کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
ثم قال ع و بالإيمان يعمر العلم و ذلك لأن العالم و هو غير عامل بعلمه غير منتفع بما علم بل مستضر به غاية الضرر فكأن علمه خراب غير معمور و إنما يعمر بالإيمان و هو فعل الواجب و تجنب القبيح على مذهبنا أو الاعتقاد و المعرفة على مذهب غيرنا أو القول اللساني على قول آخرين و مذهبنا أرجح لأن عمارة العلم إنما تكون بالعمل من الأعضاء و الجوارح و بدون ذلك يبقى العلم على خرابه كما كان.
ثم قال و بالعلم يرهب الموت هذا من قول الله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ 6688 .
ثم قال و بالموت تختم الدنيا و هذا حق لأنه انقطاع التكليف.
ثم قال و بالدنيا تحرز الآخرة هذا كقول بعض الحكماء الدنيا متجر و الآخرة ربح و نفسك رأس المال.
ثم قال و بالقيامة تزلف الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ و تبرز الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ هذا من القرآن العزيز 6689 و تزلف لهم تقدم لهم و تقرب إليهم.
و لا مقصر لي عن كذا لا محبس و لا غاية لي دونه و أرقل أسرع و المضمار حيث تستبق الخيل مِنْهَا- قَدْ شَخَصُوا مِنْ مُسْتَقَرِّ الْأَجْدَاثِ وَ صَارُوا إِلَى مَصَايِرِ الْغَايَاتِ لِكُلِّ دَارٍ أَهْلُهَا
لَا يَسْتَبْدِلُونَ بِهَا وَ لَا يُنْقَلُونَ عَنْهَا وَ إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَخُلُقَانِ مِنْ خُلُقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ إِنَّهُمَا لَا يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ وَ لَا يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ وَ عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِينُ وَ النُّورُ الْمُبِينُ وَ الشِّفَاءُ النَّافِعُ وَ الرِّيُّ النَّاقِعُ وَ الْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ وَ النَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ لَا يَعْوَجُّ فَيُقَامَ وَ لَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ وَ لَا يُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ وَ وُلُوجُ السَّمْعِ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَ مَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ.
شخصوا من بلد كذا خرجوا و مستقر الأجداث مكان استقرارهم بالقبور و هي جمع جدث.
و مصاير الغايات جمع مصير و الغايات جمع غاية و هي ما ينتهى إليه قال الكميت
فالآن صرت إلى أمية و الأمور إلى مصاير .
ثم ذكر أن أهل الثواب و العقاب كل من الفريقين يقيم بدار لا يتحول منها و هذا كما
ورد في الخبر أنه ينادي مناد يا أهل الجنة سعادة لا فناء لها و يا أهل النار شقاوة لا فناء لها.
ثم ذكر أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر خلقان من خلق الله سبحانه و ذلك لأنه تعالى ما أمر إلا بمعروف و ما نهى إلا عن منكر و يبقى الفرق بيننا و بينه أنا يجب علينا النهي عن المنكر بالمنع منه و هو سبحانه لا يجب عليه ذلك لأنه لو منع من إتيان المنكر لبطل التكليف.
ثم قال إنهما لا يقربان من أجل و لا ينقصان من رزق و إنما قال ع
ذلك لأن كثيرا من الناس يكف عن نهي الظلمة عن المناكير توهما منه أنهم أما إن يبطشوا به فيقتلوه أو يقطعوا رزقه و يحرموه فقال ع إن ذلك ليس مما يقرب من الأجل و لا يقطع الرزق.
و ينبغي أن يحمل كلامه ع على حال السلامة و غلبة الظن بعدم تطرق الضرر الموفي على مصلحة النهي عن المنكر.
ثم أمر باتباع الكتاب العزيز و وصفه بما وصفه به.
و ماء ناقع ينقع الغلة أي يقطعها و يروى منها و لا يزيغ يميل فيستعتب يطلب منه العتبى هي الرضا كما يطلب من الظالم يميل فيسترضى.
قال و لا يخلقه كثرة الرد و ولوج السمع هذا من خصائص القرآن المجيد شرفه الله تعالى و ذلك أن كل كلام منثور أو منظوم إذا تكررت تلاوته و تردد ولوجه الأسماع مل و سمج و استهجن إلا القرآن فإنه لا يزال غضا طريا محبوبا غير مملول
[157 في ما أخبر به ع عن الفتنة و سؤاله رسول الله ص عنها]
و قام إليه ع رجل فقال أخبرنا عن الفتنة و هل سألت عنها رسول الله ص فقال ع إِنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَةَ لَا تَنْزِلُ بِنَا وَ رَسُولُ اللَّهِ ص بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي أَخْبَرَكَ اللَّهُ بِهَا فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ أُمَّتِي سَيُفْتَنُونَ بَعْدِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ وَ لَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُدٍ حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَ حِيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقُلْتَ لِي أَبْشِرْ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ فَقَالَ لِي إِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذاً فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ وَ لَكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى وَ الشُّكْرِ وَ قَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ الْقَوْمَ سَيُفْتَنُونَ بِأَمْوَالِهِمْ وَ يَمُنُّونَ بِدِينِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ وَ يَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ وَ يَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ وَ يَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ الْكَاذِبَةِ وَ الْأَهْوَاءِ السَّاهِيَةِ فَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ وَ السُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ وَ الرِّبَا بِالْبَيْعِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ أَ بِمَنْزِلَةِ رِدَّةٍ أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ فَقَالَ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ.
قد كان ع يتكلم في الفتنة و لذلك ذكر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و لذلك قال فعليكم بكتاب الله أي إذا وقع الأمر و اختلط الناس فعليكم بكتاب الله فلذلك قام إليه من سأله عن الفتنة
و هذا الخبر مروي عن رسول الله ص قد رواه كثير من المحدثين عن علي ع أن رسول الله ص قال له إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين كما كتب علي جهاد المشركين قال فقلت يا رسول الله ما هذه الفتنة التي كتب علي فيها الجهاد قال قوم يشهدون أن لا إله إلا الله و أني رسول الله و هم مخالفون للسنة فقلت يا رسول الله فعلام أقاتلهم و هم يشهدون كما أشهد قال على الأحداث في الدين و مخالفة الأمر فقلت يا رسول الله إنك كنت وعدتني الشهادة فأسأل الله أن يعجلها لي بين يديك قال فمن يقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين أما إني وعدتك الشهادة و ستستشهد تضرب على هذه فتخضب هذه فكيف صبرك إذا قلت يا رسول الله ليس ذا بموطن صبر هذا موطن شكر قال أجل أصبت فأعد للخصومة فإنك مخاصم فقلت يا رسول الله لو بينت لي قليلا فقال إن أمتي ستفتن من بعدي فتتأول القرآن و تعمل بالرأي و تستحل الخمر بالنبيذ و السحت بالهدية و الربا بالبيع و تحرف الكتاب عن مواضعه و تغلب كلمة الضلال فكن جليس بيتك حتى تقلدها فإذا قلدتها جاشت عليك الصدور و قلبت لك الأمور تقاتل حينئذ على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى فقلت يا رسول الله فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين من بعدك أ بمنزلة فتنة أم بمنزلة ردة فقال بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل فقلت يا رسول الله أ يدركهم العدل منا أم من غيرنا قال بل منا بنا فتح و بنا يختم و بنا ألف الله بين القلوب
بعد الشرك و بنا يؤلف بين القلوب بعد الفتنة فقلت الحمد لله على ما وهب لنا من فضله.
و اعلم أن لفظه ع المروي في نهج البلاغة يدل على أن الآية المذكورة و هي قوله ع الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أنزلت بعد أحد و هذا خلاف قول أرباب التفسير لأن هذه الآية هي أول سورة العنكبوت و هي عندهم بالاتفاق مكية و يوم أحد كان بالمدينة و ينبغي أن يقال في هذا إن هذه الآية خاصة أنزلت بالمدينة و أضيفت إلى السورة المكية فصارتا واحدة و غلب عليها نسب المكي لأن الأكثر كان بمكة و في القرآن مثل هذا كثير كسورة النحل فإنها مكية بالإجماع و آخرها ثلاث آيات أنزلت بالمدينة بعد يوم أحد و هي قوله تعالى وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ 6690 .
فإن قلت فلم قال علمت أن الفتنة لا تنزل بنا و رسول الله بين أظهرنا قلت لقوله تعالى وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ 6691 .
و قوله حيزت عني الشهادة أي منعت.
قوله ليس هذا من مواطن الصبر كلام عال جدا يدل على يقين عظيم و عرفان تام و نحوه
قوله و قد ضربه ابن ملجم فزت و رب الكعبة.
قوله سيفتنون بعدي بأموالهم من قوله تعالى إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ 6692 .
قوله و يمنون بدينهم على ربهم من قوله تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ 6693 .
قوله و يتمنون رحمته من قوله أحمق الحمقى من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله.
قوله و يأمنون سطوته من قوله تعالى أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ 6694 .
و الأهواء الساهية الغافلة و السحت الحرام و يجوز ضم الحاء و قد أسحت الرجل في تجارته إذا اكتسب السحت.