کتابخانه روایات شیعه
الجزء الأول
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
حمدا لك يا من خلق فرزق، و ألهم فأنطق، و ابتدأ فشرع، و علا فارتفع، و قدّر فأتقن، و صوّر فأحسن، و احتجّ فأبلغ، و أنعم فأسبغ، و أعطى فأجزل، و منح فأفضل.
و صلاة على سيّد رسلك و أفضل بريّتك و على آله و عترته أئمّة الدّين و الهداة إلى الصراط المستقيم، الحجج المعصومين الّذين تكون معرفتهم كمال الدّين و ولايتهم تمام النعمة، و في اتّباعهم رضى الرّبّ، ثمّ الفوز إلى الجنّة.
كلمة المصحح
اعلم أنّي من أوّل عهدي بالكتاب كنت مولعا بمطالعة كتب الحديث و التفسير محبّا لها، حريصا على التنقيب عنها، لما أيقنت في نفسي عن مراس و تجربة أنّها خير دليل يدلّ على مهيع الحقّ، و يدعو إلى جدد الصدق و العدل، و يحدو إلى المنهج القويم، و يقود إلى الصراط المستقيم.
و فيها الحقّ و الحقيقة، و الشريعة و الطريقة، و العلم و الحكمة، و الأدب و الفضيلة، و بها ينال الإنسان سعادته طيلة حياته، و جميل الاحدوثة بعد وفاته.
و في خلال مطالعتي و مراجعتي هذه الكتب رأيت أنّ أكثرها طبعت و نشرت على وجه لا تطمئنّ إليها النفس لما نالها من عبث الكتّاب و الورّاق و المطابع فأحببت تخريجها و ترصيفها و تصحيحها و نشرها على صورة مرضيّة بهيّة، و كان بي في ذلك ظمأ شديد و شغف زائد، و شوق لا يوصف.
و لا شكّ أنّه منزع بعيد الشقّة متشعّب الأطراف، و لا يوفّي بهذا الغرض إلّا الماهر بطرق المعارف السديدة، و ليس في وسعي أن أقوم بهذا المهمّ، لأنّ بضاعتي مزجاة، و منّتي قليلة، و العمل خطير، و الامر فادح جليل. فقلت في نفسي: لا بأس، لأنّ ما لا يدرك كلّه فلا يترك كلّه، و ليس بجدير أن يرفض العاقل ما قوي عليه احتقارا له إذا لم يقدر على ما هو أكثر منه.
فعزمت على ذلك، و استخرت اللّه تعالى شأنه، و استعنت به عزّ سلطانه، و أقبلت نحو المأمول، راجيا من المولى تحقيقه فهو خير مسئول، فيسّر سبحانه لي اهبته، و أتاح لي فرصته، فاعتزلت عن مجالس الأحباب و الصدور، و آثرت هذا المشروع على جميع
الأمور، و شرعت في المقصود، و لم آل جهدا فيه و لا المجهود، فلم أزل مترقّبا لاقتناء نسخ الأصول، متفحّصا عنها من العلماء و الفحول، تاركا نومي في تصحيحها، باذلا جهدي في تحقيقها، عاكفا ليلي و نهاري على ترصيفها و تنسيقها و مقابلتها، و كم بتّ عليها ليلا إلى السحر، و صافحت بالجبين صفحات الكتاب من السهر. و أنا ببذل عمري في سبيلها مشعوف مسرور، إذ حقّق المولى سبحانه الأمنيّة و المأمول، فخرج بتحقيقي إلى اليوم من تآليف العلماء و المحدّثين ما جاوز عدد أجزائها التسعين.
إذا كان هذا الدّمع يجري صبابة
على غير سلمى فهو دمع مضيّع
و قد أرى كثيرا من أمثالي مع استظهارهم على العلوم قائمين في ظلّهم لا يبرحون و راتبين على كعبهم لا يتزحزحون، فهم يرفلون في مطارف اللّهو، و يرقلون في ميدان الزّهو، يأخذون عرض هذا الأدنى و يقولون سيغفر لنا و إن يأتهم عرض مثله يأخذوه أ لم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلّا الحقّ و درسوا ما فيه. و الدّار الآخرة خير للّذين يتّقون أ فلا تعقلون. فلم يغرّني حالهم، و لا تغيّرني فعالهم، فما ابالي بعد أن كان اللّه عزّ و جلّ يقول: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَ إِنَّا لَهُ كاتِبُونَ»
على أكبر الغفارى
1390 ه
المؤلّف و موجز من حياته
هو الشيخ الأجلّ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ المشتهر بالصدوق. أحد أعلام الإماميّة الاثنى عشريّة في القرن الرّابع، عين أعيان الطائفة.
منار الحقّ و الدّين، نادرة الدّهر، إمام من تأخّر عنه، الّذي ضاق نطاق الوصف عن التبسّط في شخصيّته، و كلّ ألسنة الأقلام دون وصفه، قد أصفقت الأمّة المسلمة على تقدّمه و علوّ رتبته.
ولد- رحمه اللّه- بدعاء الصاحب عجّل اللّه تعالى فرجه و صدر فيه من ناحيته المقدّسة بأنّه «فقيه خيّر مبارك» 1 ، فما فاهت به الأشداق أو حبّرته الأقلام بعد هذا التوقيع فهو دون شأنه و عظمته، عمّت بركته الأنام و انتفع بكتبه و تآليفه الخاصّ و العام، ضع يدك على كلّ مأثرة من مآثر العلم و العمل تجده شاهد صدق على سموّ مقامه و مكانته، و من سبر غور الكتب و معاجم التراجم يجده إماما لمن تاخّر عنه لفضله الكثار و علمه الغزير. أمّا الفقه فهو حامل رايته، و أمّا الحديث فهو إمام روايته و درايته، و أمّا الكلام فهو ابن بجدته.
جمع- قدّس سرّه- مع غزارة العلم، و كمال العقل، و جودة الفهم، و شدّة الحفظ، و حسن الذّكاء علوّ الهمّة، فسافر من مسقط رأسه إلى بلاد اللّه العريضة لأخذ الحديث و مشافهة المشايخ، و زيارة قبور الأئمّة، و ترويج المذهب. فرحل إلى الرّيّ و استرآباد، و جرجان، و نيشابور، و مرو الرّوذ، و سمرقند، و فرغانة، و بلخ، و همدان و بغداد، و فيد و مكّة، و المدينة.