کتابخانه روایات شیعه
فإذا ثبت ذلك فإما أن يكون القرآن نفسه معجزا خارقا للعادة بفصاحته فلذلك لم يعارضوه أو لأن الله سبحانه و تعالى صرفهم عن معارضته و لو لا الصرف لعارضوه و أي الأمرين ثبت ثبتت صحة نبوته ص لأنه تعالى لا يصدق كذابا 4859 و لا يخرق العادة لمبطل 4860 .
[فصل في بعض التساؤلات حول القرآن]
فصل و أما ظهوره ص بمكة و دعاؤه إلى نفسه فلا شبهة فيه بل هو معلوم ضرورة لا ينكره عاقل فظهور هذا القرآن على يده أيضا معلوم ضرورة و الشك في أحدهما كالشك في الآخر.
و أما الذي يدل على أنه ص تحدى بالقرآن فهو أن معنى قولنا إنه تحدى بالقرآن أنه كان يدعي أن الله سبحانه خصه بهذا القرآن و إنبائه 4861 به و أن جبرئيل ع أتاه 4862 به و ذلك معلوم ضرورة لا يمكن لأحد 4863 دفعه و هذا غاية التحدي في المعنى و المبعث 4864 على إظهار معارضتهم له إن كان معذورا 4865 .
و أما الكلام في أنه لم يعارض فهو أنه 4866 لو عورض لوجب أن ينقل 4867 و لو نقل لعلم كما علم نفس القرآن فلما لم يعلم دل على أنه لم يعارض كما يعلم 4868 أنه ليس بين بغداد و البصرة بلد أكبر منهما لأنه لو كان كذلك لنقل و علم.
و إنما قلنا إن المعارضة لو كانت لوجب نقلها لأن الدواعي تتوفر 4869 إلى
نقلها و لأنها لو كانت لكانت هي 4870 الحجة و القرآن شبهة و نقل الحجة أولى من نقل الشبهة.
و أما الذي به يعلم أن جهة انتفاء المعارضة التعذر لا غير فهو أن كل فعل ارتفع عن فاعله مع توفر دواعيه إليه علم إنما 4871 ارتفع للتعذر و لهذا قلنا إن هذه الجواهر و الألوان 4872 ليست في مقدورنا و خاصة إذا علمنا أن الموانع المعقولة مرتفعة كلها فيجب أن 4873 نقطع على ذلك في جهة التعذر لا غير.
و إذا علمنا أن العرب تحدوا بالقرآن فلم يعارضوه مع شدة حاجتهم إلى المعارضة علمنا أنهم لم يعارضوه للتعذر لا غير.
و إذا ثبت كون القرآن معجزا و أن معارضته تعذرت لكونه خارقا للعادة ثبت بذلك نبوته المطلوبة 4874 4875 .
[فصل في الطريق إلى معرفة صدق النبي ص و الوصي ع و بيان شروط مفهوم المعجزات]
فصل و الطريق إلى معرفة صدق النبي ص و الوصي ع ليس إلا ظهور المعجز عليه أو خبر نبي ثابت نبوته بالمعجز.
و المعجز في اللغة ما يجعل غيره عاجزا ثم تعورف في الفعل الذي يعجز القادر عن الإتيان بمثله و في الشرع هو كل حادث من فعل الله أو بأمره أو تمكينه ناقض لعادة الناس في زمان تكليف مطابق 4876 لدعوته أو ما يجري مجراه.
و اعلم أن شروط مفهوم المعجزات أمور منها أن يعجز عن مثله أو عما يقاربه المبعوث إليه و جنسه لأنه لو قدر عليه أو واحد من جنسه في الحال لما دل على صدقه و وصي النبي ع حكمه حكمه و منها: أن يكون من فعل الله تعالى أو بأمره و تمكينه لأن المصدق للنبي بالمعجز هو الله تعالى فلا بد أن يكون من جهته تعالى ما يصدق به النبي أو الوصي و منها: أن يكون ناقضا للعادة لأنه لو فعل 4877 معتادا لم يدل على صدقه كطلوع الشمس من مشرقها.
و منها: أن يحدث عقيب دعوى المدعي 4878 أو جاريا مجراه 4879 و الذي يجري مجرى ذلك 4880 هو أن يدعي النبوة و يظهر عليه معجزا ثم تشيع دعواه في الناس ثم يظهر معجز من دون 4881 تجديد دعوى لذلك 4882 لأنه إذا لم يظهر كذلك لم يعلم تعلقه بالدعوى فلا يعلم أنه تصديق له في دعواه.
و منها: أن يظهر ذلك في زمان التكليف لأن أشراط الساعة تنتقض بها عادته تعالى و لا يدل على صدق مدع 4883 .
[فصل في أن القرآن معجز تحدى العرب و بيان بعض الشبهات]
فصل و القرآن معجز لأنه ص تحدى العرب الإتيان بمثله و هم النهاية في البلاغة و قويت 4884 دواعيهم إلى الإتيان بما تحداهم به 4885 و لم يكن لهم صارف عنه و لا مانع منه و لم يأتوا به فعلمنا أنهم عجزوا عن الإتيان بمثله.
و إنما قلنا إنه ص تحداهم لأن القرآن الكريم نفسه نطق بذلك كقوله تعالى فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ 4886 .
و معلوم أن العرب في زمانه و بعده كانوا يتباهون بالبلاغة 4887 و يفخرون بالفصاحة و كانت لهم مجامع يعرضون فيها شعرهم 4888 و حضر زمانه 4889 من يعد في الطبقة الأولى كالأعشى و لبيد و طرفة 4890 .
و في زمانه كانت العرب قد مالت إلى 4891 استعمال المستأنس من الكلام دون الغريب الوحشي الثقيل على اللسان فصح أنهم كانوا الغاية في الفصاحة.
و إنما قلنا إن دواعيهم اشتدت إلى الإتيان بمثله لأنه ص تحداهم ثم قرعهم 4892 بالعجز عنه كقوله تعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً 4893 .
و قوله تعالى فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا 4894 .
فإن قيل لعل صارفهم هو قلة احتفالهم 4895 به أو بالقرآن لانحطاطه في البلاغة.
قلنا لا شبهة أنه ص كان من الشط 4896 في التثبيت 4897 حتى سموه الأمين و الصدوق فكيف لا يحتفلون به و هم كانوا يستعظمون القرآن حتى شبهوه بالسحر و منعوا الناس من استماعه لئلا يأخذ بمجامع قلوب السامعين فكيف يرغبون عن معارضته 4898 .
فصل فإن قيل أ لستم تقولون إن ما أتى به محمد من القرآن هو كلام الله و فعله و قلتم إن مقدورات العباد لا تنتقض بها العادة و قلتم إن القرآن هو أول كلام تكلم به تعالى و ليس بحادث في وقت نزوله و الناقض للعادة لا بد أن يكون هو متجدد الحدوث و لأن الكلام مقدور للعباد فما يكون من جنسه لا يكون ناقضا للعادة فلا يكون معجزا للعباد.
و الجواب أن الناقض للعادة هو ظهور القرآن عليه في مثل بلاغته المعجزة و ذلك يتجدد و ليس يظهر مثله في العادة سواء جوز أن يكون من قبله أو من قبل
ملك أظهر 4899 عليه بأمره تعالى و أوحى الله تعالى به إليه فإذا علم صدقه في دعواه بظهور مثل هذا الكلام البليغ الذي يعجز عنه المبعوث إليه و حبسه عن مثله و عما يقاربه فكان ناقضا للعادة كان 4900 معجزا دالا على صدقه و لم يضرنا في ذلك أن يكون تعالى تكلم به من قبل إذا لم تجر عادته تعالى في إظهاره على أحد غيره 4901 .
فصل و قولهم إنه مركب من جنس مقدور العباد لا يقدح 4902 في كونه ناقضا للعادة و لا في كونه معجزا لأن الإعجاز فيه هو من جهة البلاغة و فيها يقع التفاوت بين البلغاء أ لا ترى أن الشعراء و الخطباء يتفاضلون في بلاغتهم في شعرهم و خطبهم فصح أن يكون في الكلام ما يبلغ حدا في البلاغة ينتقض به العادة في بلاغة البلغاء من العباد.
يبين ذلك أن البلاغة في الكلام البليغ لا تحصل بقدرة القادر على إحداث الحروف المركبة و إنما تظهر بعلوم المتكلم بالكلام البليغ و تلك العلوم لا تحصل للعبد باكتسابه و إنما تحصل له من قبل الله تعالى ابتداء و عند اجتهاد العبد في استعمال ما يحصل عنده و تلك العلوم من قبله تعالى.
و قد أجرى الله سبحانه عادته فيما 4903 يمنحه العباد من العلوم بالبلاغة فلا يمنح من ذلك إلا مقدارا يتقارب 4904 فيه بلاغة البلغاء 4905 فيتفاوتون في ذلك بعد تقارب بلاغاتهم 4906 .
فإذا تجاوز بلاغة البليغ 4907 المقدار الذي جرت به العادة في بلاغة العبيد و تجاوز ذلك 4908 بلاغة أبلغهم ظهر كونه ناقضا للعادة.
و إنما نتبين ذلك بما ذكرنا و بينا 4909 أنه تحداهم بمثل القرآن فعجزوا عنه و عما يقاربه 4910 .
فصل فإن قيل بما ذا علمتم أن القرآن ظهر معجزة له دون غيره و ما أنكرتم أن الله سبحانه بعث نبيا غير محمد ص و آمن محمد ص به فتلقاه منه محمد ص ثم قتل ذلك النبي فادعاه معجزة لنفسه.
و الجواب أنا نعلم باضطرار أنه مختص به ص كما نعلم في كثير من الأشعار و التصانيف أنها مختصة بمن تضاف إليه كشعر إمرئ القيس 4911 و كتاب العين للخليل.