کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
أستعين بهم على تثقيفكم و تهذيبكم فمن هذه حاله كيف أثقف به غيره و أهذب به سواه.
و إن كانت الرعايا إن هاهنا مخففة من الثقيلة و لذلك دخلت اللام في جوابها و قد تقدم ذكرنا هذين الرجلين و إن أحدهما قال يا أمير المؤمنين أقول لك ما قاله العبد الصالح رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي 11477 فشكر لهما و قال و أين تقعان مما أريد
268 [و من كلامه ع في أصحاب الجمل]
وَ قِيلَ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ أَتَاهُ [ع] فَقَالَ [لَهُ] أَ تَرَانِي أَظُنُّ أَنَّ أَصْحَابَ الْجَمَلِ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ فَقَالَ ع يَا حَارِثُ [حَارِ] إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ وَ لَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ [أَهْلَهُ] وَ لَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ فَقَالَ الْحَارِثُ فَإِنِّي أَعْتَزِلُ مَعَ [سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ] سَعِيدِ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ ع إِنَّ [سَعْداً] سَعِيداً وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ وَ لَمْ يَخْذُلَا الْبَاطِلَ.
اللفظة التي وردت قبل أحسن من هذه اللفظة و هي أولئك قوم خذلوا الحق و لم ينصروا الباطل و تلك كانت حالهم فإنهم خذلوا عليا و لم ينصروا معاوية و لا أصحاب الجمل.
فأما هذه اللفظة ففيها إشكال لأن سعدا و عبد الله لعمري إنهما لم ينصرا الحق و هو جانب علي ع لكنهما خذلا الباطل و هو جانب معاوية و أصحاب الجمل فإنهم لم ينصروهم في حرب قط لا بأنفسهم و لا بأموالهم و لا بأولادهم فينبغي
أن نتأول كلامه فنقول إنه ليس يعني بالخذلان عدم المساعدة في الحرب بل يعني بالخذلان هاهنا كل ما أثر في محق الباطل و إزالته قال الشاعر يصف فرسا
و هو كالدلو بكف المستقي
خذلت عنه العراقي فانجذم
أي باينته العراقي فلما كان كل مؤثر في إزالة شيء مباينا له نقل اللفظ بالاشتراك في الأمر العام إليه و لما كان سعد و عبد الله لم يقوما خطيبين في الناس يعلمانهم باطل معاوية و أصحاب الجمل و لم يكشفا اللبس و الشبهة الداخلة على الناس في حرب هذين الفريقين و لم يوضحا وجوب طاعة علي ع فيرد الناس عن اتباع صاحب الجمل و أهل الشام صدق عليهما أنهما لم يخذلا الباطل و يمكن أن يتأول على وجه آخر و ذلك أنه قد جاء خذلت الوحشية إذا قامت على ولدها فيكون معنى قوله و لم يخذلا الباطل أي لم يقيما عليه و ينصراه فترجع هذه اللفظة إلى اللفظة الأولى و هي قوله أولئك قوم خذلوا الحق و لم ينصروا الباطل.
و الحارث بن حوط بالحاء المهملة و يقال إن الموجود في خط الرضي ابن خوط بالخاء المعجمة المضمومة
269 [و من كلامه ع في صاحب السلطان و موقعه منه]
وَ قَالَ ع صَاحِبُ السُّلْطَانِ كَرَاكِبِ الْأَسَدِ يُغْبَطُ بِمَوْقِعِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَوْضِعِهِ.
[نبذ مما قيل في السلطان]
قد جاء في صحبة السلطان أمثال حكمية مستحسنة تناسب هذا المعنى أو تجري مجراه في شرح حال السلطان نحو قولهم صاحب السلطان كراكب الأسد يهابه الناس و هو لمركوبه أهيب.
و كان يقال إذا صحبت السلطان فلتكن مداراتك له مداراة المرأة القبيحة لبعلها المبغض لها فإنها لا تدع التصنع له على حال.
قيل للعتابي لم لا تقصد الأمير قال لأني أراه يعطي واحدا لغير حسنة و لا يد و يقتل آخر بلا سيئة و لا ذنب و لست أدري أي الرجلين أكون و لا أرجو منه مقدار ما أخاطر به.
و كان يقال العاقل من طلب السلامة من عمل السلطان لأنه إن عف جنى عليه العفاف عداوة الخاصة و إن بسط يده جنى عليه البسط ألسنة الرعية.
و كان سعيد بن حميد يقول عمل السلطان كالحمام الخارج يؤثر الدخول و الداخل يؤثر الخروج.
ابن المقفع إقبال السلطان على أصحابه تعب و إعراضه عنهم مذلة.
و قال آخر السلطان إن أرضيته أتعبك و إن أغضبته أعطبك.
و كان يقال إذا كنت مع السلطان فكن حذرا منه عند تقريبه كاتما لسره إذا استسرك و أمينا على ما ائتمنك تشكر له و لا تكلفه الشكر لك و تعلمه و كأنك تتعلم منه و تؤدبه و كأنه يؤدبك بصيرا بهواه مؤثرا لمنفعته ذليلا إن ضامك راضيا إن أعطاك قانعا إن حرمك و إلا فابعد منه كل البعد.
و قيل لبعض من يخدم السلطان لا تصحبهم فإن مثلهم مثل قدر التنور كلما مسه الإنسان اسود منه فقال إن كان خارج تلك القدر أسود فداخلها أبيض.
و كان يقال أفضل ما عوشر به الملوك قلة الخلاف و تخفيف المئونة.
و كان يقال لا يقدر على صحبة السلطان إلا من يستقل بما حملوه و لا يلحف إذا سألهم و لا يغتر بهم إذا رضوا عنه و لا يتغير لهم إذا سخطوا عليه و لا يطغى إذا سلطوه و لا يبطر إذا أكرموه.
و كان يقال إذا جعلك السلطان أخا فاجعله ربا و إن زادك فزده.
و قال أبو حازم للسلطان كحل يكحل به من يوليه فلا يبصر حتى يعزل.
و كان يقال لا ينبغي لصاحب السلطان أن يبتدئه بالمسألة عن حاله فإن ذلك من كلام النوكى 11478 و إذا أردت أن تقول كيف أصبح الأمير فقل صبح الله الأمير بالكرامة و إن أردت أن تقول كيف يجد الأمير نفسه فقل وهب الله الأمير العافية و نحو هذا فإن المسألة توجب الجواب فإن لم يجبك اشتد عليك و إن أجابك اشتد عليه.
و كان يقال صحبة الملوك بغير أدب كركوب الفلاة بغير ماء.
و كان يقال ينبغي لمن صحب السلطان أن يستعد للعذر عن ذنب لم يجنه و أن يكون آنس ما يكون به أوحش ما يكون منه.
و كان يقال شدة الانقباض من السلطان تورث التهمة و سهولة الانبساط إليه تورث الملالة.
و كان يقال اصحب السلطان بإعمال الحذر و رفض الدالة و الاجتهاد في النصيحة و ليكن رأس مالك عنده ثلاث الرضا و الصبر و الصدق.
و اعلم أن لكل شيء حدا فما جاوزه كان سرفا و ما قصر عنه كان عجزا فلا تبلغ بك نصيحة السلطان أن تعادي حاشيته و خاصته و أهله فإن ذلك ليس من حقه عليك و ليكن أقضى لحقه عنك و أدعى لاستمرار السلامة لك أن تستصلح أولئك جهدك فإنك إذا فعلت ذلك شكرت نعمته و أمنت سطوته و قللت عدوك عنده و إذا جاريت عند السلطان كفؤا من أكفائك فلتكن مجاراتك و مباراتك إياه بالحجة و إن عضهك 11479 و بالرفق و إن خرف بك و احذر أن يستحلك فتحمى فإن الغضب يعمي عن الفرصة و يقطع عن الحجة و يظهر عليك الخصم و لا تتوردن على السلطان بالدالة و إن كان أخاك و لا بالحجة و إن وثقت أنها لك و لا بالنصيحة و إن كانت له دونك فإن السلطان يعرض له ثلاث دون ثلاث القدرة دون الكرم و الحمية دون النصفة و اللجاج دون الحظ
270 [و من كلامه ع في ما يقع في هذه الدنيا على سبيل القرض و المكافأة]
وَ قَالَ ع أَحْسِنُوا فِي عَقِبِ غَيْرِكُمْ تُحْفَظُوا فِي عَقِبِكُمْ.
أكثر ما في هذه الدنيا يقع على سبيل القرض و المكافأة فقد رأينا عيانا من ظلم الناس فظلم عقبه و ولده و رأينا من قتل الناس فقتل عقبه و ولده و رأينا من أخرب دورا فأخربت داره و رأينا من أحسن إلى أعقاب أهل النعم فأحسن الله إلى عقبه و ولده.