کتابخانه تفاسیر
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج2، ص: 113
استدراج ثم تلا فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ الآية» ذكره البغوي بغير سند و أسنده الطبري.
و قوله تعالى: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي آخرهم الذي يدبرهم. يقال: دبر فلان القوم، إذا كان آخرهم. و المعنى: أنهم استؤصلوا بالعذاب فلم تبق منهم باقية وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قال الزجاج: حمد اللّه نفسه على أن قطع دابرهم و استأصل شأفتهم و معنى هذا أن قطع دابرهم نعمة أنعم اللّه بها على الرسل الذين أرسلوا إليهم فكذبوهم فذكر الحمد تعليما للرسل و لمن آمن بهم ليحمدوا اللّه على كفايتهم إياهم شر الذين ظلموا و ليحمد محمد صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه ربهم، إذ أهلك المشركين المكذبين. و قيل: معناه الثناء الكامل و الشكر الدائم للّه رب العالمين على إنعامه على رسله و أهل طاعته بإظهار حجتهم على من خالفهم و إهلاك أعدائهم و استئصالهم العذاب.
[سورة الأنعام (6): الآيات 46 الى 51]
قوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين: إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ يعني الذي تسمعون به فأصمكم حتى لا تسمعوا شيئا وَ أَبْصارَكُمْ يعني و أخذ أبصاركم التي تبصرون بها فأعماكم حتى لا تبصروا شيئا أصلا وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ يعني لا تفقهوا شيئا أصلا و لا تعرفوا شيئا مما تعرفون من أمور الدنيا. و إنما ذكر هذه الأعضاء الثلاثة، لأنها أشرف أعضاء الإنسان فإذا تعطلت هذه الأعضاء، اختل نظام الإنسان و فسد أمره و بطلت مصالحه في الدين و الدنيا. و مقصود هذا الكلام ذكر ما يدل على وجود الصانع الحكيم المختار و تقريره أن القادر على إيجاد هذه الأعضاء و أخذها هو اللّه تعالى المستحق للعبادة لا الأصنام التي تعبدونها و هو قوله تعالى: مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ يعني يأتيكم بما أخذ اللّه منكم لأن الضمير في به يعود على معنى الفعل و يجوز أن يعود على السمع الذي ذكر أولا و يندرج تحته غيره انْظُرْ الخطاب للنبي صلى اللّه عليه و سلم و يدخل معه غيره أن انظر يا محمد كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ يعني كيف نبين لهم العلامات الدالة على التوحيد و النبوة ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ يعني يعرضون عنها مكذبين لها قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً يعني فجأة أَوْ جَهْرَةً يعني معاينة ترونه عند نزوله، و قال ابن عباس ليلا أو نهارا هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ يعني المشركين لأنهم ظلموا أنفسهم بالشرك.
قوله عز و جل: وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ يعني لمن آمن بالثواب وَ مُنْذِرِينَ يعني لمن أقام على كفره بالعقاب و المعنى ليس في إرسالهم أن يأتوا الناس بما يقترحون عليهم من الآيات إنما أرسلوا بالبشارة و النذارة فَمَنْ آمَنَ وَ أَصْلَحَ يعني آمن بهم و أصلح العمل للّه فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يعني حين يخاف أهل النار وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ أي إذا حزن غيرهم وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ يعني يصيبهم العذاب بِما كانُوا يَفْسُقُونَ يعني بسبب ما كانوا يكفرون و يخرجون عن الطاعة.
قوله تعالى: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ الخطاب للنبي صلى اللّه عليه و سلم يعني: قل يا محمد لهؤلاء المشركين لا أقول لكم عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ نزلت حين اقترحوا عليه الآيات فأمره اللّه تعالى أن يقول لهم إنما بعثت بشيرا و نذيرا و لا
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج2، ص: 114
أقول لكم عندي خزائن اللّه جمع خزانة و هي اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء و خزن الشيء إحرازه بحيث لا تناله الأيدي و المعنى ليس عندي خزائن رزق اللّه فأعطيكم منها ما تريدون لأنهم كانوا يقولون للنبي صلى اللّه عليه و سلم إن كنت رسولا من اللّه فاطلب منه أن يوسع علينا عيشنا و يغني فقرنا فأخبر أن ذلك بيد اللّه لا بيدي وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ يعني فأخبركم بما مضى و ما سيقع في المستقبل، و ذلك أنهم قالوا له: أخبرنا بمصالحنا و مضارنا في المستقبل حتى نستعد لتحصيل المصالح و دفع المضار، فأجابهم بقوله: و لا أعلم الغيب فأخبركم بما تريدون وَ لا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ و ذلك أنهم قالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق و يتزوج النساء؟ فأجابهم بقوله: و لا أقول لكم إني ملك لأن الملك يقدر على ما لا يقدر عليه البشر و يشاهد ما لا يشاهدون فلست أقول شيئا من ذلك و لا أدّعيه فتنكرون قولي و تجحدون أمري. و إنما نفى عن نفسه الشريفة هذه الأشياء تواضعا للّه تعالى و اعترافا له بالعبودية و أن لا يقترحوا عليه الآيات العظام إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ يعني ما أخبركم إلا بوحي من اللّه أنزله عليّ و معنى الآية أن النبي صلى اللّه عليه و سلم أعلمهم أنه لا يملك خزائن اللّه التي منها يرزق و يعطي و أنه لا يعلم الغيب فيخبر بما كان و ما سيكون و أنه ليس بملك حتى يطلع على ما لا يطلع عليه البشر إنما يتبع ما يوحى إليه من ربه عز و جل فما أخبر عنه من غيب بوحي اللّه إليه و ظاهر الآية يدل على أن الرسول صلى اللّه عليه و سلم ما كان يجتهد في شيء من الأحكام بل جميع أوامره و نواهيه إنما كانت بوحي من اللّه إليه قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ ؟
يعني: المؤمن و الكافر و الضال و المهتدي و العالم و الجاهل أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ يعني أنهما لا يستويان.
قوله عز و جل: وَ أَنْذِرْ بِهِ يعني و خوف بالقرآن و الإنذار إعلام مع تخويف الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ .
قال ابن عباس: يريد المؤمنين لأنهم يخافون يوم القيامة و ما فيه من شدة الأهوال. و قيل: معنى يخافون يعلمون و المراد بهم كل معترف بالبعث من مسلم و كتابي و إنما خص الذين يخافون الحشر بالذكر دون غيرهم و إن كان إنذاره صلى اللّه عليه و سلم لجميع الخلائق لأن الحجة عليهم أوكد من غيرهم لاعترافهم بصحة المعاد و الحشر. و قيل:
المراد بهم الكفار لأنهم لا يعتقدون صحة و لذلك قال: يخافون أن يحشروا إلى ربهم، و قيل: المراد بالإنذار جميع الخلائق فيدخل فيه كل مؤمن معترف بالحشر و كل كافر منكر له لأنه ليس أحد إلا و هو يخاف الحشر سواء اعتقد وقوعه أو كان يشكّ فيه و لأن دعوة النبي صلى اللّه عليه و سلم و إنذاره لجميع الخلق لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ يعني من دون اللّه وَلِيٌ أي قريب ينفعهم وَ لا شَفِيعٌ يعني يشفع لهم ثم إن فسرنا الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم أن المراد بهم الكفار فلا إشكال فيه لقوله تعالى: ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ و إن فسرنا الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم أن المراد بهم المؤمنون ففيه إشكال، لأنه قد ثبت بصحيح النقل شفاعة نبينا محمد صلى اللّه عليه و سلم للمذنبين من أمته و كذلك تشفع الملائكة و الأنبياء و المؤمنون بعضهم لبعض و الجواب عن هذا الإشكال أن الشفاعة لا تكون إلا بإذن اللّه لقوله عز و جل: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ و إذا كانت الشفاعة بإذن اللّه صح قوله: لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَ لا شَفِيعٌ يعني حتى يأذن اللّه لهم في الشفاعة فإذا أذن فيها كان للمؤمنين ولي و شفيع لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ يعني ما نهيتم عنه.
[سورة الأنعام (6): آية 52]
قوله تعالى: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ قال سلمان و خباب بن الأرت:
فينا نزلت هذه الآية جاء الأقرع بن حابس التميمي و عيينة بن حصن الفزاري و هما من المؤلفة قلوبهم فوجدوا
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج2، ص: 115
النبي صلى اللّه عليه و سلم قاعدا مع صهيب و بلال و عمار و خباب في نفر من ضعفاء المؤمنين فلما رأوهم حوله، حقّروهم فأتوه فقالوا: يا رسول اللّه لو جلست في صدر المجلس و نفيت عنا هؤلاء و أرواح جبابهم و كانت عليهم جباب صوف لها رائحة ليس عليهم غيرها لجالسناك و أخذنا عنك فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم «ما أنا بطارد المؤمنين» قالوا: فإنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف به العرب فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا فإذا نحن فرغنا فأقعدهم إن شئت. قال: نعم. قالوا فاكتب لنا عليك بذلك كتابا.
قال: فأتى بالصحيفة و دعا عليا ليكتب. قال: و نحن قعود في ناحية إذا نزل جبريل عليه السلام بقوله: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِ إلى قوله أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ فألقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصحيفة من يده ثم دعانا فأتيناه و هو يقول سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام و تركنا فأنزل اللّه تبارك و تعالى: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِ الآية فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقعد معنا بعد ذلك و ندنو منه حتى كانت ركبنا تمس ركبته فإذا بلغ الساعة التي يريد أن يقوم فيها قمنا و تركناه حتى يقوم و قال لنا «الحمد للّه الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا و معكم الممات».
و روي عن سعد بن أبي وقاص قال كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى اللّه عليه و سلم: اطرد هؤلاء لا يجترءون علينا. قال: و كنت أنا و ابن مسعود و رجل من هزيل و بلال و رجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما شاء اللّه أن يقع فحدث نفسه فأنزل اللّه عز و جل: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أخرجه مسلم.
و قال الكلبي: قالوا له، يعني أشراف قريش، اجعل لنا يوما و لهم يوما. قال: لا أفعل. قالوا: فاجعل المجلس واحدا و أقبل علينا و ولّ ظهرك إليهم. فأنزل اللّه هذه الآية. و قال مجاهد: قالت قريش لولا بلال و ابن أم عبد يعني ابن مسعود لبايعناك فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. و قال ابن مسعود: مر ملأ من قريش بالنبي صلى اللّه عليه و سلم و عنده صهيب و عمار و بلال و خباب و نحوهم من ضعفاء المسلمين فقالوا: يا محمد رضيت بهؤلاء بدلا من قومك هؤلاء الذين منّ اللّه عليهم من بيننا أ نحن نكون تبعا لهؤلاء اطردهم فلعلك إن طردتهم أن نتبعك فنزلت هذه الآية. و قال عكرمة: جاء عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و مطعم بن عدي و الحارث بن نوفل في أشراف بني عبد مناف من أهل الكفر إلى أبي طالب عم النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا: يا أبا طالب لو أن ابن أخيك محمدا يطرد عنه موالينا و حلفاءنا فإنهم عبيدنا و عسفاؤنا، كان أعظم في صدورنا و أطوع له عندنا و أدنى لاتباعنا إياه و تصديقنا له فأتى أبو طالب النبي صلى اللّه عليه و سلم فحدثه بالذي كلموه به فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون و إلى ماذا يصيرون فأنزل اللّه عز و جل هذه الآية وَ أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ قوله أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ فجاء عمر فاعتذر من مقالته. قلت بين هذه الروايات و الرواية الأولى التي عن سلمان و خباب بن الأرت فرق كثير و بعد عظيم، و هو أن إسلام سلمان كان بالمدينة، و كان إسلام المؤلفة قلوبهم بعد الفتح و سورة الأنعام مكية.
و الصحيح ما روي عن ابن مسعود و الكلبي و عكرمة في ذلك، و يعضده حديث مسعد بن أبي وقاص المخرج في صحيح مسلم من أن المشركين قالوا للنبي صلى اللّه عليه و سلم: اطرد هؤلاء، يعني ضعفاء المسلمين، و اللّه أعلم.
و أما معنى الآية فقوله: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِ الخطاب فيه للنبي صلى اللّه عليه و سلم. يعني: و لا تطرد هؤلاء الضعفاء عنك و لا تبعدهم عن مجلسك لأجل ضعفهم و فقرهم. ثم وصفهم فقال تعالى الذي يدعون ربهم بالغداة و العشي يعني صلاة الصبح و صلاة العصر. و يروى عنه أن المراد منه الصلوات الخمس. و إنما ذكر هذين الوقتين تنبيها على شرفهما و لأنهم مواظبون عليهما مع بقية الصلوات، و لأن الصلوات تشتمل على القراءة
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج2، ص: 116
و الدعاء و الذكر فعبر بالدعاء عن الصلاة لهذا المعنى. قال مجاهد: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاص فقال سعيد بن المسيب: ما أسرع الناس إلى هذا المجلس؟ فقال مجاهد: يتأولون قوله تعالى يدعون ربهم بالغداة و العشي قال أوفي هذا إنما هو في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن و قال ابن عباس إن ناسا من الفقراء كانوا مع النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ناس من أشراف الناس نؤمن لك و إذا صلينا فأخّر هؤلاء الذين معك فليصلوا خلفنا، و قيل: المراد منه حقيقة الدعاء و الذكر و المعنى: أنهم كانوا يذكرون ربهم و يدعونه طرفي النهار يريدون وجهه يعني يطلبون بعبادتهم و طاعتهم وجه اللّه مخلصين في عبادتهم له. و قال ابن عباس: يطلبون ثواب اللّه تعالى: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني لا تكلف أمرهم و لا يكلفون أمرك. و قيل: ما عليك حسابهم رزقهم فتملهم و تطردهم عنك و لا رزقك عليهم إنما الرازق لجميع الخلق هو اللّه تعالى فلا تطردهم عنك: فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ يعني بطردهم عنك و عن مجلسك. فقوله: فتطردهم، جواب النفي و هو قوله ما عليك من حسابهم من شيء و قوله: فتكون من الظالمين، جواب النهي و هو قوله و لا تطرد الذين يدعون ربهم و احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة و السلام بهذه الآية فقالوا إن النبي صلى اللّه عليه و سلم لما همّ بطرد الفقراء عن مجلسه لأجل الأشراف عاتبه اللّه على ذلك و نهاه عن طردهم و ذلك يقدح في العصمة و قوله فتطردهم فتكون من الظالمين و الجواب عن هذا الاحتجاج أن النبي صلى اللّه عليه و سلم ما طردهم و لا همّ بطردهم، لأجل استخفاف بهم و الاستنكاف من فقرهم و إنما كان هذا الهم لمصلحة و هي التلطف بهؤلاء الأشراف في إدخالهم في الإسلام فكان ترجيح هذا الجانب أولى و هو اجتهاد منه فأعلمه اللّه تعالى أن إدناء هؤلاء الفقراء أولى من الهمّ بطردهم فقربهم منه و أدناهم. و أما قوله فتطردهم فتكون من الظالمين فإن الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه فيكون المعنى أن أولئك الفقراء الضعفاء يستحقون التعظيم و التقريب فلا تهم بطردهم عنك فتضع الشيء في غير موضعه فهو من باب ترك الأفضل و الأولى لا من باب ترك الواجبات و اللّه أعلم.
[سورة الأنعام (6): الآيات 53 الى 54]
قوله عز و جل: وَ كَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يعني و كذلك ابتلينا الغني بالفقير، و الفقير بالغني، و الشريف بالوضيع، و الوضيع بالشريف فكل أحد مبتلى بضده فكان ابتلاء الأغنياء فالشرفاء حسدهم لفقراء الصحابة على كونهم سبقوهم إلى الإسلام و تقدموا عليهم فامتنعوا من الدخول في الإسلام لذلك فكان ذلك فتنة و ابتلاء لهم. و أما فتنة الفقراء بالأغنياء، فلما يرون من سعة رزقهم و خصب عيشهم فكان ذلك فتنة لهم لِيَقُولُوا يعني الأغنياء و الشرفاء و الرؤساء أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا يعني منّ على الفقراء و الضعفاء بالإسلام و متابعة الرسول صلى اللّه عليه و سلم و هذا اعتراض من الكفار على اللّه تعالى فأجابهم بقوله: أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ يعني أنه تعالى أعلم بخلقه و بأحوالهم و أعلم بالشاكرين من الكافرين. قوله تعالى: وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ قال عكرمة: نزلت في الذين نهى اللّه نبيه عن طردهم فكان النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا رآهم بدأهم بالسلام.
و قال عطاء: نزلت في أبي بكر و عمر و عثمان و علي و بلال و سالم بن أبي عبيدة و مصعب بن عمير و حمزة و جعفر و عثمان بن مظعون و عمار بن ياسر و الأرقم بن أبي الأرقم و أبي سلمة بن عبد الأسد و قيل إن الآية على إطلاقها في كل مؤمن. و قيل: لما جاء عمر بن الخطاب و اعتذر من مقالته التي تقدمت في رواية عكرمة و قال: ما
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج2، ص: 117
أردت إلا الخير، نزلت و إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كَتَبَ رَبُّكُمْ يعني فرض ربكم و قضى ربكم عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ و هذا يفيد الوجوب و سبب هذا أنه تعالى يتصرف في عباده كيف يشاء و أراد فأوجب على نفسه الرحمة على سبيل الفضل و الكرم لأنه أكرم الأكرمين و أرحم الراحمين: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ قال مجاهد: كل من عمل ذنبا أو خطيئة فهو بها جاهل و اختلفوا في سبب هذا الجهل فقيل لأنه جاهل بمقدار ما استحقه من العقاب و ما فاته من الثواب. و قيل إنه و إن علم أن عاقبة ذلك السوء و الفعل القبيح مذمومة إلا أنه آثر اللذة العاجلة على الخير الكثير الآجل و من آثر القليل على الكثير فهو جاهل و قيل إنه لما فعل فعل الجهال نسب إلى الجهل و إن لم يكن جاهلا: ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ يعني من بعد ارتكابه ذلك السوء و رجع عنه وَ أَصْلَحَ يعني أصلح العمل في المستقبل، و قيل أخلص توبته و ندم على فعله فَأَنَّهُ غَفُورٌ يعني لمن تاب من ذنوبه رَحِيمٌ بعباده قال خالد بن دينار كنا إذا دخلنا على أبي العالية قال: وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ الآية. عن أبي سعيد الخدري قال: جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين و إن بعضهم ليستتر ببعض من العري و قارئ يقرأ علينا إذ جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقام علينا فلما قام علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سكت القارئ فسلم ثم قال ما كنتم تصنعون؟ قلنا: يا رسول اللّه كان قارئ لنا يقرأ علينا و كنا نستمع إلى كتاب اللّه تعالى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «الحمد للّه الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم» و جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وسطنا ليعدل بنفسه فينا ثم قال بيده هكذا فتلحقوا و برزت وجوههم، قال فما رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عرف منهم أحدا غيري. ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم و ذلك خمسمائة عام أخرجه أبو داود.
[سورة الأنعام (6): الآيات 55 الى 57]
و قوله عز و جل: وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ يعني و كما فصلنا لك يا محمد في هذه السورة دلائلنا على صحة التوحيد و إبطال ما هم عليه من الشرك كذلك نميز و نبين لك أدلة حججنا و براهيننا على تقرير كل حق ينكره أهل الباطل وَ لِتَسْتَبِينَ قرأ بالتاء على الخطاب للنبي صلى اللّه عليه و سلم يعني و ليظهر لك الحق يا محمد و يتبين لك سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ يعني طريق هؤلاء المجرمين و قرأ بالياء على الغيبة و معناه ليظهر و يتضح سبيل المجرمين يوم القيامة إذا صاروا إلى النار.
قوله تعالى: قُلْ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني نهيت أن أعبد الأصنام التي تعبدونها أنتم من دون اللّه و قيل تدعونها عند شدائدكم من دون اللّه لأن الجمادات أخس من أن تعبد أو تدعى و إنما كانوا يعبدونها على سبيل الهوى و هو قوله تعالى قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ يعني في عبادة الأصنام و طرد الفقراء قَدْ ضَلَلْتُ يعني: إِذاً عبدتها وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ يعني لو عبدتها قُلْ يعني قل يا محمد لهؤلاء المشركين إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي قال ابن عباس: يعني على يقين من ربي، و قيل: البيّنة الدلالة التي تفصل بين الحق و الباطل و المعنى: إني على بيان و بصيرة في عبادة ربي وَ كَذَّبْتُمْ بِهِ يعني و كذبتم بالبيان الذي جئت به من عند ربي و هو القرآن و المعجزات الباهرات و البراهين الواضحات التي تدل على صحة التوحيد و فساد الشرك ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ يعني العذاب، و ذلك أن النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم و كانوا يستعجلون به استهزاء و كانوا يقولون: يا محمد ائتنا بما تعدنا يعني من نزول
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج2، ص: 118
العذاب، فأمر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه و سلم أن يقول لهم: ما عندي ما تستعجلون به لأن إنزال العذاب لا يقدر عليه إلا اللّه تعالى و لا يقدر أحد على تقديمه و لا تأخيره.
و قيل: كانوا يستعجلون بالآيات التي طلبوها و اقترحوها فأعلم اللّه أن ذلك عنده ليس عند أحد من خلقه.
و قيل: كانوا يستعجلون بقيام الساعة و منه قوله تعالى يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يعني الحكم الذي يفصل به بين الحق و الباطل و الثواب للطائع و العقاب للعاصي أي ما الحكم المطلق إلا للّه ليس معه حكم فهو يفصل بين المختلفين و يقضي بإنزال العذاب إذا شاء يَقُصُّ الْحَقَ قرئ بالصاد المهملة. و معناه:
يقول الحق لأن كل ما أخبر به فهو و حق و قرئ يقض بالضاد المعجمة من القضاء يعني أنه تعالى يقضي القضاء الحق وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ يعني و هو خير من بين و فصل و ميز بين المحق و المبطل لأنه لا يقع في حكمه و قضائه جور و لا حيف على أحد من خلقه.
[سورة الأنعام (6): الآيات 58 الى 60]
قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ يعني من إنزال العذاب. و الاستعجال، المطالبة بالشيء قبل وقته، فلذلك كانت العجلة مذمومة. و الإسراع: تقديم الشيء في وقته، فلذلك كانت السرعة محمودة. و المعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستعجلين لنزول العذاب لو أن عندي ما تستعجلون به لم أمهلكم ساعة و لكن اللّه حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة.
قوله تعالى: لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ يعني: لا نفصل ما بيني و بينكم و لأتاكم ما تستعجلون به من العذاب وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ يعني أنه أعلم بما يستحقون من العذاب و الوقت الذي يستحثونه فيه و قيل علم أنه سيؤمن بعض من كان يستعجل بالعذاب فلذلك أخره عنهم قال و اللّه أعلم بالظالمين و بأحوالهم. قوله عز و جل:
وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ المفتاح الذي يفتح به المغلاق جمعه مفاتيح و يقال فيه تفتح بكسر الميم و جمعه مفاتح و المفتح بفتح الميم الخزانة و كل خزانة كانت لصنف من الأشياء فهي مفتح و جمعه مفاتح فقوله و عنده مفاتح الغيب يحتمل أن يكون المراد منه المفاتيح التي يفتح بها و يحتمل أن يكون المراد منه الخزائن. فعلى التفسير الأول فقد جعل للغيب مفاتيح على طرق الاستعارة، لأن المفاتيح هي التي يتوصل بها إلى ما في الخزائن المستوثق منها بالإغلاق، فمن علم كيف يفتح بها و يتوصل إلى ما فيها، فهو عالم. و كذلك هاهنا لأن اللّه تعالى لما كان عالما بجميع المعلومات ما غاب منها و ما لم يغب عن هذا المعنى بهذه العبارة.
و على التفسير الثاني، يكون المعنى و عنده خزائن الغيب و المراد منه القدرة الكاملة على كل الممكنات ثم اختلفت أقوال المفسرين في قوله و عنده مفاتح الغيب لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ فقيل: مفاتيح الغيب خمس و هي ما روي عن عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا اللّه تعالى، لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا اللّه، و لا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا اللّه، و لا تعلم نفس ماذا تكسب غدا، و لا تدري نفس بأي أرض تموت، و لا يدري أحد متى يجيء المطر.
و في رواية أخرى: لا يعلم أحد ما تغيض الأرحام، و لا يعلم ما في غد إلا اللّه، و لا يعلم متى يأتي المطر
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج2، ص: 119
أحد إلا اللّه، و لا تدري نفس بأي أرض تموت إلا اللّه، و لا يعلم متى الساعة إلا اللّه، أخرجه البخاري. و قال الضحاك و مقاتل: مفاتح الغيب: خزائن الأرض، و علم نزول العذاب، و قال عطاء: هو ما غاب عنكم من الثواب و العقاب. و قيل: هو انقضاء الآجال و علم أحوال العباد من السعادة و الشقاوة و خواتيم أعمالهم. و قيل: هو علم ما لم يكن بعد أن يكون إذ يكون كيف يكون و ما لا يكون أن لو كان كيف يكون و قال ابن مسعود: أوتي نبيكم صلى اللّه عليه و سلم كل شيء إلا مفاتح الغيب. و قال ابن عباس: إنها خزائن غيب السموات و الأرض من الأقدار و الأرزاق وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ قال مجاهد: البر المفاوز و القفار، و البحر القرى و الأمصار لا يحدث فيها شيء إلا و هو يعلمه. و قال جمهور المفسرين: هو البر و البحر المعروفان، لأن جميع الأرض إما بر و إما بحر و في كل واحد منهما من عجائب مصنوعاته و غرائب مبتدعاته ما يدل على عظيم قدرته و سعة علمه وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها يريد ساقطة و ثابتة و المعنى أنه يعلم عدد ما يسقط من الورق و ما بقي على الشجر من ذلك و يعلم كم انقلبت ظهرا لبطن إلى أن تسقط على الأرض وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ قيل: هو الحب المعروف يكون في بطن الأرض قبل أن ينبت. و قيل: هي الحبة التي في الصخرة التي في أسفل الأرضين وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ قال ابن عباس: الرطب الماء و اليابس البادية. و قال عطاء: يريد ما ينبت و ما لا ينبت. و قيل: المراد بالرطب الحي و اليابس الميت. و قيل: هو عبارة عن كل شيء لأن جميع الأشياء إما رطبة و إما يابسة.
فإن قلت إن جميع هذه الأشياء داخلة تحت قوله و عنده مفاتح الغيب فلم أفرد هذه الأشياء بالذكر و ما فائدة ذلك؟.
قلت: لما قال اللّه تعالى و عنده مفاتح الغيب على سبيل الإجمال ذكر من بعد ذلك الإجمال ما يدل على التفصيل، فذكر هذه الأشياء المحسوسة ليدل بها على غيرها، فقدم ذكر البر و البحر لما فيهما من العجائب و الغرائب من المدن و القرى و المفاوز و الجبال و كثرة ما فيها من المعادن و الحيوان، و أصناف المخلوقات مما يعجز الوصف عن إدراكها، ثم ذكر بعد ذلك ما هو أقل من ذلك و هو مشاهد لكل أحد لأن الورقة الساقطة و الثابتة يراها كل أحد، لكن لا يعلم عددها و كيفية خلقها إلا اللّه تعالى ثم ذكر بعد ذلك ما هو أصغر من الورقة و هي الحبة. ثم ذكر بعد ذلك مثالا يجمع الكل و هو الرطب و اليابس فذكر هذه الأشياء و أنه لا يخرج شيء منها عن علمه سبحانه و تعالى فصارت هذه الأمثال منبهة على عظمة عظيمة و قدرة عالية و علم واسع فسبحان العليم الخبير.
قوله تعالى: إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ فيه قولان: أحدهما أن الكتاب المبين هو علم اللّه الذي لا يغير و لا يبدل.
و الثاني: أن المراد بالكتاب المبين، هو اللوح المحفوظ، لأن اللّه كتب فيه علم ما يكون و ما قد كان قبل أن يخلق السموات و الأرض. و فائدة إحصاء الأشياء كلها في هذا الكتاب، لتقف الملائكة على إنفاذ علمه و نبه بذلك على تعظيم الحساب و أعلم عباده أنه لا يفوته شيء مما يصنعونه لأن من أثبت ما لا ثواب فيه و لا عقاب في كتاب فهو إلى إثبات ما فيه ثواب و عقاب أسرع.