کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
ثم أمره بأن يترك ما فيه شبهة إلى ما لا شبهة فيه و سمي ذلك قضما و مقضما و إن كان مما لا يقضم لاحتقاره له و ازدرائه إياه و أنه عنده ليس مما يستحق أن يسمى بأسماء المرغوب فيه المتنافس عليه و ذلك لأن القضم يطلق على معنيين أحدهما على أكل الشيء اليابس و الثاني على ما يؤكل ببعض الفم و كلاهما يدلان على أن ذلك المقضم المرغوب عنه لا فيه.
ثم ذكر ع حال نفسه فقال إن إمامكم قد قنع من الدنيا بطمريه و الطمر الثوب الخلق البالي و إنما جعلهما اثنين لأنهما إزار و رداء لا بد منهما أي للجسد و الرأس.
قال و من طعمه بقرصيه أي قرصان يفطر عليهما لا ثالث لهما و روي قد اكتفى من الدنيا بطمريه و سد فورة جوعه بقرصيه لا يطعم الفلذة في حوليه إلا في يوم أضحية.
ثم قال إنكم لن تقدروا على ما أقدر عليه و لكني أسألكم أن تعينوني بالورع و الاجتهاد.
ثم أقسم أنه ما كنز ذهبا و لا ادخر مالا و لا أعد ثوبا باليا سملا لبالي ثوبيه فضلا عن أن يعد ثوبا قشيبا كما يفعله الناس في إعداد ثوب جديد ليلبسوه عوض الأسمال التي ينزعونها و لا حاز من أرضها شبرا و الضمير في أرضها يرجع إلى دنياكم و لا أخذ منها إلا كقوت أتان دبرة و هي التي عقر ظهرها فقل أكلها.
ثم قال و لهي في عيني أهون من عفصة مقرة أي مرة مقر الشيء بالكسر أي صار مرا و أمقره بالهمز أيضا قال لبيد
ممقر مر على أعدائه
و على الأدنين حلو كالعسل 10330
بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَ غَيْرِ فَدَكٍ وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ وَ سَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ.
الجدث القبر و أضغطها الحجر جعلها ضاغطة و الهمزة للتعدية و يروى و ضغطها.
و قوله مظانها في غد جدث المظان جمع مظنة و هو موضع الشيء و مألفه الذي يكون فيه قال
فإن يك عامر قد قال جهلا
فإن مظنة الجهل الشباب 10331
يقول لا مال لي و لا اقتنيت فيما مضى مالا و إنما كانت في أيدينا فدك فشحت عليها نفوس قوم أي بخلت و سخت عنها نفوس آخرين سامحت و أغضت و ليس يعني هاهنا بالسخاء إلا هذا لا السخاء الحقيقي لأنه ع و أهله لم يسمحوا بفدك إلا غصبا و قسرا و قد قال هذه الألفاظ في موضع آخر فيما تقدم و هو يعني الخلافة بعد وفاة رسول الله ص.
ثم قال و نعم الحكم الله الحكم الحاكم و هذا الكلام كلام شاك متظلم ثم ذكر مال الإنسان و أنه لا ينبغي أن يكترث بالقينات و الأموال فإنه يصير عن قريب إلى دار البلى و منازل الموتى.
ثم ذكر أن الحفرة ضيقة و أنه لو وسعها الحافر لألجأها الحجر المتداعي و المدر المتهافت إلى أن تضغط الميت و تزحمه و هذا كلام محمول على ظاهره لأنه خطاب للعامة و إلا فأي فرق بين سعة الحفرة و ضيقها على الميت اللهم إلا أن يقول قائل إن الميت يحس في قبره فإذا قيل ذلك فالجاعل له حساسا بعد عدم الحس هو الذي يوسع الحفرة و إن كان الحافر قد جعلها ضيقة فإذن هذا الكلام جيد لخطاب العرب خاصة و من يحمل الأمور على ظواهرها.
ثم قال و إنما هي نفسي أروضها بالتقوى يقول تقللي و اقتصاري من المطعم و الملبس على الجشب و الخشن رياضة لنفسي لأن ذلك إنما أعمله خوفا من الله أن أنغمس في الدنيا فالرياضة بذلك هي رياضة في الحقيقة بالتقوى لا بنفس التقلل و التقشف لتأتي نفسي آمنة يوم الفزع الأكبر و تثبت في مداحض الزلق
ذكر ما ورد من السير و الأخبار في أمر فدك
و اعلم أنا نتكلم في شرح هذه الكلمات بثلاثة فصول الفصل الأول فيما ورد في الحديث و السير من أمر فدك و الفصل الثاني في هل النبي ص يورث أم لا و الفصل الثالث في أن فدك هل صح كونها نحلة من رسول الله ص لفاطمة أم لا.
الفصل الأول فيما ورد من الأخبار و السير المنقولة من أفواه أهل الحديث و كتبهم لا من كتب الشيعة و رجالهم
لأنا مشترطون على أنفسنا ألا نحفل بذلك جميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في السقيفة و فدك و ما وقع من الاختلاف و الاضطراب عقب وفاة النبي ص و أبو بكر الجوهري هذا عالم محدث كثير الأدب ثقة ورع أثنى عليه المحدثون و رووا عنه مصنفاته.
قال أبو بكر حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا حيان بن بشر قال حدثنا يحيى بن آدم قال أخبرنا ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا فسألوا رسول الله ص أن يحقن دماءهم و يسيرهم ففعل فسمع ذلك أهل فدك 10332 فنزلوا 10333 على مثل ذلك و كانت للنبي ص خاصة لأنه لم يوجف عليها ب خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ .
قال أبو بكر و روى محمد بن إسحاق أيضا أن رسول الله ص لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك فبعثوا إلى رسول الله ص فصالحوه على النصف من فدك فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق أو بعد ما أقام بالمدينة فقبل ذلك منهم و كانت فدك لرسول الله ص خالصة له لأنه لم يوجف عليها ب خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ .
قال و قد روى أنه صالحهم عليها كلها الله أعلم أي الأمرين كان.
قال و كان مالك بن أنس يحدث عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه صالحهم على النصف فلم يزل الأمر كذلك حتى أخرجهم عمر بن الخطاب و أجلاهم بعد أن عوضهم عن النصف الذي كان لهم عوضا من إبل و غيرها.
و قال غير مالك بن أنس لما أجلاهم عمر بعث إليهم من يقوم الأموال بعث أبا الهيثم بن التيهان و فروة بن عمرو و حباب بن صخر و زيد بن ثابت فقوموا أرض فدك و نخلها فأخذها عمر و دفع إليهم قيمة النصف الذي لهم و كان مبلغ ذلك خمسين ألف درهم أعطاهم إياها من مال أتاه من العراق و أجلاهم إلى الشام.
قال أبو بكر فحدثني محمد بن زكريا قال حدثني جعفر بن محمد بن عمارة الكندي قال حدثني أبي عن الحسين بن صالح بن حي قال حدثني رجلان من بني هاشم عن زينب بنت علي بن أبي طالب ع قال و قال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه. قال أبو بكر و حدثني عثمان بن عمران العجيفي عن نائل بن نجيح بن عمير بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي ع. قال أبو بكر و حدثني أحمد بن محمد بن يزيد عن عبد الله بن محمد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن الحسن قالوا جميعا لما بلغ فاطمة ع إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ في ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله ص حتى دخلت على أبي بكر و قد حشد الناس من المهاجرين و الأنصار فضرب بينها و بينهم ريطة بيضاء و قال بعضهم قبطية و قالوا قبطية بالكسر و الضم ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم ثم قالت أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد الحمد لله على ما أنعم و له الشكر بما ألهم و ذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها ف اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ و أطيعوه فيما أمركم به ف إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ و احمدوا الله الذي لعظمته و نوره يبتغي من في السموات و الأرض إليه الوسيلة و نحن وسيلته في خلقه و نحن خاصته و محل قدسه و نحن حجته في غيبه و نحن ورثة
أنبيائه ثم قالت أنا فاطمة ابنة محمد أقول عودا على بدء و ما أقول ذلك سرفا و لا شططا فاسمعوا بأسماع واعية و قلوب راعية ثم قالت لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 10334 فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم و أخا ابن عمي دون رجالكم ثم ذكرت كلاما طويلا سنذكره فيما بعد في الفصل الثاني- تقول في آخره ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ 10335 إيها معاشر المسلمين ابتز إرث أبي أبى الله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك و لا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله و الزعيم محمد و الموعد القيامة و عند الساعة يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ و لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ ثم التفتت إلى قبر أبيها فتمثلت بقول هند بنت أثاثة
قد كان بعدك أنباء و هينمة
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب 10336
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم
لما قضيت و حالت دونك الكتب
تجهمتنا رجال و استخف بنا
إذا غبت عنا فنحن اليوم نغتصب
قال و لم ير الناس أكثر باك و لا باكية منهم يومئذ ثم عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت يا معشر البقية و أعضاد الملة و حضنة الإسلام ما هذه الفترة عن نصرتي و الونية عن معونتي و الغمزة في حقي و السنة عن ظلامتي أ ما كان رسول الله ص يقول المرء يحفظ في ولده سرعان ما أحدثتم و عجلان ما أتيتم أ لأن مات رسول الله ص أمتم دينه ها إن موته لعمري خطب جليل استوسع وهنه
و استبهم فتقه و فقد راتقه و أظلمت الأرض له و خشعت الجبال و أكدت الآمال أضيع بعده الحريم و هتكت الحرمة و أذيلت المصونة و تلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته و أنبأكم بها قبل وفاته فقال وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ 10337 إيها بني قيلة اهتضم تراث أبي و أنتم بمرأى و مسمع تبلغكم الدعوة و يشملكم الصوت و فيكم العدة و العدد و لكم الدار و الجنن و أنتم نخبة الله التي انتخب و خيرته التي اختار باديتم العرب و بادهتم الأمور و كافحتم البهم حتى دارت بكم رحى الإسلام و در حلبه و خبت نيران الحرب و سكنت فورة الشرك و هدأت دعوة الهرج و استوثق نظام الدين أ فتأخرتم بعد الإقدام و نكصتم بعد الشدة و جبنتم بعد الشجاعة عن قوم نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ألا و قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض و ركنتم إلى الدعة فجحدتم الذي وعيتم و سغتم الذي سوغتم و إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ألا و قد قلت لكم ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم و خور القناة و ضعف اليقين فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر ناقبة الخف باقية العار موسومة الشعار موصولة بنار الله الموقدة الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ فبعين الله ما تعملون وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .