کتابخانه روایات شیعه
منعناه بالقرآن من حيث أطلق التحدي به 5046 و عري عما 5047 يخصه بوجه دون وجه فحملناه على ما عهده القوم و ألفوه في التحدي.
و لو كان ص أفهمهم تخصيص التحدي بقول مسموع لوجب أن ينقل إلينا لفظه و لا نجد له نقلا و لو كان أخطرهم 5048 إلى قصده 5049 بمخارج الكلام أو بإشارة و غيرها لوجب اتصاله بنا أيضا لأن ما يدعو إلى النقل للألفاظ يدعو إلى نقل ما يتصل بها من مقاصد و مخارج سيما فيما تمس الحاجة إليه.
أ لا ترى أنه لما نفى النبوة بعد نبوته
بِقَوْلِهِ ص لَا نَبِيَّ بَعْدِي 5050 .
أفهم مراده السامعين من هذا القول أنه عنى به لا نبي من بعدي لا نبي من البشر كلهم و أراد ص بالبعد عموم سائر الأوقات اتصل ذلك بها على حد اتصال اللفظ حتى شركنا سامعيه في معرفة الغرض و كنا في العلم به كأحدهم و في ارتفاع كل ذلك من النقل دليل على صحة قولنا.
فصل على أن التحدي لو كان مقصورا على الفصاحة دون النظم لوقعت المعارضة من القوم ببعض فصيح شعرهم أو بليغ كلامهم لأنا نعلم حقا الفرق بين قصار السور و فصيح كلام العرب.
و هذا يدل على التقارب 5051 المزيل للإعجاز و العرب بهذا أعلم فكان يجب
أن يعارضوه فإذ لم يفعلوا فلأنهم 5052 فهموا من التحدي الفصاحة و طريقة النظم و لم يجتمعا لهم.
و اختصاص القرآن الكريم بنظم مخالف لسائر ضروب الكلام أوضح من أن نتكلف الدلالة عليه فالدليل ينصب حيث تتطرق الشبهة فأما في مثل هذا فلا.
فصل و قد قال السيد عندي 5053 أن التحدي وقع بالإتيان بمثله في فصاحته و طريقته في النظم 5054 و لم يكن بأحد الأمرين.
فلو وقعت المعارضة بشعر منظوم أو برجز موزون أو بمنثور من الكلام ليس له طريقة القرآن في النظم و الفصاحة لكانت 5055 واقعة وقعها 5056 .
فالصرفة على هذا إنما كانت بأن سلب الله تعالى من البشر جميع العلوم 5057 التي يتأتى معها مثل فصاحة القرآن الكريم و طريقته في النظم.
و لهذا لا ينصب 5058 في كلام العرب ما يقارب القرآن في فصاحته و نظمه 5059 .
باب في أن إعجاز القرآن المعاني التي اشتمل عليها من الفصاحة
قالوا لما وجدنا الكلام منظوما موزونا و منثورا غير موزون و المنظوم 5060 هو الشعر و أكثر الناس لا يقدرون عليه فجعل الله تعالى معجز نبيه النمط الذي يقدر عليه كل أحد و لا يتعذر نوعه على كلهم و هو الذي ليس بموزون فتلزم حجته للجميع.
و الذي يجب أن يعلم في العلم بإعجاز النظم هو أن يعلم مباني 5061 الكلام و أسباب الفصاحة في ألفاظها و كيفية ترتيبها و تباين ألفاظها و كيفية الفرق بين الفصيح و الأفصح و البليغ و الأبلغ و يعلم 5062 مقادير النظم و الأوزان و ما به يتبين المنظوم من المنثور و فواصل الكلام و مقاطعه و مباديه و أنواع مؤلفه و منظومه.
ثم ينظر فيما أتى به حتى يعلم أنه من أي نوع هو و كيف فضل على ما فضل عليه من أنواع الكلام حتى يعلم أنه نظم 5063 مباين لسائر المنظوم و نمط خارج عن جملة ما كانوا اعتادوه فيما بينهم من أنواع الخطب و الرسائل و الشعر و المنظوم و المنثور 5064 و الرجز و المخمس و المزدوج و العريض 5065 و القصير.
فإذا تأملت ذلك و تدبرت مقاطعه و مفاتحه و سهولة ألفاظه و استجماع معانيه و أن كل لفظة منها لو غيرت لم يمكن أن يؤتى بدلها بلفظة هي أوفق 5066 من تلك اللفظة و أدل على المعنى منها و أجمع للفوائد و الزوائد منها.
و إذا كان كذلك فعند تأمل جميع ذلك يتحقق ما فيه من النظم اللائق 5067 و المعاني الصحيحة التي لا يكاد يوجد مثلها على نظم تلك العبارة و إن اجتهد البليغ و الخطيب.
[باب في خواص 5068 نظم القرآن]
فصل في خواص نظم القرآن أولها خروج نظمه عن صور جميع 5069 أسباب المنظومات و لو لا نزول القرآن لم يقع في خلد 5070 فصيح سواه 5071 و لذلك
قَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ لَمَّا اخْتَارَهُ 5072 قُرَيْشٌ لِلْمَصِير إِلَى النَّبِيِّ ص قَرَأَ ص عَلَيْهِ حم السَّجْدَةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ سَمِعْتُ أَنْوَاعَ كَلَامِ الْعَرَبِ فَمَا أَشْبَهَهُ شَيْءٌ مِنْهَا إِنَّهُ أَوْرَدَ عَلَيَّ مَا أَرَاعَنِي 5073 .
و نحوه ما حكى الله عن الجن إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ 5074 من قُلْ أُوحِيَ .
فلما عدم وجود شبه القرآن من أنواع المنظوم انقطعت أطماعهم عن معارضته.
و الخاصة الثانية هي 5075 الروعة التي له في قلوب السامعين فمن كان مؤمنا يجد هشاشة 5076 إليه و انجذابا نحوه و حكي أن نصرانيا مر برجل يقرأ القرآن فبكى فقيل له 5077 ما أبكاك قال النظم.
و الثالثة أنه لم يزل نظما 5078 طريا لا يمل و لا يمل 5079 و الكتب المتقدمة عارية عن رتبة 5080 النظم و أهل الكتاب لا يدعون ذلك لها.
و الرابعة أنه في صورة كلام هو خطاب لرسوله تارة و لخلقه أخرى. 5081
الخامسة ما يوجد من جمعه 5082 فإن له صفتي الجزالة و العذوبة و هما كالمتضادين.
و السادسة ما وقع في أجزائه من امتزاج بعض أنواع الكلام ببعض و عادة ناظمي 5083 البشر تقسيم معاني الكلام.
و السابعة أن كل فضيلة تنعش في 5084 تأسيس اللغة في اللسان العربي هي موجودة في القرآن.
و الثامنة وجود 5085 التفاضل بين بعض أجزائه من السور و بين بعض و الصورة 5086 الحسنة تظهر بين المختلفات كما 5087 في التوراة كلمات عشر تشتمل على
الوصايا يستحلفون بها لجلالة قدرها و كذا في الإنجيل أربع صحف و كذا في الزبور تحاميد و تسابيح 5088 يقرءونها في صلواتهم.
و التاسعة وجود ما يحتاج العباد إلى علمه 5089 من أصول دينهم و فروعه من التنبيه على طرق العقليات و إقامة الحجج 5090 على الملاحدة و البراهمة 5091 و الثنوية 5092 و المنكرة للبعث و القائلين بالطبائع بأوجز كلام و أبلغه ففيه من أنواع الإعراب و العربية و الحقيقة و المجاز حتى الطب في قوله كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا 5093 فهذا أصل الطب و المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ و هو مهيمن على جميع الكتب المتقدمة.
و العاشرة وجود قوة النظم في أجزائه كلها حتى لا يظهر في شيء من ذلك تفاوت و لا اختلاف و له خواص سواها كثير.
فصل فإن قيل فهلا كانت ألفاظ القرآن بكليتها مؤلفة من مثل الألفاظ الوجيزة 5094 التي إذا وقعت في الكلام زادته حسنا ليكون كلام الله على النظم الأحسن الأفضل إذ كان لا يعجزه شيء عن بلوغ الغاية كما يعجز الخلق عن ذلك.
الجواب قلنا إن هذا يعود إلى أنه كيف لم ترتفع أسباب التفاضل بين الأشياء حتى تكون كلها كشيء واحد متشابه الأجزاء و الأبعاض و كيف فضل بعض الملائكة على بعض و متى كان كذلك لم يوجد اختلاف بين الأشياء يعرف به الشيء و ضده.
على أنه لو كان كلام الله كما ذكر لخرج في صورة المعمى 5095 الذي لا يوجد له لذة البسط و الشرح و لو كان مبسوطا لم تبق 5096 فضيلة الراسخين في العلم على من سواهم.
ثم إنه تعالى حكيم علم أن 5097 ألطاف المبعوث إليهم إنما هو في النمط الذي أنزله فلو كان على تركيب آخر لم يكن لطفا لهم.