کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
أفيح و كان أبو الأعور على مقدمة معاوية و اسمه سفيان بن عمرو و قد جعل على ساقته بسر بن أرطاة العامري و على الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب و دفع اللواء إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و جعل على ميمنته حبيب بن مسلمة الفهري و على رجالته من الميمنة يزيد بن زحر الضبي و على الميسرة عبد الله بن عمرو بن العاص و على الرجالة من الميسرة حابس بن سعيد الطائي و على خيل دمشق الضحاك بن قيس الفهري و على رجالة أهل دمشق يزيد بن أسد بن كرز البجلي و على أهل حمص ذا الكلاع و على أهل فلسطين مسلمة بن مخلد و كان وصول علي ع إلى صفين لثمان بقين من المحرم من سنة سبع و ثلاثين.
49 و من خطبة له ع
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ وَ دَلَّتْ [ذَلَّتْ] عَلَيْهِ أَعْلَامُ الظُّهُورِ وَ امْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ فَلَا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَ لَا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلَا شَيْءَ أَعْلَى مِنْهُ وَ قَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلَا شَيْءَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا اسْتِعْلَاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَ لَا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَ لَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلَامُ الْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ [الْمُشْتَبِهُونَ] بِهِ وَ الْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً.
بطنت سر فلان أي أخفيته.
و الأعلام جمع علم و هو المنار يهتدى به ثم جعل لكل ما دل على شيء فقيل لمعجزات الأنبياء أعلام لدلالتها على نبوتهم و قوله ع أعلام الظهور أي الأدلة الظاهرة الواضحة.
و قوله فيما بعد أعلام الوجود أي الأدلة الموجودة و الدلالة هي الوجود نفسه و سيأتي شرح ذلك.
و قوله و امتنع على عين البصير يقول إنه سبحانه ليس بمرئي بالعين و مع
ذلك فلا يمكن من لم يره بعينه أن ينكره لدلالة كل شيء عليه بل لدلالته سبحانه على نفسه.
ثم قال و لا قلب من أثبته يبصره أي لا سبيل لمن أثبت وجوده أن يحيط علما بجميع أحواله و معلوماته و مصنوعاته أو أراد أنه لا تعلم حقيقة ذاته كما قاله قوم من المحققين.
و قد روي هذا الكلام على وجه آخر قالوا 2382 في الخطبة فلا قلب من لم يره ينكره و لا عين من أثبته تبصره و هذا غير محتاج إلى تفسير لوضوحه. 2383
قوله ع فلا استعلاؤه باعده أي ليس علوه و لا قربه كما نعقله من العلو و القرب المكانيين بل هو علو و قرب خارج من ذلك فليس علوه يقتضي بعده بالمكان عن الأجسام و لا قربه يقتضي مساواته إياها في الحاجة إلى المكان و الجهة.
و الباء في به متعلقة بساواهم معناه و لا قربه ساواهم به في الحاجة إلى المكان أي لم يقتض قربه مماثلته و مساواته إياهم في ذلك
[فصول في العلم الإلهي]
و هذا الفصل يشتمل على عدة مباحث من العلم الإلهي أولها كونه تعالى عالما بالأمور الخفية.
و الثاني كونه تعالى مدلولا عليه بالأمور الظاهرة يعني أفعاله.
و الثالث أن هويته تعالى غير معلومة للبشر.
و الرابع نفي تشبيهه بشيء من مخلوقاته.
و الخامس بيان أن الجاحد لإثباته مكابر بلسانه و عارف به بقلبه.
و نحن نذكر القول في جميع ذلك على سبيل اقتصاص المذاهب و الأقوال و نحيل في البرهان على الحق من ذلك و بطلان شبه المخالفين فيه على ما هو مذكور في كتبنا الكلامية إذ ليس هذا الكتاب موضوعا لذلك و إن كنا قد لا نخلي بعض فصوله من إشارة إلى الدليل موجزة و تلويح إلى الشبهة لطيف فنقول أما
الفصل الأول و هو الكلام في كونه تعالى عالما بالأمور الخفية
فاعلم أن أمير المؤمنين ع إنما قال بطن خفيات الأمور و هذا القدر من الكلام يقتضي كونه تعالى عالما يعلم الأمور الخفية الباطنة و هذا منقسم قسمين أحدهما أن يعلم الأمور الخفية الحاضرة.
و الثاني أن يعلم الأمور الخفية المستقبلة.
و الكلام من حيث إطلاقه يحتمل الأمرين فنحمله عليهما معا فقد خالف في كل واحدة من المسألتين قوم فمن الناس من نفى كونه عالما بالمستقبلات و من الناس من نفى كونه عالما بالأمور الحاضرة سواء كانت خفية أو ظاهرة و هذا يقتضينا 2384 أن نشرح أقوال العقلاء في هذه المسائل فنقول إن الناس فيها على أقوال القول الأول قول جمهور المتكلمين و هو أن البارئ سبحانه يعلم كل معلوم الماضي و الحاضر و المستقبل ظاهرها و باطنها و محسوسها و غير محسوسها فهو تعالى العالم بما كان و ما هو حاضر و ما سيكون و ما لم يكن أن لو كان كيف كان يكون كقوله
تعالى وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ 2385 فهذا علم بأمر مقدر على تقدير وقوع أصله الذي قد علم أنه لا يكون.
القول الثاني قول من زعم أنه تعالى لا يعلم الأمور المستقبلة و شبهوه بكونه مدركا قالوا كما أنه لا يدرك المستقبلات فكذلك لا يعلم المستقبلات و هو قول هشام بن الحكم 2386 .
القول الثالث قول من زعم أنه لا يعلم الأمور الحاضرة و هذا القول نقيض القول الثاني و شبهوه بكونه قادرا قالوا كما أنه لا يقدر على الموجود فكذلك لا يعلم الموجود و نسب ابن الراوندي هذا القول إلى معمر بن عباد 2387 أحد شيوخنا و أصحابنا يكذبونه في ذلك و يدفعون الحكاية عنه.
القول الرابع قول من زعم أنه تعالى لا يعلم نفسه خاصة و يعلم كل ما عدا ذاته و نسب ابن الراوندي هذه المقالة إلى معمر أيضا و قال إنه يقول إن العالم غير المعلوم و الشيء لا يكون غير نفسه و أصحابنا يكذبون ابن الراوندي في هذه الحكاية و ينزهون معمرا عنها.
القول الخامس قول من قال إنه تعالى لم يكن فيما لم يزل عالما بشيء أصلا و إنما أحدث لنفسه علما علم به الأشياء و هو قول جهم بن صفوان 2388 .
القول السادس قول من قال إنه تعالى لا يعلم كل المعلومات على تفاصيلها و إنما يعلم ذلك إجمالا و هؤلاء يسمون المسترسلية لأنهم يقولون يسترسل علمه على المعلومات
إجمالا لا تفصيلا و هو مذهب الجويني 2389 من متكلمي الأشعرية.
القول السابع قول من قال إنه تعالى يعلم المعلومات المفصلة ما لم يفض القول به إلى محال و زعموا أن القول بأنه يعلم كل شيء يفضي إلى محال و هو أن يعلم و يعلم أنه يعلم و هلم جرا إلى ما لا نهاية له و كذلك المحال لازم إذا قيل إنه يعلم الفروع و فروع الفروع و لوازمها و لوازم لوازمها إلى ما لا نهاية له قالوا و محال اجتماع كل هذه العلوم غير المتناهية في الوجود و هذا مذهب أبي البركات البغدادي صاحب المعتبر 2390 .
القول الثامن قول من زعم أنه تعالى لا يعلم الشخصيات الجزئية و إنما يعلم الكليات التي لا يجوز عليها التغيير كالعلم بأن كل إنسان حيوان و يعلم نفسه أيضا و هذا مذهب أرسطو و ناصري قوله من الفلاسفة كابن سينا و غيره.
القول التاسع قول من زعم أنه تعالى لا يعلم شيئا أصلا لا كليا و لا جزئيا و إنما وجد العالم عنه لخصوصية ذاته فقط من غير أن يعلمه كما أن المغناطيس يجذب الحديد لقوة فيه من غير أن يعلم بالجذب و هذا قول قوم من قدماء الفلاسفة.
فهذا تفصيل المذاهب في هذه المسألة.
و اعلم أن حجة المتكلمين على كونه عالما بكل شيء إنما تتضح بعد إثبات حدوث العالم و أنه فعله بالاختيار فحينئذ لا بد من كونه عالما لأنه لو لم يكن عالما بشيء أصلا لما صح أن يحدث العالم على طريق الاختيار لأن الإحداث على طريق الاختيار إنما يكون بالغرض و الداعي و ذلك يقتضي كونه عالما فإذا ثبت أنه عالم بشيء أفسدوا حينئذ أن يكون عالما بمعنى اقتضى له العالمية أو بأمر خارج عن ذاته مختارا كان أو غير مختار
فحينئذ ثبت 2391 لهم أنه إنما علم لأنه هذه الذات المخصوصة لا لشيء أزيد منها فإذا كان لهم ذلك وجب أن يكون عالما بكل معلوم لأن الأمر الذي أوجب كونه عالما بأمر ما هو ذاته يوجب كونه عالما بغيره من الأمور لأن نسبة ذاته إلى الكل نسبة واحدة.
فأما الجواب عن شبه المخالفين فمذكور في المواضع المختصة بذلك فليطلب من كتبنا الكلامية
الفصل الثاني في تفسير قوله ع و دلت عليه أعلام الظهور
فنقول إن الذي يستدل به على إثبات الصانع يمكن أن يكون من وجهين و كلاهما يصدق عليه أنه أعلام الظهور أحدهما الوجود و الثاني الموجود.
أما الاستدلال عليه بالوجود نفسه فهي طريقة المدققين من الفلاسفة فإنهم استدلوا على أن مسمى الوجود مشترك و أنه زائد على ماهيات الممكنات و أن وجود البارئ لا يصح أن يكون زائدا على ماهيته فتكون ماهيته وجودا و لا يجوز أن تكون ماهيته عارية عن الوجود فلم يبق إلا أن تكون ماهيته هي الوجود نفسه و أثبتوا وجوب ذلك الوجود و استحالة تطرق العدم بوجه ما فلم يفتقروا في إثبات البارئ إلى تأمل أمر غير نفس الوجود.