کتابخانه روایات شیعه
[مقدمة التحقيق]
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
هبط الإسلام- آخر الديانات الإلهيّة- على أرض الحجاز القاحلة، و منذ اللحظة الأولى كانت لنبيّه الكريم صلّى اللّه عليه و آله، من المتدينين المتواجدين في المنطقة- سواء الحنفاء، أم المنتمون إلى الشرائع السماويّة السابقة مواقف متميّزة.
فهم- على ما كانوا عليه من جهل و انحراف- قد كانوا أقرب إلى ما جاء به الإسلام من سائر العرب المشركين، فهم يجتمعون مع هذا الدين الجديد على بعض الخطوط، و يتفقون معه في بعض الألفاظ، و يشتركون معا في بعض المفاهيم، و يلتقون عند بعض النقاط الغيبيّة.
و لقد كانت على أيدي انبياء اللّه المرسلين عليهم السلام، بذور الدين منتثرة هنا و هناك، و هم بقايا جهودهم عليهم السلام.
و الملتزمون بالأديان السابقة كانوا على مستويات مختلفة، و لهم إمكانات متفاوتة، و تطلّعات متغايرة، فالحنيفيّة الإبراهيمية أقلّها عددا و شوكة، و اليهودية أشدها تزمّتا و تقوقعا، و المسيحيّة أكثرها عددا و انفلاتا.
ففي مكّة كانت الحنيفيّة محدودة العناصر، في أفراد يشار اليهم بعدد الأصابع، بينهم آباء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و امهاته، كانوا أسبق المتديّنين الى اعتناق الإسلام.
إلّا أنّ أهل الديانات الأخرى تلكّئوا في الالتحاق بالدين الجديد، اعتزازا بمواقعهم، أو اغترارا بما عندهم، و لم يقفوا من الإسلام موقفا يتحلّى بالانصاف.
بينما كان المتوقّع أن يبتهجوا بهذه الحركة الإلهيّة الجريئة التي قام بها نبيّ الإسلام، مقتحما حصون الجاهلية العربيّة بما فيها من جهل و شرك و فساد، مناديا في ديارها بالتوحيد و الإيمان، متحمّلا كلّ الأخطار و الأهوال في هذا السبيل، واضعا لحياته في مهبّ حقدهم و عدوانهم و هجماتهم العسكرية، و هو يدعو إلى ما يلتزمون به و يؤكّد على أصول عقائدهم و قضاياهم.
و من جانب أخر، فإنّ كتبهم السماوية مشحونة بالتبشير به، فما أحسن هذه الفرصة، كي يلتفّوا حوله، و يتكاتفوا معه ليزيحوا الجاهلية بكفرها و عتوها و فسادها من الأرض و يثبّتوا (كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا) و ينشروا الهداية.
لكنهم- أي أهل الكتاب- بدلا من ذلك، اتخذوا مواقف عدائية ضدّ الإسلام، بل، تواطئوا مع أهل الكفر و الشرك، ضدّ الإسلام و نبيّه الكريم صلّى اللّه عليه و آله!
و مع كلّ هذه التصرفات المنافية لأبسط قواعد الحقّ، و أوضح مسائل التديّن، فإنّ الإسلام، و على صفحات قرآنه، و لسان نبيّه، لم يعامل أهل الكتاب إلّا بشكل متميّز.
فقد فتح أمامهم أبواب الحوار الفكريّ و العقيديّ، و دعاهم إلى «كَلِمَةٍ سَواءٍ» .
بينما كانت الدعوة لغيرهم الى الإسلام فقط، بعد الاقناع و التوعية، و اختيار حياة الإسلام أو موت الكفر و العناد.
أمّا أهل الكتاب، فكانوا مخيّرين بين اختيار الإسلام، أو البقاء على دياناتهم! بشروط المواطنة الصالحة، و الالتزام بقوانين الدولة العامّة، المعروفة بشروط الذمّة.
أمّا بالنسبة إلى عقائدهم و أفكارهم و شرائعهم، فإنّ الإسلام أكّد على الحقّ منها، و دعا إليه، و رفض ما طالته أيدي التحريف و التجاوز.
و من تلك الأحكام، مسألة «ذبح الحيوان للأكل»:
فإنّ شرائع السماء قرّرت قوانين و شروطا معيّنة، للحيوان الذي يأكله الإنسان، في نوعيّته، و في كيفيّة قتله.
و من الشروط الأساسيّة، أن يذكر اسم «اللّه» عليه عند ذبحه.
و قد وافق أهل الكتاب، شريعة الإسلام، في أصل هذا الشرط و مجمل ما قرّرته الشريعة.
لكن فقهاء المسلمين اختلفوا في «ذبائح أهل الكتاب» هل يحلّ أكلها للمسلمين، أولا؟
و أساس هذا الخلاف هو: هل أنّ تسمية أهل الكتاب على ذبائحهم، صحيحة يمكن اعتبارها، أولا؟ فقولهم: «باسم اللّه» هل يقصدون به: اسم «الإله الواحد الأحد، الفرد الذي لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد» هذا المسمّى الذي هو شرط الذبح عند المسلمين؟
بينما أهل الكتاب: النصارى منهم يقولون بالتثليث! و اليهود منهم يقولون:
«عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ » جلّ و علا!!
فهم لا يعتقدون بالمسمّى الذي هو الحقّ، و إن تلفظوا باسمه، بل هم يكفرون، و إن ادّعوا الإيمان، و تميّزوا عن الكفّار المشركين بهذا الادّعاء، و بالارتباط بشريعة و كتاب، لكنّ عقائدهم تلك لا تجعل التسمية الصادرة منهم، هي التسمية المطلوبة الصحيحة المشروطة في حلية المذبوح!
و ليس المراد بالتسمية مجرد اللفظ، و ذكر الاسم فقط، من دون إرادة المعنى، و المسمّى الحق.
و قد ذهب جمهور فقهاء الشيعة الإماميّة الى الحكم بحرمة ذبائح أهل الكتاب، و وافقهم بعض فقهاء العامّة.
أمّا جمهور فقهاء العامّة فيقولون بحلية ذبائح أهل الكتاب و هو مذهب بعض الشيعة، و مستند العامّة في ذلك أمران:
الأول: أنّ ظاهر حال أهل الكتاب هو معرفة اللّه، و وصفه بالتوحيد، فيكتفى بهذا الظاهر، حتى يعلم خلافه.
الثاني: قوله تعالى: «وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ» في سورة المائدة (5) الآية: 6.
و قد أجاب الشيعة عن ذلك:
أمّا الأول: فبأنّ اليهود و النصارى- و إن كانوا على ظاهر الاعتقاد بوجود اللّه، و يقول قوم منهم بتوحيده، إلّا أنّ ذلك يخالف في تفاصيله المعتقد الحقّ الذي عليه المسلمون، و قد ثبت في كتب العقائد انحرافهم عن الحقّ، و التزامهم بالباطل، و كفاهم كفرا و خروجا: إنكارهم لنبوّة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و ما جاء به من القرآن و أحكامه.