کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
474 [و من كلامه ع في مدح الأنصار]
وَ قَالَ ع فِي مَدْحِ الْأَنْصَارِ هُمْ وَ اللَّهِ رَبَّوُا الْإِسْلَامَ كَمَا يُرَبَّى الْفِلْوُ مَعَ غَنَائِهِم بِأَيْدِيهِمُ السِّبَاطِ وَ أَلْسِنَتِهِمُ السِّلَاطِ.
الفلو المهر و يروى بأيديهم البساط أي الباسطة و الأولى جمع سبط يعني السماح و قد يقال للحاذق بالطعن إنه لسبط اليدين يريد الثقافة و ألسنتهم السلاط يعني الفصيحة.
و قد تقدم القول في مدح الأنصار و لو لم يكن إلا
قول رسول الله ص فيهم إنكم لتكثرون عند الفزع و تقلون عند الطمع.
و لو لم يكن إلا ما قاله لعامر بن الطفيل فيهم لما قال له لأغزونك في كذا و كذا من الخيل يتوعده
فقال ع يكفي الله ذلك و أبناء قيلة.
لكان فخرا لهم و هذا عظيم جدا و فوق العظيم و لا ريب أنهم الذين أيد الله بهم الدين و أظهر بهم الإسلام بعد خفائه و لولاهم لعجز المهاجرون عن حرب قريش و العرب و عن حماية رسول الله ص و لو لا مدينتهم لم يكن للإسلام ظهر يلجئون عليه و يكفيهم فخرا يوم حمراء الأسد
يوم خرج بهم رسول الله ص إلى قريش بعد انكسار أصحابه و قتل من قتل منهم و خرجوا نحو القوم و الجراح فيهم فاشية و دماؤهم تسيل و إنهم مع ذلك كالأسد الغراث تتواثب على فرائسها و كم لهم من يوم أغر محجل و قالت الأنصار لو لا علي بن أبي طالب ع في المهاجرين لأبينا لأنفسنا أن يذكر المهاجرون معنا أو أن يقرنوا بنا و لكن رب واحد كألف بل كألوف.
و قد تقدم ذكر الشعر المنسوب إلى الوزير المغربي و ما طعن به القادر بالله الخليفة العباسي في دينه بطريقه و كان الوزير المغربي يتبرأ منه و يجحده و قيل إنه وجدت مسودة بخطه فرفعت إلى القادر بالله.
و مما وجد بخطه أيضا و كان شديد العصبية للأنصار و لقحطان قاطبة على عدنان و كان ينتمي إلى الأزد أزد شنوءة قوله
إن الذي أرسى دعائم أحمد
و علا بدعوته على كيوان
أبناء قيلة وارثو شرف العلا
و عراعر الأقيال من قحطان
بسيوفهم يوم الوغى و أكفهم
ضربت مصاعب ملكه بجران 12017
لو لا مصارعهم و صدق قراعهم
خرت عروش الدين للأذقان
فليشكرن محمد أسياف من
لولاه كان كخالد بن سنان .
و هذا إفراط قبيح و لفظ شنيع و الواجب أن يصان قدر النبوة عنه و خصوصا البيت الأخير فإنه قد أساء فيه الأدب و قال ما لا يجوز قوله و خالد بن سنان كان من بني عبس بن بغيض من قيس عيلان ادعى النبوة و قيل إنه كانت تظهر عليه آيات و معجزات ثم مات و انقرض دينه و دثرت دعوته و لم يبق إلا اسمه و ليس يعرفه كل الناس بل البعض منهم
475 [و من كلامه ع في أن اليقظة رباط الاست]
وَ قَالَ ع: الْعَيْنُ وِكَاءُ [السَّتَهِ] السَّهِ.
[قال الرضي رحمه الله تعالى و هذه من الاستعارات العجيبة كأنه شبه السته بالوعاء و العين بالوكاء فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي ص و قد رواه قوم لأمير المؤمنين ع و ذكر ذلك المبرد في الكتاب المقتضب في باب اللفظ المعروف قال الرضي و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية] المعروف أن هذا من كلام رسول الله ص ذكره المحدثون في كتبهم و أصحاب غريب الحديث في تصانيفهم و أهل الأدب في تفسير هذه اللفظة في مجموعاتهم اللغوية و لعل المبرد اشتبه عليه فنسبه إلى أمير المؤمنين ع و الرواية بلفظ التثنية
العينان وكاء السته.
و السته الاست.
و قد جاء في تمام الخبر
في بعض الروايات فإذا نامت العينان استطلق الوكاء.
و الوكاء رباط القربة فجعل العينين وكاء و المراد اليقظة للسته كالوكاء للقربة و منه
الحديث في اللقطة احفظ عفاصها و وكاءها و عرفها سنة فإن جاء صاحبها و إلا فشأنك بها.
و العفاص السداد و الوكاء السداد و هذه من الكنايات اللطيفة
[فصل في ألفاظ الكنايات و ذكر الشواهد عليها]
و قد كنا قدمنا قطعة صالحة من الكنايات المستحسنة و وعدنا أن نعاود ذكر طرف منها و هذا الموضع موضعه فمن الكناية عن الحدث الخارج و هو الذي كنى عنه أمير المؤمنين ع أو رسول الله ص الكناية التي ذكرها يحيى بن زياد في شعره قيل إن يحيى بن زياد و مطيع بن إياس و حمادا الراوية جلسوا على شرب لهم و معهم رجل منهم فانحل وكاؤه فاستحيا و خرج و لم يعد إليهم فكتب إليه يحيى بن زياد
أ من قلوص غدت لم يؤذها أحد
إلا تذكرها بالرمل أوطانا
خان العقال لها فانبت إذ نفرت
و إنما الذنب فيها للذي خانا
منحتنا منك هجرانا و مقلية
و لم تزرنا كما قد كنت تغشانا
خفض عليك فما في الناس ذو إبل
إلا و أينقه يشردن أحيانا .
و ليس هذا الكتاب أهلا أن يضمن حكاية سخيفة أو نادرة خليعة فنذكر فيه ما جاء في هذا المعنى و إنما جرأنا على ذكر هذه الحكاية خاصة كناية أمير المؤمنين ع أو رسول الله ص عنها و لكنا نذكر كنايات كثيرة في غير هذا المعنى مستحسنة ينتفع القارئ بالوقوف عليها.
يقال فلان من قوم موسى إذا كان ملولا إشارة إلى قوله تعالى وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ 12018 .
قال الشاعر
فيا من ليس يكفيه صديق
و لا ألفا صديق كل عام
أظنك من بقايا قوم موسى
فهم لا يصبرون على طعام .
و قال العباس بن الأحنف
كتبت تلوم و تستريث زيارتي
و تقول لست لنا كعهد العاهد
فأجبتها و دموع عيني سجم
تجري على الخدين غير جوامد
يا فوز لم أهجركم لملالة
عرضت و لا لمقال واش حاسد
لكنني جربتكم فوجدتكم
لا تصبرون على طعام واحد .
و يقولون للجارية الحسناء قد أبقت من رضوان قال الشاعر
جست العود بالبنان الحسان
و تثنت كأنها غصن بان
فسجدنا لها جميعا و قلنا
إذ شجتنا بالحسن و الإحسان
حاش لله أن تكوني من الإنس
و لكن أبقت من رضوان .
و يقولون للمكشوف الأمر الواضح الحال ابن جلا و هو كناية عن الصبح و منه ما تمثل به الحجاج
أنا ابن جلا و طلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني 12019 .
و منه قول القلاخ بن حزن
أنا القلاخ بن القلاخ ابن جلا.
و منه قولهم فلان قائد الجمل لأنه لا يخفى لعظم الجمل و كبر جثته و في المثل ما استتر من قاد جملا و قالوا كفى برغائها نداء و مثل هذا قولهم ما يوم حليمة بسر يقال ذلك في الأمر المشهور الذي لا يستر و يوم حليمة يوم التقى المنذر الأكبر و الحارث الغساني الأكبر و هو أشهر أيام العرب يقال إنه ارتفع من العجاج ما ظهرت معه الكواكب نهارا و حليمة اسم امرأة أضيف اليوم إليها لأنها أخرجت إلى المعركة مراكن الطيب فكانت تطيب بها الداخلين إلى القتال فقاتلوا حتى تفانوا.
و يقولون في الكناية عن الشيخ الضعيف قائد الحمار و إشارة إلى ما أنشده الأصمعي
آتي الندي فلا يقرب مجلسي
و أقود للشرف الرفيع حماري .
أي أقوده من الكبر إلى موضع مرتفع لأركبه لضعفي و مثل ذلك كنايتهم عن الشيخ الضعيف بالعاجن لأنه إذا قام عجن في الأرض بكفيه قال الشاعر
فأصبحت كنتيا و أصبحت عاجنا
و شر خصال المرء كنت و عاجن .
قالوا الكنتي الذي يقول كنت أفعل كذا و كنت أركب الخيل يتذكر ما مضى من زمانه و لا يكون ذلك إلا عند الهرم أو الفقر و العجز.
و مثله قولهم للشيخ راكع قال لبيد
أخبر أخبار القرون التي مضت
أدب كأني كلما قمت راكع 12020 .
و الركوع هو التطأطؤ و الانحناء بعد الاعتدال و الاستواء و يقال للإنسان إذا انتقل من الثروة إلى الفقر قد ركع قال
لا تهين الفقير علك أن تركع
يوما و الدهر قد رفعه 12021 .
و في هذا المعنى قال الشاعر
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه
يوما فتدركه الحوادث قد نما 12022
يجزيك أو يثني عليك و إن من
يثني عليك بما فعلت فقد جزى .
و مثله أيضا
و أكرم كريما إن أتاك لحاجة
لعاقبة إن العضاه تروح .
تروح الشجر إذا انفطر بالنبت يقول إن كان فقيرا فقد يستغنى كما إن الشجر الذي لا ورق عليه سيكتسى ورقا و يقال ركع الرجل أي سقط.
و قال الشاعر
خرق إذا ركع المطي من الوجى
لم يطو دون رفيقه ذا المرود
حتى يئوب به قليلا فضله
حمد الرفيق نداك أو لم يحمد .
و كما يشبهون الشيخ بالراكع فيكنون به عنه كذلك يقولون يحجل في قيده لتقارب خطوه قال أبو الطمحان القيني
حنتني حانيات الدهر حتى
كأني خاتل أدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآني
و لست مقيدا أني بقيد .
و نحو هذا قولهم للكبير بدت له الأرنب و ذلك أن من يختل الأرنب ليصيدها يتمايل في مشيته و أنشد ابن الأعرابي في النوادر
و طالت بي الأيام حتى كأنني
من الكبر العالي بدت لي أرنب .