کتابخانه روایات شیعه
[مقدمة التحقيق]
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الإهداء
حقا لا أدري لمن اقدّم «موسوعة المزارات» هذه؟
أ لمن تكتحل النواظر بنظرة إلى مشهده، و يصدح الحقّ في مزاره، نبيّا كان أو إماما؟ أم لمن هدّمت مشاهدهم و مزاراتهم بمعاول الأحقاد الخيبرية و الضغائن الوهابيّة فصارت قفرا؟ أم لمن دفنت سرّا و اخفيت قبرا، فكان ذلك حجّة على الخصم في حديث «من أحبّها أو آذاها»؟
أم لمن قتلوه صبرا، فأوطئوا جسده الشريف بحوافر الخيل، و رضّوا منه صدرا و ظهرا؟ فلا عجب من العلي الأعلى أن عظّم له العزاء، و جعل في تربته الشفاء و تحت قبّته استجابة الدعاء، و في قلوب من والاه قبرا يبكون عليه ليلا و نهارا.
أم لمن غيّب عن أبصارنا طويلا، و بيت اللّه و المقام ينتظران ظهوره في هذا المشهد العظيم جهرا؟ و هو يحضر الموسم كلّ سنة و يقف بعرفات مؤمّنا على دعاء المؤمنين سرّا، و كان أولى الناس بإبراهيم خليل اللّه و بمحمّد حبيب اللّه.
كما كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أولى الناس بإبراهيم، و أولى بالمؤمنين من أنفسهم جميعا؟
فحقا لا أدري لمن ...؟ و لكن أقول: لمّا كان الأجدر بنا و الأحرى أن نزور إمامنا الغائب المنتظر- من أهل بيت اللّه، و آل بيت النبوّة و الرسالة و الإمامة- في بيت اللّه فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ و هو يكون مؤذّنا بأذان اللّه و رسوله إلى الناس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريء من المشركين.
ثمّ يؤذّن باذان إبراهيم- عليه السلام- بالحجّ، ليأتوه زائرين له، و ليشهدوا منافع لهم و يذكروا اسم اللّه على بهيمة الأنعام، و ليطوفوا بالبيت العتيق، و ليتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى. فإليك، إليك يا بقية اللّه المنتظر يا من يقوم و ينادي من مطلعه و مشرقه في بيت اللّه الحرام الذي جعله قياما للناس، و هدى للعالمين: يا أيّها الناس من يحاجّني في اللّه و آدم و نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمّد و كتاب اللّه فأنا أولى الناس باللّه و آدم و نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمّد و كتاب اللّه.
التعريف بالمؤلّف:
أمّا بعد: فلمّا كان من المتعارف عند تحقيق كتاب مخطوط- التعريف به و بمؤلّفه- ليكون القارئ الكريم على بصيرة بهما.
لكن ما عسى الكاتب أن يكتب و البيان أن يحيط في تعريف عشر معشار شخصية الشيخ السديد «المفيد» رضي اللّه عنه.
و أنّى لنا ذلك و قد عجزت الأدباء قديما و حديثا، و كلّت الخطباء، و حارت العقول و أقرّت بالعجز و التقصير في وصفه و معرفة شأنه، فإنّ أمره في الفقه و العلم و الكلام و الفضل و الجلالة و الزهد و العبادة و الورع و جميع الفضائل و الكمالات أشهر من أن يذكر، و محاسنه و أوصافه الحميدة، و خصاله المحمودة أكثر من أن تحصر.
كيف لا و هو «رئيس علماء الشيعة، و مروّج المذهب و الشريعة»
«ملهم الحق و دليله و منار الدين و سبيله، جمّ المناقب، حديد الناظر، حاضر الجواب، دقيق الفطنة، واسع الرواية، خبير بالأخبار و الرجال»
«كان أوثق أهل زمانه في الحديث و أعرفهم بالفقه و الكلام ...»
«كان يناظر أهل كلّ عقيدة فيظهر عليهم»
و صفوة المقال، أنّه شيخ مشايخ الإسلام، و أنّ كلّ من تأخّر عنه استفاد منه، و هو استاذه. «فهو خرّيت فن الحديث، و إمام الفقه، و شيخ الكلام، و استاذ المناظرة، و رافع كلمة الإسلام، و حامل راية المذهب الشريف، لا يأخذه في اللّه لومة لائم».
«كان شيخا ربعة، نحيفا، أسمر، خشن اللباس»
«ما كان ينام من الليل إلّا هجعة، ثمّ يقوم، و يصلّي، أو يتلو كتاب اللّه، أو يطالع، أو يدرس، أو ...».
هذا غيض من فيض حياته القدسية و نترك الخوض في خضمها لأصحاب الموسوعات الضخمة التاريخية، و أرباب المعاجم الرجالية.
و يكفيه عزّا و فخرا ما أفاضه الباري تعالى و رسوله الأمين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على أهل العلم جميعا، و هو في أعلى مراتبهم و أرفع منازلهم.
و ما خصّه به أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب- عليه السلام-
و ما أفاضت عليه بضعة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الزهراء- عليها السلام-
و في ختامه مسك بذكر التوقيعين المباركين من حجة العصر و إمام الزمان الإمام المهديّ (عج) من نفحاته القدسية الخارجة من الناحية المقدّسة، التي ستقف عليها، و التي من حقّها أن تكتب بأشرف حروف النور.
قال اللّه تبارك و تعالى:
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
«علماء أمّتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل»
قال الإمام أمير المؤمنين- عليه السلام- للشيخ المفيد في رؤيا رآها بعد منازعة جرت بينه و بين تلميذه السيّد المرتضى علم الهدى:
«يا شيخي و معتمدي الحق مع ولدي»
و حكي أنّ الشيخ المفيد رأى في منامه كأنّ بضعة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاطمة الزهراء- عليها السلام- دخلت عليه و هو في مسجده بالكرخ، و معها ولداها الحسن و الحسين- عليهما السلام- فسلّمتهما إليه و قالت له:
«يا شيخي علّم ولديّ هذين الفقه»