کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
على أمورهم و طالبوه بأن يعتزل لأنه 1885 مستول عليهم بغير حق 1886 فامتنع من ذلك و يكون فائدة هذا الكلام التبرؤ من مباشرة قتله و الأمر به على سبيل التفصيل أو النهي عنه و يجوز أن يريد أنني ما أحببت قتله إن كانوا تعمدوا القتل و لم يقع على سبيل الممانعة و هو غير مقصود و يريد بقوله ما كرهته أني لم أكرهه على كل حال و من كل وجه.
فأما لعنه قتلته فقد بينا أنه ليس بظاهر ظهور ما ذكرناه و إن صح فهو مشروط بوقوع القتل على الوجه المحظور من تعمد له و قصد إليه و غير ذلك على أن المتولي للقتل على ما صحت به الرواية كنانة بن بشير التجيبي و سودان بن حمران المرادي و ما منهما من كان غرضه صحيحا في القتل و لا له أن يقدم عليه فهو ملعون به فأما محمد بن أبي بكر فما تولى قتله و إنما روي أنه لما جثا بين يديه قابضا على لحيته قال له يا ابن أخي دع لحيتي فإن أباك لو كان حيا لم يقعد مني هذا المقعد فقال محمد أن أبي لو كان حيا ثم يراك تفعل ما تفعل لأنكره عليك ثم وجأه 1887 بجماعة قداح كانت في يده فحزت في جلده و لم تقطع و بادره من ذكرناه في قتله بما كان فيه قتله.
فأما تأويله
قول أمير المؤمنين ع قتله الله و أنا معه.
على أن المراد به الله أماته و سيميتني فبعيد من الصواب لأن لفظة أنا لا تكون كناية عن المفعول و إنما تكون كناية عن الفاعل و لو أراد ما ذكره لكان يقول و إياي معه و ليس له أن يقول إننا نجعل قوله و أنا معه مبتدأ محذوف الخبر و يكون تقدير الكلام و أنا معه مقتول و ذلك لأن هذا ترك للظاهر و إحالة على ما ليس فيه و الكلام إذا أمكن حمله على معنى يستقل ظاهره به من غير تقدير و حذف كان أولى مما يتعلق بمحذوف على أنهم إذا جعلوه مبتدأ و قدروا خبرا لم يكونوا بأن يقدروا ما يوافق مذهبهم بأولى من تقدير خلافه و يجعل بدلا من لفظة المقتول المحذوفة لفظة معين أو ظهير.
و إذا تكافأ القولان في التقدير و تعارضا سقطا و وجب الرجوع إلى ظاهر الخبر على أن عثمان مضى مقتولا فكيف يقال إن الله تعالى أماته و القتل كاف في انتفاء الحياة و ليس يحتاج معه إلى ناف للحياة يسمى موتا.
و قول صاحب المغني يجوز أن يكون ما ناله من الجراح لا يوجب انتفاء الحياة ليس بشيء لأن المروي أنه ضرب على رأسه بعمود عظيم من حديد و أن أحد قتلته قال جلست على صدره فوجأته تسع طعنات علمت أنه مات في ثلاث و وجأته الست الأخر لما كان في نفسي عليه من الحنق.
و بعد فإذا كان جائزا فمن أين علمه أمير المؤمنين ع حتى يقول إن الله أماته و إن الحياة لم تنتف بما فعله القاتلون 1888 و إنما انتفت بشيء زاد على فعلهم من قبل الله تعالى مما 1889 لا يعلمه على سبيل التفصيل إلا علام الغيوب سبحانه.
و الجواب عن هذه المطاعن على وجهين إجمالا و تفصيلا أما الوجه الإجمالي فهو أننا لا ننكر أن عثمان أحدث أحداثا أنكرها كثير من المسلمين و لكنا ندعي مع ذلك أنها لم تبلغ درجة الفسق و لا أحبطت ثوابه و أنها من الصغائر التي وقعت مكفرة 1890 و ذلك لأنا قد علمنا أنه مغفور له و أنه من أهل الجنة لثلاثة أوجه.
أحدها أنه من أهل بدر
و قد قال رسول الله ص إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
و لا يقال إن عثمان لم يشهد بدرا لأنا نقول صدقتم أنه لم يشهدها و لكنه تخلف على رقية ابنة رسول الله ص
بالمدينة لمرضها و ضرب له رسول الله ص بسهمه و أجره باتفاق سائر الناس.
و ثانيها أنه من أهل بيعة الرضوان الذين قال الله تعالى فيهم لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ 1891 و لا يقال إنه لم يشهد البيعة تحت الشجرة لأنا نقول صدقتم أنه لم يشهدها و لكنه
كان رسول الله ص أرسله إلى أهل مكة و لأجله كانت بيعة الرضوان حيث أرجف 1892 بأن قريشا قتلت عثمان فقال رسول الله ص إن كانوا قتلوه لأضرمنها عليهم نارا ثم جلس تحت الشجرة و بايع الناس على الموت ثم قال إن كان عثمان حيا فأنا أبايع عنه فصفح بشماله على يمينه و قال شمالي خير من يمين عثمان.
روى ذلك جميع أرباب أهل السيرة متفقا عليه.
و ثالثها أنه من جملة العشرة الذين تظاهرت الأخبار بأنهم من أهل الجنة.
و إذا كانت الوجوه الثلاثة دالة على أنه مغفور له و أن الله تعالى قد رضي عنه و هو من أهل الجنة بطل أن يكون فاسقا لأن الفاسق يخرج عندنا من الإيمان و يحبط 1893 ثوابه و يحكم له بالنار و لا يغفر له و لا يرضى عنه و لا يرى الجنة و لا يدخلها فاقتضت هذه الوجوه الصحيحة الثابتة أن يحكم بأن كل ما وقع منه فهو من باب الصغائر المكفرة توفيقا بين هذه الوجوه و بين روايات الأحداث المذكورة.
و أما الوجه التفصيلي فهو مذكور في كتب أصحابنا المطولة في الإمامة فليطلب من مظانه فإنهم قد استقصوا في الجواب عن هذه المطاعن استقصاء لا مزيد عليه
بيعة جرير بن عبد الله البجلي لعلي
فأما خبر جرير بن عبد الله البجلي و بعث أمير المؤمنين ع إياه إلى معاوية فنحن نذكره نقلا من كتاب صفين لنصر بن مزاحم بن بشار المنقري و نذكر حال أمير المؤمنين ع منذ قدم الكوفة بعد وقعة الجمل و مراسلته معاوية و غيره و مراسلة معاوية له و لغيره و ما كان من ذلك في مبدأ حالتهما إلى أن سار علي ع إلى صفين.
قال نصر 1894 حدثني محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال لما قدم علي ع الكوفة بعد انقضاء أمر الجمل كاتب العمال فكتب إلى جرير بن عبد الله البجلي مع زحر بن قيس الجعفي و كان جرير عاملا لعثمان على ثغر همذان 1895 أما بعد ف إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ 1896 و إني أخبرك عن نبإ 1897 من سرنا إليه من جموع طلحة و الزبير عند نكثهم بيعتي 1898 و ما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف إني نهضت من المدينة بالمهاجرين و الأنصار حتى إذا كنت بالعذيب 1899 بعثت إلى أهل الكوفة الحسن بن علي و عبد الله بن عباس و عمار بن ياسر و قيس بن عبادة فاستنفرتهم فأجابوا فسرت بهم حتى نزلت بظهر البصرة فأعذرت في
الدعاء و أقلت العثرة و ناشدتهم عهد 1900 بيعتهم فأبوا إلا قتالي فاستعنت الله عليهم فقتل من قتل و ولوا مدبرين إلى مصرهم و سألوني ما كنت دعوتهم إليه قبل اللقاء فقبلت العافية و رفعت السيف و استعملت عليهم عبد الله بن العباس و سرت إلى الكوفة و قد بعثت إليك زحر بن قيس فاسأله عما بدا لك و السلام.
قال فلما قرأ جرير الكتاب قام فقال أيها الناس هذا كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و هو المأمون على الدين و الدنيا و قد كان من أمره و أمر عدوه ما نحمد الله عليه و قد بايعه الناس الأولون من المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان و لو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقهم بها ألا و إن البقاء في الجماعة و الفناء في الفرقة و إن عليا حاملكم على الحق ما استقمتم فإن ملتم أقام ميلكم فقال الناس سمعا و طاعة رضينا رضينا.
فكتب جرير إلى علي ع جواب كتابه بالطاعة.
قال نصر و كان 1901 مع علي رجل من طيئ ابن أخت لجرير فحمل زحر بن قيس شعرا له إلى خاله جرير و هو
جرير بن عبد الله لا تردد الهدى
و بايع عليا إنني لك ناصح
فإن عليا خير من وطأ الحصى
سوى أحمد و الموت غاد و رائح
و دع عنك قول الناكثين فإنما
أولاك أبا عمرو كلاب نوابح 1902
و بايع إذا بايعته بنصيحة
و لا يك منها من ضميرك قادح
فإنك إن تطلب بها الدين تعطه
و إن تطلب الدنيا فإنك رابح 1903
و إن قلت عثمان بن عفان حقه
علي عظيم و الشكور مناصح
فحق علي إذ وليك كحقه
و شكرك ما أوليت في الناس صالح
و إن قلت لا أرضى عليا إمامنا
فدع عنك بحرا ضل فيه السوابح
أبى الله إلا أنه خير دهره
و أفضل من ضمت عليه الأباطح 1904
قال نصر ثم إن جريرا قام في أهل همذان خطيبا فقال الحمد لله الذي اختار لنفسه الحمد و تولاه دون خلقه لا شريك له في الحمد و لا نظير له في المجد و لا إله إلا الله وحده الدائم القائم إله السماء و الأرض و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالنور الواضح و الحق الناطق داعيا إلى الخير و قائدا إلى الهدى ثم قال أيها الناس إن عليا قد كتب إليكم كتابا لا يقال بعده إلا رجيع من القول و لكن لا بد من رد الكلام إن الناس بايعوا عليا بالمدينة عن غير محاباة له ببيعتهم لعلمه بكتاب الله و سنن الحق و إن طلحة و الزبير نقضا بيعته على غير محاباة حدثت 1905 و ألبا عليه الناس ثم لم يرضيا حتى نصبا له الحرب و أخرجا أم المؤمنين فلقيهما فأعذر في الدعاء و أحسن في البقية و حمل الناس على ما يعرفون فهذا عيان ما غاب عنكم و إن سألتم الزيادة زدناكم و لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثم قال
أتانا كتاب علي فلم
ترد الكتاب بأرض العجم
و لم نعص ما فيه لما أتى
و لما نذم و لما نلم
و نحن ولاة على ثغرنا
نضيم العزيز و نحمي الذمم
نساقيهم الموت عند اللقاء
بكأس المنايا و نشفي القرم
فصلى الإله على أحمد
رسول المليك تمام النعم 1906
رسول المليك و من بعده
خليفتنا القائم المدعم
عليا عنيت وصي النبي
نجالد عنه غواة الأمم
له الفضل و السبق و المكرمات
و بيت النبوة لا يهتضم
قال نصر فسر الناس بخطبة جرير و شعره.
و قال ابن الأزور القسري في جرير يمدحه بذلك
لعمر أبيك و الأنباء تنمي
لقد جلى بخطبته جرير
و قال مقالة جدعت رجالا
من الحيين خطبهم كبير
بدا بك قبل أمته علي
و مخك إن رددت الحق رير 1907
أتاك بأمره زحر بن قيس
و زحر بالتي حدثت خبير
فكنت لما أتاك به سميعا
و كدت إليه من فرح تطير
فأنت بما سعدت به ولي
و أنت لما تعد له نصير
و أحرزت الثواب و رب حاد
حدا بالركب ليس له بعير 1908
.
بيعة الأشعث لعلي