کتابخانه روایات شیعه
الجزء الأول
[مقدمة المحقق]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، و صلواته و تحياته على أكرم رسله، سيدنا محمّد و آله المصطفين الأبرار، و صحبه الأخيار.
و بعد فأنا أمام كتاب «كنز الفوائد» الذي يعتبر- بحق- من الآثار القيمة الحية، التي تركها لنا سلفنا العلماء الخالدون، قد ضم بين دفتيه مجموعة كبيرة من أبحاث علمية، متعدّدة الألوان، مختلفة المواضيع، قد تبوأ مكانة كريمة لدى العلماء و الباحثين، و أولوه اهتمامهم و عنايتهم، فكان من المصادر التي اعتمدوها و أخذوا عنها.
و هذا الكتاب من آثار العلامة الفقيه المتكلم الشيخ أبي الفتح محمّد بن علي الكراجكيّ الطرابلسي، من ألمع العلماء الإسلاميين في القرن الخامس الهجري، و أكثرهم إحاطة بمعارف عصره، و أوفرهم إنتاجا و نشاطا في سبيل العقيدة الإسلامية، و نعرف ذلك من ثبت مؤلّفاته كما يأتي إن شاء اللّه.
و قد طبع هذا الكتاب في إيران منذ أكثر من ثمانين سنة على المطابع الحجرية و نفدت نسخه و أصبحت نادرة الوجود، رغم رداءة طباعته و كثرة أغلاطه. لذلك أصبح مجهولا لا يعرفه إلّا قليل.
و قد عنيت منذ مدة طويلة بنسخه عن النسخة المطبوعة، و بترتيبه و التعليق عليه، رغبة في نشره بين القراء، و تعميما للفائدة، و إبرازا لآثار علمائنا الأبرار و جهودهم في مجالات العلم و الثقافة الإسلامية.
و كان من حقّ هذا الكتاب أن يصدر بحلته الجديدة، منذ زمن، إلّا أن الظروف القاسية التي مرت بها البلاد حالت دون ذلك.
و أخيرا قيّض اللّه سبحانه الصديق البر الحاجّ جعفر الدجيلي صاحب دار الأضواء، فتولى طبعه و إخراجه، فله شكري و دعائي له بالتوفيق. و اللّه سبحانه يتولى الصالحين العاملين.
4 ربيع الأوّل سنة 1405 ه
27/ 11/ 1984 م
عبد اللّه نعمة
بسم اللّه الرحمن الرحيم و له الحمد
مقدّمة
عاش أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكيّ مؤلف هذا الكتاب «كنز الفوائد» الشطر الكبير من حياته ما بين النصف الأخير من القرن الرابع و النصف الأول من القرن الخامس للهجرة.
و كانت هذه الفترة التي عاشها الكراجكيّ بالذات حافلة إلى حدّ كبير بضروب من الانقسامات السياسية الهائلة، و بقيام دول صغيرة، منيت بها المملكة الإسلامية (الأم)، و انفصلت عنها.
فقد استقل بنو بويه بفارس و الري و أصبهان و الجبل.
و أصبحت كرمان في يد محمّد بن الياس، و الموصل و ديار بكر و ربيعة و مضر في أيدي الحمدانيين، و المغرب و أفريقيا في أيدي الفاطميين، و الأندلس في أيدي الأمويين، و خراسان في يد السامانيين، و الأهواز و واسط و البصرة في أيدي البريديين، و اليمامة و البحرين في يد أبي طاهر القرمطي، و جرجان و طبرستان في أيدي الديلم.
و لم يبق في يد العباسيين سوى بغداد و أعمالها، محتفظين بسيادة معنوية على هذه الدويلات المنفصلة عنها، التي كانت تقدم للخليفة العباسيّ في بغداد الدعاء و الخطب في المساجد أيّام الجمع و الأعياد و في المناسبات الدينية، و تشتري منه الألقاب 1 .
كما حفلت هذه الفترة أيضا بضروب عديدة من المذاهب و النحل، و بانقسام كبير في الآراء و النزعات، في مجادلات و مناظرات عنيفة و حادة، بصراحة و حرية، حفظتها لنا تلك المؤلّفات التي وضعت في هذه الفترة، و التي تبرز لنا تلك الألوان المذهبية بوضوح و عنف، حول القدم و الحدوث، و حول الخالق و صفاته، و حول أفعال الإنسان في الجبر و الاختيار، و حول الخلافة و الإمامة و ما إليها من العصمة و النصّ و الاختيار، و حول ما يراه المعتزلة من نظرية الأحوال، و نظرية الأشاعرة حول نظرية الكسب، و حول ما يراه الإسماعيلية و القرامطة من الباطن و الظاهر، و حول جميع هذه المواضيع الكلامية و غيرها، التي كانت محور المناظرات العلمية و الفكرية آنذاك.
فقد برز في هذه الفترة من شيوخ الأشاعرة أمثال أبي بكر محمّد بن الطيب البصري المعروف بالقاضي الباقلاني المتوفّى سنة (403 ه).
و من المعتزلة القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني شيخ المعتزلة في عصره المتوفّى سنة (415 ه).
و أبو الحسن البصري محمّد بن عليّ بن الطيب المتوفّى سنة (430 ه).
و من الشيعة الإماميّة الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان التلعكبري المعروف بالشيخ المفيد المتوفّى سنة (413 ه) و هو عالم الشيعة في عصره.
و الشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي المتوفّى سنة 436. و تلميذهما أبو الفتح الكراجكيّ المتوفّى سنة (449 ه).