کتابخانه روایات شیعه

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

جوابات أهل الموصل فى العدد و الرؤية


صفحه قبل

جوابات أهل الموصل فى العدد و الرؤية، ص: 3

[مقدمة التحقيق‏]

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

إنّ طبيعة الأشهر القمرية و ما وقع عليه اعراف الناس هو أنّ ثبوتها يتبع الهلال و خروجه من المحاق و ظهوره على الآفاق، فإذا رؤي للعيان بدأ الشهر الجديد، سواء كان الشهر الذي سبقه ثلاثين يوما أو تسعة و عشرين يوما.

و هذا أمر سار في جميع الشهور، بلا خلاف، فيكون تامّا أو ناقصا، إلّا في شهر رمضان المبارك، حيث ذهب بعض المحدّثين من القدماء إلى أنّه لا ينقص من ثلاثين أبدا، مستندين الى أدلة ثلاثة:

1- بعض الأحاديث الواردة بذلك.

2- قوله تعالى: «وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» حملا له على إكمال عدة الشهر بثلاثين يوما.

3- قول الصادق عليه السلام: «خذوا بأبعدهما من قول العامّة» حيث أن العامّة يقولون بنقص رمضان.

و الشيخ المفيد- كجمهور الفقهاء- يقول بأنّ حكم شهر رمضان حكم سائر الأشهر القمريّة، يعرضه النقص أيضا، و إنّما المدار فيه هو الرؤية لهلال‏

جوابات أهل الموصل فى العدد و الرؤية، ص: 4

شوال.

و قد تصدّى في هذه الرسالة، لقول ذلك البعض من المحدّثين، و استدلّ للمشهور.

و طريقة استدلال الشيخ المفيد، و بحثه مع المخالفين، تعطينا فكرة عن المنهج الفقهي الذي كان ينتهجه القدماء من المجتهدين، و يكشف معالم الاجتهاد منذ القدم.

و الغريب أنّا نجد الشيخ المفيد في هذه الرسالة يعتمد أساليب استدلاليّة هي معتمدة في المناهج الفقهيّة المعاصرة كذلك.

فهو يستدلّ بالآية القرآنية، بعد أن يثبت حجيّة ما يظهر منها و يفهم من لفظها.

ثمّ يلجأ إلى الإطلاق العرفيّ، و المفهوم المتداول عند الناس ثمّ يستشهد بالمسلّمات الفقهيّة التي تستلزم ثبوت الرأي المشهور و يتعرّض لأدلّة المخالفين:

و أهمّها الأخبار المرويّة، فيردّها سندا، و دلالة.

ثمّ يفسّر قوله تعالى: «لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» بأنّ المراد: إكمال صوم الشهر، بعدّته، إن كان تاما فثلاثين، و إن كان ناقصا فتسعة و عشرين، و ليست الآية بصدد تعيين مقدار العدّة.

و يردّ الاستناد الى قول الصادق عليه السلام: «خذوا بما خالف العامّة» بأنّ ذلك لا يكون ناظرا إلى الأحكام الشرعيّة، كما سيأتي.

و في النهاية عرض الروايات الكثيرة الدّالة على المشهور.

و من المناسب أن مسألة (العدد و الرؤية) احتلّت مساحة كبيرة من جهود الشيخ المفيد فنجد في مؤلّفاته عدّة كتب في الموضوع و هي:

جوابات أهل الموصل فى العدد و الرؤية، ص: 5

مصباح النور في علامات أوائل الشهور، و قد ذكره المفيد في بداية رسالتنا هذه، فراجع الفصل الأول. و بعد ذلك مكرّرا.

جواب أهل الرقّة في الأهلّة و العدد.

جوابات أهل الموصل في العدد و الرؤية- و هو كتابنا هذا- و قد تضمّنت هذه الرسالة عدّة بحوث قيّمة:

1- فسّر باب «النوادر» الذي يعقد في كتب الحديث في آخر الكتب الفقهيّة، فقال: «النوادر: التي لا عمل عليها» فدلّ على أنّ الأحاديث التي تورد في «النوادر» لا حجيّة لها.

2- أفصح الشيخ عن أنّ عدم وجود حديث الراوي، في كتاب اصله الذي ألّفه، يوجب ضعف الحديث.

3- وصف مجموعة من الرواة بأنّهم «الأعلام الرؤساء، المأخوذ عنهم الحلال و الحرام، و الفتيا و الأحكام، و الذين لا مطعن عليهم، و لا طريق إلى ذمّ واحد منهم، و هم أصحاب الأصول المدوّنة، و المصنّفات المشهورة».

و يمكن أن يعتبر ذكر الشيخ المفيد لهذه الأوصاف في حقّ هذه المجموعة مع خصوصيّة «عدم الطعن عليهم و عدم ورود الذمّ في واحد منهم» اكتفاء في الاعتماد عليهم بذلك، و عدم احتياجهم الى التصريح بالوثاقة، و بذلك ينفتح باب يمكن أن يعتمد عليه في المعالجات الرجاليّة، و تتأكّد بعض المناهج المتّبعة في ذلك.

4- فسّر المراد من مخالفة العامّة، بخصوص ما ورد في مسائل الإمامة لا في الأحكام الشرعيّة.

5- إنّ أحاديث الاحكام الواردة تقية لا يمكن أن ترد بطرق معروفة، و إنّما

جوابات أهل الموصل فى العدد و الرؤية، ص: 6

ترد على الشذوذ لا فيما ينقله جمهور الفقهاء و يعمل به أكثر العلماء.

و بعد، فإنّ هذا الكتاب يعتبر من عيون تراث الشيخ المفيد، و قد كان متداولا عند الأعلام، و تكرّر ذكره في كثير من كتب الفقه و الحديث و الرجال.

و نحمد اللّه على توفيقه، و نسأله الرضا منّا بفضله و إحسانه و أن يتقبل منّا بكرمه و جلاله، إنّه ذو الجلال و الإكرام.

صفحه بعد