَرْتُ لَهُ، وَ لَا أُبَالِي.
وَ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَ آخِرَكُمْ، وَ حَيَّكُمْ وَ مَيِّتَكُمْ، وَ رَطْبَكُمْ وَ يَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى إِنْقَاءِ 202 قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي، لَمْ يَزِيدُوا فِي مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.
وَ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَ آخِرَكُمْ، وَ حَيَّكُمْ وَ مَيِّتَكُمْ، وَ رَطْبَكُمْ وَ يَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى إِشْقَاءِ قَلْبِ 203 عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي- لَمْ يَنْقُصُوا مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.
وَ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَ آخِرَكُمْ، وَ حَيَّكُمْ وَ مَيِّتَكُمْ، وَ رَطْبَكُمْ وَ يَابِسَكُمْ، اجْتَمَعُوا فَتَمَنَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، مَا بَلَغَتْ مِنْ أُمْنِيَّتِهِ. فَأَعْطَيْتُهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي، كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ عَلَى شَفِيرِ الْبَحْرِ، فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمَّ انْتَزَعَهَا، وَ ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ، وَاجِدٌ، عَطَائِي كَلَامٌ، وَ عَذَابِي 204 كَلَامٌ، فَإِذَا أَرَدْتُ شَيْئاً فَإِنَّمَا أَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ يَا عِبَادِي اعْمَلُوا أَفْضَلَ الطَّاعَاتِ وَ أَعْظَمَهَا لِأُسَامِحَكُمْ- وَ إِنْ قَصَّرْتُمْ فِيمَا سِوَاهَا وَ اتْرُكُوا أَعْظَمَ الْمَعَاصِي وَ أَقْبَحَهَا- لِئَلَّا أُنَاقِشَكُمْ فِي رُكُوبِ مَا عَدَاهَا.