کتابخانه روایات شیعه
و ملك و مالك، بالنصب على المدح و الحال. و يحتمل النداء.
و «مالك»، بالرفع، منوّنا و مضافا، على أنه خبر مبتدأ محذوف.
و يعضد قراءته على اسم الفاعل، قوله تعالى: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ 315 . و على الصفة المشبّهة، قوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ 316 . و هي أولى. لأنه قراءة أهل الحرمين. و لأن بعض معاني «الرب»، هو المالك.
فذكره ثانيا، لا يخلو عن تكرار. و لان الاخر و هو سورة الناس، نظير الأول.
و المذكور فيها بعد ذكر «الرب» هو «الملك». لا «المالك». و لأن للملك، زيادة عموم، ليست للمالك. لأن ما تحت حياطة الملك، من حيث أنه ملك، أكثر مما تحت حياطة المالك.
فان الشخص، يوصف بالمالكية، نظرا الى أقل قليل. و لا يوصف بالملكية، الا بالنظر الى أكثر كثير» و للتناسب الحاصل بينه و بين الآيتين الأولتين.
و يوم الدين: يوم الجزاء. و قيل 317 : زمان الجزاء. و منه: كما تدين تدان. و بيت الحماسة: و لم يبق سوى العدوان دنّاهم كما دانوا».
و في اختياره على سائر الأسامي، رعاية للفاصلة، و افادة للعموم. فان الجزاء، يتناول جميع أحوال القيامة، الى السرمد.
و «للدين» معان أخر، مثل العبادة و الطاعة و الشريعة و الشأن.
و «دانه»- في اللغة-: أذلّه و استعبده و ساسة و ملكه.
و يمكن حمله على كل واحد، بل على الكل بالمرة. و قد يظهر وجهه بصدق التأمّل.
و اما اضافة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، فمن قبيل اضافة الصفة المشبّهة، الى غير معمولها. كما في «رب العالمين». فتكون حقيقية، لا لفظية. فان اللفظية، اضافتها الى الفاعل. لا غير. فيصح جعله صفة للّه.
و أما اضافة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [فمن قبيل اضافة اسم الفاعل الى الظرف، على سبيل التجويز. و هي أيضا حقيقية. لان المراد به الاستمرار أو الماضي لا الحال أو الاستقبال. و يصح جعل مالكية اليوم مستمرة، مع أن يوم الدين] 318 و ما فيه، ليس مستمرا في جميع الأزمنة، لكونه لتحقق وقوعه و بقائه أبدا، كالمتحقق المستمر كما يصح جعله لتحقق وقوعه. كالماضي. و تخصيص «اليوم»، بالاضافة، اما لتعظيمه أو لتفرده تعالى، بنفوذ الأمر فيه.
و لما دل بلامي التعريف و الاختصاص، على أن جنس الحمد، مختص به، و حق له، أجرى عليه تلك الأوصاف العظام، ليكون حجة قاطعة، على انحصار الحمد فيه، و استحقاقه إياه، فذكر أولا: ما يتعلق بالابداء، من كونه ربّا مالكا للأشياء، كلها، بافاضة الوجود عليها، و أسباب الكمالات لها.
و ثانيا: ما يتعلق بالبقاء، من اسباغه عليها، نعما ظاهرة و باطنة جليلة و دقيقة.
و ثالثا: ما يتعلق بالاعادة من كونه مالكا للأمر، كله، يوم الجزاء. فلا يستأهل غيره أن يحمد فضلا عن أن يعبد.
(و في تفسير علي بن ابراهيم 319 : في الموثق، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام - انه بعد أن شرح الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، قال: يوم الحساب.
و في مجمع البيان 320 : و قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله -: ان اللّه تعالى، منّ عليّ بفاتحة الكتاب- الى قول مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ - قال جبرئيل: ما قاله مسلم الا صدّقه اللّه و أهل سمائه.
و فيه 321 : و قيل: «الدين»: الحساب.
و هو المروي عن أبي جعفر- عليه السلام.
و في أصول الكافي 322 : بإسناده الى الزهري، قال : كان علي بن الحسين- عليهما السلام- إذا قرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، يكررها حتى كاد 323 أن يموت.
و في من لا يحضره الفقيه 324 : و فيما ذكره الفضل من العلل، عن الرضا- عليه السلام-، انه قال : مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، اقرار له بالبعث [و الحساب] 325 و المجازاة. و إيجاب ملك الاخرة له، كإيجاب ملك الدنيا.
و في شرح الآيات الباهرة: 326 قال الامام الحسن العسكري عليه السلام 327 :
قال، أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه -: يوم الدين، هو يوم الحساب.
سمعت رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- يقول: ألا أخبركم بأكيس الكيسين و أحمق الحمقى؟.
قالوا: بلى يا رسول اللّه!
قال: أكيس الكيسين، من حاسب نفسه، و عمل لما بعد الموت. و ان أحمق الحمقى، من اتبع نفسه هواها، و تمنى على اللّه تعالى الأماني.
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين! فكيف يحاسب الرجل نفسه؟
قال: إذا أصبح ثم أمسى، رجع الى نفسه، فقال: يا نفس! ان هذا يوم مضى عليك، لا يعود اليك، أبدا. و اللّه تعالى يسألك عنه 328 ، بما أفنيته و ما الذي عملت فيه. أذكرت اللّه؟ أحمدته 329 ؟ أقضيت «حق أخ» 330 مؤمن؟ أ نفّست عنه كربته؟ أ حفظته بظهر الغيب في أهله و ولده؟ أ حفظته بعد الموت في مخلفيه؟
أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك؟ أ أعنت مسلما؟ ما الذي صنعت فيه؟ فيذكر ما كان منه. فان ذكر أنه جرى منه خير، حمد اللّه تعالى و شكره 331 ، على توفيقه.
و ان ذكر معصية أو تقصيرا، استغفر اللّه تعالى. و عزم على ترك معاودته. و محى ذلك عن نفسه، بتجديد الصلاة على محمد و آله الطيبين، و عرض بيعة أمير المؤمنين علي- عليه السلام- على نفسه و قبولها 332 لها، و اعادة لعن أعدائه و شانئيه و دافعيه عن حقوقه. فإذا فعل ذلك، قال اللّه- تعالى عز و جل-: لست أناقشك في شيء من الذنوب، مع موالاتك أوليائي و معاداتك أعدائي.
و في تفسير العياشي 333 : عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام - أنه كان يقرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، عن فرقد.
قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام - يقرأ ما لا أحصى مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ .
و في الحديث 334 : إذا قال العبد: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، قال اللّه تعالى: أشهدكم كما اعترف بأني مالك يوم الدين، لأسهّلن يوم الحساب، حسابه. و لأثقّلن حسناته.
و لأتجاوزن عن سيّئاته) 335 .
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ : ذهب الزجاج، الى أن «ايّا»، مظهر مبهم، أضيف الى الشيء بعده، ازالة لابهامه. و كان «إياك» بمعنى، نفسك.
و الخليل، الى أنه مضمر مضاف الى ما بعده. و احتج بما حكاه عن بعض العرب إذا بلغ الرجل الستين، فإياه و أيا الشواب.
ورد بأن الضمير لا يضاف، و ما نقل عن بعض العرب، شاذ. لا يعتمد عليه.
و ابن كيسان و بعض الكوفيّة، الى أن الكاف و أخواته، هي الضمائر التي كانت متصلة. و «أيا» دعامة لها، لتصيّرها منفصلة.
و قوم من الكوفة، الى أن «إياك» بكماله هو الضمير.
و الأخفش، الى أن «أيا» ضمير منفصل، و لواحقه حروف، لا محل لها من الاعراب، تدل على أحوال ما أريد به من الخطاب و التذكير و الافراد و ما يقابلها 336 .
و قرئ «إياك»، بتخفيف الياء. و «أياك»، بفتح الهمزة، و تشديد الياء.
و «هياك» بقلبها هاء.
و «العبادة»، هي أقصى غاية الخضوع و التذلل. و منه. طريق معبد، أي:
مذلل. و ثوب ذو عبدة، إذا كان في غاية الصفاقة. و لذلك لا يستعمل الا في الخضوع للّه.
«و الاستعانة»، طلب المعونة. و هي اما ضرورية، لا يتأتى الفعل بدونه.
كاقتدار الفاعل و تصوّره و حصول آلة و مادة يفعل بها فيها. و عند استجماعها، يوصف الرجل بالاستطاعة. و يصح أن يكلف بالفعل و غير ضرورية، يسهل الفعل به، كالراحلة في السفر، للقادر على المشي. أو يقرب الفاعل الى الفعل. و يحثّه عليه. و هذا القسم، لا يتوقف عليه، صحة التكليف. هكذا قيل، يقال: استعانه و استعان به، بمعنى. و انما اختبر استعماله بلا واسطة الحرف اشارة الى أن العبد ينبغي أن لا يرى بينه و بين الحق سبحانه، واسطة، في الاستعانة، بأن يقصر نظره عليه، أو يرى الوسائط منه.
و تقديم المفعول، لقصد الاختصاص.
و تكريره، ليكون نصا في اختصاص كل من العبادة و الاستعانة به سبحانه.
و في إيراد «إياك» دون «إياه»، كما هو مقتضى الظاهر، التفات من الغيبة الى الخطاب. و من النكتة الخاصة، في الالتفات من الغيبة الى الخطاب، في هذا المقام، بعد اشتماله على فائدة عامة، من جهة المتكلم، و هي التصرف و الافتنان في وجود الكلام و اظهار القدرة عليها، و من جهة المخاطب، و هي تطرية نشاطه في سماع الكلام، و ايقاظه للإصغاء اليه. أنه لما قيل: «إياك» بدل «إياه»، فقد نزل الغائب بواسطة أوصافه المذكورة التي أوجب تميزه و انكشافه، حتى صار كأنه تبدل خفاء غيبته، بجلاء حضوره، منزلة المخاطب في التمييز و الظهور.
ثم أطلق عليه، ما هو موضوع للمخاطب. ففي إطلاقه ملاحظة لتلك الأوصاف فصار الحكم، مرتبا على الأوصاف. كأنه قيل: أيها الموصوف المتميز بهذه الأوصاف! نخصك بالعبادة، و الاستعانة.
فيفهم منه، عرفا، أن العبادة و الاستعانة، لتميزه بتلك الصفات.
و منها: التنبيه على أن القراءة، انما يعتد بها، إذا صدرت عن قلب حاضر و تأمل وافر، يجد القارئ، في ابتداء قراءته، محركا. نحو الإقبال على منعمه،
الذي أجرى حمده على لسانه. ثم يزداد قوة ذلك المحرك، بحسب اجراء تلك الصفات العظام، حتى إذا آل الأمر الى خاتمتها، أوجب إقباله عليه، و خطابه بحصر العبادة و الاستعانة فيه.
و منها: الاعلام بأن «الحمد» «و الثناء»، ينبغي أن يكون على وجه، يوجب ترقّي الحامد، من حضيض، بعد الحجاب و المغايبة، الى ذروة قرب المشاهدة و المخاطبة.
و منها: الاشارة الى أن العبادة المستطابة و الاستعانة المستجابة، في مقام العبودية، انما يليق بهما، ان تعبد ربك كأنك تراه و تخاطبه.
و منها: الاشارة الى أنه ينبغي أن يكون تالي كلامه سبحانه، بحيث يتجلى له المتكلم فيه، و يصير مشهودا له. فيخاطبه بتخصيص العبادة و الاستعانة به.
كما روي عن الصادق- عليه السلام- 337 ، أنه قال : لقد تجلى اللّه تعالى لعباده 338 في كلامه. و لكن لا يبصرون.
و عنه 339 - أيضا -: انه خرّ مغشيا عليه- و هو في الصلاة- فسئل عن ذلك.
فقال: ما زلت أردد الاية، حتى سمعتها من المتكلم بها.
و الضمير المستكن في الفعلين، للقارئ و من معه، من الحفظة أو حاضري الجماعة، أو له و لسائر الموحدين، أو له، فقط، لاستجماعه القوى و الحواس.
فكان 340 لكل منها عبادة و استعانة. (أو لأن العبادة، وسيلة) 341 .