کتابخانه روایات شیعه
[مقدمات التحقيق]
[مقدمة المحقق الغفاري]
شكر و تقدير
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه الّذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، و الصّلاة على رسوله الأمين و آله الأئمّة الميامين، و السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين.
أمّا بعد: فقد راجعني صديقي الأعزّ الفاضل الألمعيّ «الحسين أستاد ولي» و سألني مصرّا و ألحّ عليّ كرارا أن أختار له كتابا من بين روائع- التراث المذهبيّ و اقلّده تحقيقه، ليعمله خدمة للحنيفيّة البيضاء، و إحياء لما دثر من مآثر الشّريعة الغرّاء، فتروّيت في ذلك زمانا، و ارتأيت فيه أيّاما 1 ، فبعد أن آنست منه نور الولاء، و عاينت فيه آثار الجدّ و الوفاء، و شاهدت له آية الإخلاص، و وجدته أهلا لذلك بمراس، استصوبت مأموله، و استجبت مسئوله، و اخترت له هذا الأثر لكونه سمرا بلا سهر، و صفوا بلا كدر، أمتن المتون حبالا، و أرسخها جبالا، و أجملها آثارا، و أسطعها أنوارا، و أتقنها أخبارا، و هو في صغر حجمه سحابة غيمها نعمة سابغة، و غيثها حكمة بالغة، رقية لقلب السّليم 2 و راحة لصدر الكظيم، و شفاء لعين.
الضرير 3 كقميص يوسف إذ جاء به البشير، و هو مع كونه قليل الأوراق
جؤنة حافلة بنفيس الأعلاق 4 ، و في عدم نظم المواضيع يشبه عقدا منفصما تناثرت منه اللّئالي، و بساطا مبسوطا منشورة عليه الدّراري، و هذا هو شأن كتب الأمالي لأيّ أحد من العظماء الأقاصي منهم و الأداني.
ترى فيه اللّؤلؤ و المرجان، و الدّرّ الوضّاء، و الحكمة البالغة، و البراهين الواضحة، و الدّروس الرّاقية.
و امتاز عن غيره بإيراد التّاريخ الصّحيح من الحوادث المظلمة الّتي وقعت في الصدر الأوّل و ذكر موضع أهل البيت عليهم السّلام فيها و ما أمروا أتباعهم بها و غير ذلك، و قد طوينا عن تفصيلها كشحا.
و أمّا المطبوع منه سابقا فمن كثرة الأغلاط و التحريفات استترت شمسه بالسّحاب، و توارت أنجمه بالنّقاب، و اختفت غرّة وجهه بالحجاب، فعزّ على الباحث مرامه، و ابتعد عن الفهم الذكيّ صوابه، و استعصى على المطالع زمامه، و من أجل ذلك ترك مهجورا مغفولا عنه، و صار قدره مجهولا، فلا بدّ من القيام بواجب حقّه.
فلمّا سمع منّي ذلك مصغيا إليه، أشرت عليه بإحيائه، و إناخة المطيّة بفنائه، و النّزول إلى ساحته، فسرّ بذلك، و تقبّله بقبول حسن، و أعرب عن رضاه بالّتي هي أحسن، فشرطت عليه أن يجوب آماقه 5 و يتتبّع أعماقه، و يضبط أصوله، و يحكم فصوله، و يفسّر غريبه، و يبيّن مجمله، و يعرّف مجهوله، و يميّز مشتركات رجاله، و أن يمشي في كلّ ذلك على ضوء الحقيقة، لا مشرّقا و لا مغرّبا، فاعتهد ذلك، و شمّر ذيل الجزم
عن السّاق، و لم يأل جهدا، و بذل كلّ ما أطاق، ركب الصّعب و الذّلول، و تجشّم الحزن و السّهول 6 ، و أخذ يدأب في العمل ليلا و نهارا، و راجعني مهما أعضل عليه الأمر متنا و رجالا، فأعنته مخلصا في حلّ الإعضال، و بذلت و سعي في رفع الإشكال، و بالجملة جهد جهده و أتى بكلّ ما عنده حتّى أخرج الكتاب و أبرزه بهذه الصّورة القشيبة 7 ، و الحلية الزّاهرة النقيبة، منكشفا لبسه، مشرقة شمسه، زائلا قتامه 8 ، منيرا بدره، منجليا ظلامه، مضيئة درره، متجلّية فصوصه، كأنّه عزم المعلّق أن لا يدع لباحث وراء- فحصه مطمعا، و لا لقوس تطلّبه منزعا، و أصبح أبرزه بحيث القارئ في غنية عن مراجعة شتّى الكتب لفهم ما حواه أو بيان ما احتواه، و سهّل بتعاليقه الأمر على من يريد المؤانسة لفوائده و المنافسة في شرف عوائده، مع أنّ المحشّي- أيّده اللّه- في اقتبال من شبابه، و حداثة من سنّه، و ريعان من عمره؛ و هو في نعومة أظفاره و بكورة أعماله تراه قد تضلّع في التنقيب و اضطلع في التحقيق، فحيّاه اللّه نعم الصّديق، و بيّاه نعم الصّاحب و الرّفيق، نسأل اللّه تعالى أن يزيد له في التأييد و التوفيق.
على أكبر الغفّارى
المؤلّف و الثناء عليه
هو أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النّعمان الملقّب بالشّيخ المفيد- رضوان اللّه عليه- ابن عبد السّلام بن جابر بن النّعمان بن سعيد بن جبير بن وهيب بن هلال بن أوس بن سعيد بن سنان بن عبد الدّار بن الرّيّان بن فطر بن زياد ابن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن غلّة بن خالد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن غريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان المعروف بابن المعلّم. (فهرس الشّيخ ص 158).
قال ابن حجر في لسان الميزان (ج 5 ص 368): «كان المفيد كثير التقشّف و التخشّع و الإكباب على العلم، تخرّج على جماعة، و برع في مقالة الإماميّة حتّى يقال: له على كلّ إمام منّة، كان أبوه معلّما بواسط و ولد بها و قتل بعكبرى. و يقال: إنّ عضد الدولة كان يزوره في داره و يعوده إذا مرض. و قال الشريف أبو يعلي الجعفريّ- و كان تزوّج بنت المفيد-: ما كان المفيد ينام من اللّيل إلّا هجعة، ثمّ يقوم يصلّي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن» اه.
و نقل العماد الحنبليّ في شذراته (ج 3 ص 199) عن ابن أبي طيّ الحلبيّ أنّه قال: «هو شيخ من مشايخ الإماميّة، رئيس الكلام و الفقه و الجدل، و كان يناظر أهل كلّ عقيدة، مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهيّة، و كان كثير الصّدقات، عظيم الخشوع، كثير الصّلاة و الصّوم، خشن اللّباس. كان عضد الدّولة ربما زار الشّيخ المفيد، و كان شيخا ربعة نحيفا أسمر، عاش ستّا و سبعين سنة، و له أكثر من مائتي مصنّف، جنازته مشهورة، شيّعه ثمانون ألفا من الرّافضة و الشيعة، و كان موته في شهر رمضان- رحمه اللّه-».