کتابخانه روایات شیعه
و الرابع أن جماعة جعلوه معجزا من حيث زال عنه الاختلال و التناقض على وجه لم تجر العادة بمثله.
و الخامس ما ذهب إليه أقوام و هو أن وجه إعجازه أنه يتضمن الإخبار عن الغيوب.
و السادس ما قاله آخرون و هو أن القرآن إنما كان معجزا لاختصاصه بنظم مخصوص مخالف للمعهود.
و السابع ما ذكره أكثر المعتزلة و هو أن تأليف القرآن و نظمه معجزان لا لأن الله أعجز عنهما بمنع خلقه في العباد و قد كان يجوز أن يرتفع فيقدروا 4929 عليه لكن محال وقوعه منهم كاستحالة إحداث الأجسام و الألوان و إبراء 4930 الأكمه و الأبرص من غير دواء.
و لو قلنا إن هذه الوجوه السبعة كلها هو وجه 4931 إعجاز القرآن على وجه دون وجه لكان حسنا 4932 .
فصل في أن التعجيز هو الإعجاز
استدل السيد المرتضى رضي الله عنه على أنه تعالى صرفهم عن المعارضة 4933 و أن العدول عنها كان لهذا لا لأن فصاحة القرآن خرقت عادتهم لأن الفصل 4934 بين الشيئين أو أكثر 4935 لم تقف المعرفة 4936 بحالهما على ذوي القرائح الذكية
دون من لم يساوهم بل يغني ظهور أمرهما عن الروية 4937 بينهما و لهذا 4938 لا يحتاج في الفرق بين الخز 4939 و الصوف إلى أحذق 4940 البزازين.
و إنما يحتاج إلى التأمل الشديد المتقارب 4941 الذي يشكل مثله.
و نحن نعلم أنا على مبلغ علمنا بالفصاحة نفرق بين شعر إمرئ القيس و شعر غيره من المحدثين و لا يحتاج في هذا الفرق إلى الرجوع إلى من هو الغاية في علم الفصاحة بل يستغنى معه عن الفكرة.
و ليس بين الفاضل و المفضول من أشعار هؤلاء و كلام هؤلاء قدر ما بين الممكن و المعجز و المعتاد و الخارج عن العادة لأن جميع الشعراء لو كانوا بفصاحة الطائيين 4942 و في منزلتهما ثم أتى آت بمثل شعر إمرئ القيس لم يكن معجزا و كذلك لو كان البلغاء في الكتابة في طبقة أهل عصرنا لم يكن كلام عبد الحميد 4943 و إبراهيم بن العباس 4944 و نحوهما خارقا لعادتهم و معجزا لهم و إذا استقر هذا
و كان الفرق بين قصار سور المفصل 4945 و بين أفصح قصائد العرب غير ظاهر لنا الظهور الذي ذكرناه و لعله إن كان ثم فرق فهو مما يقف عليه غيرنا و لا يبلغه علمنا فقد دل على أن القوم صرفوا عن المعارضة و أخذوا عن 4946 طريقها 4947 .
فصل في أن الإعجاز هو الفصاحة
و الأشبه بالحق و الأقرب إلى الحجة بعد ذلك القول قول من قال إن 4948 وجه معجز 4949 القرآن المجيد 4950 خروجه عن العادة في الفصاحة فيكون ما زاد على المعتاد هو المعجز كما أنه لما أجرى الله تعالى العادة في القدر 4951 التي يتمكن بها من ضروب أفعال الجوارح كالظفر للنخر و حمل الخيل 4952 بقدر كثيرة خارجة عن العادة 4953 كانت لاحقة بالمعجزات فكذلك القرآن الكريم 4954 4955 .
فصل إن الفصاحة مع النظم معجز
و اعلم أن هؤلاء الذين قالوا إن جهة إعجاز القرآن الفصاحة المفرطة التي خرقت العادة صاروا صنفين منهم من اقتصر على ذلك و لم يعتبر النظم و منهم من اعتبر الفصاحة و النظم و الأسلوب 4956 المخصوص.
و قال الفريقان إذا ثبت أنه خارق للعادة بفصاحته دل على نبوته لأنه إن كان من فعل 4957 الله تعالى فهو دال على نبوته و معجز له.
و إن كان من فعل النبي ص فإنه لم يتمكن 4958 من ذلك مع خرقه العادة لفصاحته إلا لأن الله تعالى خلق فيه علوما خرق بها العادة فإذا علمنا بقوله أن القرآن من فعل الله دون فعله قطعنا على ذلك دون غيره 4959 .
فصل في أن معناه أو لفظه هو المعجز
و أما القول الثالث و الرابع فكلاهما مأخوذ من قول الله تعالى وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً 4960 .
فحمل الأولون ذلك على المعنى و الآخرون على اللفظ و الآية الكريمة مشتملة عليهما عامة فيهما.
و يجوز أن يكون كلا القولين معجزا على بعض الوجوه لارتفاع التناقض منه و الاختلاف فيه على وجه مخالف للعادة 4961 .
فصل في أن المعجز هو إخباره بالغيب
و أما من جعل جهة إعجازه ما تضمنه من الإخبار عن الغيوب فذلك لا شك في أنه معجز لكن ليس هو الذي قصد به التحدي و جعل العلم المعجز لأن كثيرا من القرآن خال من الإخبار بالغيب و التحدي وقع بسورة غير معينة و الله أعلم 4962 .
فصل في أن النظم هو المعجز
و أما الذين قالوا إنما كان معجزا لاختصاصه بأسلوب مخصوص ليس بمعهود فإن النظم دون الفصاحة لا يجوز أن يكون جهة إعجاز القرآن على الإطلاق لأن ذلك لا يقع فيه التفاضل.
و في ذلك كفاية لأن السابق إلى ذلك لا بد أن يقع فيه مشاركة بمجرى 4963 العادة على ما تبين 4964 .
فصل في أن تأليفه المستحيل من العباد هو المعجز
و أما من قال إن القرآن نظمه و تأليفه مستحيلان من العباد كخلق الجواهر و الألوان فقوله 4965 على الإطلاق باطل لأن الحروف كلها من مقدورنا و الكلام كله يتركب من الحروف التي يقدر عليها كل متكلم.
فأما التأليف فإطلاقه مجاز في القرآن لأن حقيقته في الأحكام 4966 و إنما يراد في 4967 القرآن حدوث بعضه في أثر بعض.
فإن أريد ذلك فهو إنما يتعذر لفقد العلم بالفصاحة و كيفية إيقاع الحروف لا أن ذلك مستحيل كما أن الشعر يتعذر على العجز 4968 لعدم علمه بذلك لا أنه مستحيل منه من حيث القدرة.
و متى أريد باستحالة ذلك ما يرجع إلى فقد العلم فذلك خطأ في العبارة دون المعنى 4969 .
باب في الصرفة 4970 و الاعتراض عليها و الجواب عنه
و تقرير ذلك في 4971 الصرفة هو أنه لو كانت فصاحة القرآن خارقة فقط لوجب أن يكون بينه و بين أفصح كلام العرب التفاوت الشديد الذي يكون بين الممكن و المعجز و كان لا يشتبه فصل بينه و بين ما يضاف إليه من أفصح كلام العرب كما لا يشتبه الحال بين كلامين فصيحين و إن لم يكن بينهما ما بين الممكن و المعجز.
أ لا ترى أن الفرق 4972 بين شعر الطبقة العليا من الشعراء و بين شعر المحدثين يدرك 4973 بأول نظر و لا نحتاج في معرفة ذلك الفصل إلى الرجوع 4974 إلى من تناهى في العلم بالفصاحة.
و قد علمنا أنه ليس بين هذين الشعرين ما بين المعتاد و الخارق للعادة فإذا ثبت ذلك و كنا 4975 لا نفرق بين بعض قصار سور المفصل و بين أفصح شعر العرب و لا يظهر لنا التفاوت بين الكلامين الظهور الذي قدمناه فلم حصل الفرق القليل و لم يحصل الكثير و لم ارتفع اللبس مع التقارب و لم يرتفع 4976 مع التفاوت.
فصل و الاعتراضات على ذلك كثيرة منها قولهم إن الفرق بين أفصح كلام العرب و بين القرآن موقوف على متقدمي الفصحاء الذين تحدوا به.
و الجواب أن ذلك لو وقف عليهم مع التفاوت العظيم لوقف ما دونه أيضا عليهم و قد علمنا خلافه.
فأما من ينكر الفرق بين أشعار الجاهلية و المحدثين فإن أشار بذلك إلى عوام الناس و الأعاجم فلا ينكر ذلك و إن أشار إلى الذين عرفوا الفصاحة فإنه لا يخفى عليهم.
فإن قالوا الصرف عن ما ذا وقع قلنا الصرف وقع عن أن يأتوا بكلام يساوي أو يقارب القرآن في فصاحته و طريقة نظمه بأن سلب كل من رام المعارضة التي يتأتى بها ذلك.
فإن العلوم التي يتمكن بها من ذلك ضرورية من فعل الله تعالى بمجرى العادة و على هذا لو عارضوه بشعر منظوم لم يكونوا معارضين.