کتابخانه روایات شیعه
يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ .
و الثانية بوجوه خمسة الأول أنها أدخل في التعظيم الثاني أنها أنسب بالإضافة إلى يوم الدين كما يقال ملك العصر الثالث أنها أوفق بقوله تعالى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ .
الرابع أنها أشبه بما في خاتمة الكتاب من وصفه سبحانه بالملكية بعد الربوبية فيناسب الافتتاح الاختتام الخامس أنها غنية عن توجيه وصف المعرفة بما ظاهره التنكير و إضافة اسم الفاعل إلى الظرف لإجرائه مجرى المفعول به توسعا و المراد مالك الأمور كلها في ذلك اليوم و سوغ وصف المعرفة 327 [به] إرادة معنى المضي تنزيلا لمحقق الوقوع منزلة ما وقع أو إرادة الاستمرار الثبوتي و أما قراءة ملك فغنية عن التوحيد لأنها من قبيل كريم البلد و الدين الجزاء و منه قولهم كما تدين تدان.
و تخصيص يوم الدين بالإضافة مع
أنه سبحانه ملك و مالك لكل الأشياء في كل الأوقات لتعظيم ذلك اليوم و لأن الملك و الملك حاصلين لبعض الناس في هذه النشأة بحسب الظاهر يزولان و يبطلان في ذلك اليوم بطلانا بينا و ينفرد جل شأنه بهما انفرادا ظاهرا على كل أحد و في ذكر هذه الصفات بعد اسم الذات الدال على استجماع صفات الكمال إشارة إلى أن من يحمده الناس و يعظمونه إنما يكون حمدهم و تعظيمهم له لأحد أمور أربعة إما لأنهم يرجون الفوز في الاستقبال بجزيل إحسانه و جليل امتنانه و إما لأنهم يخافون من قهره و كمال قدرته و سطوته فكأنه جل و علا يقول يا أيها الناس إن كنتم تحمدون و تعظمون للكمال الذاتي و الصفاتي فإني أنا الله و إن كان للإحسان و التربية فأنا رب العالمين و إن كان للرجاء و الطمع في المستقبل 328 [للمستقبل] فأنا الرحمن الرحيم و إن كان للخوف من كمال القدرة و السطوة فأنا مالك يوم الدين إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ العبادة أعلى مراتب الخضوع و التذلل و لذلك لا يليق بها إلا من هو مول لأعلى النعم-
و أعظمها من الوجود و الحياة و توابعها و الاستعانة طلب المعونة على الفعل و المراد هنا طلب المعونة في المهمات بأسرها أو في أداء العبادات و القيام بوظائفها من الإخلاص التام و حضور القلب و في الآية الكريمة أمور خمسة لا بد من بيان النكتة في كل منها أولها تقديم العبادة على الاستعانة و ثانيها تقديم المعمول على العامل و ثالثها تكرير لفظة إياك و رابعها إيثار صيغة المتكلم مع الغير على المتكلم وحده و خامسها الالتفات من الغيبة إلى الخطاب فنقول أما تقديم العبادة على الاستعانة فلعل النكتة فيه أمور سبعة الأول رعاية توافق الفواصل كلها في متلو الحرف الأخير و هذه النكتة إنما يستقيم على ما هو الأصح من كون البسملة آية من الفاتحة 329 الثاني أن العبادة مطلوبة سبحانه من العباد و الإعانة مطلوبهم منه فناسب تقديم مطلوبه تعالى على مطلوبهم الثالث أن العبادة أشد مناسبة لما ينبئ عن الجزاء و الاستعانة أقوى
اتصالا بطلب الهداية فناسب إيلاء كل ما يناسبه الرابع أن المعونة التامة ثمرة العبادة كما يظهر من الحديث القدسي-
مَا يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَ 330 مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَ بَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَ يَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا الْحَدِيثَ.
الخامس أن التخصيص بالعبادة أول ما يحصل به الإسلام و أما التخصيص بالاستعانة فإنما يحصل بعد الرسوخ التام في الدين فهو أحق بالتأخير السادس أن العباد وسيلة إلى حصول الحاجة التي هي المعونة و تقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة السابع أن المتكلم لما نسب إلى نفسه العبادة كان في ذلك نوع تبجح و اعتداد بما يصدر عنه فعقبه بقوله وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يعني أن العبادة أيضا لا تتم و لا تستتب إلا بمعونتك و توفيقك و أما تقديم مفعولي العبادة و الاستعانة عليهما فلعل النكتة فيه أمور ثلاثة الأول قصرهما عليه سبحانه قصرا حقيقيا أو إضافيا إفراديا الثاني تقديم ما هو مقدم في الوجود-
الثالث الإيماء إلى أن العابد و المستعين ينبغي أن يكون مطمح نظرهما أولا و بالذات هو الحق سبحانه على وتيرة ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله ثم منه إلى أنفسهم لا من حيث ذواتها بل من حيث إنها ملاحظة له عز و جل و منتسبة إليه ثم إلى أعمالهم من العبادة و نحوها لا من حيث صدورها عنهم بل من حيث إنها نسبة شريفة و وصلة لطيفة بينهم و بينه جل شأنه و أما تكرير الضمير فلعل النكتة فيه أمور أربعة الأول التنصيص على التخصيص بالاستعانة و إلا لاحتمل تقدير مفعولها مؤخرا فيفوت التنصيص الثاني رفع ما يتوهم من أن التخصيص إنما هو بمجموع الأمرين لا بكل واحد منهما الثالث الاستلذاذ بالخطاب الرابع بسط الكلام مع المحبوب كما في قول موسى على نبينا و عليه السلام هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها الآية و الفرق بين الأخيرين جريان الثاني في ضمير الغيبة دون الأول و أما إيثار صيغة المتكلم مع الغير على المتكلم وحده فلعل النكتة فيه أمور أربعة الأول الإرشاد إلى ملاحظة القارئ دخول الحفظة أو حضار صلاة الجماعة أو جميع حواسه و قواه الظاهرة و الباطنة أو جميع ما حوله دائرة الإمكان-
و اتسم بسمة 331 الوجود كما قال سبحانه وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الثاني الإيذان بحقارة نفسه عن عرض العبادة منفردا و طلب الإعانة مستقلا من دون الانضمام و الدخول في جملة جماعة يشاركونه في عرض العبادة على باب العظمة و الكبرياء كما هو الدأب في عرض الهدايا على الملوك و رفع الحوائج إليهم الثالث أن في خطابنا له عز و علا بأن خضوعنا التام و استعانتنا في المهام منحصران فيه سبحانه مع خضوعنا الكامل لأهل الدنيا من الملوك و الوزراء و من يحذو حذوهم جرأة عظيمة و جسارة ظاهرة فعدل في الفعلين عن الإفراد إلى الجمع لأنه يمكن أن يقصد حينئذ تغليب الأصفياء الخلص على غيرهم فيحترز بذلك عن الكذب الظاهر و التهور الشنيع الرابع أن هنا مسألة فقهية هي أن من باع أمتعة مختلفة صفقة واحدة و كان بعضها معيبا فإن المشتري لا يصح أن يقبل الصحيح و يرد المعيب بل إما يقبل الجميع أو يرد الجميع فكأن العابد أراد أن يحتال لقبول عبادته الناقصة المعيبة و يتوصل إلى نجاح حاجته فأدرج عبادته الناقصة المعيبة في عبادات غيره