کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
فَقَالَ وَ أَنْتُمْ فَمَا الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى مَا قُلْتُمُوهُ مِنْ هَذَا فَقَالُوا لِأَنَّا قَدْ وَجَدْنَا الْعَالَمَ صِنْفَيْنِ خَيْراً وَ شَرّاً وَ وَجَدْنَا الْخَيْرَ ضِدّاً لِلشَّرِّ فَأَنْكَرْنَا أَنْ يَكُونَ فَاعِلٌ وَاحِدٌ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَ ضِدَّهُ 6135 بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاعِلٌ أَ لَا تَرَى أَنَّ الثَّلْجَ مُحَالٌ أَنْ يُسَخِّنَ كَمَا أَنَّ النَّارَ مُحَالٌ أَنْ تُبَرِّدَ فَأَثْبَتْنَا لِذَلِكَ صَانِعَيْنِ قَدِيمَيْنِ ظُلْمَةً وَ نُوراً فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص أَ فَلَسْتُمْ قَدْ وَجَدْتُمْ سَوَاداً وَ بَيَاضاً وَ حُمْرَةً وَ صُفْرَةً وَ خُضْرَةً وَ زُرْقَةً وَ كُلُّ وَاحِدٍ ضِدٌّ لِسَائِرِهَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ اثْنَيْنِ مِنْهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَمَا كَانَ الْحَرُّ وَ الْبَرْدُ ضِدَّيْنِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَهَلَّا أَثْبَتُّمْ بِعَدَدِ كُلِّ لَوْنٍ صَانِعاً قَدِيماً لِيَكُونَ فَاعِلُ كُلِّ ضِدٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَلْوَانِ غَيْرَ فَاعِلِ الضِّدِّ الْآخَرِ قَالَ فَسَكَتُوا ثُمَّ قَالَ وَ كَيْفَ اخْتَلَطَ هَذَا النُّورُ وَ الظُّلْمَةُ وَ هَذَا مِنْ طَبْعِهِ الصُّعُودُ وَ هَذَا مِنْ طَبْعِهِ النُّزُولُ أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ شَرْقاً يَمْشِي إِلَيْهِ وَ الْآخَرَ غَرْباً يَمْشِي إِلَيْهِ أَ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَلْتَقِيَا مَا دَامَا سَائِرَيْنِ عَلَى وُجُوهِهِمَا قَالُوا لَا فَقَالَ وَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِطَ النُّورُ وَ الظُّلْمَةُ لِذَهَابِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي غَيْرِ جِهَةِ الْآخَرِ فَكَيْفَ حَدَثَ هَذَا الْعَالَمُ مِنِ امْتِزَاجِ مَا مُحَالٌ أَنْ يَمْتَزِجَ بَلْ هُمَا مُدَبَّرَانِ جَمِيعاً مَخْلُوقَانِ فَقَالُوا سَنَنْظُرُ فِي أُمُورِنَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَ قَالَ وَ أَنْتُمْ فَلِمَ عَبَدْتُمُ الْأَصْنَامَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَالُوا نَتَقَرَّبُ بِذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ أَ وَ هِيَ سَامِعَةٌ مُطِيعَةٌ لِرَبِّهَا عَابِدَةٌ لَهُ حَتَّى تَتَقَرَّبُوا بِتَعْظِيمِهَا إِلَى اللَّهِ فَقَالُوا لَا قَالَ فَأَنْتُمُ الَّذِينَ نَحَتُّمُوهَا 6136 بِأَيْدِيكُمْ فَلَأَنْ تَعْبُدَكُمْ هِيَ لَوْ كَانَ يَجُوزُ مِنْهَا الْعِبَادَةُ أَحْرَى مِنْ أَنْ تَعْبُدُوهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ أَمَرَكُمْ بِتَعْظِيمِهَا مَنْ هُوَ الْعَارِفُ بِمَصَالِحِكُمْ وَ عَوَاقِبِكُمْ وَ الْحَكِيمُ فِيمَا يُكَلِّفُكُمْ قَالَ فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص هَذَا اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَلَّ فِي هَيَاكِلِ رِجَالٍ كَانُوا عَلَى هَذِهِ الصُّوَرِ فَصَوَّرْنَا هَذِهِ الصُّوَرَ 6137 نُعَظِّمُهَا لِتَعْظِيمِنَا تِلْكَ الصُّوَرَ الَّتِي حَلَّ فِيهَا رَبُّنَا
وَ قَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِنَّ هَذِهِ صَوَرُ أَقْوَامٍ سَلَفُوا كَانُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ قَبْلَنَا فَمَثَّلْنَا صُوَرَهُمْ وَ عَبَدْنَاهَا تَعْظِيماً لِلَّهِ وَ قَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ وَ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَفَاتَنَا ذَلِكَ فَصَوَّرْنَا صُورَتَهُ فَسَجَدْنَا لَهُ تَقَرُّباً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَرَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ كَمَا أُمِرْتُمْ بِالسُّجُودِ بِزَعْمِكُمْ إِلَى جِهَةِ مَكَّةَ [كَعْبَةَ خ ل] فَفَعَلْتُمْ ثُمَّ نَصَبْتُمْ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ بِأَيْدِيكُمْ مَحَارِيبَ سَجَدْتُمْ إِلَيْهَا وَ قَصَدْتُمُ الْكَعْبَةَ لَا مَحَارِيبَكُمْ وَ قَصْدُكُمْ بِالْكَعْبَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَا إِلَيْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَخْطَأْتُمُ الطَّرِيقَ وَ ضَلَلْتُمْ أَمَّا أَنْتُمْ وَ هُوَ يُخَاطِبُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ يَحُلُّ فِي هَيَاكِلِ رِجَالٍ كَانُوا عَلَى هَذِهِ الصُّوَرِ الَّتِي صَوَّرْنَاهَا فَصَوَّرْنَا هَذِهِ نُعَظِّمُهَا لِتَعْظِيمِنَا لِتِلْكَ الصُّوَرِ الَّتِي حَلَّ فِيهَا رَبُّنَا فَقَدْ وَصَفْتُمْ رَبَّكُمْ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقَاتِ أَ وَ يَحُلُّ رَبُّكُمْ فِي شَيْءٍ حَتَّى يُحِيطَ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ إِذاً وَ بَيْنَ سَائِرِ مَا يَحُلُّ فِيهِ مِنْ لَوْنِهِ وَ طَعْمِهِ وَ رَائِحَتِهِ وَ لِينِهِ وَ خُشُونَتِهِ وَ ثِقْلِهِ وَ خِفَّتِهِ وَ لِمَ صَارَ هَذَا الْمَحْلُولُ فِيهِ 6138 مُحْدَثاً وَ ذَلِكَ قَدِيماً دُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُحْدَثاً وَ هَذَا قَدِيماً وَ كَيْفَ يَحْتَاجُ إِلَى الْمَحَالِّ مَنْ لَمْ يَزَلْ قَبْلَ الْمَحَالِّ وَ هُوَ عَزَّ وَ جَلَّ كَمَا لَمْ يَزَلْ 6139 وَ إِذَا وَصَفْتُمُوهُ بِصِفَةِ الْمُحْدَثَاتِ فِي الْحُلُولِ فَقَدْ لَزِمَكُمْ أَنْ تَصِفُوهُ بِالزَّوَالِ 6140 أَمَّا مَا وَصَفْتُمُوهُ بِالزَّوَالِ وَ الْحُدُوثِ فَصِفُوهُ بِالْفَنَاءِ 6141 لِأَنَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ مِنْ صِفَاتِ الْحَالِّ وَ الْمَحْلُولِ فِيهِ وَ جَمِيعُ ذَلِكَ يُغَيِّرُ الذَّاتَ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَغَيَّرْ 6142 ذَاتُ الْبَارِي عَزَّ وَ جَلَّ بِحُلُولِهِ فِي شَيْءٍ جَازَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ 6143 بِأَنْ يَتَحَرَّكَ وَ يَسْكُنَ وَ يَسْوَدَّ وَ يَبْيَضَّ وَ يَحْمَرَّ وَ
يَصْفَرَّ وَ تَحِلَّهُ الصِّفَاتُ الَّتِي تَتَعَاقَبُ عَلَى الْمَوْصُوفِ بِهَا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ جَمِيعُ صِفَاتِ الْمُحْدَثِينَ وَ يَكُونَ مُحْدَثاً عَزَّ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَإِذَا بَطَلَ مَا ظَنَنْتُمُوهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يَحُلُّ فِي شَيْءٍ فَقَدْ فَسَدَ مَا بَنَيْتُمْ عَلَيْهِ قَوْلَكُمْ قَالَ فَسَكَتَ الْقَوْمُ وَ قَالُوا سَنَنْظُرُ فِي أُمُورِنَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْفَرِيقِ الثَّانِي فَقَالَ أَخْبِرُونَا عَنْكُمْ إِذَا عَبَدْتُمْ صُوَرَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَسَجَدْتُمْ لَهُ وَ صَلَّيْتُمْ فَوَضَعْتُمُ الْوُجُوهَ الْكَرِيمَةَ عَلَى التُّرَابِ بِالسُّجُودِ لَهَا فَمَا الَّذِي أَبْقَيْتُمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ أَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ يَلْزَمُ تَعْظِيمُهُ وَ عِبَادَتُهُ أَنْ لَا يُسَاوَى بِهِ عَبْدُهُ أَ رَأَيْتُمْ مَلِكاً أَوْ عَظِيماً إِذَا سَاوَيْتُمُوهُ بِعَبِيدِهِ فِي التَّعْظِيمِ وَ الْخُشُوعِ وَ الْخُضُوعِ أَ يَكُونُ فِي ذَلِكَ وَضْعٌ مِنَ الْكَبِيرِ كَمَا يَكُونُ زِيَادَةً فِي تَعْظِيمِ الصَّغِيرِ فَقَالُوا نَعَمْ قَالَ أَ فَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ مِنْ حَيْثُ تُعَظِّمُونَ اللَّهَ بِتَعْظِيمِ صُوَرِ عِبَادِهِ الْمُطِيعِينَ لَهُ تَزِرُونَ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ 6144 قَالَ فَسَكَتَ الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ قَالُوا سَنَنْظُرُ فِي أُمُورِنَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِلْفَرِيقِ الثَّالِثِ لَقَدْ ضَرَبْتُمْ لَنَا مَثَلًا وَ شَبَّهْتُمُونَا بِأَنْفُسِكُمْ وَ لَا سَوَاءَ وَ ذَلِكَ لِأَنَّا عِبَادُ اللَّهِ 6145 مَخْلُوقُونَ مَرْبُوبُونَ نَأْتَمِرُ لَهُ فِيمَا أَمَرَنَا وَ نَنْزَجِرُ عَمَّا زَجَرَنَا وَ نَعْبُدُهُ مِنْ حَيْثُ يُرِيدُهُ مِنَّا فَإِذَا أَمَرَنَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ أَطَعْنَاهُ وَ لَمْ نَتَعَدَّ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَأْمُرْنَا وَ لَمْ يَأْذَنْ لَنَا لِأَنَّا لَا نَدْرِي لَعَلَّهُ أَرَادَ مِنَّا الْأَوَّلَ وَ هُوَ يَكْرَهُ الثَّانِيَ وَ قَدْ نَهَانَا أَنْ نَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا أَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَهُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ أَطَعْنَا ثُمَّ أَمَرَنَا بِعِبَادَتِهِ بِالتَّوَجُّهِ نَحْوَهَا فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ الَّتِي نَكُونُ بِهَا فَأَطَعْنَا فَلَمْ نَخْرُجْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنِ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ حَيْثُ أَمَرَنَا بِالسُّجُودِ لآِدَمَ لَمْ يَأْمُرْ بِالسُّجُودِ لِصُورَتِهِ الَّتِي هِيَ غَيْرُهُ فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّهُ يَكْرَهُ مَا تَفْعَلُونَ إِذْ لَمْ يَأْمُرْكُمْ بِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَذِنَ لَكُمْ رَجُلٌ فِي دُخُولِ دَارِهِ يَوْماً بِعَيْنِهِ أَ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا دَاراً لَهُ أُخْرَى مِثْلَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ وَهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِهِ أَوْ عَبْداً مِنْ
عَبِيدِهِ أَوْ دَابَّةً مِنْ دَوَابِّهِ أَ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَأْخُذُوهُ 6146 أَخَذْتُمْ آخَرَ مِثْلَهُ قَالُوا لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَنَا فِي الثَّانِي كَمَا أَذِنَ لَنَا فِي الْأَوَّلِ قَالَ فَأَخْبِرُونِي اللَّهُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُتَقَدَّمَ عَلَى مِلْكِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ بَعْضُ الْمَمْلُوكِينَ قَالُوا بَلِ اللَّهُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ قَالَ فَلِمَ فَعَلْتُمْ وَ مَتَى أَمَرَكُمْ أَنْ تَسْجُدُوا لِهَذِهِ الصُّوَرِ قَالَ فَقَالَ الْقَوْمُ سَنَنْظُرُ فِي أُمُورِنَا وَ سَكَتُوا وَ قَالَ الصَّادِقُ ع فَوَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ نَبِيّاً مَا أَتَتْ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ إِلَّا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ص فَأَسْلَمُوا وَ كَانُوا خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ خَمْسَةٌ وَ قَالُوا مَا رَأَيْنَا مِثْلَ حُجَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ قَالَ الصَّادِقُ ع قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَدّاً عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ لَمَّا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فَكَانَ رَدّاً عَلَى الدَّهْرِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا الْأَشْيَاءُ لَا بَدْءَ لَهَا وَ هِيَ دَائِمَةٌ ثُمَّ قَالَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ فَكَانَ رَدّاً عَلَى الثَّنَوِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ النُّورَ وَ الظُّلْمَةَ هُمَا الْمُدَبِّرَانِ ثُمَّ قَالَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ فَكَانَ رَدّاً عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ أَوْثَانَنَا آلِهَةٌ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إِلَى آخِرِهَا فَكَانَ رَدّاً عَلَى مَنِ ادَّعَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ضِدّاً أَوْ نِدّاً قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِأَصْحَابِهِ قُولُوا إِيَّاكَ نَعْبُدُ أَيْ نَعْبُدُ وَاحِداً لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتِ الدَّهْرِيَّةُ إِنَّ الْأَشْيَاءَ لَا بَدْءَ لَهَا وَ هِيَ دَائِمَةٌ وَ لَا كَمَا قَالَتِ الثَّنَوِيَّةُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ النُّورَ وَ الظُّلْمَةَ هُمَا الْمُدَبِّرَانِ وَ لَا كَمَا قَالَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ إِنَّ أَوْثَانَنَا آلِهَةٌ فَلَا نُشْرِكُ بِكَ شَيْئاً وَ لَا نَدَّعِي مِنْ دُونِكَ إِلَهاً 6147 كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ وَ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصَارَى إِنَّ لَكَ وَلَداً تَعَالَيْتَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى وَ قَالَ غَيْرُهُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ
الْكُفَّارِ مَا قَالُوا قَالَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ الَّتِي يَتَمَنَّوْنَهَا بِلَا حُجَّةٍ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ وَ حُجَّتَكُمْ عَلَى دَعْوَاكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ كَمَا أَتَى مُحَمَّدٌ بِبَرَاهِينِهِ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا ثُمَّ قَالَ بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ يَعْنِي كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ص لَمَّا سَمِعُوا بَرَاهِينَهُ وَ حُجَجَهُ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فِي عَمَلِهِ لِلَّهِ فَلَهُ أَجْرُهُ ثَوَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ يَوْمَ فَصْلِ الْقَضَاءِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حِينَ يَخَافُ الْكَافِرُونَ مَا يُشَاهِدُونَهُ مِنَ الْعَذَابِ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ عِنْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ بِالْجِنَانِ تَأْتِيهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ 6148 .
ج، الإحتجاج بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ ع قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ الصَّادِقِ ع الْجِدَالُ فِي الدِّينِ وَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص وَ الْأَئِمَّةَ ع قَدْ نَهَوْا عَنْهُ وَ سَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ وَ قَالُوا مَا رَأَيْنَا مِثْلَ حُجَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ 6149 .
بيان قوله ص من الخلة أو الخلة و الأولى بالفتح و هي بمعنى الفقر و الحاجة و الثانية بالضم و هي بمعنى غاية الصداقة و المحبة اشتق من الخلال لأن المحبة تخللت قلبه فصارت خلاله أي في باطنه و قد ذكر اللغويون أنه يحتمل كون الخليل مشتقا من الخلة بالفتح أو الضم.
قوله ص قَدْ حَكَمْتُمْ بِحُدُوثِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ لَيْلٍ وَ نَهَارٍ تدرج ع في الاحتجاج فنزلهم أولا عن مرتبة الإنكار إلى مدرجة الشك بهذا الكلام و حاصله أنكم كثيرا ما تحكمون بأشياء لم تروها كحكمكم هذا بعدم اجتماع الليل و النهار فيما سبق من الأزمان فليس لكم أن تجعلوا عدم مشاهدتكم لشيء حجة للجزم بإنكاره فلا تنكروا لله قدرة أي فلا تنكروا أن الأشياء مقدورة لله تعالى و أن الله خالقها أو لا تنكروا قدرة الله على إحداثها من كتم العدم و من غير مادة ثم أخذ ص في إقامة البرهان على حدوثها و هو يحتمل وجهين.
الأول أن يكون إلى آخر الكلام برهانا واحدا حاصله أنه لا يخلو من أن يكون الليل و النهار أي الزمان غير متناه من طرف الأزل منتهيا إلينا أو متناهيا من
طرف الأزل أيضا فعلى الثاني فالأشياء لحدوثها لا بد لها من صانع يتقدمها ضرورة فهذا معنى قوله فقد كان و لا شيء منهما أي كان الصانع قبل وجود شيء منهما ثم أخذ ص في إبطال الشق الأول بأنكم إنما حكمتم بقدمها لئلا تحتاج إلى صانع و العقل السليم يحكم بأن القديم الذي لا يحتاج إلى صانع لا بد أن يكون مباينا في الصفات و الحالات للحادث الذي يحتاج إلى الصانع مع أن ما حكمتم بقدمه لم يتميز عن الحادث في شيء من التغيرات و الصفات و الحالات أو المعنى أن ما يوجب الحكم في الحادث بكونه محتاجا إلى الصانع من التركب و اعتوار الصفات المتضادة عليه و كونها في معرض الانحلال و الزوال كلها موجودة فيما حكمتم بقدمه و عدم احتياجه إلى الصانع فيجب أن يكون هذا أيضا حادثا مصنوعا. الثاني أن يكون قوله أَ تَقُولُونَ إلى قوله قَالَ لَهُمْ أَ قُلْتُمْ برهانا واحدا بأن يكون قوله فَقَدْ وَصَلَ إِلَيْكُمْ آخِرٌ بِلَا نِهَايَةَ لِأَوَّلِهِ إبطالا للشق الأول بالإحالة على الدلائل التي أقيمت على إبطال الأمور الغير المتناهية المترتبة بناء على عدم اشتراط وجودها معا في إجرائها كما زعمه أكثر المتكلمين و يكون بعد ذلك دليلا واحدا كما مر سياقه و يمكن أن يقرر ما قبله أيضا برهانا ثالثا على إثبات الصانع بأن يكون المراد بقوله ص حَكَمْتُمْ بِحُدُوثِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ لَيْلٍ وَ نَهَارٍ لبيان أن حكمهم بحدوث كل ليل و نهار يكفي لاحتياجها إلى الصانع و لا ينفعكم قدم طبيعة الزمان فإن كل ليل و كل نهار لحدوثه بشخصه يكفي لإثبات ذلك.
قوله ص وَ كَيْفَ اخْتَلَطَ هَذَا النُّورُ وَ الظُّلْمَةُ إشارة إلى ما ذكره المانوية من الثنوية و هو أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور و الآخر ظلمة و أنهما أبديان لم يزلا و لا يزالان ثم اختلفوا في المزاج و سببه فقال بعضهم كان ذلك بالخبط و الاتفاق و قال بعضهم وجوها ركيكة أخرى و قالوا جميع أجزاء النور أبدا في الصعود و الارتفاع و أجزاء الظلمة أبدا في النزول و التسفل فرد النبي ص عليهم بأنكم إذا اعترفتم بأن النور يقتضي بطبعه الصعود و الظلمة تقتضي بطبعها النزول و لا تعترفون بصانع يقسرهما على الاجتماع و الامتزاج فمن أين جاء امتزاجهما و اختلاطهما
ليحصل هذا العالم و كيف يتأتى الخبط و الاتفاق مع كون الطبيعتين قاسرتين لهما على الافتراق و تفصيل القول و بسط الكلام في أمثال ذلك يوجب الخروج عن موضوع الكتاب و إنما نكتفي بإشارات مقنعة لأولي الألباب في كل باب.