کتابخانه ادبیات عرب
أما فى الطائفة الثانية فالمخاطب له بالحكم إلمام قليل يمتزج بالشك، و له تشوف إلى معرفة الحقيقة، و فى مثل هذه الحال يحسن أن يلقى إليه الخبر و عليه مسحة من اليقين تجلو له الأمر و تدفع عنه الشبهة؛ و لذلك جاء الكلام فى المثال الثالث مؤكدا «بقد» و فى الرابع مؤكدا «بإن» و يسمى هذا الضرب طلبيّا.
أما فى الطائفة الأخيرة فالمخاطب منكر للحكم جاحد له، و فى مثل هذه الحال يجب أن يضمّن الكلام من وسائل التقوية و التوكيد ما يدفع إنكار المخاطب و يدعوه إلى التسليم، و يجب أن يكون ذلك بقدر الإنكار قوة و ضعفا و لذلك جاء الكلام فى المثالين الخامس و السادس مؤكّدا بمؤكّدين هما القسم و نون التوكيد. أما فى المثال الأخير فقد فرض الشاعر أن الإنكار أقوى. و لهذا أكده بثلاث أدوات هى: القسم و إنّ و اللام؛ و يسمى هذا الضرب إنكاريّا.
و لتوكيد الخبر أدوات كثيرة سنأتى عند ذكر القواعد على طائفة صالحة منها.
القواعد:
(32) للمخاطب ثلاث حالات:
(ا) أن يكون خالى الذّهن من الحكم، و فى هذه الحال يلقى إليه الخبر خاليا من أدوات التوكيد، و يسمّى هذا الضّرب من الخبر ابتدائيّا.
(ب) أن يكون متردّدا فى الحكم طالبا أن يصل إلى اليقين فى معرفته، و فى هذه الحال يحسن توكيده له ليتمكّن من نفسه، و يسمّى هذا الضّرب طلبيّا.
(ح) أن يكون منكرا له، و فى هذه الحال يجب أن يؤكّد الخبر بمؤكّد أو أكثر على حسب إنكاره قوّة و ضعفا، و يسمّى هذا الضّرب إنكاريّا 565 .
(33) لتوكيد الخبر أدوات كثيرة منها إنّ، و أنّ، و القسم و لام الابتداء، و نونا التّوكيد، و أحرف التّنبيه، و الحروف الزّائدة، و قد، و أمّا الشّرطيّة.
نموذج فى تعيين أضرب الخبر و أدوات التّوكيد
(1) قال أبو العتاهية:
إنى رأيت عواقب الدّنيا
فتركت ما أهوى لما أخشى
(2) قال أبو الطيب:
على قدر أهل العزم تأتى العزائم
و تأتى على قدر الكرام المكارم 566
و تكبر فى عين الصغير صغارها
و تصغر فى عين العظيم العظائم 567
(3) قال حسّان بن ثابت رضى اللّه عنه:
و إنّى لحلو تعترينى مرارة
و إنى لترّاك لما لم أعوّد
(4) قال الأرجانىّ 568 :
إنّا لفى زمن ملآن من فتن
فلا يعاب به ملان من فرق 569
(5) قال لبيد 570 :
و لقد علمت لتأتينّ منيّتى
إنّ المنايا لا تطيش سهامها 571
(6) قال النّابغة الذّبيانىّ:
و لست بمستبق أخا لا تلمّه
على شعث أىّ الرّجال المهذّب 572
(7) قال الشريف الرضىّ:
قد يبلغ الرّجل الجبان بماله
ما ليس يبلغه الشّجاع المعدم
الإجابة
تمرينات
(1)
بيّن أضرب الخبر فيما يأتى و عيّن أداة التوكيد:
(1) جاء فى نهج البلاغة:
الدّهر يخلق الأبدان، و يجدّد الآمال، و يقرّب المنيّة، و يباعد لأمنيّة، من ظفر به نصب، و من فاته تعب 573 .
(2) قال الأرجانىّ:
ذهب التّكرّم و الوفاء من الورى
و تصرّما إلّا من الأشعار
و فشت خيانات الثّقات و غيرهم
حتى اتّهمنا رؤية الأبصار
(3) قال العباس بن الأحنف 574 :
فأقسم ما تركى عتابك عن قلى
و لكن لعلمى أنه غير نافع
(4) قال محمد بن بشير 575 :
إنى و إن قصرت عن همّتى جدتى
و كان مالى لا يقوى على خلقى 576
لتارك كلّ أمر كان يلزمنى
عارا و يشرعنى فى المنهل الرّنق 577
(5) قال تعالى: «أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ».
(6) و قال تعالى:
(7) قال أبو نواس:
و لقد نهزت مع الغواة بداوهم
و أسمت سرح اللّهو حيث أساموا 578
و بلغت ما بلغ امرؤ بشبابه
فإذا عصارة كلّ ذاك أثام 579
(8) و قال أعرابى:
و لم أر كالمعروف أما مذاقه
فحلو و أمّا وجهه فجميل
(9) قال كعب بن سعد الغنوىّ 580 :
و لست بمبد للرّجال سريرتى
و لا أنا عن أسرارهم بسئول
(10) قال المعرّى فى الرّثاء:
إنّ الّذى الوحشة فى داره
تؤنسه الرّحمة فى لحده 581
(2)
بيّن الجمل الخبرية فيما يأتى و عيّن أضربها؛ و اذكر ما اشتملت عليه من وسائل التوكيد:
(1) قال يزيد بن معاوية 582 بعد وفاة أبيه:
إنّ أمير المؤمنين كان حبلا من حبال اللّه مدّه ما شاء أن يمدّه، ثم قطعه حين أراد أن يقطعه، و كان دون من قبله، و خيرا ممن يأتى بعده،
و لا أزكّيه عند ربّه، و قد صار إليه، فإن يعف عنه فبرحمته، و إن يعاقبه فبذنبه، و قد ولّيت بعده الأمر و لست أعتذر من جهل، و لا آسى 583 على طلب علم، و على رسلكم 584 إذا كره اللّه شيئا غيّره، و إذا أحبّ شيئا يسّره.
(2) قال الشاعر:
لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنّنى
إلى الجهل فى بعض الأحايين أحوج 585
و ما كنت أرضى الجهل خدنا و صاحبا
و لكنّنى أرضى به حين أحرج 586
ولى فرس للحلم بالحلم ملجم
ولى فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمى فإنى مقوّم
و من شاء تعويجى فإنى معوّج
(3)
(1) تخيل أنك فى جدال مع طالب من قسم الآداب، و أنت من طلاب العلوم، ثم بيّن له فضل العلوم على الآداب مستعملا جميع أضرب الخبر.
(2) إذا كنت من طلاب الآداب فبين مزاياها و فضلها على العلوم مستعملا جميع أضرب الخبر.
(4)
كوّن عشر جمل خبرية، و ضمن كلّا منها أداة أو أكثر من أدوات التوكيد و استوف الأدوات التى عرفتها.
(5)
انثر البيتين الآتيين نثرا فصيحا و بين فيهما الجمل الخبرية و أضربها:
تودّ عدوّى ثم تزعم أنّنى
صديقك! إنّ الرّأى منك لعازب 587
و ليس أخى من ودّنى رأى عينه
و لكن أخى من ودّنى و هو غائب
(3) كانت الطريق طويلة مملوءة بالمخاوف و لكن السير فيها كان مضنيا متعبا.
(4) نزلت بين أقوام فشا فيهم الغدر إلا أنهم جبناء.
الإجابة عن تمرين (5) صفحة 294 من البلاغة الواضحة
يقول إنى بالغت فى مديحكم، و أكثرت من الإشادة بذكركم، و لكنكم لم تقدروا مديحى، و لم تجازوا ثنائى، و لو أنى قصدت البحر بمثل هذا المديح لطرب له و أغنانى بنفائسه و جواهره.
و يقول فى البيت الثانى لو أنى نشأت فى بيئة غير بيئتكم لقدرتمونى و عرفتم فضائلى، و لكن الإنسان فى وطنه مجحود الفضل مجهول القدر، فالزّامر لا يطرب له أحد فى حيّه و لكنه إن بعد بمزماره عن أهله و جيرانه كان موضع التقدير و الإعجاب.
و ليس الكلام هنا من باب توكيد المدح بما يشبه الذم لأن الصفة التى تبعت أداة الاستثناء ليست صفة مدح فى زعم الشاعر.
(7) أسلوب الحكيم
الإجابة عن تمرين (1) صفحة 296 من البلاغة الواضحة
(1) جاء الكلام فى البيت الثانى على أسلوب الحكيم، لأن المخاطب أراد بكلمة «عينا» الذهب، و لكن المتكلم حملها على العين الباصرة و هو ما لم يقصده المخاطب، إشارة إلى أن منعه من القرض لا يجوز.
(2) سئل الشيخ الهرم عن سنه فترك الإجابة عن هذا السؤال و صرف سائله فى لين و رفق عن ذلك، و أخبره أن صحته قوية موفورة، إشعارا للسائل بأن السؤال عن الصحة أولى و أجدر.
(3) سئل الرجل عن الغنى فعدل بسائله إلى الإجابة عن الجود، إشارة إلى أنه أولى بالكلام لآثاره الحميدة.
(4) لمّا سئل الغريب عن دينه و اعتقاده و لم يجد للخوض فى هذا معنى، صرف سائله عن ذلك ببيان ما ينبغى أن يكون عليه المتدين من كريم الخلال، إشارة إلى أن ذلك أولى بالنظر.
(5) صرف التاجر سائله عن رأس ماله ببيان ما هو عليه من الأمانة و عظيم ثقة الناس فيه إشعارا بأن هاتين الصفتين و أمثالهما أجلب للريح و أضمن لنجاح التجارة.
(6) أراد الحجّاج بكلمة «أطول» طول القامة، و حملها المهلب على معنى التفضل إذ اعتبرها مشتقة من الطّول بمعنى التطوّل.
(7) سئل العامل عما ادّخر فلم يشأ أن يجيب عن ذلك، و صرف سائله عن قصده بإخباره عن الصحة و قيمتها، إشعارا بأنها أولى بالسؤال.
(8) أراد المأمون بكلمة «السّيد» علم الشخص، و أراد بها سيّد بن أنس السيادة و هى غير ما قصد المأمون، تأدبا مع الملوك.
(9) فى هذا صرف لطيف للمخاطب عن طلب الدينار، فإن الشاعر لم يجب السائل عن سؤاله، و إنما أخذ يحدثه فيما يصنع منه الدينار و أنه من الفضة لا من الذهب، إشعارا بأنه ما كان ينبغى له أن يطلب.
(10) سأل المسلمون رسول اللّه ما ذا تنفق من أموالنا، فصرفهم عن هذا ببيان المصرف، لأن النفقة لا يعتدّ بها إن لم تقع موقعها.
(11) أراد خالد بقوله «فيم أنت؟» ما حاجتك، و لكن الرجل حملها على معنى الظرفية و لذلك أجاب بقوله «فى ثيابى»، و أراد خالد بقوله «علام أنت؟» ما منزلتك؟ و لكن الرجل حملها على الاستعلاء و لذلك أجاب بقوله «على الأرض»، و أراد خالد «بالسن» عدد ما عاش الرجل من السنين و لكن الرجل حملها على أسنان الفم و لذلك أجاب بقوله «اثنتان و ثلاثون» و هى عدد أسنان الرجل متى تكاملت.
(12) أسلوب الحكيم فى البيت الثانى فى قوله «قضى» و يريد بها مات، و لكنهم حملوها على إنجاز الحاجات و قضائها و هذا ما يقصده، و كذلك فى قوله «مضى» إذ أراد بها مات، و أرادواهم ذهب بالفضل و لم يدع لأحد شيئا.
الإجابة عن تمرين (2) صفحة 297 من البلاغة الواضحة
(1) أبى يطعم الجائع و يغيث الملهوف.
(2) منزلنا مبنيّ على الطراز المصرى القديم.
(3) هذه الحلة من صوف بلدى.
(4) أتقنت الإنجليزية و العربية و وصلت فى الفرنسية إلى درجة محمودة.
الإجابة عن تمرين (3) صفحة 298 من البلاغة الواضحة
المثال الأول: سألنى سائل من الفرق بين المراكب الشراعية و المراكب البخارية؟ فأجبته: الطيران مظهر قوة الأمم و هذا الفن يتقدم بخطى واسعة.
المثال الثانى: سألنى تاجر أتؤمّل ارتفاع أسعار القطن هذا العام؟ فقلت: لا تزال الأخبار ترد من السودان الأمطار هذا العام و نخشى أن تصل الحال إلط التحريق.
الإجابة عن تمرين (4) صفحة 298 من البلاغة الواضحة
يعدّ الشاعر ابنه ريحانة نفسه و مصدر سروره و أنسه، و ذلك لمّا سأله ابنه عن الرّوح و النفس و هما أعزّ ما فيه قال له: إنك روحى و نفسى؛ و فى الحق أنّ حبّ الوالد للولد قد فاق الوصف.
أما ما فى هذا القول من البديع فهو أسلوب الحكيم فى البيت الثانى، حيث سأل الابن عن الروح و النفس و هما ما حار علماء النفس فى تعريفهما و تحديدهما فصرفه الوالد عن ذلك ببيان منزلته منه، إشعارا بأنه كان ينبغى له أن يتكلم فى ذلك. لقصوره عن أن يتكلم فيما دقّ من الأمور.
و الحمد للّه أولا و آخرا
فهرس دليل البلاغة الواضحة للمدارس الثانوية
الصفحة الموضوع
2 خطبة الكتاب علم البيان
3 التشبيه و أركانه
7 أقسام التشبيه
14 تشبيه التمثيل
22 التشبيه الضمنى
25 أغراض التشبيه
29 التشبيه المقلوب
34 الحقيقة و المجاز
34 المجاز اللغوى
38 الاستعارة التصريحية و المكنية
42 تقسيم الاستعارة إلى أصلية و تبعية 47 تقسيم الاستعارة إلى مرشحة و مجردة و مطلقة
55 الاستعارة التمثيلية
64 المجاز المرسل
69 المجاز العقلى
74 الكناية
علم المعانى
80 تقسيم الكلام إلى خبر و إنشاء
83 الخبر و الغرض من إلقائه
85 أضرب الخبر
88 خروج الخبر عن مقتضى الظاهر
الصفحة الموضوع
90 الانشاء و تقسيمه إلى طلبى و غير طلبى
94 الامر
97 النهى
99 الاستفهام و أدواته
105 التمنى
107 النداء
111 القصر
117 الفصل و الوصل
121 الايجاز و الاطناب و المساواة
علم البديع
135 المحسنات اللفظية
135 الجناس
138 الاقتباس
140 السجع
142 المحسنات المعنوية
142 التورية
145 الطباق
147 المقابلة
150 حسن التعديل
153 تأكيد المدح بما يشبه الذم و عكسه
155 أسلوب الحكيم
تم إبداع هذا المصنف بدار الكتب و الوئاثق القومية