کتابخانه روایات شیعه
- وَ لَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إنما قبح تزكية النفس من الآدمي لأنه منقوص في كل ما يمدح به نفسه و لما قال تعالى إنه كريم أو رحيم أو عليم ففيه كل الكرم و الرحمة و العلم و لا يجتلب بمدح نفسه و لا يدفع ضرا و جاز أيضا أن يمدح نفسه ليعرفها أيضا خلقه ليعبد و يعظم. 1
قوله سبحانه وَ لكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ و قوله هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ و قال الطوسي إنما يقبح الامتنان إذا كان الغرض الإزراء بالمنعم عليه فأما إذا كان الغرض تعريف النعمة و تعديدها و إعلامه وجوبها ليقابلها بالشكر فيستحق بها الثواب و المدح فإنه نعمة أخرى و تفضل أخرى يستحقون بها الشكر و قال ثعلب أجمع أهل اللغة كلهم أن المن من الله محمود لأنه منه و تفضل و أصول النعم كلها منه و المن من الخلق تقريع و توبيخ قوله يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا الآية.
قوله سبحانه ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً المراد هاهنا سعة مقدوراته و قال ابن عباس و مجاهد و الضحاك أي عظمته و يقال أي لا تخافون لله تعظيما و توقيرا قال أبو ذؤيب
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها
و حالفها في بيت نوب و كإبل
النابغة
محلتهم ذات الإله و دينهم
قويم فما يرجون غير العواقب
قوله سبحانه أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا قال ابن عباس جد ربنا عظمته و هذا كقوله بِسْمِ اللَّهِ و كقوله تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ و كقوله وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ فتكون هذه زيادات
فصل [في بعض اوصافه]
قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا و قوله وَ اللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ الاستحياء الانقباض عن الشيء في اللسان فتأويله ما قال المفضل معناه لا يمتنع و قال غيره لا يترك و قال جماعة لا يخشى لأن يستحيي جاء بمعنى قوله وَ تَخْشَى النَّاسَ
وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ .
قوله سبحانه وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أي ليس الله بساه عن كتمان الشهادة التي لزمكم القيام بها لله تعالى أعني أول الآية- وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ و قيل إنه على عمومه و المعنى أنه لا يخفى عليه شيء من المعلومات لا صغيرها و لا كبيرها فكونوا على حذر من الجزاء على السيئات بما تستحقونه من العقاب.
قوله سبحانه فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ و الذكر بعد النسيان قلنا الذكر حضور المعنى في النفس و معناه فاذكروني بطاعتي أذكركم برحمتي اذكروني بالشكر أذكركم بالثواب اذكروني بالدعاء أذكركم بالإجابة و نحو ذلك.
قوله سبحانه ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ قال الطوسي نكلمك به كما يقال أنشأ زيد الكتاب و تلاه عمرو و قال الجبائي يتلوه عليك بأمرنا جبريل.
قوله سبحانه هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ اختلفوا هل يجوز أن يوصف الله تعالى بأنه مستطيع أم لا فقال بعضهم يجوز لقوله- هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ و قال آخرون لا يجوز لأنه يوهم الحال.
قوله سبحانه أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ اللعنة الإبعاد من رحمة الله عقابا على معصيته فلذلك لا يجوز لعن البهائم و لا من ليس بعاقل من المجانين و الأطفال لأنه سؤال العقوبة لمن لا يستحقها فمن لعن حية أو عقربا أو نحو ذلك ممن لا معصية له فقد أخطأ لأنه سأل الله عز و جل ما لا يجوز في حكمته فإن قصد بذلك الإبعاد لا على وجه العقوبة كان ذلك جائزا.
قوله سبحانه وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى -
سأل عمرو بن عبيد الباقر ع فقال غضب الله عقابه يا عمرو و من ظن أن الله يغيره شيء فقد كفر إنما يغضب المخلوق الذي يأتيه الشيء و يستفزه و يغيره عن الحال التي هو عليها إلى غيرها فمن زعم أن الله يغيره الغضب و الرضا و يزول من هذا إلى هذا فقد وصفه بصفة المخلوق.
و سئل الصادق ع هل لله رضا و سخط فقال نعم و لكن ليس ذلك مما يوجد من المخلوقين غضب الله عقابه و رضاه ثوابه.
قوله سبحانه فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ قال ابن عباس و مجاهد و قتادة و السدي و ابن زيد معنى آسَفُونا أغضبونا لأن الله تعالى يغضب على العصاة بمعنى أنه يريد عقابهم و الأسف في الأصل الغيظ من المغتم إلا أنه هاهنا بمعنى الغضب.
قوله سبحانه يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ قال ثعلب معناه يا حسرة عليهم لا علينا و لا على رسلنا.
قوله سبحانه أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ إنما سمي الهوى إلها من حيث إن العاصي يتبع هواه و يرتكب ما يدعوه إليه و قال الحسن معناه اتخذ إلهه بهواه لأن الله تعالى يعرف بحجة العقل لا بالهوى و قال ابن عباس معناه أ فرأيت من اتخذ دينه بهواه لأنه يتخذه بلا برهان و قال ابن جبير كانوا يعبدون العزى فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأول و عبدوا الآخر.
قوله سبحانه شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي أخبر بما يقوم مقام الشهادة من الدلالات الواضحة و الحجج اللائحة على وحدانيته من عجيب خلقه و لطيف حكمته فيما خلق و يقال شَهِدَ اللَّهُ أي علم الله و قال أبو عبيدة أي قضا الله أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا
الْعِلْمِ و قال الحسن و عمرو بن عبيد إن في الآية تقديما و تأخيرا و تقديرها شهد الله أنه لا إله هو قائما بالقسط أي بالعدل و شهد الملائكة أنه لا إله إلا هو قائما بالقسط و شهد أولو العلم أنه لا إله إلا هو قائما بالقسط و أولو العلم هو المؤمنون
فصل [في الله]
قوله تعالى- كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ الشأن الأمر العظيم فمن شأنه أن يغفر ذنبا و يعرج كربا و يرفع قوما و يضع آخرين و قيل شأنه أنه يعتق رقابا و يفخم عقابا و يعطي رغابا و يقال شأنه أن يخرج كل يوم ثلاثة عساكر عسكر من الأصلاب إلى الأرحام و عسكر من الأرحام إلى الأرض و عسكر من الأرض إلى القبور ثم يرتحلون جميعا إلى الله.
قوله سبحانه سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ معناه سنعمل عمل مجرد من غير شاغل و أصل الفراغ الخلق يقال درهم مفروغ مصبوب في القالب و ضربة فريغة واسعة و فرغ الإناء و نحوه و يقال أي سنفرغ لكم مما وعدناكم من الثواب و أوعدناكم من العقاب و يقال هذا كقولك للرجل و أنت غير مشغول سأفرغ للنظر في أمركم قال جرير
بني عبدة إني فرغت إليكم
و قد طال زجري ما نهاكم تقدمي
قوله سبحانه في الفاتحة ملك يوم الدين و مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ و لم يجز في سورة الناس مالك الناس لأن صفة ملك يدل على تدبير من يشعر بالتدبير و ليس كذلك مالك لأنه يجوز أن يقال مالك الثوب و لا يجوز ملك الثوب و يجوز أن يقال ملك الروم و لا يجوز مالك فجرت في الفاتحة على معنى الملك في يوم الجزاء و مالك الجزاء و جرت في سورة الناس على ملك تدبير من يعقل التدبير.
قوله سبحانه مَلِكِ النَّاسِ إنما خص بأنه ملك الناس مع أنه ملك الخلق أجمعين
للبيان لأن مدبر جميع الناس قادر أن يعيذهم من شر ما استعاذوا منه مع أنه أحق بالتعظيم من ملوك الناس.
قوله سبحانه الْحَيُّ الْقَيُّومُ قال مجاهد و الربيع و الزجاج القيوم القائم بتدبير عباده فيما يضرهم و ينفعهم كقوله قائِماً بِالْقِسْطِ و قوله قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ .
قوله سبحانه اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ اللطافة من صفات الجوهر لأنه الجزء المنفرد و الرقيق و أنه بخلاف الكثيف و المعنى الصحيح فيه أنه لطيف بالتدبير و الصنع.
قوله سبحانه وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ سمى نفسه وكيلا مع أنه مالك الأشياء لأنه لما كانت منافعه لغيره لاستحالة المنافع عليه و المضار صحت الصفة له من هذه الجهة.
قوله سبحانه وَ اللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ و الغالب الذي يعلو غيره لمنعه بنفسه ما يصير إليه في قبضته و الله غالب كل شيء بمعنى أنه غالب عليه لدخوله في مقدوره و لا يمكنه الخروج منه.
قوله سبحانه سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الأعلى معناه القادر الذي لا قادر أقدر منه و صفة الأعلى منقولة إلى معنى الأقدر حتى لو بطل معنى علو المكان لم يبطل أن يفهم تحقيقا إذ هي غير متضمنة بغيرها و لم ينقل صفة الأرفع و إنما يعرف في رفعة المكان و أما قول فرعون أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى فإنه كذب في دعواه.
قوله سبحانه وَ يَأْبَى اللَّهُ الإباء هو المنع لا الكراهية.
قوله سبحانه هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ هو الذي يقصر مقدار ما يكون من غيره عما يكون منه و هو على ضربين أحدهما عظيم الشخص و الآخر عظيم الشأن و معناه في صفة الله أن كل شيء سواه يقصر عن صفته بأنه قادر فيما يصح أن يكون مقدورا و عالم بحيث لا يخفى عليه شيء و غني بنفسه عن كل شيء لا يجوز عليه الحاجة.
[تفسير لفظة الله]
قوله سبحانه الله أخذت لفظة إله اسم جنس مثل قولنا بيت و لفظة الله اسم غالب له تعالى مثل البيت للكعبة و الحقيقة فيهما أنه من يستحق العبادة لكونه قادرا على خلق من ينعم عليه فيستحق عليه العبادة و قوله وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ مجاز و إنما قال ذلك لأن الكفار كانوا يعبدونها و هم إن أخطئوا في العبادة فما أخطئوا في اللفظ فيقال إنه تعالى إله فيما لم يزل و لا يزال و إله الجماد و العقلاء و لا يجوز أن يكون تعالى إلها للأعراض و لا للجوهر الواحد لاستحالة أن ينعم عليها ما يستحق به العبادة و إنما هو إله الأجسام الحيوان منها و الجماد.
قوله سبحانه إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ معناه إن تنصروا دينه بالدعاء إليه و أضافه إلى نفسه تعظيما كما قال مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ و قيل معنى تَنْصُرُوا تدفعوا عن نبيه- يَنْصُرْكُمْ أي يدفع عنكم أعداءكم في الدين عاجلا و عذاب النار آجلا.
قوله سبحانه بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَ هُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ مع أنه لا يعتد بنصر غير الله مع نصرته فمعناه أنه إن اعتد بنصرة غير الله فنصرة الله خير منها لأنه لا يجوز أن يغلب و غيره يجوز أن يغلب و إن نصر فالثقة بنصرة الله تحصل و لا تحصل الثقة بنصرة غيره.
قوله سبحانه وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ و قد ينصر المؤمنين بعضهم بعضا و بعض المشركين بعضا قلنا إن نصر بعض المؤمنين بعضا من عند الله لأنه بمعونته و حسن توفيقه و أما نصر المشركين بعضهم ببعض فلا يعتد به لأنه بخذلان الله من حيث إن عاقبته إلى شر مال من العقاب الدائم.
قوله سبحانه إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ أي بالمئونة التي توجب الغلبة لأن الله تعالى يقدر على إعطائهم ما يغلبون به كل من نازعهم و يقلعون كل من ناواهم و من كان الله ناصره بالحجة لم يغلبه أحد و إذا غلب بالحرب فلضرب من المحنة و شدة التكليف و لو هزم قوم من المؤمنين لجاز أن يقال هم المنصورون أي بالحجة.
قوله سبحانه اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لم يقل الله نور و لو كان نورا في الحقيقة لم يكن للإضافة معنى لأن ما كان نورا في الحقيقة فهو نور لأي شيء كان و لو أراد على معنى الضياء لوجب أن لا يكون في شيء من السماوات و الأرض ظلمة بحال لأنه دائم لا يزول و أوجب أن يكون الاستضاءة به دون الشمس و بين أنه خالق النور فقال وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ فكيف يكون نورا مع كون النور مخلوقا و قال في آخرها يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ فلو أراد بذلك الضياء لما كان له معنى و جعل لنوره مثلا و هو المصباح في ضعفه و كيف يكون نورا و الأرض و السماء في ضوئهما و لو كان نورا لوجب أن يكون ذا أجزاء كثيرة لأن النور هو المضيء و المضيء لا يكون إلا بأن ينفصل منه أجزاء يضيء غيره بتلك الأجزاء و لو كان نورا لم يخل من أن يحجبه الظلمة و الحجاب أو لا يحجبه شيء فإن لم يحجبه شيء وجب أن تكون السماوات و الأرض في جميع الأوقات مضيئة و إن حجبه حجاب أو منعه مانع كان كسائر الأنوار ثم إن ذلك تحقيق قول الثنوية في زعمهم بالأصلين النور و الظلمة- ابن عباس و الزجاج- اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مدبر أمورهما- السدي بنوره أضاءت السماء و الأرض الضحاك به تكونت الأشياء و يقال الله واحد في سمائه و أرضه و يسمي الفرد نورا-