کتابخانه روایات شیعه
الدنيا للمؤمن و الكافر و اختصاص رحمة الآخرة بالمؤمن و إما باعتبار الكيفية و عليه حملوا ما ورد في الدعاء أيضا يا رحمان الدنيا و الآخرة و رحيم الدنيا لجسامة نِعَمِ الآخرة بأسرها بخلاف نِعَمِ الدنيا فمعنى الرحمن البالغ في الرحمة غايتها فلهذا اختص به سبحانه و لم يطلق على غيره لأنه هو المتفضل حقيقة و أما من عداه فطالب بإحسانه إما ثناء دنيويا أو ثوابا أخرويا أو إزالة رقة الجنسية أو إزاحة خساسة البخل ثم هو كالواسطة فإن ذات النعمة و سوقها إلى المنعم و إقداره على إيصالها كلها صادرة عنه جل شأنه و عظم امتناعه و تقديمه على الرحيم مع اقتضاء الترقي العكس لصيرورته بسبب الاختصاص به سبحانه كالواسطة بين العلم و الوصف فناسب توسطه بينهما و في ذكر هذه الأسماء في البسملة التي هي مفتتح الكتاب الكريم تأسيس لمباني الجود و الكرم و تشييد لمعالم العفو و الرأفة و إيماء إلى مضمون سبقت رحمتي غضبي و تنبيه على أن الحقيق بأن يستعان بذكره في مجامع الأمور هو الجامع لصفات الكمال البالغ في الرحمة غايتها المولى للنعم بأسرها عاجلها و آجلها جليلها و حقيرها و أما حمده سبحانه على بعض صفاته فراجع إلى
الحمد على الآثار المرتبة على نفس الذات المقدسة بناء على ما هو الحق من عينيتها لها و تلك الآثار اختيارية و لامه إما جنسية أو استغراقية أو عهدية أي حقيقة الحمد أو جميع أفراده أو الفرد الأكمل اللائق به ثابت له جل و علا ثبوتا قصريا كما تفيده لام الاختصاص و لو بمعونة المقام.
و الرب إما مصدر بمعنى التربية و هي تبليغ الشيء كماله تدريجا وصف به للمبالغة كالعدل و إما صفة مشبهة من ربه يربه بعد نقله إلى اللازم كما مر في الرحمن و إضافة حقيقته لانتفاء عمل النصب فهو مثل كريم البلد فجاز وصف المعرفة مع أن المراد الاستمرار لا التجدد و العالم اسم لما يعلم به الشيء غلب في كل جنس مما يعلم به الصانع كما يقال عالم الأفلاك و عالم العناصر و عالم الحيوان و عالم النبات الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تكريرهما للإشعار في مفتتح الكتاب المجيد بأن اعتناءه جل شأنه بالرحمة أشد و أكثر من الاعتناء ببقية الصفات و لبسط بساط الرجاء بأن مالك يوم الجزاء رحمان رحيم فلا تيأسوا أيها المذنبون من صفحه عن ذنوبكم في ذلك اليوم الهائل مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قراءة عاصم و الكسائي و قرأ الباقون مَلِكِ و قد تؤيد الأولى بموافقة قوله تعالى-
يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ .
و الثانية بوجوه خمسة الأول أنها أدخل في التعظيم الثاني أنها أنسب بالإضافة إلى يوم الدين كما يقال ملك العصر الثالث أنها أوفق بقوله تعالى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ .
الرابع أنها أشبه بما في خاتمة الكتاب من وصفه سبحانه بالملكية بعد الربوبية فيناسب الافتتاح الاختتام الخامس أنها غنية عن توجيه وصف المعرفة بما ظاهره التنكير و إضافة اسم الفاعل إلى الظرف لإجرائه مجرى المفعول به توسعا و المراد مالك الأمور كلها في ذلك اليوم و سوغ وصف المعرفة 327 [به] إرادة معنى المضي تنزيلا لمحقق الوقوع منزلة ما وقع أو إرادة الاستمرار الثبوتي و أما قراءة ملك فغنية عن التوحيد لأنها من قبيل كريم البلد و الدين الجزاء و منه قولهم كما تدين تدان.
و تخصيص يوم الدين بالإضافة مع
أنه سبحانه ملك و مالك لكل الأشياء في كل الأوقات لتعظيم ذلك اليوم و لأن الملك و الملك حاصلين لبعض الناس في هذه النشأة بحسب الظاهر يزولان و يبطلان في ذلك اليوم بطلانا بينا و ينفرد جل شأنه بهما انفرادا ظاهرا على كل أحد و في ذكر هذه الصفات بعد اسم الذات الدال على استجماع صفات الكمال إشارة إلى أن من يحمده الناس و يعظمونه إنما يكون حمدهم و تعظيمهم له لأحد أمور أربعة إما لأنهم يرجون الفوز في الاستقبال بجزيل إحسانه و جليل امتنانه و إما لأنهم يخافون من قهره و كمال قدرته و سطوته فكأنه جل و علا يقول يا أيها الناس إن كنتم تحمدون و تعظمون للكمال الذاتي و الصفاتي فإني أنا الله و إن كان للإحسان و التربية فأنا رب العالمين و إن كان للرجاء و الطمع في المستقبل 328 [للمستقبل] فأنا الرحمن الرحيم و إن كان للخوف من كمال القدرة و السطوة فأنا مالك يوم الدين إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ العبادة أعلى مراتب الخضوع و التذلل و لذلك لا يليق بها إلا من هو مول لأعلى النعم-
و أعظمها من الوجود و الحياة و توابعها و الاستعانة طلب المعونة على الفعل و المراد هنا طلب المعونة في المهمات بأسرها أو في أداء العبادات و القيام بوظائفها من الإخلاص التام و حضور القلب و في الآية الكريمة أمور خمسة لا بد من بيان النكتة في كل منها أولها تقديم العبادة على الاستعانة و ثانيها تقديم المعمول على العامل و ثالثها تكرير لفظة إياك و رابعها إيثار صيغة المتكلم مع الغير على المتكلم وحده و خامسها الالتفات من الغيبة إلى الخطاب فنقول أما تقديم العبادة على الاستعانة فلعل النكتة فيه أمور سبعة الأول رعاية توافق الفواصل كلها في متلو الحرف الأخير و هذه النكتة إنما يستقيم على ما هو الأصح من كون البسملة آية من الفاتحة 329 الثاني أن العبادة مطلوبة سبحانه من العباد و الإعانة مطلوبهم منه فناسب تقديم مطلوبه تعالى على مطلوبهم الثالث أن العبادة أشد مناسبة لما ينبئ عن الجزاء و الاستعانة أقوى
اتصالا بطلب الهداية فناسب إيلاء كل ما يناسبه الرابع أن المعونة التامة ثمرة العبادة كما يظهر من الحديث القدسي-
مَا يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَ 330 مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَ بَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَ يَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا الْحَدِيثَ.
الخامس أن التخصيص بالعبادة أول ما يحصل به الإسلام و أما التخصيص بالاستعانة فإنما يحصل بعد الرسوخ التام في الدين فهو أحق بالتأخير السادس أن العباد وسيلة إلى حصول الحاجة التي هي المعونة و تقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة السابع أن المتكلم لما نسب إلى نفسه العبادة كان في ذلك نوع تبجح و اعتداد بما يصدر عنه فعقبه بقوله وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يعني أن العبادة أيضا لا تتم و لا تستتب إلا بمعونتك و توفيقك و أما تقديم مفعولي العبادة و الاستعانة عليهما فلعل النكتة فيه أمور ثلاثة الأول قصرهما عليه سبحانه قصرا حقيقيا أو إضافيا إفراديا الثاني تقديم ما هو مقدم في الوجود-