کتابخانه روایات شیعه
الباب الثامن عشر في أم المعجزات و هو القرآن المجيد
الحمد لله الذي جعل القرآن لنبينا ص أم المعجزات و معظمها و صلى الله على خيرته من خلقه محمد و آله أشرف الصلوات و أعظمها.
و بعد فإن كتاب الله المجيد ليس هو مصدقا لنبي الرحمة خاتم النبيين فقط بل هو مصدق لسائر 4853 الأنبياء و الأوصياء قبله و سائر الأوصياء بعده جملة و تفصيلا و ليست جملة الكتاب معجزة واحدة بل هو معجزات لا تحصى و فيه أعلام عدد الرمل و الحصى لأن أقصر سورة منه إنما هي الكوثر و فيها الإعجاز من وجهين أحدهما أنه قد تضمن خبرا عن الغيب قطعا قبل وقوعه فوقع كما أخبر عنه من غير خلف فيه و هو قوله تعالى إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ 4854 لما قال قائلهم إن محمدا رجل صنبور 4855 و إذا مات انقطع ذكره و لا خلف له يبقى به ذكره
فعكس ذلك على قائله و كان كذلك.
و الثاني من طريق نظمه لأنه على قلة عدد حروفه و قصر آيه يجمع نظما بديعا و أمرا عجيبا و بشارة للرسول و تعبدا للعبادات 4856 بأقرب لفظ و أوجز 4857 بيان و قد نبهنا على ذلك في كتاب مفرد لذلك.
ثم إن السور الطوال متضمنة للإعجاز من وجوه كثيرة نظما و جزالة و خبرا عن الغيوب فلذلك لا يجوز أن يقال إن القرآن معجز واحد و لا ألف معجز و لا أضعافه.
فلذلك خطأنا قول من قال إن للمصطفى ص ألف معجزة أو ألفي معجزة بل يزيد ذلك عند الإحصاء على الألوف 4858 .
[باب في كيفية الاستدلال بالقرآن]
فصل في أن القرآن المجيد معجز
اعلم أن الكلام في كيفية الاستدلال بالقرآن فرع على الكلام في الاستدلال بالقرآن و الاستدلال به لا يتم إلا بعد بيان خمسة أشياء أحدها ظهور محمد ص بمكة و ادعاؤه أنه مبعوث إلى الخلق و رسول إليهم.
و ثانيها تحديه العرب بهذا القرآن الذي ظهر على يده و ادعاؤه أن الله سبحانه أنزله عليه و خصه به.
و ثالثها أن العرب مع طول المدة لم يعارضوه.
و رابعها أنهم لم يعارضوه للتعذر و العجز.
و خامسها أن هذا التعذر خارق للعادة.
فإذا ثبت ذلك فإما أن يكون القرآن نفسه معجزا خارقا للعادة بفصاحته فلذلك لم يعارضوه أو لأن الله سبحانه و تعالى صرفهم عن معارضته و لو لا الصرف لعارضوه و أي الأمرين ثبت ثبتت صحة نبوته ص لأنه تعالى لا يصدق كذابا 4859 و لا يخرق العادة لمبطل 4860 .
[فصل في بعض التساؤلات حول القرآن]
فصل و أما ظهوره ص بمكة و دعاؤه إلى نفسه فلا شبهة فيه بل هو معلوم ضرورة لا ينكره عاقل فظهور هذا القرآن على يده أيضا معلوم ضرورة و الشك في أحدهما كالشك في الآخر.
و أما الذي يدل على أنه ص تحدى بالقرآن فهو أن معنى قولنا إنه تحدى بالقرآن أنه كان يدعي أن الله سبحانه خصه بهذا القرآن و إنبائه 4861 به و أن جبرئيل ع أتاه 4862 به و ذلك معلوم ضرورة لا يمكن لأحد 4863 دفعه و هذا غاية التحدي في المعنى و المبعث 4864 على إظهار معارضتهم له إن كان معذورا 4865 .
و أما الكلام في أنه لم يعارض فهو أنه 4866 لو عورض لوجب أن ينقل 4867 و لو نقل لعلم كما علم نفس القرآن فلما لم يعلم دل على أنه لم يعارض كما يعلم 4868 أنه ليس بين بغداد و البصرة بلد أكبر منهما لأنه لو كان كذلك لنقل و علم.
و إنما قلنا إن المعارضة لو كانت لوجب نقلها لأن الدواعي تتوفر 4869 إلى
نقلها و لأنها لو كانت لكانت هي 4870 الحجة و القرآن شبهة و نقل الحجة أولى من نقل الشبهة.
و أما الذي به يعلم أن جهة انتفاء المعارضة التعذر لا غير فهو أن كل فعل ارتفع عن فاعله مع توفر دواعيه إليه علم إنما 4871 ارتفع للتعذر و لهذا قلنا إن هذه الجواهر و الألوان 4872 ليست في مقدورنا و خاصة إذا علمنا أن الموانع المعقولة مرتفعة كلها فيجب أن 4873 نقطع على ذلك في جهة التعذر لا غير.
و إذا علمنا أن العرب تحدوا بالقرآن فلم يعارضوه مع شدة حاجتهم إلى المعارضة علمنا أنهم لم يعارضوه للتعذر لا غير.
و إذا ثبت كون القرآن معجزا و أن معارضته تعذرت لكونه خارقا للعادة ثبت بذلك نبوته المطلوبة 4874 4875 .
[فصل في الطريق إلى معرفة صدق النبي ص و الوصي ع و بيان شروط مفهوم المعجزات]
فصل و الطريق إلى معرفة صدق النبي ص و الوصي ع ليس إلا ظهور المعجز عليه أو خبر نبي ثابت نبوته بالمعجز.
و المعجز في اللغة ما يجعل غيره عاجزا ثم تعورف في الفعل الذي يعجز القادر عن الإتيان بمثله و في الشرع هو كل حادث من فعل الله أو بأمره أو تمكينه ناقض لعادة الناس في زمان تكليف مطابق 4876 لدعوته أو ما يجري مجراه.
و اعلم أن شروط مفهوم المعجزات أمور منها أن يعجز عن مثله أو عما يقاربه المبعوث إليه و جنسه لأنه لو قدر عليه أو واحد من جنسه في الحال لما دل على صدقه و وصي النبي ع حكمه حكمه و منها: أن يكون من فعل الله تعالى أو بأمره و تمكينه لأن المصدق للنبي بالمعجز هو الله تعالى فلا بد أن يكون من جهته تعالى ما يصدق به النبي أو الوصي و منها: أن يكون ناقضا للعادة لأنه لو فعل 4877 معتادا لم يدل على صدقه كطلوع الشمس من مشرقها.
و منها: أن يحدث عقيب دعوى المدعي 4878 أو جاريا مجراه 4879 و الذي يجري مجرى ذلك 4880 هو أن يدعي النبوة و يظهر عليه معجزا ثم تشيع دعواه في الناس ثم يظهر معجز من دون 4881 تجديد دعوى لذلك 4882 لأنه إذا لم يظهر كذلك لم يعلم تعلقه بالدعوى فلا يعلم أنه تصديق له في دعواه.
و منها: أن يظهر ذلك في زمان التكليف لأن أشراط الساعة تنتقض بها عادته تعالى و لا يدل على صدق مدع 4883 .
[فصل في أن القرآن معجز تحدى العرب و بيان بعض الشبهات]
فصل و القرآن معجز لأنه ص تحدى العرب الإتيان بمثله و هم النهاية في البلاغة و قويت 4884 دواعيهم إلى الإتيان بما تحداهم به 4885 و لم يكن لهم صارف عنه و لا مانع منه و لم يأتوا به فعلمنا أنهم عجزوا عن الإتيان بمثله.
و إنما قلنا إنه ص تحداهم لأن القرآن الكريم نفسه نطق بذلك كقوله تعالى فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ 4886 .
و معلوم أن العرب في زمانه و بعده كانوا يتباهون بالبلاغة 4887 و يفخرون بالفصاحة و كانت لهم مجامع يعرضون فيها شعرهم 4888 و حضر زمانه 4889 من يعد في الطبقة الأولى كالأعشى و لبيد و طرفة 4890 .
و في زمانه كانت العرب قد مالت إلى 4891 استعمال المستأنس من الكلام دون الغريب الوحشي الثقيل على اللسان فصح أنهم كانوا الغاية في الفصاحة.
و إنما قلنا إن دواعيهم اشتدت إلى الإتيان بمثله لأنه ص تحداهم ثم قرعهم 4892 بالعجز عنه كقوله تعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً 4893 .
و قوله تعالى فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا 4894 .
فإن قيل لعل صارفهم هو قلة احتفالهم 4895 به أو بالقرآن لانحطاطه في البلاغة.
قلنا لا شبهة أنه ص كان من الشط 4896 في التثبيت 4897 حتى سموه الأمين و الصدوق فكيف لا يحتفلون به و هم كانوا يستعظمون القرآن حتى شبهوه بالسحر و منعوا الناس من استماعه لئلا يأخذ بمجامع قلوب السامعين فكيف يرغبون عن معارضته 4898 .
فصل فإن قيل أ لستم تقولون إن ما أتى به محمد من القرآن هو كلام الله و فعله و قلتم إن مقدورات العباد لا تنتقض بها العادة و قلتم إن القرآن هو أول كلام تكلم به تعالى و ليس بحادث في وقت نزوله و الناقض للعادة لا بد أن يكون هو متجدد الحدوث و لأن الكلام مقدور للعباد فما يكون من جنسه لا يكون ناقضا للعادة فلا يكون معجزا للعباد.