کتابخانه روایات شیعه
ثم قال وَ إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ المعنى أن الزوجين اللذين تقدم ذكرهما متى أبى كل واحد منهما مصالحة الآخر بأن تطالب المرأة نصيبها من النفقة و القسمة و حسن العشرة و يمتنع الزوج من إجابتها إلى ذلك لميله إلى الأخرى و يتفرقا حينئذ بالطلاق فإن الله يغني كل واحد بفضله.
فصل
ثم
قال تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ 1679 أي إنهم يقومون بأمرهن و بتأديبهن فدلت الآية على أنه يجب على الرجل أن يدبر أمر المرأة و أن ينفق عليها لأن فضله و إنفاقه معا علة لكونه قائما عليها مستحقا لطاعتها فالصالحات مطيعات لله و لأزواجهن حافظات لما غاب عنه أزواجهن من ماله و ما يجب من رعايته و حاله و ما يلزم من صيانتها نفسها لله. وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ النشوز هاهنا معصية الزوج و أصله الرفع على الزوج من قولهم هو على نشز من الأرض أي ارتفاع و النشوز يكون من قبل المرأة على زوجها خاصة و الشقاق بينهما. فَعِظُوهُنَ فإن رجعن و إلا ف اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ
وَ عَنِ الْبَاقِرِ ع هَجْرُ الْمُضَاجَعَةِ هُوَ أَنْ يُحَوِّلَ ظَهْرَهُ إِلَيْهَا 1680 .
و قال ابن جبير هو هجر الجماع و قال بعضهم اهجروهن اربطوهن بالهجار أي الحبل و هذا تعسف في التأويل و يضعفه قوله فِي الْمَضاجِعِ و لا يكون الرباط في المضاجع. فأما الضرب فإنه غير مبرح بلا خلاف
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع هُوَ
بِالسِّوَاكِ 1681 .
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فلا تطلبوا العلل في ضربهن و سوء معاشرتهن. ثم قال وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها 1682 و يجعلا الأمر إليهما على ما يريان من الصلاح [فإن رأيا من الصلاح الجمع بينهما جمعا و لم يستأذنا و لم يكن لهما مخالفتهما و إن رأيا من الصلاح] 1683 التفريق بينهما لم يفرقا حتى يستأذنا فإن استأذناهما و رضيا بالطلاق فرقا بينهما و إن رأى أحد الحكمين التفريق و الآخر الجمع لم يكن لذاك حكم حتى يصطلحا على أمر واحد إما جمع و إما تفريق و معنى الآية أي إن علمتم و الأولى و الأصح أن يحمل على خلاف الأمن لأنه لو علم الشقاق يقينا لم يحتج إلى الحكمين فإن أريد به الظن كان قريبا مما قلناه. و الشقاق الخلاف و العداوة و الحكم السلطان الذي يترافعان إليه قاله جماعة و قال قوم هنا وكيلان و عندنا أنهما حكمان و الضمير في بينهما عائد إلى الحكمين أي إذا أرادا إصلاحا في أمر الزوجين يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما قاله ابن عباس و ابن جبير
باب ما يؤثر في أنواع الطلاق
و هو أيضا على ضربين الخلع و المباراة و هما يؤثران في كيفية الطلاق فإن كل واحد منهما متى حصل مع الطلاق كانت التطليقة بائنة. أما الخلع فإنه يكون من جهة المرأة خاصة و يجب إذا قالت المرأة لزوجها
إن لم تطلقني لأوطئن فراشك من تكرهه فمتى سمع منها هذا القول أو علم هذا من حالها و إن لم تنطق به وجب عليه خلعها و قد سمى الله تعالى في كتابه الخلع افتداء
فقال فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ 1684 و الفدية العوض الذي تبذله المرأة لزوجها تفتدي نفسها منه به و هذا هو الخلع في الشرع و إنما استعمل هذا 1685 في الزوجين لأن كل واحد منهما لباس لصاحبه. و الأصل في الخلع الكتاب و السنة قال تعالى وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ 1686 الآية. فإذا أراد خلعها اقترح عليها شيئا معلوما تعطيه سواء كان ذلك مثل المهر الذي أعطاها أو أكثر منه أو أنقص حسبما يختاره أي ذلك فعل جاز و حل له ما يأخذ منها فإذا تقرر بينهما على شيء معلوم طلقها بعد ذلك و تكون تطليقة بائنة لا يملك رجعتها إلا أن ترجع المرأة فيما بذلته من مالها قبل العدة 1687 فإن رجعت في شيء من ذلك في العدة كان له الرجوع أيضا في بعضها ما لم تخرج من العدة فإذا خرجت من العدة لم يلتفت إليها إذا رجعت فيما بذلته و لم يكن عليها أيضا رجعة فإن أراد كان بعقد جديد. أما قوله تعالى وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أي إلا أن يظنا و من ضم الياء من يُخَافَا فتقديره أن لا يخافا على أن لا يقيما حدود الله و قال أبو علي الفارسي خاف يتعدى إلى مفعول واحد و ذلك المفعول يكون تارة أن و صلتها و تارة غيرها و لا يلزم همزة سؤال من قال ينبغي
أن يكون فإن خيفا و كذا لا يلزم من خالفه لم لم يقل فإن خافا لأمرين أحدهما أن يكون الصرف من الغيبة إلى الخطاب كما قال الْحَمْدُ لِلَّهِ ثم قال إِيَّاكَ نَعْبُدُ و قال ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ 1688 و الآخر يكون الخطاب في قوله فَإِنْ خِفْتُمْ مصروفا إلى الولاة و الفقهاء الذين يقومون بأمور الكافة. فإن قيل كيف قال فَلا جُناحَ عَلَيْهِما و إنما الإباحة لأخذ الفدية. قيل لأنه لو خص بالذكر لأوهم أنها عاصية فإن كانت الفدية له جائزة فبين الإذن لهما لئلا يوهم أنه كالربا المحرم على الأخذ و المعطي. و ذكر الفراء أنه كقوله تعالى يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ 1689 و إنما هو من الملح دون العذب مجاز للاتساع و هذا هو الذي يليق بمذهبنا لأن الذي يبيح الخلع عندنا هو ما لولاه لكانت المرأة به عاصية فهما اشتركا في أن لا يكون عليهما جناح إذا كانت تعطي ما قد يفي عن الزوج فيه الإثم فاشتركت فيه لأنها إذا أعطت ما يطرح الإثم احتاجت هي إلى مثل ذلك أي إنها نفت [عن] 1690 نفسها الإثم بأن افتدت لأنها لو أقامت على النشوز و الإضرار لأثمت و كان عليها في النشوز جناح فخرجت عنه بالافتداء. و أما المباراة فهي أن تكون الكراهية من جهة الرجل و المرأة معا من كل واحد منهما لصاحبه و لم يختص ذلك واحد منهما فمتى عرفا ذلك من حالهما أو قالت المرأة لزوجها أنا أكره المقام معك و أنت تكره المقام معي أيضا فباريني أو يقول الرجل مثل ذلك على أن تعطيني كيت و كيت و يكون ذلك دون المهر
فإذا بذلته ذلك من نفسها طلقها حينئذ تطليقة و تكون بائنة على ما ذكرناه لأن المباراة ضرب من الخلع و الفرق بينهما ما ذكرناه و الآية تدل عليهما. و الخلع بالفدية على ثلاثة أوجه أحدها أن تكون المرأة عجوزا و دميمة فيضاريها لتفتدي به نفسها فهذا لا يحل له الفداء لقوله وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ 1691 الآية. الثاني أن يرى الرجل امرأته على فاحشة فيضاريها لتفتدي في خلعها فهذا يجوز و هو معنى قوله وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ 1692 . الوجه الثالث أن يخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ لسوء خلق أو قلة نفقة من غير ظلم أو نحو ذلك فتجوز الفدية خلعا كان أو مباراة على ما فصلناه
باب ما يلحق بالطلاق
و هو أيضا على ضربين يوجب التحريم و إن لم تقع الفرقة و ضرب يوجب البينونة مثل الطلاق فالقسم الأول الظهار و الإيلاء و القسم الثاني اللعان و الارتداد و نحن نفرد لكل واحد منهما فصلا مفردا إن شاء الله تعالى
فصل في الظهار
قال الله تعالى الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ
إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ 1693 هذه الآية نزلت في خولة بنت ثعلبة 1694 و زوجها أوس أخو عبادة بن الصامت في قول قتادة و كان مجادلتها إياه مراجعتها في أمر زوجها و كان ظاهر منها و هي تقول كبرت سني و دق عظمي و إن أوسا تزوجني و أنا شابة غنية فلما علت سني ظاهر مني و رسول الله ص ساكت لا يجيبها لأنه لم يكن نزل عليه وحي في ذلك و لا حكم ثم قالت إلى الله أشكو حالي فلي صبية إن ضممتهم إلي جاعوا و إن ضمهم إليه ضاعوا فعاودت النبي ع فسألته رخصة 1695 . إن قيل لم قال وَ اللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما بعد قوله قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ . قلنا ليس ذلك تكريرا لأن أحد المسموعين غير الآخر و الأول ما حكته عن زوجها من الظهار و الثاني ما كان يجري بينهما و بين النبي ع من الكلام في ذلك. قال ابن عباس هو أول من ظاهر في الإسلام فكان الرجل في الجاهلية إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي حرمت عليه كما هو في الإسلام فأنزل الله في قصة الظهار الآيات و لا خلاف أن الحكم عام في جميع من يظاهر و إن نزلت الآية في سبب. و قال صاحب النظم إن بعض المفسرين قال ليس قولهم أنت علي كظهر أمي مأخوذا من الظهر الذي هو العضو لأنه لو كان من ذلك لكان البطن أولى به من الظهر بل إنما هو من قولهم ظهر علي كذا إذا ملكه و كما