کتابخانه روایات شیعه
فصل و سألوا عن قوله وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ 5145 و اسمه في التوراة تارخ فيقال لا ينكر أن يكون له اسمان فقد يكون للرجل اسمان و كنيتان هذا إدريس في التوراة أخنوخ و يعقوب إسرائيل و عيسى يدعى المسيح و قد
قَالَ نَبِيُّنَا لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ وَ أَنَا أَحْمَدُ وَ الْمَاحِي وَ الْعَاقِبُ وَ الْحَاشِرُ 5146 ..
و قد يكون للرجل كنيتان كما كان له اسمان فإن حمزة يكنى أبا يعلى و أبا عتبة 5147 و صخر بن حرب والد معاوية يكنى 5148 أبا سفيان و أبا حنظلة.
و قيل معنى آزر يا ضعيف أو يا جاهل و يقال يا معاوني 5149 و يا مصاحبي أو يا شيخي فعلى هذا يكون ذلك وصفا له و قال الأكثرون إن آزر كان عم إبراهيم و العرب تجعل العم أبا.
و الصحيح أن آزر ما كان أبا إبراهيم 5150 .
فصل و سألوا عن قوله وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً ثم قال قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا 5151 و هذا كلام متفاوت لأنه أخبرنا بمدة لبثهم ثم قال اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا و قد علمنا ذلك بما أعلمنا.
الجواب أنهم اختلفوا في مدة لبثهم كما اختلفوا في عدتهم فأعلمنا الله
أنهم لبثوا ثلاثمائة فقالوا سنين و شهورا و أياما [فأنزل الله سنين] 5152 ثم قال ازْدَادُوا تِسْعاً و أنا أعلم بما لبثوا من المختلفين.
فصل و سألوا عن قوله يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ 5153 و لم يكن لمريم أخ يقال له هارون الجواب [اعلم] أنه لم يرد بهذا إخوة النسب بل أراد يا شبيهة هارون و مثل هارون 5154 في الصلاح.
و كان في بني إسرائيل رجل صالح اسمه هارون و قد يقول الرجل لغيره يا أخي و لا يريد إخوة 5155 النسب و يقال هذا الشيء أخو هذا الشيء إذا كان متشاكلا [له] 5156 و قال تعالى وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها 5157 .
فصل و قالوا كيف يكون هذا النظم بالوصف الذي ذكرتم في البلاغة و النهاية 5158 و قد وجد التكرار من ألفاظه كقوله فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ و نحوه من تكرير القصص.
الجواب أن التكرير على وجوه
منها: ما يوجد في اللفظ دون المعنى 5159 كقولهم أطعني و لا تعصني.
و منها: ما يوجد فيها 5160 معا كقولهم عجل عجل أي سرا و علانية و الله و الله أي في الماضي و المستقبل و قد يقع كل ذلك لتأكيد المعنى و المبالغة فيه و يقع مرة لتزيين النظم و حسنه و الحاجة إلى استعمال كليهما.
فالمستعمل للإيجاز و الحذف ربما عمى على السامع و إنما ذم أهل البلاغة التكرار الواقع في الألفاظ إذا وجد فضلا من القول غير مفيد فائدة في التأكيد لمعنى أو لتزيين لفظ و نظم و إذا وجد كذلك كان هذرا و لغوا 5161 .
و أما إذا أفاد فائدة في كل من النوعين كان من أفضل اللواحق للكلام المنظوم و لم يسم تكريرا على الذم و تكرير اللفظ لتزيين النظم أمر لا يدفعه عارف بالبلاغة و هو موجود في أشعارهم 5162 .
الباب التاسع عشر في الفرق بين الحيل و المعجزات
أما بعد حمد الله تعالى الذي فرق لجميع المكلفين بين الحق و الباطل و الصلاة على محمد و آله الذين أعادوا الدين كعود الحلي إلى العاطل 5163 .
فإني أذكر ما ينكشف به الفصل بين الحيل و المعجزات و يظهر به الشعوذة و المخاريق و حقيقة الدلالات و العلامات لكل ذي رأي صائب و نظر ثاقب و الله الموفق و المعين.
باب في ذكر الحيل و أسبابها و آلاتها و كيفية التوصل إلى استعمالها و ذكر وجه إعجاز المعجزات
اعلم أن الحيل هي أن يرى صاحب الحيلة الأمر في الظاهر على وجه لا يكون عليه و يخفى 5164 وجه الحيلة فيه نحو عجل السامري الذي جعل فيه خروقا تدخل فيها الريح فيسمع منه صوت.
و منها: مخرقة المشعبذ نحو أن يرى الناظر ذلك في خفة حركاته كأنه ذبح حيوانا و لا يذبحه في الحقيقة ثم يرى من بعد أنه أحياه بعد الذبح
و يشبه هذا الجنس من الحيل 5165 السحر.
و ليست معجزات الأنبياء و الأوصياء ع من هذا الجنس لأن الذي 5166 يأتون به من المعجزات يكون على ما يأتون به.
و العقلاء يعلمون 5167 أنها كذلك لا يشكون فيه و أنه ليس فيها وجه حيلة نحو قلب العصا حية و إحياء الميت و كلام الجماد و الحيوانات من البهائم و السباع و الطيور على الاستمرار في أشياء مختلفة و الإخبار عن الغيب و الإتيان بخرق العادة و نحو القرآن في مثل بلاغته و الصرفة 5168 و إن كان يعلم كونه معجزا أكثر الناس بالاستدلال.
و لهذا قال تعالى في قوم فرعون و ما رأوه من معجزات موسى على نبينا و عليه السلام وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا 5169 .
فصل فإن قيل ما أنكرتم أن يكون في الأدوية ما إذا مس به ميت حيي و عاش و إذا جعل في عصا و نحوها صارت حية و إذا سقي حيوانا تكلم و إذا شربه الإنسان صار بليغا بحيث يتمكن من مثل بلاغة القرآن.
قلنا ليس يخلو إما أن يكون للناس طريق إلى معرفة ذلك الدواء أو لا يكون لهم طريق إلى معرفته فإن كان لهم إليه طريق لزم أن يكون الظفر به ممكنا و كانوا يعارضونه به فلا يكون معجزا و إن لم يمكن الظفر به لزم أن يكون الظفر به معجزا لأنه يعلم أنه ما ظفر به إلا بأن أطلعه الله تعالى عليه و إن كان تعالى لا يطلع عليه أحدا ليس برسول فعلم بذلك صدقه ثم يعلم من بعد بخبره أن ذلك 5170 ليس من قبله نحو القرآن بل هو منه تعالى أنزله عليه.
و كذلك هذا في الدواء الذي جوز به 5171 السائل إحياء الموتى لا يخلو إما أن لا يمكن الظفر به أو يمكن فعلى الأول لزم أن يكون الظفر به معجزا للنبي أو الوصي لأنه يعلم أنه ما ظفر به إلا بأن أطلعه الله تعالى عليه فيعلم بذلك صدقه و إن أمكن الظفر به و هو الوجه الثاني فالواجب أن يسهل الإحياء لكل أحد و المعلوم خلافه.
فصل و اعلم أن الحيل و السحر و خفة اليد لها وجوه متى فتش عنها المعني بذلك فإنه يقف على تلك الوجوه و لهذا يصح فيها التلمذ و التعلم و لا يختص به واحد دون آخر.
مثاله أن المحتالين يأخذون البيض و يضعونه في الخل و نحوه و يتركونه يومين و ثلاثة حتى يصير قشره الفوقاني لينا بحيث يمكن أن يطول فإذا صار طويلا بمده كذلك يطرح في قارورة ضيقة الرأس فإذا صار فيها يصب فيها الماء البارد و تحرك القارورة حتى يصير البيض مدورا كما كان و يذهب ذلك اللين من قشره الفوقاني بذلك بعد ساعات و يشتد بحيث ينكسر انكساره أولا فيظن الغفلة أن المعجز مثله و هو حيلة.
و نحو ذلك ما ألقى سحرة فرعون من حبالهم و عصيهم حتى خيل إلى الناظر إليها من سحرهم أنها تسعى احتالوا في تحريك العصا و الحبال لأنهم جعلوا فيها من الزئبق فلما طلعت الشمس عليها تحركت بحرارة الشمس.
و غير ذلك من أنواع الحيل و أنواع التمويه و التلبيس و خيل إلى الناس أنها تتحرك كما تتحرك الحية و إنما سحروا أعين الناس لأنهم أروهم شيئا لم يعرفوه 5172 و دخل عليهم الشبهة في ذلك لبعده منهم فإنهم لم يتركوا الناس يدخلون بينهم.
و في هذه دلالة على أن السحر لا حقيقة له لأنها لو صارت حيات حقيقة لم يقل الله تعالى سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ 5173 بل كان يقول سبحانه فلما ألقوا صارت حيات ثم قال تعالى وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ 5174 أي ألقاها فصارت ثعبانا فإذا هي تبتلع ما يأفكون 5175 فيه من الحبال و العصي و إنما ظهر ذلك للسحرة على الفور لأنهم لما رأوا تلك الآيات و المعجزات في العصا علموا أنه أمر سماوي لا يقدر عليه غير الله تعالى.
فمن تلك الآيات قلب العصا حية.