کتابخانه روایات شیعه
و قد ذكرت في مقدّمة كتاب التوحيد ص 34- 45 تفصيل آثاره الباقية مع الإشارة إلى المخطوط و المطبوع منها، و أن فيها و فيما بقى من أسماء كتبه الأخرى التي سجلها أصحاب الفهارس و ما لم يسجلوها لدلالة على جودة البضاعة و وفور الرصيد العلمي حتّى تفجّرت تلك العقليّة عن مئات من المصنّفات في فنون الآداب و العلوم الإسلامية،
فألّف في التفسير و الفقه و الحديث و الكلام و العقائد و التاريخ و الرجال و الأخلاق و الآداب الشرعية و الدعاء و الزيارات سوى ما كتبه في أجوبة المسائل الواردة إليه من سائر البلاد الإسلامية كمصر و بغداد و الكوفة و البصرة و واسط و المدائن و نيسابور و قزوين، أو ما كتبه في جواب مسائل شخصية كجوابه إلى أبي محمّد الفارسيّ في شهر رمضان و غيره
ثواب الأعمال، عقاب الاعمال
لقد تفنن العلماء في معالجة النفوس و اصلاحها بشتى وسائل التهذيب، و اتخذ كل فريق سبيلا يؤدي منه رسالته، و يدعو فيها الى ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة، و كان التأليف من السبل الناجحة التي تؤدي الى الغاية مع طول الزمن، ما دام للكتاب أثر بين الناس.
و كان شيخنا الصدوق رحمه اللّه ممن اختار سبيل التأليف فأكثر فيه، و امتاز بكثرة مؤلّفاته، و قد حالفه التوفيق في قسم منها احتفظت الايام بنسخته.
فما من كتاب من كتبه تلك إلّا و قد تلقاه الناس بالقبول، و تداولوا نسخته إقبالا عليه، و لعلّ في روحية المؤلّف و اخلاصه في التأليف سر ذلك القبول و هذا الاقبال.
و ها نحن اليوم على أبواب كتابين من كتبه هما كتاب (ثواب الاعمال) و كتاب (عقاب الاعمال) و يعدان من نفائس كتب الترغيب و الترهيب ألفهما شيخنا الصدوق رحمه اللّه على نحو النهج الذي سلكه غير واحد من العلماء، جريا وراء التأثير على القلوب، و اجتهادا في امتلاك الوجدان و صيد العواطف لتصحيح سلوك الإنسان و اصلاحه، و توجيهه نحو الخير، و الانحياش به عن الرذائل و المعاصي، و اقتراف الآثام و الجرائم.
و هذا اللون من التأليف- أعني موضوع الترغيب و الترهيب- نجده عند جميع المسلمين مقبولا، و قد أكثر العلماء من التأليف فيه.
فخص بعضهم تأليفه بالترغيب فقط فكتب في ثواب الأعمال مثلا كتابا خاصا و جعل ذلك اسم كتابه، و قد عثرت على أسماء اثنى عشر كتابا في ذلك هي على النحو التالي:
1- ثواب الأعمال لابي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي من اصحاب الامامين الجواد و الهادي عليهما السلام، و هو أحد كتبه المحاسن.
2- ثواب الأعمال لأبي جعفر محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني من اصحاب الإمام الجواد (ع)، رواه عنه سعد بن عبد اللّه الحميري المتوفى حدود سنة 300 ه 34 .
3- ثواب الأعمال لابي الفضل سلمة بن الخطّاب البراوستاني الأزدورقاني- نسبة الى قرية من سواد الري- رواه عنه سعد بن عبد اللّه الحميري الآنف الذكر و احمد ابن إدريس المتوفّى سنة 306 و محمّد بن الحسن الصفار و غيرهم 35 .
4- ثواب الأعمال لأبي عبد اللّه محمّد بن حسان الرازيّ الزيدي- الزيني- رواه عنه أحمد بن إدريس المتوفّى سنة 306 الآنف الذكر 36 .
5- ثواب الأعمال لابي محمّد جعفر بن سليمان القمّيّ رواه عنه محمّد ابن الحسن بن الوليد المتوفّى سنة 343 37 .
6- ثواب الأعمال لابي حاتم محمّد بن حبان البستي المتوفى سنة 354 38 .
7- ثواب الأعمال لابي الحسن عليّ بن أحمد بن الحسين الطبريّ الآملي رواه عنه النجاشيّ بواسطتين 39 .
8- ثواب الأعمال لأبي أحمد محمّد بن عليّ بن محمّد الكرجي القصاب 40
9- ثواب الأعمال لابن أبي حاتم الحنظلي الرازيّ صاحب الجرح و التعديل 41 .
10- ثواب الأعمال لأبي عبد اللّه الحسين بن عليّ بن سفيان البزوفري، رواه عنه ابن الغضائري المتوفّى سنة 411 و الشيخ المفيد المتوفّى سنة 413 42 .
11- ثواب الأعمال لابي العباس الناطفي المتوفّى سنة 446 43 .
12- ثواب الأعمال لابي جعفر الصدوق و هو الكتاب الأول من
هذين الكتابين و لم تصل نسخة من تلك الكتب العشرة إلّا من الأول و الأخير و كلاهما مطبوعان مكرّرا.
و من هؤلاء العلماء من اختار جانب الترهيب أيضا فخصه بتأليف خاص فألف في عقاب الأعمال كما صنع أبو جعفر البرقي و أبو الفضل سلمة بن الخطّاب و أبو عبد اللّه محمّد بن حسان الرازيّ و القصاب و شيخنا الصدوق رحمهم اللّه جميعا، و كلهم ممن سبق له تأليف في ثواب الأعمال كما أشرنا آنفا، و لم تصل الينا من كتب عقاب الاعمال إلا كتاب البرقي و كتاب الصدوق و هو ثاني كتابينا اللذين نقدم لهما.
و من العلماء من خص تأليفه بجانب من الترهيب فقط فتفنن في ذلك كما صنع الحافظ الذهبي الذي الف كتابا جمع فيه الموبقات و سماه (الكبائر) و قد أنهاها الى سبعين و شرح كل واحدة منها 44 .
و تبعه ابن حجر في ذلك فألف كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر، و زاد على ما ذكره الذهبي فانهى الكبائر الى (467) كبيرة 45 .
و ثمة كتب أخرى خصت بثواب بعض الاعمال أو بعقاب بعض الاعمال كثيرة يجد القارئ أسماءها مبثوثة في كتب المعاجم و الفهرسة.
تقييم الكتابين معا
لما كانت مادة الكتابين معا مجموعة من أحاديث رواها الشيخ الصدوق رحمه اللّه بأسانيده المنتهية الى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و الى الأئمة عليهم السلام، و قد ضم الكتاب الأول منهما ما يناهز الثمانمائة
حديث كلها مسندة إلّا أربعة أحاديث مرسلة، و ضم الثاني منهما ما يناهز الثلاثمائة و خمسين حديثا مسندا إلّا خمسة منها مرسلة.
فلا بدّ في تقييمها أولا من ملاحظة رجال السند و وزنهم بميزان الجرح و التعديل، و بعد ذلك ملاحظة المتون، و هذا هو المقياس في اعتبار كتب الحديث عند تقييمها.
و نحن إذا ألقينا نظرة على أحاديث الكتابين نجدها لا تسلم جميعها عند التمحيص شأنها في ذلك شأن سائر كتب الترغيب و الترهيب التي كان سبيل مؤلّفيها على اختلاف مذاهبهم و أزمانهم هو الجمع بين الأحاديث التي تؤلف غرضهم المقصود، و تؤدي الى ترغيب الناس في الخير، أو ترهيبهم في الشر و هو الهدف المنشود.
فتراهم جمعوا بين ما قوي متنه و صح سنده، و بين ما هزل متنه و سقم سنده، و بين ما كان مقبول المتن دون السند، أو مردود الدلالة مقبول السند و جلها أخبار آحاد.
و عذرهم في هذا النوع من التساهل و التوسع في سرد الاخبار على النهج الذي أشرنا إليه، هو اعتمادهم على قاعدة التسامح في ادلة السنن،
و معناها عدم اشتراط ما ذكر من الشروط للعمل باخبار الآحاد من الإسلام و العدالة و الضبط في الروايات الدالة على السنن فعلا و تركا 46
فصار هذا المعنى مجمعا عليه بين الفريقين 47 و ان اخبار الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم 48 .
و قد ورد عن الامام أحمد بن حنبل و شيخه عبد الرحمن بن مهدي
و عبد اللّه بن المبارك قالوا: إذا روينا في الحلال و الحرام شدّدنا، و إذا روينا في الفضائل و نحوها تساهلنا 49 .
و للعلماء في الاستناد الى القاعدة المذكورة، و بالاحرى في تأسيسها أدلة عقلية و نقلية يمكن تلخيصها بما يلي:
1- ان الإقدام على محتمل المنفعة و مأمون المضرة عنوان لا ريب في حسنه و لا فرق عند العقل بينه و بين الاحتراز عن محتمل الضرر.
2- الاخبار الواردة بعنوان من بلغه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله شيء من الثواب فعمله كان ذلك له، و ان كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يقله، لكشف العمل عن الانقياد و الطاعة للرسول (ص) 50 .
3- الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة، بل الاتفاق المحقق و مهما نوقشت تلك الأدلة فقد أجيب عن المناقشات بما لا مجال لذكره و قد كتب في الموضوع عدة بحوث و رسائل لعلها أوفاها ما كتبه الشيخ المرتضى الأنصاري قدّس سرّه. و قد طبعت رسالته في الموضوع ضمن أوثق الوسائل من ص 299 الى ص 307.
و بناء على جميع ذلك فقد اعتمد الكتابين كل من تأخر من أصحاب الجوامع الحديثية كالشيخ الحرّ العامليّ في الوسائل و المجلسي في بحار الانوار، و المحدث النوريّ في المستدرك سوى غيرهم ممن اعتمدهما و أخرج عنهما في مؤلّفه، لأن جل ما جاء فيهما ممّا كان مقبول المتن و السند معا.
فكل منهما بجملته نافع مفيد في بابه، فهو سلوة الحائر الجازع، و مصلح الخائر المائع، فيه ترقيق القلب القاسي، و تزهيد عن فضول الحطام و زجر عن المعاصي و الآثام تسكن إليه النفوس عند اضطرابها، و تجد فيه هديها و صوابها.
و بعد فكل منهما أثر نفيس في بابه.
و نظرا لتقارب موضوعيهما على رغم التضاد بين اسميهما فقد جمعا في جل ما وجد من نسخهما المخطوطة كما انهما طبعا معا مكرّرا، فصارا و كأنهما كتاب واحد.
ففي سنة 1298- 1299 ه طبعا بايران في تبريز طبعة حجرية في 109- 52 صفحة.
و في سنة 1312 ه طبع ثواب الأعمال طبعة حجرية في ايران.
و في سنة 1375 طبعا في طهران طبعة حروفية في 294 صفحة.
و في سنة 1962 م طبعا في بغداد طبعة حروفية في 270 صفحة.
و هذه طبعة المكتبة الحيدريّة، و قد قام مشكورا فضيلة السيّد أحمد الاشكوري سلمه اللّه بمقابلة الأصل قبل الطبع على نسخة خطية بمكتبة (آية اللّه الحكيم العامّة في النجف) برقم 846 مخطوطات و تاريخ نسخ الكتاب الأول (ثواب الأعمال) سنة 1027 و تاريخ نسخ الكتاب الثاني (عقاب الاعمال) سنة 1028 و هي بقلم محمّد خليفة الجزائريّ مولدا و السمناني مسكنا، و سجل في الهامش بعض ما وجده من فروق و تفاوت فجزاه اللّه خيرا.
كما أسأل المولى جل اسمه أن يثيب الناشر الأخ الشيخ محمّد كاظم الكتبي سلمه اللّه على عمله و يوفقه لنشر الآثار الصالحة و الكتب النافعة.
و أن يتقبل منا هذه الخدمة اليسيرة و يجعلها خالصة لوجهه الكريم انه سميع مجيب.