کتابخانه روایات شیعه
من لا يحضره الفقيه
الجزء الأول
[مقدمة التحقيق]
كلمة المحشّي
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
حمدا لك يا من أوضح السبيل لمعالم الإسلام، و جعل السنّة دليلا على الشرائع و الأحكام، و بعث رسوله في الأمّيّين، و أرسله إلى كافّة الناس أجمعين، و أنزل القرآن فيه تبيان كلّ شيء، و أبلغ به الحجّة، و أنار للناس المحجّة، ثمّ أضاء لهم المصابيح بنبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و صنوه و خليله عليّ عليه السّلام و أولاده عيبات علم الملك العلّام، الّذين هم أساس الدّين، و عماد اليقين، بهم عرّفنا اللّه حدود الحلال و الحرام و القربات، و أنقذنا بهم من شفا جرف الهلكات، لنحيا حياة طيّبة سعيدة راقية، و عن الذّل و الشقاء و الدّمار نائية، و لئلّا نعيش في الدّنيا ذليلا كالانعام المعملة، و الوحوش المهملة.
و صلاة على رسوله الأمين و على عترته أعلام الدّين، الّذين فيهم كرائم القرآن و هم كنوز الرّحمن، إن نطقوا صدقوا، و إن صمتوا لم يسبقوا.
أمّا بعد فهذا «كتاب من لا يحضره الفقيه» المعروف صيته بحيث يستغني عن التنبيه، يعرفه الخاصّ و العام الساذج و النبيه، و كان كالبدر لا تناله أيدي مناوئيه و لا يكاد يعادله كتاب و يدانيه، و السالك مهما سلك سبله و بواديه و أشرف على أدانيه و أقاصيه يلتجئ إلى معاقل عزّه و صياصيه، و الباحث مهما سبح في أجواء بحره الطامي و اغترف من عذب ألفاظه و معانيه يجد ضالّته المنشودة و يرى فيه بغيته و أمانيه، و المتحيّر في مختلف القول و هواديه يتعوّذ بركنه الوثيق من الضلال و دواهيه، و لو اطّلع على ما
في غضونه العالم الفقيه يقتصد في قوته ليقتنيه، و يبيع شعاره و دثاره ليشتريه، و طالب العلم العطاش إذا أخبر بعبابه الجيّاش حلّ بفناء قدسه و لا يجتويه، و المتحرّي طريق الرّشد و الصواب يعتنق أحكامه بلا ارتياب، و التائه في تيه السدر إذا عمي عليه المصدر أو الواقع في ضيق الحرج إن أراد الخروج و تعايا عليه المخرج فليلتمس النجاة بهداه و ليقتبس من نوره و ضياه.
فيا فوز من يهدى بنور هداه
و يا فخر من يعلو سواء سبيله
سيأكل عفوا من ثمار جنانه
و ينهل يوم الحشر من سلسبيله
و صاحبه ذو منّة يوم ظعنه
و سعدا يرى و اللّه يوم مقيله
سيكلأ حقّا من حوادث يومه
و يحفظ صدقا من طوارق ليله
به يمس راق في معارج عزّه
و يصبح باق في نعيم جميلة
يتراءى للباحث في طيّ هذه الصحائف الكريمة الخالدة المنهج اللّاحب، و الفقه المستدلّ، و الدّليل الرّصيف، و الرّأي الجيّد الحصيف، و المذهب القويم، و الصوب المستقيم و الحكمة البالغة، و البراهين الساطعة، و القول البليغ، و المنطق السليم و المعالم و المعارف، و الظرائف و الطرائف، و الأنوار و الأزهار، و الحكم و الآثار، كلّها ترشد إلى مهيع الحقّ، و تهدي إلى سواء السبيل.
و المؤلّف- رضوان اللّه تعالى عليه- بجدّه الدّائب، و فكره الصائب، و ذهنه الوقّاد، و درايته للرّواية، و بصيرته بعلم الرّجال، وسعة اطّلاعه على الخفايا، و قوّة إدراكه للخبايا، و تضلّعه في الفقه و الأحكام، و مسائل الحلال و الحرام، و تبحّره في الفنّ، و تجنّبه عن الوهم و الظنّ صنّف الكتاب فأجاد، و دوّنه فأفاد، أخذ العلم من معادنه، و اقتبس النور من مشكاته و مصابيحه، مضى فيه على ضوء الحقيقة، و اتّبع طريقة معبّدة، و اقتدى بالأئمة الأطهار، و اهتدى بهدى النبيّ و الآل، و اغترف من بحار علومهم، و استنار برشدهم، و تمسّك بحبل ولائهم، و ما مشى إلّا وراء ضوئهم.
و لقد حداني إلى إخراج الكتاب على الوجه الّذي تراه، و حبّب إليّ احتمال
ما لقيت في سبيله من التعب، و ما تكيدني في إصداره من النّصب أوّلا ترغيب مولاي الحجّة الّذي هو دليلي على المحجّة: فرع الشجرة النّبويّة، و ثمرة الدّوحة المباركة الأحمديّة، بطل العلم و الفقه و النهى، آية الزّهد و التّقى، رجل البحث و التنقيب، استاذنا في التفسير، سماحة الآية «السيّد محمّد كاظم الموسويّ الگلپايگاني» أدام اللّه ظلّه على رءوس الأقاصي و الأداني حيث حثّني على القيام بهذا المشروع في مجالس عدّة و أمرني بالاقدام مرّة بعد مرّة، فتأمّلت طويلا، و ارتأيت كثيرا فرأيت الأمر خطيرا، و الباع قصيرا، فقلت في نفسي ما قال الشاعر و لنعم ما قال:
قبيح أن تبادر ثمّ تخطي
و ترجع للتّثبّت دون عذر
فاعتذرت إلى جنابه بتعسّر العمل و توعّر مسلكه و ثقل كلفه، و أنّه فادح عبؤه يحتاج إلى عمر جديد، و أمد بعيد، و قلت: ها أنا ذا قد بلغت زهاء الخمسين، و اقترب الأجل، و إن لم أكن من مجيئه على وجل، لكن ذهبت منّتي، و نزعت قوّتي، و لم تبق إلّا حشاشة نفسي ينتظر الدّاعي، و صرت معرضا لحدوث الأوجاع و الأدواء، و من كثرة المطالعة و المراجعة يكاد أن يذهب من العين الضياء، فلم يقبل عذري، و لم يصغ إلى قولي و خاطبني و يقول: ما بالك ادّرعت بالأوهام، و ليس هذا شيء يحجمك عن الاقدام، و ما ذلك دأب الحازمين، و لا هو من شيم العاملين.
ثمّ أكّد الأمر و بالغ في التأكيد، و رغّبني بأجمل الترغيب، و حذّرني عن التثبّط و التأخير.
فكنت أغدو و أروح في فجوة الخيال، و عاقني عن الاقدام تبلبل البال و تزاحم الأشغال: عذت تارة بالتسويف رعاية أمر لا يخفى على إخواني، و لذت اخرى بقصر الباع خوف أنّ الأمر ممّا يفوت مسافة إمكاني، و مضت على ذلك شهور، حتّى ساقني الحظّ السعيد يوما إلى ملاقاته فاستفسر عن طبع الكتاب و ما يلزمه من تهيّؤ الأسباب فأعربت عمّا في خلدي و ما كنت فيه من يأسي، و استعفيت منه، فطفق يشافهني بكلام فما أحلاه، كلام بعث في قلبي بعوث النشاط و نفث في روعي روح الحياة، كلام يعرب عن مكانته السامية في الولاء، و تفانيه في محبّة أهل البيت، و يفصح عن شدّة اشتياقه
إلى ترويج حقائقهم و اعتلاء كلمتهم عليهم السّلام، أطال اللّه حياته و وفّقنا لامتثال أمره.
هذا أوّلا و هو العمدة، و أمّا ثانيا فايماني القويّ بعظمة الكتاب و أهمّية موضوعه و ذلك أنّ سعادة الإنسان و حياته الرّوحيّة و قيمته في سوق الاعتبار إنّما نيطت باصول و دعائم، و معارف و معالم، و من المتسالم عليه عند الكلّ أنّ المتكفّل الوحيد بتلك الغايات بعد كتاب اللّه العزيز هو الحنيفيّة البيضاء الشريعة السهلة السمحة فإنّ بها تعرف مسالك الرّشد و توضح منهج الصواب و تتمّ مكارم الأخلاق و بها تبرز استعدادات الأفراد، و لا يتأتّى شيء من ذلك بالمزاعم، و لا يتطرّق إليه بالفضول و الأوهام.
ثمّ إنّي رأيت أنّ رجالات العلم من أيّ أمّة كانوا أو مذهب أو شعب أو بيئة قد بذلوا مجهودات موفّقة في سبيل رقيّهم و انتشار مكاتيبهم على أجود وجه مستطاع و لا سيّما أصولهم المذهبيّة، و وجدت منشوراتهم الكثيرة جيّدة الوضع، قريبة المنال، دانية القطوف، قد جعلوها لكلّ طالب على طرف الثّمام من غير أن ينوء أحدهم بحملها، أو يشقّ عليه البحث فيها، و كان أثر هذا المجهود إثبات ثقافتهم في العالم و ترويج مرامهم و مسلكهم، سوى ما فيه من حفظ مآثرهم عن الضياع و صونها عن التبار و البوار، فبالحريّ أن نكون نحن السابق في هذا المضمار و نقوم باحياء الكتب و الآثار لأنّا بالقيام بهذا الواجب أولى و كتبنا بالترويج و الحفظ أجدر و أحرى، و لا سيّما مثل هذا الأثر و لو كان فيه بذل العمر و ذهاب البصر. فلعلّنا أن نكتب بهذا الاقدام صفحة جديدة في صفحات البرّ بأعلامنا الّذين نعتزّ بهم و نفاخر العالم بما أسدوا إليه من حسنات.
و بالجملة كرّت على ذلك شهور و أيّام و بقي الشغف يرافقني رغبة باطنيّة ملحّة يوما فيوما إلى أن قيّض اللّه الفرصة و حقّق الأمل، فانقلب الرّغبة إلى الفعل و هو وليّ التوفيق في إكمال الطلب و ابتغاء الأرب.