کتابخانه روایات شیعه
الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ: حُبِّ الْحَيَاةِ، وَ حُبِّ الْمَالِ» 1399 .
[المجاز] (272)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضّاً كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» 1400 .
و هذه استعارة، و «الغضّ» في كلامهم صفة للثمر أو النبت الذي لم يطل مكثه بعد مجتناه، فيؤثّر فيه الزمان، و يدخله التغيير و الفساد، و يقولون: «غضّ» و «غضيض» بمعنى واحد، و «الغضيض» أيضا عندهم اسم من أسماء الطلع 1401 ، فأراد عليه الصلاة و السلام أنّ من يأخذ القرآن عن ابن امّ عبد- و هو عبد اللّه بن مسعود رحمة اللّه عليه- أو يسلك في القراءة نهجه و يطلع فجّه 1402 ، فقد أخذه سليما من الفساد و التغيير، و بريئا من التحريف و التبديل، فهو كالنبات الغضّ لم يطل عهد جانيه، و لا دبّ الفساد فيه.
و قد روي هذا الخبر على وجه آخر؛ و هو
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْباً كَمَا أُنْزِلَ» 1403 .
، و المعنى في الروايتين واحد.
وَ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَرِيضاً كَمَا أُنْزِلَ ...» 1404 .
، و «الغريض» الطريّ، و هو أيضا في معنى الروايتين الأوليين.
[المجاز] (273)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ: «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيَلْحِيَنَّكُمُ اللَّهُ كَمَا لَحَيْتُ 1405 عَصَايَ هَذِهِ» 1406 ، لِعُودٍ فِي يَدِهِ.
و في هذا الكلام موضع استعارة؛ و هو قوله عليه الصلاة و السلام:
ليلحينّكم اللّه» و المراد: ليتنقّصنّكم اللّه في النفوس و الأموال، و ليصيبنّكم بالمصائب العظام، فتكونون كالأغصان التي جرّدت من أوراقها، و عرّيت من ألحيتها و ألياطها 1407 ، فصارت قضبانا مجرّدة، و عيدانا مفردة، و هم يقولون لمن جلّف 1408 الزمان ماله أو سلبه أولاده و أعضاده: «قد لحاه الدهر لحي العصا» لأنّ من 1409 كان ينضمّ إليه من ولدته و حفدته و يسبغ عليه من جلابيب نعمته؛ بمنزلة اللحاء للقضيب، و الورق للغصن
الرطيب، فإذا اخرج عن ذلك أجمع كان كالعود العاري، و القضيب الذاوي 1410 .
[المجاز] (274)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا اسْتِطَالَةُ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ» 1411 .
و هذه استعارة؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه تناول الإنسان من عرض غيره بالذمّ و الوقيعة و الطعن و العضيهة 1412 - أكثر ممّا تناوله منه ذلك الذي قدح في عرضه، و أغرق في ذمّه- بالربا في الأموال؛ و هو أن يعطي الإنسان القليل ليجرّ الكثير، فإنّه يستربي المال بذلك الفعل؛ أي يطلب نماءه و زيادته، و أصل «الربا» عندهم مأخوذ من الزيادة، يقولون: «ربا الشيء في الماء» إذا انتفخ و زاد، و منه «الرباوة» و «الربوة» و هي ما علا من الأرض و ارتفع. و من ذلك قوله تعالى: وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ 1413 ؛ أي رطب ثراها و بلّ، و كثر نبتها و اتصل.
[المجاز] (275)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي صِفَةِ الْخَوَارِجِ- وَ الْخَبَرُ طَوِيلٌ-: «يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ، وَ هُوَ عَلَيْهِمْ؛ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ» 1414 .
و هذا القول مجاز، و المراد أنّهم لا يعملون بأحكام القرآن و فرائضه، و لا يأتمرون لأوامره، و لا ينزجرون بزواجره، و كأنّهم ليس لهم منه إلّا الصوت الخارج من حناجرهم، يقول عليه الصلاة و السلام: لا يعرف القرآن عندهم إلّا بهذه و تلاوته، دون العمل بأحكامه و واجباته.
وَ قَدْ رُوِيَ أَيْضاً: «لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ» 1415 .
و المعنى واحد.
[المجاز] (276)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِمُخَاطَبَيْنِ مِنْ أَهْلِهِ سَأَلَاهُ- فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ-: «وَ اللَّهِ لَا أُعْطِيكُمَا وَ أَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تَنْطَوِي بُطُونُهُمْ؛ لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ» 1416 .
و في هذا القول مجاز، و أهل الصفّة: هم فقراء المهاجرين، فكأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه بطونهم من الخمص و الهضم- لقلّة الزاد و المطعم- بالأوعية الفارغة التي تنطوي لفراغها، و تنضمّ لخلوّ أجوافها.
و قد يجوز أيضا أن يكون إنّما شبّهها بالبرود 1417 المثنيّة و الخماص 1418 المطويّة؛ لانضمام بعضها على بعض من خلوّ الأحشاء، و بعد العهد بالغذاء.
و قد يجوز أيضا أن يكون: «تنطوي بطونهم» هاهنا تنفعل من «الطّوى» و هو الجوع، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «تتجوّع بطونهم» و هذا القول يخرج الكلام من حيّز الاستعارة، و يدخله في باب الحقيقة.
[المجاز] (277)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ 1419 » 1420 .
و هذه استعارة، و المراد بذلك أنّ الإنسان المؤمن يمتنع لأجل إيمانه أن يسفك الدم الحرام طاعة لأمر الحميّة، و ركوبا لسنن الجاهلية، فكأنّ إيمانه قيّد فتكه، فتماسكه و ضبط تهالكه.
و مثل ذلك
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِخَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ الْأَنْصَارِيِّ- وَ كَانَ خَلِيعاً قَبْلَ إِسْلَامِهِ-: «مَا فَعَلَ شِرَادُ بَعِيرِكَ يَا خَوَّاتُ؟» فَقَالَ: قَيَّدَهُ الْإِسْلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ 1421 .
، ألا ترى كيف شبّهه عليه الصلاة و السلام في ريعان خلاعته و عنفوان نزاقته بالبعير الشارد الذي قد فارق مراحه 1422 ، و تبع ارتياحه، و كيف أجاب هذا الإنسان عن كلام النبيّ عليه الصلاة
و السلام بما هو من جنسه، و ماض على نهجه، فقال: «قيّده الإسلام» لأنّه عليه الصلاة و السلام لمّا جعله بمنزلة البعير الشارد، و جعل هو ما ردّه عن ذلك الشراد و عكسه عن تلك الحال بمنزلة القيد و العقال، و هذا القول من النبيّ عليه الصلاة و السلام أيضا داخل في باب المجاز.
[المجاز] (278)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» 1423 .
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «الْأَجْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» 1424 .
و هذا القول مجاز، و المراد بالصدمة أوّل ما يطرق الإنسان من النوائب، و يبدهه 1425 من المصائب، فشبّه ذلك عليه الصلاة و السلام في شدّة وقعته و عظيم روعته بصدمة الجسيم الشديد أو صكّة الحجر الثقيل؛ في أنّه يوهن و يحطم، و يرمض 1426 و يؤلم، فإذا صبر الإنسان لتلك الواقعة، و تماسك تحت تلك الروعة، و سلّم للأقضية النازلة و الأقدار الغالبة، و لم ينفذ في جواذب الجزع، و يركض في مضمار القلق، اعطي الأجر برمّته، و قيد إليه بأزمّته؛ لأنّ ما يطرق الإنسان و هو ذاهل و يفجأه و هو غافل، أعظم نكاية لقلبه و إيجاعا لنفسه ممّا يطرق و قد أخذ له اهبته، و أعدّ له عدّته.
[المجاز] (279)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يُسْلِمَ قَلْبُهُ وَ لِسَانُهُ ...» 1427 .
، في حديث طويل.
و هذه استعارة، و المراد بإسلام قلبه سلامته من الإخبات، و بإسلام لسانه تسلّمه من الأرفاث، فلا يعتقد قلبه شرّا، و لا يقول لسانه هجرا 1428 .
و الدليل على إرادته عليه الصلاة و السلام هذا المعنى،
قَوْلُهُ فِي تَمَامِ الْكَلَامِ: «وَ لَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» 1429 .
، وَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَ يَدِهِ» 1430 .
و كأنّه عليه الصلاة و السلام جعل تمام إسلام العبد أن يكفّ قلبه عن اعتقاد المقبّحات، و يده عن فعل المحظورات، و لسانه عن قول المقذعات 1431 .
[المجاز] (280)