کتابخانه روایات شیعه
مقدمة التحقيق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تمهيد:
الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه، و الحمد للّه على ما بصّرنا من حكمته، و هدانا إليه من سبيل رحمته، و صلّى اللّه على صفوته من بريّته محمّد و الأئمّة الطاهرين من عترته عليهم السّلام.
أمّا بعد:
فإنّ الإمامة أصل من أهمّ أصول الدين، فهي استمرار لنبوّة سيّد المرسلين، و بها يتمّ صلاح المسلمين و تضمن لهم سعادتهم في النشأتين، فبالإمامة شاء اللّه تبارك و تعالى أن يتمّ نعمته و يكمّل دينه و يرتضيه لنا دينا خالصا فهو صاحب النعم الوافرة الدائمة فلمّا لطف بنا إذ بعث رسوله رحمة للعالمين ما كان ليقطع فضله و منّه على العالمين فأقام لهم خلفا لرسوله كان صنوا له في الصفات الحميدة و السجايا الكريمة، بل في مكارم الأخلاق ليأتمّوا به الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأن تفضيل و تقديم المفضول على الفاضل ترجيح للمرجوح على الراجح و هو قبيح عقلا.
فكان أولى الناس بعد رسول اللّه بالامامة و الخلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام؛ لامتياز شخصيّته عليه السّلام بخصوصيّات لم تتوفّر في غيره 1
؛ منها:
1- نزول القرآن فيه:
نزل من كتاب اللّه المجيد في حقّه ما لم ينزل في غيره، و حسبك ما قاله حبر الأمّة ابن عبّاس و يزيد بن رومان 2 .
و روى الضحّاك عن ابن عبّاس أنّه قال: نزل في عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ثلاثمائة آية 3 .
2- ولادته و سلامة المنشأ:
فهو ولد في أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا، و هل يضاهيه أحد في ذلك؟
نشأ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في أطهر حجر في العالم ألا و هو حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كان ملازما له ملازمة الظلّ لصاحبه، فلا هو فارق النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لا خلاله فارقت خلاله و لعمري هل شارك أمير المؤمنين في هذه الخصّيصة أحد من العالمين.
روى يزيد بن قعنب، عن فاطمة بنت أسد، قالت: فولدت عليّا و لرسول
اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثلاثون سنة، و أحبّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حبّا شديدا، و قال لها: اجعلي مهده بقرب فراشي، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يلي أكثر تربيته، و كان يطهّر عليّا في وقت غسله و يوجره اللبن عند شربه، و يحرّك مهده عند نومه، و يناغيه في يقظته، و يحمله على صدره و يقول: هذا أخي و وليّي و ناصري و صفيّي و ذخري و كهفي و ظهري و وصيّ و زوج كريمتي، و أميني على وصيّتي، و خليفتي ... الخبر» 4 .
3- العلم:
قال تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ 5 .
و قال فيه رسول اللّه: «أنا مدينة العلم و عليّ بابها».
و هو القائل عليه السّلام: «علّمني رسول اللّه ألف باب من العلم ينفتح لي من كلّ باب ألف باب» 6 .
فقد نهل و زقّ العلم زقّا من معدن العلم و أصله فاستغنى عن الناس و احتاجوا إليه.
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: «احتياج الكلّ إليه و استغناؤه عن الكلّ دليل على أنّه إمام الكلّ» 7 .
قال ابن عبّاس: «و اللّه لقد أعطي عليّ بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، و أيم
اللّه لقد شارككم في العشر العاشر» 8 .
و نستعرض بعض ما يسع به الحال من علوم الإمام عليه السّلام:
الفقه: فتكفيه قولة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
«أفقهكم عليّ ...» فهو أصله و أساسه و كلّ مدّع للفقه أخذ عنه ..
القرآن و التفسير: و هو الثقل الأكبر فاهتمّ عليه السّلام به أيّ اهتمام حتّى أثر عنه أنّه قال: ما نزلت آية إلّا و أنا عالم متى نزلت و فيمن أنزلت، و لو سألتموني عمّا بين اللوحين لحدّثتكم 9 .
و روى أبو حمزة الثمالي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال عليّ عليه السّلام: لو ثنيت لي و سادة لحكمت بين أهل القرآن بالقرآن حتّى يزهر إلى اللّه ... الخبر» 10 .
و إنّ كلّ ما عند ابن عبّاس رضوان اللّه عليه من أمير المؤمنين عليه السّلام و هو أوّل من تكلّم في علوم القرآن و كلّ من قال فيها فهو مستفيد عنه و عيال عليه صلوات اللّه عليه.