کتابخانه روایات شیعه
و الذهب إذا بلغ عشرين مثقالا و الغلات و الثمار إذا بلغت خمسة أوسق تطهيرا لهم بها من ذنوبهم و وجب على الأمة حملها إليه لفرضه عليها طاعته و نهيه لها عن خلافه 653 و الإمام قائم مقام النبي ص فيما فرض عليه من إقامة الحدود و الأحكام لأنه مخاطب في ذلك بخطابه. و قوله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ يدل على أن الأخذ يجب من اختلاف الأموال لأنه تعالى جمعه و لو قال خذ من مالهم لأفاد وجوب الأخذ من جنس واحد متفق و من دخلت للتبعيض فكأنه قال خذ بعض مختلف الأموال. و ظاهر الآية لما ذكرنا لا يدل على أنه يجب أن يؤخذ من كل صنف لأنه لو أخذ من صنف واحد لكان قد أخذ بعض الأموال و إنما يعلم ذلك بدليل آخر. و الصدقة عطية ما له قيمة في الشرع للفقير و ذي الحاجة و البر عطية لاجتلاب المودة و مثله الصلة. و إنما ارتفع تُطَهِّرُهُمْ لأحد أمرين إما أن يكون صفة للصدقة و تكون التاء للتأنيث و قوله بِها تبيين له و التقدير صدقة مطهرة و إما أن تكون التاء لخطاب النبي ع و التقدير فإنك تطهرهم بها و هو أيضا صفة الصدقة إلا أنه اجتزأ بذكر بها في الثاني 654 عن الأول. و قيل يجوز أن يكون على الاستئناف و حمله على الاتصال أولى 655 . و قيل في هذه الصدقة قولان أحدهما قاله الحسن إنها كفارة الذنوب التي أصابوها و قال غيره هي الزكاة الواجبة. و أصل التطهير إزالة النجس 656 فالمراد هاهنا إزالة نجس الذنوب على
المجاز و الاستعارة. و قوله وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ أمر من الله لنبيه ع أن يدعو لمن يأخذ منه الصدقة و قال قوم يجب ذلك على كل ساع يجمع الصدقات أن يدعو لصاحبها بالخير و التزكية و البركة كما فعل رسول الله ص.
وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ أَمْوَالُنَا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا وَ اسْتَغْفِرْ لَنَا فَقَالَ مَا أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً .
فصل
و لا تجب الزكاة في عروض التجارة و إنما تستحب على بعض الوجوه. فإن تعلق المخالف بقوله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً و أن عموم القول يتناول عروض التجارة فالجواب عن ذلك أن أكثر ما في هذه الآية أن يكون لفظها عموما و العموم معرض للتخصيص و نحن نخص هذا العموم ببعض ما تقدم من أدلتنا. على أن مخالفينا لا بد لهم من ترك هذا الظاهر في عروض التجارة لأنهم يضمرون في تناول هذا اللفظ لعروض التجارة أن يبلغ قيمتها نصاب الزكاة و هذا ترك للظاهر و خروج عنه و لا فرق بينهم فيه و بيننا إذا حملنا اللفظ في الآية على الأصناف التي أجمعنا على وجوب الزكاة فيها و إذا قمنا في ذلك مقامهم و هم المستدلون بالآية بطل استدلالهم. و بمثل هذا الكلام يبطل تعلقهم
بقوله وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ 657 .
و يمكن أن يقال في هذه الآية إنها خرجت مخرج المدح لهم لما فعلوه لا على سبيل إيجاب الحق في أموالهم لأنه تعالى قال كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ فأخرج الكلام كله مخرج المدح لهم بما فعلوه و ليس في إيجاب الله في أموالهم حقا معلوما [مدح لهم و لا ما يجب الثناء عليهم فعلم أن المعنى و يعطون من أموالهم حقا معلوما] 658 للسائل و المحروم و ما يفعلونه من ذلك ليس بلازم أن يكون واجبا بل قد يكون نفلا و متطوعا به و قد يمدح الفاعل على ما يتطوع به كما يمدح على فعل ما يجب عليه. و لا تعلق لهم بقوله وَ آتُوا الزَّكاةَ لأن اسم الزكاة اسم شرعي و نحن لا نسلم أن في عروض التجارة زكاة فيتناولها الاسم فعلى من ادعى ذلك أن يدل عليه. و الدين إذا كان يد صاحبه تمتد إليه و لا يتعذر عليه كانت الزكاة فيه و إذا لم يتمكن من قبضه لتأجيله أو دفعه باليد عنه فلا زكاة فيه على صاحبه و بذلك نصوص عن آل محمد ع فإن الله لم يجعل فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ و لا كلف عسيرا بنص التنزيل.
فصل
و قوله أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ 659 . سبب ذلك أنهم لما سألوا النبي ع أن يأخذ من مالهم ما يكون كفارة لذنوبهم فامتنع النبي من ذلك حتى أذن له فيه بقوله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ
صَدَقَةً على ما قدمناه فبين الله هاهنا أن ليس للنبي قبول توبتكم و أن ذلك إلى الله دونه فإن الله تعالى هو الذي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ أي يأخذها بتضمن الجزاء عليها كما تؤخذ الهدية. قال الجبائي جعل أخذ النبي و المؤمنين للصدقة أخذا له تعالى على وجه المجاز من حيث كان يأمره
وَ أَكَّدَهُ النَّبِيُّ ع بِقَوْلِهِ إِنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَى السَّائِلِ 660 .
و في التفسير
أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ وَ صَاحِبَهُ لَمَّا بَشَّرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص بِقَبُولِ اللَّهِ تَوْبَتَهُمْ وَ مَغْفِرَتِهِ لَهُمْ قَالُوا نَتَقَرَّبُ بِجَمِيعِ أَمْوَالِنَا شُكْراً لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ قَبُولِ تَوْبَتِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ ص يَكْفِيكُمُ الثُّلُثُ.
فصل
و قوله تعالى وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ 661 يدل على أن النية واجبة في الزكاة لأن إعطاء المال قد يقع على وجوه كثيرة فمنها إعطاؤه على وجه الصدقة و منها إعطاؤه على وجه 662 الهدية و منها الصلة و منها الوديعة و منها قضاء الدين و منها القرض و منها البر و منها الزكاة و منها النذر و غير ذلك و بالنية يتميز بعضها من بعض. قال الكلبي في معنى الآية يضاعف الله أموالهم في الدنيا و نحوه قوله تعالى مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ 663 .
قال الربيع و السدي الآية تدل على أن النفقة بسبع مائة ضعف لقوله سَبْعَ سَنابِلَ فأما غيرها فالحسنة بعشرة كقوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها 664 و معنى الآية أي يضاعف الله لهم الحسنات. فإن قيل هل رئي في سنبلة مائة حبة حتى يضرب المثل بها. قلنا إن ذلك متصور فشبه به لذلك و إن لم ير كقول إمرئ القيس
و مسنونة زرق كأنياب أغوال
و قال تعالى طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 665 و قيل يرى ذلك في سنبل الدخن و قد يكون ذلك عبارة عن حب كثير. و هذه الآية متصل بقوله مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً 666 و هذا مجاز لأن حقيقته أن يستعمل في الحاجة و يستحيل ذلك و معناه التلطف في الاستدعاء إلى أعمال البر. و جهلت اليهود لما نزلت هذه الآية فقالوا الذي يستقرض منا فنحن أغنياء و هو فقير إلينا فأنزل الله لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ 667 .
فصل
و قوله تعالى وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ 668 الآية دلالة على أنهم لم ينظروا إلى كيفية القسمة أ هي عادلة أم جائرة و إنما اعتبروا إعطاءه إياهم فقط فإن أعطاهم قالوا عدل و أحسن و إن لم يعطهم سخطوا و أنكروا و هذا جهل و معلوم أن من لم
يرض قسمة النبي ع الصدقات و طعن عليه فيها سرا أو جهرا إما كافر أو منافق. و اللمز العيب في خلوة أي من المنافقين من يعيبك في تفريق الصدقات
وَ قَالَ النَّبِيُّ ع لَا أُعْطِيكُمْ شَيْئاً وَ لَا أَمْنَعُكُمُوهُ إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ أَضَعَ حَيْثُ أُمِرْتُ.
و لا تعجب إن اختلف أحكام الصدقات فالغلات و الثمار لا يراعى فيها حول الحول و شرطها اثنان الملك و النصاب. و يراعى حول الحول في الأنعام و الأثمان و من شرط الأنعام الملك و النصاب و السوم و من شرط الأثمان الملك و النصاب و كونهما مضروبين منقوشين دنانير و دراهم. و هذا التفصيل إنما نعلمه ببيان الرسول قال تعالى وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ فبيانه في مثل ذلك بالقول و بيانه في تفريقها بالعمل و كلاهما بيان. ثم قال تعالى وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ و جوابه محذوف أي لكانوا مؤمنين و الحذف في مثل هذا أبلغ لأن الذكر يقصره على معنى و الحذف يجوز كل ممكن محتمل يذهب النفس معه كل مذهب و الله أعلم
الباب الثاني في ذكر من يستحق الزكاة و أقل ما يعطى
قال الله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ 669 . أخبر الله في هذه الآية أنه ليست الصدقات التي هي زكاة الأموال إلا للفقراء