کتابخانه روایات شیعه
التشريف بالمنن في التعريف بالفتن
مقدمة المؤسسة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه الذي أوضح وجوه الشك بكشف النقاب عن وجه اليقين، و شيّد أعلام الدين بكتابه المبين، و بيّن اصوله و منهج شريعته بمحكم التبيين.
و الصلاة و السلام على خير خلقه و أشرف بريّته، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى، و على آله الأطهار المنتجبين، و اللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء اللّه إلى قيام يوم الدّين.
التراث: هو المرآة التي ترى الامّة من خلالها ذاتها و حضارتها، و تطّلع على تأريخها، و به تتعرّف على تجاربها عبر القرون الماضية، لكي تستفيد منها في أيامها الحاضرة.
و هو العدسة التي ينظر العالم من خلالها إلى أيّ أمّة، فيقيّم حضارتها جذورا و اصولا و اسسا.
و ممّا لا يشكّ فيه أحد أنّ تراثنا الإسلامي مخزون هائل، مودع بين طيّات المخطوطات و الوثائق، و في زوايا و أطراف بقاع العالم. فلا تكاد تخلو من تراثنا قارّة من القارّات، و لا مكتبة من مكتبات العالم. هذا التراث المقدّس الذي يضمّ عددا من المصاحف المخطوطة، و كتب السنّة الشريفة، و مؤلّفات سلفنا الصالح، التي أورثونا إيّاها بسخاء منقطع النظير.
لكن، و من المؤسف جدّا أن نجد إهمالا كبيرا لهذا التراث القيّم، هذا الإهمال الذي أدّى إلى إخراج الآلاف من النسخ الخطيّة إلى بلاد الغرب، فلا تكاد مكتبة من مكتبات الغرب تخلو من مخطوطاتنا الإسلامية.
و هذا الإهمال هو الذي أدّى إلى ابتعاد الجيل الناشئ عن مطالعة الكتب الإسلامية؛ لرداءة خطّها و طبعها، و توجّه- هذا الجيل- إلى الكتب الإلحادية التي تتّصف بجودة الطبع و جمال الإخراج.
و الذي يبعث في القلب الأمل هو اهتمام جمع من الفضلاء و الأساتذة في الوقت الحاضر بتحقيق هذا التراث، و من ثمّ طبعه و نشره بالشكل اللائق به، فنشأت عدّة مؤسّسات و مراكز تحقيقية لأجل ذلك.
و إيمانا بأنّ العمل لإحياء التراث الضخم المجهول سيكون بعين اللّه التي لا تنام و رضاه، و من الدوافع الأساسية لبعث روح العزّة و السموّ في جسد الامّة الإسلامية التي انقضى على سباتها أمد طويل، و آن لها أن تفيق لتبني نهضتها المرتقبة على اسس حضارية علمية رصينة.
و مساهمة مع الآخرين الذين ساروا على هذا الطريق النبيل، الذي ينمّ عن وعي المسئولية الشرعية، و الدور الحضاري المطلوب، تأسّست مؤسّسة صاحب الأمر- عجّل اللّه فرجه الشريف- برعاية و اهتمام العالم العامل الفقيه الجليل سماحة آية اللّه الحاج الشيخ حسن الصافي الأصفهاني دامت بركاته.
و بما أنّ هذه المؤسّسة المباركة اتّخذت من اسم صاحب العصر و الزمان اسما لها، تبرّكا و تيمّنا به، معتمدة عليه في كافة خطاها، و مستمدّة العون منه عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف، لذلك ارتأت- و بتوجيه من سماحة الشيخ الصافي- أن تبدأ بتحقيق كتاب يتعلّق به، و يبيّن علائم ظهوره و صفاته و ما يجري من أحداث و فتوحات عند ظهوره- عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف- فاختارت هذا الكتاب الماثل بين يديك عزيزي القارئ، الذي خطّه يراع الزاهد العابد العالم الجليل السيد ابن طاوس رضوان اللّه تعالى عليه، و أقدمت على
تحقيقه و نشره بهذه الحلّة الزاهية، مع ما في تحقيقه من مصاعب جمّة لا تخفى على ذوي الخبرة في فنّ التحقيق.
و لا شكّ و لا ريب أنّ الاهتمام بالكتب التي تشدّنا و تقرّبنا من إمامنا صاحب العصر و الزمان، تجسيد عملي لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
«أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج» و هو فرج الإمام الثاني عشر الذي سيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.
يا أبا صالح المهدي، يا سيّدنا و مولانا، إنّ دموع الأيتام تزداد يوما بعد يوم، و صرخات الأرامل تعلو كلّ الآفاق، و قلوب المؤمنين تذوب حسرة. كلّ ذلك لما حلّ بهم من الظلم و الطغيان. فها نحن نرفع أيدينا تضرّعا و توسّلا، داعين اللّه سبحانه و تعالى أن يعجّل فرجك الشريف، و أن يكحل أعيننا بالنظر إليك، إنّه خير مجيب.
و في الختام ندعو اللّه عزّ و جلّ أن يمنّ على سماحة الشيخ الصافي حفظه اللّه و رعاه- بالصحة و العافية، لكي يتمّ ما بدأ به من أعمال علمية رصينة تخدم الحوزة العلمية المباركة.
كما و نقدّم جزيل شكرنا و تقديرنا لكلّ من ساهم في إخراج هذا الكتاب الجليل، و نخصّ بالذكر أصحاب السماحة حجج الإسلام الشيخ محمد الباقري و الشيخ محمد الحسّون و الشيخ مهدي عادل نيا، حيث بذلوا جاهدا مشكورا و سعيا مذخورا في تحقيقه.
و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على سيّدنا و مولانا محمّد، و على آله الطيّبين الطاهرين.
مؤسّسة صاحب الأمر «عج»
بسم اللّه الرحمن الرحيم «إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء» و نحن نضع اللمسات النهائية على هذا الكتاب ليرى النور، إذ فاجأنا نبأ رحيل العالم الجليل:
سماحة آية اللّه الحاج الشيخ حسن الصافي الاصفهاني (قدّس سرّه) فتلقّيناه بعيون عبرى و قلوب حرّى، و ألسنتنا تردّد:
إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و كم كنّا نتمنّى أن يرى سماحته النتاج الأول لهذه المؤسّسة التي وضع لبنتها بنفسه و أشرف على تأسيسها و رسم منهجها العلمي، ثم بدأ برعايتها بقلبه الأبوي الحنون رغم المهام الكبيرة التي كان يقوم بها، و رغم المرض الذي ألمّ به في أيّامه الأخيرة، فاختطفته يد المنون من وسط أهله و أحبّائه و تلامذته، و ما تشاءون إلّا أن يشاء اللّه.
و كان بودّنا أن نترجم له (رحمه اللّه) ترجمة وافية و لكن ضيق الوقت لاستيفاء ترجمته و مثول الكتاب للطبع حالا دون ذلك، فاثرنا أن تؤجل ترجمته إلى فرصة أوفى، مغتنمين هذه الفرصة لتقديم تعازينا إلى إمام العصر (عليه السّلام) و المؤمنين كافة بهذا المصاب الجلل.