کتابخانه روایات شیعه
قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَ الْبَرُّ جَانِبَهُ» 1629 .
و في هذا القول مجاز، و المراد: حجّوا قبل أن يمنع سلوك البرّ القاطعون لسبيله، و العائثون 1630 في طريقه، و الحائلون بين الناس و بين دخوله، فلمّا جعل عليه الصلاة و السلام البرّ ممنوعا بمن أشرنا إلى ذكره- حسن على طريق المجاز- أن يجعله كالمانع لجانبه، و المخوف لسالكه؛ لأنّ المحجوب كرها كالمحتجب، و الممنوع قسرا كالممتنع.
[المجاز] (342)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْحُمَّى كِيرُ 1631 جَهَنَّمَ» 1632 .
و هذا القول مجاز، و المراد المبالغة في وصف حرارة الحمّى و اتّقادها، و شدّة اوارها 1633 و اضطرامها، فشبّهها عليه الصلاة و السلام بكير يستمدّ من نار جهنّم؛ و هي أعظم النيران وقودا، و أبعدها خمودا.
و قال المفسّرون في قوله تعالى- و هو يريد نار الدنيا-: نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَ مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ 1634 ، قالوا: «تذكرة يستذكر بها الناس نار الآخرة، فيكون ذلك أزجر لهم عن المعاصي، و أصرف عن المضالّ و المغاوي؛ لأنّ نار الدنيا إذا كانت على ما هي عليه من قوّة الإحراق،
و شدّة الإرماض 1635 و الإقلاق 1636 ، و هي مع ذلك دون نار الآخرة في الطبقة، و جزء من أجزائها في الإيلام و النكاية، فما ظنّك بتلك النار إذا باشرت الأجسام، و خالطت اللحوم و العظام!!» نعوذ باللّه منها، و نسأله التوفيق لما باعد عنها.
و قيل في المقوين قولان:
أحدهما: «أن يكونوا المرملين 1637 من الزاد، و الفاقدين للطعام، يقال:
«أقوى فلان من زاده» إذا لم يبق عنده شيء منه، و ذلك مأخوذ من الأرض القواء 1638 التي لا شيء فيها، فكأنّه صار كهذه الأرض في الخلوّ من البلغ التي يتبلّغ بها 1639 ، و المسك التي يترمّقها 1640 ».
و القول الآخر: «أن يكون المقوون هاهنا: السائرين في القوى؛ و هي الأرض التي قدّمنا ذكرها، و النار للمسافر أرفق منها للحاضر».
[المجاز] (343)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي دُعَاءٍ دَعَا بِهِ لِمَيِّتٍ: «اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِكَ، وَ حَبْلِ جِوَارِكَ؛ فَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَ عَذَابَ النَّارِ» 1641 .
فقوله عليه الصلاة و السلام «و حبل جوارك» استعارة، و المراد أنّه لجي إلى ظلّك، و مضطرّ إلى فضلك، فأخرج قوله: «في ذمّتك، و حبل جوارك» على عادة كلام العرب؛ لأنّهم يقولون: «قد عقد فلان لفلان حبلا» و «أخذ فلان من فلان حبلا» إذا أعطاه ذماما 1642 ، أو عقد له جوارا 1643 ، و قد سمّوا العهود: «حبالا» على هذا المعنى، و في التنزيل:
إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ 1644 ؛ أي بعهد من اللّه، و عهد من الناس. و الأصل في ذلك أن يشبّهوا ما يعقد من الذّمام بما يعقد من الحبال؛ لأنّها تقرّب بين البعيدين، و تجمع بين القريبين، و تصل الأبيات بالأبيات، و تربط الأطناب بالأطناب 1645 .
[المجاز] (344)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ وَ قَدْ ذَكَرَ وُقُوعَ الْفِتَنِ: «ثُمَّ تَعُودُونَ فِيهَا أَسَاوِدَ صُبّاً؛ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» 1646 .
و هذا القول مجاز، و أراد عليه الصلاة و السلام: أنّكم تكونون في هذه
الفتنة كالحيّات التي تنصبّ على مناهشها، و تسرع إلى ملابسها 1647 ، غير متذمّمة 1648 من محرّم، و لا متورّعة عن معظّم.
[المجاز] (345)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كُلُّكُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ شَرَدَ عَلَى اللَّهِ شِرَادَ الْبَعِيرِ» 1649 .
فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ «إِلَّا مَنْ شَرَدَ عَلَى اللَّهِ».
مجاز، و المراد:
إلّا من عند 1650 عن أمر اللّه سبحانه و تعالى، و بعد عن رضاه و طاعته، و ذهب في غير جهة مشيئته و إرادته، فكان كالبعير الشارد الذي ندّ 1651 عن صاحبه، و بعد عن معاطنه 1652 .
[المجاز] (346)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: «انْفَحِي وَ انْضَحِي، وَ لَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ» 1653 .
قوله عليه الصلاة و السلام: «انفحي و انضحي» استعارة، و المراد:
أنفقي مالك في سبيل اللّه، و ابذليه في طاعه اللّه، و أصيبي به مواضعه بإسراع و بدار، كما تنفح الريح هبوبها، و تنضح السحابة شؤبوبها 1654 ،
و المراد بقوله عليه الصلاة و السلام هاهنا: «و لا توعي فيوعي اللّه عليك» أي لا تمسكي فيمسك اللّه عليك؛ لأنّ من أوعى شيئا و حفظه فقد أمسكه و منعه.
[المجاز] (347)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ قُرَيْشاً أَهْلُ صِدْقٍ وَ أَمَانَةٍ، فَمَنْ بَغَاهُمُ الْعَوَاثِرَ كَبَّهُ اللَّهُ لِوَجْهِهِ» 1655 .
و هذا القول مجاز، و المراد: فمن بغاهم المعثّرات؛ و هي الامور التي تعثرهم، و تضع شرفهم، فقال عليه الصلاة و السلام «العواثر» لأنّها و إن أعثرتهم فكأنّها عاثرة بهم، أو واقعة عليهم، و منه قولهم: «عثر الدهر بآل فلان» إذا نقّص أعدادهم، و غيّر أحوالهم، و بلغ المبالغ منهم، و ساءت آثاره فيهم.
[المجاز] (348)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْمُسْلِمَانِ إِذَا حَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ السِّلَاحَ فَهُمَا عَلَى جُرُفِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَخَلَاهَا جَمِيعاً» 1656 .
و هذا القول مجاز، و المراد بذلك المسلمان اللّذان يتقاتلان في غير طاعة اللّه سبحانه، فهما بنفس القتال و تظاهر هما بحمل السلاح، عاصيان للّه سبحانه، مستحقّان لعقابه، مقدمان على شقاقه، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلا جميعا النار، إلّا أنّ المقتول يستحقّها بتعرّضه للقتال
المحظور عليه، و القاتل يستحقّها بمثل ذلك، و يتفرّد بعقاب القتل الذي وقع منه، فيكون أشدّهما نكالا، و أعظمهما و بالا.
و موضع المجاز قوله عليه الصلاة و السلام «فهما على جرف جهنّم» و المراد أنّهما على طريق استحقاق نار جهنم؛ بإقدامهما على الفعل المحظور، و الأمر المكروه، فشبّه عليه الصلاة و السلام كونهما قريبين من استحقاق دخول النار، بمن أشرف على جرفها و قام على حرفها 1657 ؛ في شدّة القرب منها، و الإشفاء 1658 على الوقوع فيها. و مثل ذلك قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها 1659 ، و قد لخّصنا الكلام على ذلك في كتاب «مجازات القرآن» 1660 .
[المجاز] (349)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ رَأَى بَعِيراً فِي بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَحَنَّ إِلَيْهِ كَالشَّاكِي، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِصَاحِبِهِ: «إِنَّ بَعِيرَكَ يَشْكُوكَ؛ وَ يَزْعُمُ أَنَّكَ أَكَلْتَ شَبَابَهُ حَتَّى إِذَا كَبِرَ تُرِيدُ أَنْ تَنْحَرَهُ» 1661 .
و هذا القول مجاز، و المراد بقوله عليه الصلاة و السلام: «أكلت شبابه» استعملته في حال شبابه و قوّته، و أجمعت نحره في حال ضعفه
و كبره، فجعل استعماله طول أيّام شبابه كالآكل شبابه؛ لأنّه استنفاد له، و ذهاب به.
[المجاز] (350)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ- فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ نَهَى فِيهِ عَنِ الذَّبْحِ بِالسِّنِّ وَ الظُّفْرِ-: «أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَ أَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» 1662 .
و هذه استعارة، «و المدى» السكاكين، فكأنّه عليه الصلاة و السلام قال: «و الأظفار سكاكين الحبشة» لأنّهم يذبحون بحدّها، و يقيمونها مقام المدى في التذكية بها، و «الظّفر» هاهنا إسم للجنس، كالدينار و الدرهم في قولهم: «أهلك الناس الدينار و الدرهم» أي الدنانير و الدراهم، و لذلك صحّ أن يقول: «مدى الحبشة» و «المدى» جمع؛ لأنّ الواحدة «مدية».
[المجاز] (351)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كَفَى بِالسَّلَامَةِ دَاءً» 1663 .