کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
443 [و من كلامه ع في أن التجربة و المعاشرة تكشف حقائق الناس و مساوئهم]
وَ قَالَ ع: اخْبُرْ تَقْلِهِ.
[قال الرضي رحمه الله تعالى و من الناس من يروي هذا لرسول الله ص و مما يقوي أنه من كلام أمير المؤمنين ما حكاه ثعلب قال حدثنا ابن الأعرابي قال قال المأمون لو لا أن عليا ع قال اخبر تقله لقلت أنا اقله تخبر] المعنى اختبر الناس و جربهم تبغضهم فإن التجربة تكشف لك مساويهم و سوء أخلاقهم فضرب مثلا لمن يظن به الخير و ليس هناك فأما قول المأمون لو لا أن عليا قاله لقلت اقله تخبر فليس المراد حقيقة القلى و هو البغض بل المراد الهجر و القطيعة يقول قاطع أخاك مجربا له هل يبقى على عهدك أم ينقضه و يحوله عنك.
و من كلام عتبة بن أبي سفيان طيروا الدم في وجوه الشباب فإن حلموا و أحسنوا الجواب فهم هم و إلا فلا تطمعوا فيهم يقول أغضبوهم لأن الغضبان يحمر وجهه فإن ثبتوا لذلك الكلام المغضب و حلموا و أجابوا جواب الحليم العاقل فهم ممن يعقد عليه الخنصر و يرجى فلاحه و إن سفهوا و شتموا و لم يثبتوا لذلك الكلام فلا رجاء لفلاحهم و من المعنى الأول قول أبي العلاء
جربت دهري و أهليه فما تركت
لي التجارب في ود امرئ غرضا 11837 .
و قال آخر
و كنت أرى أن التجارب عدة
فخانت ثقات الناس حتى التجارب .
و قال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
رأيت فضيلا كان شيئا ملففا
فأبرزه التمحيص حتى بدا ليا 11838 .
آخر
عتبت على سلم فلما فقدته
و جربت أقواما رجعت إلى سلم .
مثله
ذممتك أولا حتى إذا ما
بلوت سواك عاد الذم حمدا
و لم أحمدك من خير و لكن
وجدت سواك شرا منك جدا
فعدت إليك مضطرا ذليلا
لأني لم أجد من ذاك بدا
كمجهود تحامى أكل ميت
فلما اضطر عاد إليه شدا .
الذي يتعلق به غرضنا من الأبيات هو البيت الأول و ذكرنا سائرها لحسنها
444 [و من كلامه ع في الشكر و الدعاء و التوبة و اقتضاءات كل منهم]
وَ قَالَ ع: مَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدٍ بَابَ الشُّكْرِ وَ يُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الزِّيَادَةِ وَ لَا لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدٍ بَابَ الدُّعَاءِ وَ يُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الْإِجَابَةِ وَ لَا لِيَفْتَحَ [عَلَيْهِ] لِعَبْدٍ بَابَ التَّوْبَةِ وَ يُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الْمَغْفِرَةِ.
قد تقدم القول في الشكر و اقتضائه الزيادة [و] 11839 اقتضاء الدعاء الإجابة و التوبة المغفرة على وجه الاستقصاء في الجميع
445 [و من كلامه ع في أولى الناس بالكرم]
وَ قَالَ ع: أَوْلَى النَّاسِ بِالْكَرَمِ مَنْ [عَرَّقَتْ] عُرِفَتْ فِيهِ الْكِرَامُ.
أعرقت و عرقت في هذا الموضع بمعنى أي ضربت عروقه في الكرم أي له سلف و آباء كرام و قال المبرد أنشدني أبو محلم السعدي
إنا سألنا قومنا فخيارهم
من كان أفضلهم أبوه الأفضل 11840
أعطى الذي أعطى أبوه قبله
و تبخلت أبناء من يتبخل .
قال و أنشدني أيضا في المعنى
لطلحة بن خثيم حين تسأله
أندى و أكرم من فند بن هطال 11841
و بيت طلحة في عز و مكرمة
و بيت فند إلى ربق و أحمال 11842
أ لا فتى من بني ذبيان يحملني
و ليس يحملني إلا ابن حمال 11843
فقلت طلحة أولى من عمدت له
و جئت أمشي إليه مشي مختال
مستيقنا أن حبلي سوف يعلقه
في رأس ذيالة أو رأس ذيال 11844 .
11845
و قال آخر
عند الملوك مضرة و منافع
و أرى البرامك لا تضر و تنفع
إن العروق إذا استسر بها الثرى
أثرى النبات بها و طاب المزرع
و إذا جهلت من امرئ أعراقه
و قديمه فانظر إلى ما يصنع .
و قال آخر
إن السري إذا سرى فبنفسه
و ابن السري إذا سرى أسراهما .
و قال البحتري
و أرى النجابة لا يكون تمامها
لنجيب قوم ليس بابن نجيب 11846
446 [و من كلامه ع في تفضيل العدل على الجود]
وَ سُئِلَ ع [أَيُّمَا] أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْعَدْلُ أَوِ الْجُودُ فَقَالَ الْعَدْلُ يَضَعُ الْأُمُورَ مَوَاضِعَهَا وَ الْجُودُ يُخْرِجُهَا مِنْ جِهَتِهَا وَ الْعَدْلُ سَائِسٌ عَامٌّ وَ الْجُودُ عَارِضٌ خَاصٌّ فَالْعَدْلُ أَشْرَفُهُمَا وَ أَفْضَلُهُمَا.
هذا كلام شريف جليل القدر فضل ع العدل بأمرين أحدهما أن العدل وضع الأمور مواضعها و هكذا العدالة في الاصطلاح الحكمي لأنها المرتبة المتوسطة بين طرفي الإفراط و التفريط و الجود يخرج الأمر من موضعه و المراد بالجود هاهنا هو الجود العرفي و هو بذل المقتنيات للغير لا الجود الحقيقي لأن الجود الحقيقي ليس يخرج الأمر من جهته نحو جود البارئ تعالى.
و الوجه الثاني أن العدل سائس عام في جميع الأمور الدينية و الدنيوية و به نظام العالم و قوام الوجود و أما الجود فأمر عارض خاص ليس عموم نفعه كعموم نفع العدل
447 [و من كلامه ع في معاداة الناس ما جهلوا]
وَ قَالَ ع: النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.
هذه من ألفاظه الشريفة التي لا نظير لها و قد تقدم ذكرها و ذكر ما يناسبها و كان يقال من جهل شيئا عاداه.
و قال الشاعر
جهلت أمرا فأبديت النكير له
و الجاهلون لأهل العلم أعداء .