کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
و قد رووا في فضله حديثا كثيرا غير هذا و لكنا ذكرنا الأشهر و قد طعن أعداؤه و مبغضوه في هذه الأحاديث فقالوا لو كان محدثا و ملهما لما اختار معاوية الفاسق لولاية الشام و لكن الله تعالى قد ألهمه و حدثه بما يواقع من القبائح و المنكرات و البغي و التغلب على الخلافة و الاستئثار بمال الفيء و غير ذلك من المعاصي الظاهرة قالوا و كيف لا يزال الشيطان يسلك فجا غير فجه و قد فر مرارا من الزحف في أحد و حنين و خيبر و الفرار من الزحف من عمل الشيطان و إحدى الكبائر الموبقة.
قالوا و كيف يدعى له أن السكينة تنطق على لسانه أ ترى كانت السكينة تلاحي رسول الله ص يوم الحديبية حتى أغضبه.
قالوا و لو كان ينطق على لسانه ملك أو بين عينيه ملك يسدده و يوفقه أو ضرب الله بالحق على لسانه و قلبه لكان نظيرا لرسول الله ص بل كان أفضل منه لأنه ص كان يؤدي الرسالة إلى الأمة عن ملك من الملائكة و عمر قد كان ينطق على لسانه ملك و زيد ملكا آخر بين عينيه يسدده و يوفقه فهذا الملك الثاني مما قد فضل به على رسول الله ص و قد كان حكم في أشياء فيخطئ فيها حتى يفهمه إياها علي بن أبي طالب و معاذ بن جبل و غيرهما حتى قال لو لا علي لهلك عمر و لو لا معاذ لهلك عمر و كان يشكل عليه الحكم فيقول لابن عباس غص يا غواص فيفرج عنه فأين كان الملك الثاني المسدد له و أين الحق الذي ضرب به على لسان عمر و معلوم أن رسول الله ص كان ينتظر في الوقائع نزول الوحي و عمر على مقتضى هذه الأخبار لا حاجة به إلى نزول ملك عليه لأن الملكين معه في كل وقت و كل حال ملك ينطق على لسانه و ملك آخر بين عينيه يسدده و يوفقه و قد عززا بثالث و هي السكينة فهو إذا أفضل من رسول الله ص.
و قالوا و الحديث الذي مضمونه لو لم أبعث فيكم لبعث عمر فيلزم أن يكون رسول الله ص عذابا على عمر و أذى شديدا له لأنه لو لم يبعث لبعث عمر نبيا و رسولا و لم تعلم رتبة أجل من رتبة الرسالة فالمزيل لعمر عن هذه الرتبة التي ليس وراءها رتبة ينبغي ألا يكون في الأرض أحد أبغض إليه منه.
قالوا و أما كونه سراج أهل الجنة فيقتضي أنه لو لم يكن تجلى عمر لكانت الجنة مظلمة لا سراج لها.
قالوا و كيف يجوز أن يقال لو نزل العذاب لم ينج منه إلا عمر و الله تعالى يقول وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ 8179 .
قالوا و كيف يجوز أن يقال إن النبي ص كان يسمع الباطل و يحبه و يشهده و عمر لا يسمع الباطل و لا يشهده و لا يحبه أ ليس هذا تنزيها لعمر عما لم ينزه عنه رسول الله ص.
قالوا و من العجب أن يكون النبي ص أرجح من الأمة يسيرا و كذلك أبو بكر و يكون عمر أرجح منهما كثيرا فإن هذا يقتضي أن يكون فضله أبين و أظهر من فضل أبي بكر و من فضل رسول الله ص.
و الجواب أنه ليس يجب فيمن كان محدثا ملهما أن يكون محدثا ملهما في كل شيء بل الاعتبار بأكثر أفعاله و ظنونه و آرائه و لقد كان عمر كثير التوفيق مصيب الرأي في جمهور أمره و من تأمل سيرته علم صحة ذلك و لا يقدح في ذلك أن يختلف ظنه في القليل من الأمور.
و أما الفرار من الزحف فإنه لم يفر إلا مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ 8180 و قد استثنى الله تعالى ذلك فخرج به عن الإثم.
و أما باقي الأخبار فالمراد بالملك فيها الأخبار عن صحة ظنه و صدق فراسته و هو كلام يجري مجرى المثل فلا يقدح فيه ما ذكروه.
و أما
قوله ص لو نزل إلى الأرض عذاب لما نجا منه إلا عمر.
فهو كلام قاله عقيب أخذ الفدية من أسارى بدر فإن عمر لم يشر عليه و نهاه عنه فأنزل الله تعالى لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ 8181 و إذا كان القرآن قد نطق بذلك و شهد لم يلتفت إلى طعن من طعن في الخبر.
و أما قوله ع سراج أهل الجنة عمر.
فمعناه سراج القوم الذين يستحقون الجنة من أهل الدنيا أيام كونهم في الدنيا مع عمر أي يستضيئون بعلمه كما يستضاء بالسراج.
و أما حديث منع الشاعر فإن رسول الله ص خاف أن يذكر في شعره ما يقتضي الإنكار فيعنف به عمر و كان شديد الغلظة فأراد النبي ص أن ينكر هو على الشاعر أن قال في شعره ما يقتضي ذلك على وجه اللطف و الرفق و كان ع رءوفا رحيما كما قال الله تعالى 8182 .
و أما حديث الرجحان فالمراد به الفتوح و ملك البلاد و تأويله أنه ع أري في منامه ما يدل على أنه يفتح الله عليه بلادا و على أبي بكر مثله و يفتح على عمر أضعاف ذلك و هكذا وقع.
و اعلم أن من تصدى للعيب وجده و من قصر همته على الطعن على الناس انفتحت
له أبواب كثيرة و السعيد من أنصف من نفسه و رفض الهوى و تزود التقوى و بالله التوفيق
[ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر]
و أما إسلام عمر فإنه أسلم فكان تمام أربعين إنسانا في أظهر الروايات و ذلك في السنة السادسة من النبوة و سنه إذ ذاك ست و عشرون سنة و كان عمر ابنه عبد الله يومئذ ست سنين و أصح ما روي في إسلامه
رواية أنس بن مالك عنه قال خرجت متقلدا سيفي فلقيت رجلا من بني زهرة فقال أين تعمد قلت أقتل محمدا قال و كيف تأمن في بني هاشم و بني زهرة فقلت ما أراك إلا صبوت قال أ فلا أدلك على العجب أن أختك و زوجها قد صبوا فمشى عمر فدخل عليهما ذامرا و عندهما رجل من أصحاب رسول الله ص يقال له خباب بن الأرت فلما سمع خباب حس عمر توارى فقال عمر ما هذه الهينمة 8183 التي سمعتها عندكم و كانوا يقرءون طه على خباب فقال ما عندنا شيء إنما هو حديث كنا نتحدثه بيننا قال فلعلكما قد صبوتما 8184 فقال له ختنه أ رأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئا شديدا فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده فأدمى وجهها فجاهرته فقالت إن الحق في غير دينك و أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فاصنع ما بدا لك فلما يئس قال أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرءوه و كان عمر يقرأ الخط
فقالت له أخته إنك رجس و إن هذا الكتاب لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فقم فتوضأ فقام فأصاب ماء ثم أخذ الكتاب فقرأ طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى إلى قوله إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي فقال عمر دلوني على محمد فلما سمع خباب قول عمر و رأى منه الرقة خرج من البيت فقال أبشر يا عمر فإني لأرجو أن تكون دعوة رسول الله ص ليلة الخميس لك سمعته يقول اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام قال و رسول الله ص في الدار التي في أصل الصفا فانطلق عمر حتى أتى الدار و على الباب حمزة بن عبد المطلب و طلحة بن عبيد الله و ناس من أهل رسول الله ص فلما رأى الناس عمر قد أقبل كأنهم وجدوا و قالوا قد جاء عمر فقال حمزة قد جاء عمر فإن يرد الله به خيرا يسلم و إن يرد غير ذلك كان قتله علينا هينا قال و النبي ص من داخل البيت يوحى إليه فسمع رسول الله ص كلام القوم فخرج مسرعا حتى انتهى إلى عمر فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل سيفه و قال ما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله بك يعني من الخزي و النكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ثم قال اللهم هذا عمر اللهم أعز الإسلام بعمر فقال أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أنك رسول الله فكبر أهل الدار و من كان على الباب تكبيرة سمعها من كان في المسجد من المشركين 8185 .
و قد روي أن عمر كان موعودا و مبشرا بما وصل إليه من قبل أن يظهر أمر الإسلام
قرأت في كتاب من تصانيف أبي أحمد العسكري رحمه الله أن عمر خرج عسيفا 8186 مع الوليد بن المغيرة إلى الشام في تجارة للوليد و عمر يومئذ ابن ثماني عشرة سنة فكان يرعى
للوليد إبله و يرفع أحماله و يحفظ متاعه فلما كان بالبلقاء لقيه رجل من علماء الروم فجعل ينظر إليه و يطيل النظر لعمر ثم قال أظن اسمك يا غلام عامرا أو عمران أو نحو ذلك قال اسمي عمر قال اكشف عن فخذيك فكشف فإذا على أحدهما شامة سوداء في قدر راحة الكف فسأله أن يكشف عن رأسه فكشف فإذا هو أصلع فسأله أن يعتمل بيده فاعتمل فإذا أعسر 8187 أيسر فقال له أنت ملك العرب و حق مريم البتول قال فضحك عمر مستهزئا قال أ و تضحك و حق مريم البتول أنك ملك العرب و ملك الروم و ملك الفرس فتركه عمر و انصرف مستهينا بكلامه و كان عمر يحدث بعد ذلك و يقول تبعني ذلك الرومي و هو راكب حمارا فلم يزل معي حتى باع الوليد متاعه و ابتاع بثمنه عطرا و ثيابا و قفل إلى الحجاز و الرومي يتبعني لا يسألني حاجة و يقبل يدي كل يوم إذا أصبحت كما تقبل يد الملك حتى خرجنا من حدود الشام و دخلنا في أرض الحجاز راجعين إلى مكة فودعني و رجع و كان الوليد يسألني عنه فلا أخبره و لا أراه إلا هلك و لو كان حيا لشخص إلينا.
[تاريخ موت عمر و الأخبار الواردة في ذلك]
فأما تاريخ موته فإن أبا لؤلؤة طعنه يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة من سنة ثلاث و عشرين و دفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع و عشرين و كانت ولايته عشر سنين و ستة أشهر و هو ابن ثلاث و ستين في أظهر الأقوال و قد كان قال على المنبر يوم جمعة و قد ذكر رسول الله ص و أبا بكر أني قد رأيت رؤيا أظنها لحضور أجلي رأيت كأن ديكا نقرني نقرتين فقصصتها على أسماء
بنت عميس فقالت يقتلك رجل من العجم و إني أفكرت فيمن أستخلف ثم رأيت أن الله لم يكن ليضيع دينه و خلافته التي بعث بها رسوله.